وفي الأرض آيات للموقنين
صالح العويد
1435/01/11 - 2013/11/14 17:48PM
الحمدلله الذي خلق السموات والأرض وجعل الأرض قراراومهاداوفراشاوبساطا وأشهدأن لاإله إلاالله وحده لاشريك له له الخلق والأمروهوعلى كل شيءقديروأشهدأن محمداعبده ورسوله أرسله الله شاهداومبشراونذيراوداعياإليه بإذنه وسراجامنيراصلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان وسلم تسليماكثيرا
أمابعدفيا عبادَ الله، اتَّقوا الله الذي لَه مَقاليد السمواتِ والأرض، واذكُروا أنَّكم موقوفون بين يديه في يومٍ تشخَص فيه الأبصار، يَوْمَ لا يَنفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمْ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ [غافر:52]. فأعدّوا ـ يا عبادَ الله ـ لهذا اليومِ عدَّته، ولا تغرّنّكم زهرةُ الحياة الدنيا وزينتُها وطول المقام بها، ولا يغرّنّكم بالله الغَرور.
أيها المسلمون : تفرد الله وحده بالخلق والتدبير وأودع في مخلوقاته من عجائب صنعه وعظيم فعله ؛ فشهدت له مخلوقاته بالربوبية ، وأقر من نوَّر الله له قلبه بالوحدانية ، في هذه الخطبة سأتحدث عن آية من آيات الله يراها الصغير والكبير ويشعر بها الأعمى والبصير والأصم والسميع ، يتقلب الخلق عليها ثم يودعون فيها .. خلقها فأبدعها فحمد نفسه لما فرغ من خلقها ، فقال : الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ .. الأنعام 1 ، وأقسم بها فقال : وَالْأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا )الشمس 6 ، وأقسم بأجزاء منها فقال - سبحانه - : وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ )التين 3 .
خلقها على غير مثال لها ، وبنوره استنارت (اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) النور 35 ، وأعجز الخلق أن يخلقوا مثلها :أوجزءمنها .. أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ .. فاطر 40 ، وهي أكبر من خلق الناس ؛ ولعظم خلقها أقر الكفار بأن خالقها هو الله : وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ )لقمان 25 ، وأمر بالتفكر فيها : أَوَلَمْ يَنظُرُواْ فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ .. الأعراف 185 ، وذمَّ من لم يعتبر بها وبما فيها : وَكَأَيِّن مِّن آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ يوسف 105 ، وأخبر أنها مليئة بالعبر والآيات : وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِّلْمُوقِنِينَ(
هي أصل الإنسان ومنها خُلق : وَاللَّهُ أَنبَتَكُم مِّنَ الْأَرْضِ نَبَاتاً )نوح 17 ، خلقها قبل السماء كالأساس للبناء في يومين ، ثم خلق السماء في يومين ثم دحا الأرض في يومين آخرين ؛ فأخرج بدحيها ما كان مودعاً فيها ، فظهرت العيون وجرَت الأنهار ونبت الزرع ورست الجبال ، فأتم الخلق في ستة أيام .. آخرهن يوم الجمعة ؛ فاتخذه المسلمون عيدهم في الأسبوع .
ثم بعد خلقها استوى الرحمن على عرشه وقال للسماء وللأرض بما فيها من جبال ثقال وبحار زاخرات اإتيا طوعاً أو كرها قالتا أتينا طائعين.. خلقها سبع أرضين كل واحدة فوق الأخرى ، ومدها ووسعها فلم تضق يوماً على ساكنيها,وسلك فيها سبلاً لا يتيهون فيها ، وذللها لخلقه .. ظهرها سَكَنٌ للأحياء وبطنها نُزُل للأموات ، في جوفها ماء وحولها ماء ولا تميد ، وبفضله كف البحر أن يطغى على يابسها وأمسك السماء أن تقع عليها ، أرساها بجبال شامخات لئلا تضطرب وأحسن نصبها ، ورفعها فأحسن هيئتها ، وجعلها صلبة لا تضمحل مع تطاول الزمان .. خشعت جبالها لخالقها وتسجد له وتهبط من خشيته وأبت وأشفقت من حمل الأمانة ..
وفيها بحار تمخر الفلك فيها وتحمل الثقال ، وما في بحارها مأكول حلال - ولو كان ميتة - : أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعاً لَّكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ المائدة 96 ..
وأنهارها حلوة عذبة تنبع في موطن ويسوقها ربها إلى موطن آخر رزقا للعباد ، قطعها متجاوراتٌ تُسقى بماء واحد فتنبت الأزواج المختلفة المتباينة في اللون والشكل والطعم والرائحة ، منها غذاء والآخر دواء وفيها داء ونباتها بقدر موزون ..قال - جل شأنه - : وَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْزُونٍ) الحجر 19 ..
قال ابن القيم -رحمه الله - : " لا تكاد تخلو ورقة منه ولا عرق ولا ثمرة من منافع ، تعجز عقول البشر عن الإحاطة بها وتفصيلها " وطيورها وسباعها وبهائمها أممٌ شتى تبهر العقل من عجائبها وإتقان خلقها .. قال - جل شأنه - : وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُم )الأنعام 38 ، مليئة بالخزائن والأرزاق وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ )المنافقون 7 .. قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "وإني أُعطيت مفاتيحَ خزائنِ الأرض " متفق عليه ، قال أبو هريرة - رضي الله عنه - : " فذهب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنتم تنتثلونها ؛ أي تستخرجونها " ..
قال القرطبي - رحمه الله - :" ملكت أمته من الأرض ما لم تملكه أمة من الأمم " .
والله تكفل برزق جميع من عليها : وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللّهِ رِزْقُهَا .. هود 6 ، وخزائنها تفتح بالطاعات وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ .. الأعراف 96 ..
حلالها كثير وبركاتها وفيرة ، واللبيب يستغني بحلالها عن حرامها وبالقناعة عن إثمها ، قال - سبحانه - : يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُواْ مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلاَلاً طَيِّباً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ )البقرة 168 ..
جمالها وما عليها من زينة للابتلاء والامتحان ، قال - عز وجل - : إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَّهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً الكهف 7 ..
وفاضل - سبحانه - بين أرضه الواسعة فاختار منها أماكن جعل منها خيرَ البقاع وأشرفها ، فمن قصد بيت الله الحرام مخلصا له العمل غُفِرت له ذنوبه ، قال - عليه الصلاة والسلام - : " من أتى هذا البيت فلم يرفثْ ولم يفسقْ رجع كيومَ ولدته أمه " متفق عليه .
وليس على وجه الأرض بقعة يجوز الطواف بها سوى كعبة الله المشرفة ، وليس فيها موضع يُشرع تقبيلُه واستلامه سوى الحجرِ الأسود والركن اليماني من الكعبة ، والأرض تشرف بما يقع عليها من أعمال صالحة ، قال - عليه الصلاة والسلام - : " خيرُ البقاعِ المساجدُ ، وشرها الأسواق " رواه ابن حبان ..
والله إذا أحب عبداً كتب له المحبة فيها ، والعالم يستغفر له من في السموات ومن في الأرض حتى الحيتان في الماء ، والأرض لا تأكل أجساد الأنبياء بعد موتهم ، وفي الإنسان عظمٌ لا تأكله الأرض .. فيه يركب يوم القيامة ، وصلاحها بالطاعة وفسادها بالمعاصي .. قال - جل شأنه - : وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا الأعراف 56 والأرض محكمة البناء لكن من عظم ذنب الشرك تكاد تنشق ، قال - عز وجل - : تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدّاً * أَن دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَداً مريم 90 – 91 والأرض لله نهى أن يمشى عليها ببطر أو كبر أو معصية قارون أعرض عن الله فخسف به وبداره ، "وبينما رجل يمشي قد أعجبته جمته أي شعره إلى منكبيه وأعجبه برداه إذ خسف به الأرض فهو يتجلجل في الأرض حتى تقوم الساعة " متفق عليه .
وفي عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - ارتد رجل ولحق بالروم ، فلما هلك حفروا له قبرا ، فكلما دفنوه فيه أخرجته الأرض منها ؛ فتركوه ميتاً فوق القبر .
وكل ما فيها من حركة أو سكون مكتوبٌ عند الله ..قال - عز وجل - : وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ )الأنعام 59 ..
وهو – سبحانه - لا يغيب عنه شيء مما في كونه .. قال - جل شأنه - : وَمَا كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ غَافِلِينَ المؤمنون 17 ، يقضي حوائج عباده بتفريج كربهم وإنزال النعم والهبات عليهم : يَسْأَلُهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ الرحمن 29 .
وفي آخر الزمان تكثر الزلازل وتظهر خسوفات إيذاناً بطَي الأرض وزوالها ، وتقوم الساعة على شرار الخلق .. قال - عليه الصلاة والسلام - :" لا تقومُ الساعةُ حتى لا يقالَ في الأرض : الله الله " رواه مسلم . وإذا جاء أمر الله تتزلزل الأرض جميعها ، وتحمل وتُرجُّ رجاً وتدك دكة واحدة ، وتلقي ما في بطنها من الأموات وتتخلى عنهم ..
وأول من تنشق عنه الأرض نبيُّنا محمد - صلى الله عليه وسلم - وتحدث يومئذ أخبارها ، وتشهد على الناس بما عملوا على ظهرها من خير أو شر ، ويطوي الله السماوات ثم يأخذهن بيده ثم يطوي الأرض بشماله ، ثم يقول : "أنا الملك أين الجبارون ؟ أين المتكبرون ؟ " ..
وتبدل الأرض ويُحْشر الناس على أرضٍ غيرِ هذه .. قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " يحشر الناس يوم القيامة على أرضٍ بيضاءَ عفراءَ ؛ أي شديدة البياض كقرصة نقي أي كالدقيق النقي ، ليس فيها علم لأحد أي ليس عليها علامة سكنى أو بناء أو أثر" متفق عليه .
ولله الأمر من قبل ومن بعد وإليه يرجع الأمر كله ؛ خلق فأتقن ما صنع وابتلى من خلق ، والسعيدُ من نال مرضاته ووحد خالقه ..أعوذ بالله من الشيطان الرجيم : هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ) لقمان 11
.بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ، ونفعني الله وإياكم بما فيه من الآيات الذكر الحكيم .أقول ما تسمعون ، وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب ؛ فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم
الحمد لله على إحسانه ، والشكر له على توفيقه وامتنانه ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشأنه، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله ، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً مزيدا .
أما بعد:
أيها المسلمون ، نصب الله مخلوقاته علامات على ربوبيته وشواهدَ على وحدانيته ، وآياتٍ على كمال صفاته ، وكم لله من آية تفنى الأعمار دون الإحاطة بها وبجميع ما فيها ، وبفضله - سبحانه - سخر لنا جميع ما في السماوات وما في الأرض لنستعين بها على طاعته ، ونعمل على أرضه بما نفوز به في الآخرة من جناته .. ولا صلاحَ للقلب إلا في تعظيم خالقه وإخلاص العمل له وحده .
هذاوَصَلُّوا وَسَلِّمُوا – رَحِمَنِي اللهُ وَإِيّاكُم – على مَنْ أَمَرَ اللهُ باِلصّلاةِ والسّلامِ عَلَيْهِ ، فَقَال في محكم التنزيل:} إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَـٰئِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِىّ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيمًا{ [الأحزاب:56] وقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (( مَنْ صَلّى عَلَيَّ صَلاةً وَاحِدَةً صَلّى الله ُعَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا)) اللّهم صَلّي وَسَلّم وبارك على عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ مُحمّد ، وعلى آلِه وَصَحْبهِ أَجْمَعِينَ ، وارضَ اللّهُمَّ عن الخلفاء الراشدينَ وعن بقيةِ صحابة رسولِكَ أجْمَعينَ ، وعَنِ التابعينَ وتابعيـهم بإحسانٍ إلى يومِ الدِّين ، وعنّا مَعَهُم بِرحمتـكَ يا أرْحم الراحمين .
أمابعدفيا عبادَ الله، اتَّقوا الله الذي لَه مَقاليد السمواتِ والأرض، واذكُروا أنَّكم موقوفون بين يديه في يومٍ تشخَص فيه الأبصار، يَوْمَ لا يَنفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمْ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ [غافر:52]. فأعدّوا ـ يا عبادَ الله ـ لهذا اليومِ عدَّته، ولا تغرّنّكم زهرةُ الحياة الدنيا وزينتُها وطول المقام بها، ولا يغرّنّكم بالله الغَرور.
أيها المسلمون : تفرد الله وحده بالخلق والتدبير وأودع في مخلوقاته من عجائب صنعه وعظيم فعله ؛ فشهدت له مخلوقاته بالربوبية ، وأقر من نوَّر الله له قلبه بالوحدانية ، في هذه الخطبة سأتحدث عن آية من آيات الله يراها الصغير والكبير ويشعر بها الأعمى والبصير والأصم والسميع ، يتقلب الخلق عليها ثم يودعون فيها .. خلقها فأبدعها فحمد نفسه لما فرغ من خلقها ، فقال : الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ .. الأنعام 1 ، وأقسم بها فقال : وَالْأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا )الشمس 6 ، وأقسم بأجزاء منها فقال - سبحانه - : وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ )التين 3 .
خلقها على غير مثال لها ، وبنوره استنارت (اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) النور 35 ، وأعجز الخلق أن يخلقوا مثلها :أوجزءمنها .. أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ .. فاطر 40 ، وهي أكبر من خلق الناس ؛ ولعظم خلقها أقر الكفار بأن خالقها هو الله : وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ )لقمان 25 ، وأمر بالتفكر فيها : أَوَلَمْ يَنظُرُواْ فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ .. الأعراف 185 ، وذمَّ من لم يعتبر بها وبما فيها : وَكَأَيِّن مِّن آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ يوسف 105 ، وأخبر أنها مليئة بالعبر والآيات : وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِّلْمُوقِنِينَ(
هي أصل الإنسان ومنها خُلق : وَاللَّهُ أَنبَتَكُم مِّنَ الْأَرْضِ نَبَاتاً )نوح 17 ، خلقها قبل السماء كالأساس للبناء في يومين ، ثم خلق السماء في يومين ثم دحا الأرض في يومين آخرين ؛ فأخرج بدحيها ما كان مودعاً فيها ، فظهرت العيون وجرَت الأنهار ونبت الزرع ورست الجبال ، فأتم الخلق في ستة أيام .. آخرهن يوم الجمعة ؛ فاتخذه المسلمون عيدهم في الأسبوع .
ثم بعد خلقها استوى الرحمن على عرشه وقال للسماء وللأرض بما فيها من جبال ثقال وبحار زاخرات اإتيا طوعاً أو كرها قالتا أتينا طائعين.. خلقها سبع أرضين كل واحدة فوق الأخرى ، ومدها ووسعها فلم تضق يوماً على ساكنيها,وسلك فيها سبلاً لا يتيهون فيها ، وذللها لخلقه .. ظهرها سَكَنٌ للأحياء وبطنها نُزُل للأموات ، في جوفها ماء وحولها ماء ولا تميد ، وبفضله كف البحر أن يطغى على يابسها وأمسك السماء أن تقع عليها ، أرساها بجبال شامخات لئلا تضطرب وأحسن نصبها ، ورفعها فأحسن هيئتها ، وجعلها صلبة لا تضمحل مع تطاول الزمان .. خشعت جبالها لخالقها وتسجد له وتهبط من خشيته وأبت وأشفقت من حمل الأمانة ..
وفيها بحار تمخر الفلك فيها وتحمل الثقال ، وما في بحارها مأكول حلال - ولو كان ميتة - : أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعاً لَّكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ المائدة 96 ..
وأنهارها حلوة عذبة تنبع في موطن ويسوقها ربها إلى موطن آخر رزقا للعباد ، قطعها متجاوراتٌ تُسقى بماء واحد فتنبت الأزواج المختلفة المتباينة في اللون والشكل والطعم والرائحة ، منها غذاء والآخر دواء وفيها داء ونباتها بقدر موزون ..قال - جل شأنه - : وَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْزُونٍ) الحجر 19 ..
قال ابن القيم -رحمه الله - : " لا تكاد تخلو ورقة منه ولا عرق ولا ثمرة من منافع ، تعجز عقول البشر عن الإحاطة بها وتفصيلها " وطيورها وسباعها وبهائمها أممٌ شتى تبهر العقل من عجائبها وإتقان خلقها .. قال - جل شأنه - : وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُم )الأنعام 38 ، مليئة بالخزائن والأرزاق وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ )المنافقون 7 .. قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "وإني أُعطيت مفاتيحَ خزائنِ الأرض " متفق عليه ، قال أبو هريرة - رضي الله عنه - : " فذهب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنتم تنتثلونها ؛ أي تستخرجونها " ..
قال القرطبي - رحمه الله - :" ملكت أمته من الأرض ما لم تملكه أمة من الأمم " .
والله تكفل برزق جميع من عليها : وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللّهِ رِزْقُهَا .. هود 6 ، وخزائنها تفتح بالطاعات وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ .. الأعراف 96 ..
حلالها كثير وبركاتها وفيرة ، واللبيب يستغني بحلالها عن حرامها وبالقناعة عن إثمها ، قال - سبحانه - : يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُواْ مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلاَلاً طَيِّباً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ )البقرة 168 ..
جمالها وما عليها من زينة للابتلاء والامتحان ، قال - عز وجل - : إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَّهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً الكهف 7 ..
وفاضل - سبحانه - بين أرضه الواسعة فاختار منها أماكن جعل منها خيرَ البقاع وأشرفها ، فمن قصد بيت الله الحرام مخلصا له العمل غُفِرت له ذنوبه ، قال - عليه الصلاة والسلام - : " من أتى هذا البيت فلم يرفثْ ولم يفسقْ رجع كيومَ ولدته أمه " متفق عليه .
وليس على وجه الأرض بقعة يجوز الطواف بها سوى كعبة الله المشرفة ، وليس فيها موضع يُشرع تقبيلُه واستلامه سوى الحجرِ الأسود والركن اليماني من الكعبة ، والأرض تشرف بما يقع عليها من أعمال صالحة ، قال - عليه الصلاة والسلام - : " خيرُ البقاعِ المساجدُ ، وشرها الأسواق " رواه ابن حبان ..
والله إذا أحب عبداً كتب له المحبة فيها ، والعالم يستغفر له من في السموات ومن في الأرض حتى الحيتان في الماء ، والأرض لا تأكل أجساد الأنبياء بعد موتهم ، وفي الإنسان عظمٌ لا تأكله الأرض .. فيه يركب يوم القيامة ، وصلاحها بالطاعة وفسادها بالمعاصي .. قال - جل شأنه - : وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا الأعراف 56 والأرض محكمة البناء لكن من عظم ذنب الشرك تكاد تنشق ، قال - عز وجل - : تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدّاً * أَن دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَداً مريم 90 – 91 والأرض لله نهى أن يمشى عليها ببطر أو كبر أو معصية قارون أعرض عن الله فخسف به وبداره ، "وبينما رجل يمشي قد أعجبته جمته أي شعره إلى منكبيه وأعجبه برداه إذ خسف به الأرض فهو يتجلجل في الأرض حتى تقوم الساعة " متفق عليه .
وفي عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - ارتد رجل ولحق بالروم ، فلما هلك حفروا له قبرا ، فكلما دفنوه فيه أخرجته الأرض منها ؛ فتركوه ميتاً فوق القبر .
وكل ما فيها من حركة أو سكون مكتوبٌ عند الله ..قال - عز وجل - : وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ )الأنعام 59 ..
وهو – سبحانه - لا يغيب عنه شيء مما في كونه .. قال - جل شأنه - : وَمَا كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ غَافِلِينَ المؤمنون 17 ، يقضي حوائج عباده بتفريج كربهم وإنزال النعم والهبات عليهم : يَسْأَلُهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ الرحمن 29 .
وفي آخر الزمان تكثر الزلازل وتظهر خسوفات إيذاناً بطَي الأرض وزوالها ، وتقوم الساعة على شرار الخلق .. قال - عليه الصلاة والسلام - :" لا تقومُ الساعةُ حتى لا يقالَ في الأرض : الله الله " رواه مسلم . وإذا جاء أمر الله تتزلزل الأرض جميعها ، وتحمل وتُرجُّ رجاً وتدك دكة واحدة ، وتلقي ما في بطنها من الأموات وتتخلى عنهم ..
وأول من تنشق عنه الأرض نبيُّنا محمد - صلى الله عليه وسلم - وتحدث يومئذ أخبارها ، وتشهد على الناس بما عملوا على ظهرها من خير أو شر ، ويطوي الله السماوات ثم يأخذهن بيده ثم يطوي الأرض بشماله ، ثم يقول : "أنا الملك أين الجبارون ؟ أين المتكبرون ؟ " ..
وتبدل الأرض ويُحْشر الناس على أرضٍ غيرِ هذه .. قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " يحشر الناس يوم القيامة على أرضٍ بيضاءَ عفراءَ ؛ أي شديدة البياض كقرصة نقي أي كالدقيق النقي ، ليس فيها علم لأحد أي ليس عليها علامة سكنى أو بناء أو أثر" متفق عليه .
ولله الأمر من قبل ومن بعد وإليه يرجع الأمر كله ؛ خلق فأتقن ما صنع وابتلى من خلق ، والسعيدُ من نال مرضاته ووحد خالقه ..أعوذ بالله من الشيطان الرجيم : هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ) لقمان 11
.بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ، ونفعني الله وإياكم بما فيه من الآيات الذكر الحكيم .أقول ما تسمعون ، وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب ؛ فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم
الحمد لله على إحسانه ، والشكر له على توفيقه وامتنانه ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشأنه، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله ، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً مزيدا .
أما بعد:
أيها المسلمون ، نصب الله مخلوقاته علامات على ربوبيته وشواهدَ على وحدانيته ، وآياتٍ على كمال صفاته ، وكم لله من آية تفنى الأعمار دون الإحاطة بها وبجميع ما فيها ، وبفضله - سبحانه - سخر لنا جميع ما في السماوات وما في الأرض لنستعين بها على طاعته ، ونعمل على أرضه بما نفوز به في الآخرة من جناته .. ولا صلاحَ للقلب إلا في تعظيم خالقه وإخلاص العمل له وحده .
هذاوَصَلُّوا وَسَلِّمُوا – رَحِمَنِي اللهُ وَإِيّاكُم – على مَنْ أَمَرَ اللهُ باِلصّلاةِ والسّلامِ عَلَيْهِ ، فَقَال في محكم التنزيل:} إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَـٰئِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِىّ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيمًا{ [الأحزاب:56] وقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (( مَنْ صَلّى عَلَيَّ صَلاةً وَاحِدَةً صَلّى الله ُعَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا)) اللّهم صَلّي وَسَلّم وبارك على عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ مُحمّد ، وعلى آلِه وَصَحْبهِ أَجْمَعِينَ ، وارضَ اللّهُمَّ عن الخلفاء الراشدينَ وعن بقيةِ صحابة رسولِكَ أجْمَعينَ ، وعَنِ التابعينَ وتابعيـهم بإحسانٍ إلى يومِ الدِّين ، وعنّا مَعَهُم بِرحمتـكَ يا أرْحم الراحمين .
المشاهدات 3581 | التعليقات 2
اللهم املأ قلوبنا بتعظيمك والخشية منك والتفكر في آياتك وملكوتك واشغل ألستنا بذكرك وشكرك وجوارحنا بطاعتك
بارك الله فيك شيخ صالح
قلبي دليلي
سبحانك ربي ما أعظمك
جزاك ربي الجنة
تعديل التعليق