وفاة الشيخ محمد أيوب والقرآن

عيد العنزي
1437/07/15 - 2016/04/22 08:48AM
أما بعد:

معاشر الصالحين: إن أعظم ما تصرف إليه أعنة التأمل، ويميل به حب القلوب، كيف يتأمل "كتاب الله"؟ فلم تزل نفحاته تتعطر، ورشحات فضائله تتقطر، فطوبى لمن اشتغل به، وعاش بين أنواره وأسراره، يقتنص الفرص، ويحصل الفوائد، ترى على وجهه نور القرآن، وتحس من قلبه وكلامه، سكينة كلام الرحمن.
قارئ القرآن يعيش بين افتتاحه وختمه في رياض يانعة، وحدائق ماتعة، يهب عليه من الوجد والسرور، ما يكاد القلب أن يطير معه حبا وشوقا وأنسا، فلا تسل عن لذته وفرحته، ومتعته وسلوته.

إنها الجنة -أيها الأحباب- جنة الدنيا التي من لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرة، وإذا أردت أن تستيقن فتدبر قول الله: (لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ)[الحشر: 21].

نعم -أيها الأحباب الكرام- لقد فعلها القرآن مع أناس طهرت قلوبهم، وصفت وشفت حتى انفطرت، وهي تتلقى آية من كتاب الله، أو تتفاعل مع سورة من سوره.

أين نحن من هذه القلوب أيها الأحباب؟ أين خشوعنا؟ أين تأثرنا؟ أين بكائنا على أنفسنا؟ أين حزننا؟ على ماذا نحزن اليوم وبماذا نفرح أيها الأحباب الكرام؟
عباد الله: لا شك أن الكل إلى الموت صائر، وللقبر نازل وزائر، وإذا مات الإنسان انقطع عمله، وانمحى من الدنيا اسمه، ونسي ذكره ورسمه، وصار ماله لغيره، أما هو ففي القبر مسكنه، وتحت الأرض مدفنه، كان على ظهر الأرض يمشي ويتحرك، فصار في باطنه ما به من حراك، كان فوق الأرض وحوله أصحابه وخلانه، وأهله وأولاده، هذا يضاحكه، وذاك يمازحه، وآخر يؤنسه، فصار في قبره وحيدا، غريبا فريدا، حيث لا أنيس ولا جليس.

كان فوق الأرض يأكل ما لذ وطاب، ويتمتع بالطعام والشراب، ويتجمل بأحسن الثياب، فصار في باطن الأرض تحت التراب، يتلذذ الدود بأكله، وتستمتع الهوام بلحمه، فبموت الإنسان ينسى، وبدفنه وقبره ذكره يمحى.

لكن هناك من عباد الله من لا يزال يذكر، وعند ذكره يدعى له ويشكر، فيحيى اسمه بعد موته، ويبقى ذكره بعد دفنه، فمن هم؟

إنهم الذين عمروا حياتهم بذكر الله وطاعته، الذين عكفوا على كتاب الله وحفظوه، وعملوا به وعلموه، يحفظ الله له مقامهم، ويرفع ذكرهم في حياتهم وبعد موتهم.

إذا ذكر الصالحون فأهل القرآن في مقدمتهم، ألم يقل الله: (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا) [فاطر: 32].

وإذا ذكر المجاهدون فأهل القرآن على رأسهم، ألم يقل الله: (وَجَاهِدْهُم بِهِ) أي بالقرآن: (جِهَادًا كَبِيرًا)[[الفرقان: 52].
ألا وإن من هؤلاء ممن نحسبه كذلك من أهل القرآن والله حسيبه ولا نزكي على الله أحدا
الشيخ الدكتور محمد أيوب إمام الحرم المدني والذي توفي الأسبوع الماضي عن عمر يناهز الخمسة والستين عاما
حيث حفظ القرآن الكريم على يد الشيخ خليل بن عبد الرحمن القارئ عام 1385 هـ ويبلغ من العمر 13 سنة
وقد تتلمذ على العديد من المشايخ والعلماء في المدينة ودرس عليهم ألواناً من العلوم الشرعية، يعد الشيخ محمد أيوب من القراء المشهورين في المملكة والعالم الإسلامي
يكفي الشيخ محمد أيوب فخرا ً انه صلى بالناس في أول مسجد أسس على التقوى ويكفيه اعتزازا انه أم المصلين في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم.. لقد وزعت المآذن العشر صوته الجميل في أنحاء المدينة المنورة واشرأبت القبة الخضراء لمعانقته وهو يتردد في جنبات مدينة رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم.. فكيف لا يكون ذلك فهو من الرعيل الأول من صلى التراويح لوحده طوال شهر رمضان دون أن يشاركه أحد في ذلك حيث كان ذلك محراب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ما يدل على ثبات حفظه وروعة أدائه فما زالت تذكره ليالي رمضان بروحانيتها العطرة حتى اشتهر بشيخ القراء
وهو مع ذلك يقول " تنتابني رهبةٌ شديدةٌ كلما وقفت في محراب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكنت أخشى ألا أقوم بها على الوجه المطلوب، وسألت الله أن يثبتني وأن أقوم بالمسؤولية الملقاة على كاهلي "
ولم يكتف الشيخ بالاهتمام بنفسه في تعلم القرآن وتعليمه بل كان للشيخ محمد أيوب عائلة مكونة من 13 شخصا وهو متزوج بزوجتين وله من الأولاد 5 كلهم من حفظة كتاب الله عزوجل وبنتان أيضا من الحافظات لكتاب الله وهذا مما تتميز به عائلة الشيخ عن غيرها من العائلات, فقد كرس جهده ووقته لتعليم أهله ولم يكتف بذلك بل كان لأولاده معلما خاصا للقران في المنزل.
أُولَئِكَ آبَائي، فَجِئْني بمِثْلِهِمْ،, إذا جَمَعَتْنا يا جَرِيرُ المَجَامِعُ.
توفي الشيخ محمد أيوب بعد حياة عامرة بالقرآن بعد صلاة الفجر من يوم السبت 9 رجب من هذا العام وصُلى عليه في المسجد النبوي الشريف بالمدينة المنورة بعد صلاة الظهر ودفن في مقبرة البقيع.
فرحمه الله رحمة واسعة وغفر له وجمعنا وإياه في جنات النعيم
بارك الله ....

الخطبة الثانية
وعندما نذكر المعاصرين من علمائنا وقراءنا لا بد وأن نذكر الرعيل الأول من الصحابة الكرام مع قائدهم الأعظم يقول عليه الصلاة والسلام، وهو يجلس مع التلميذ البار، مع ابن مسعود: { اقرأ عليَّ القرآن -فيخجل رضي الله عنه وأرضاه، ويستحي أن يقرأ أمام معلم البشرية، وهادي الإنسانية، ومزعزع كيان الوثنية- فيقول: يا رسول الله! كيف أقرأ عليك القرآن وعليك أنزل؟! قال: اقرأ فإني أحب أن اسمعه من غيري، فيندفع رضي الله عنه وأرضاه في خشوعٍ يقرأ فلما بلغ قوله تعالى: فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيداً [النساء:41] قال عليه الصلاة والسلام: حسبك الآن، قال ابن مسعود رضي الله عنه: فنظرت إليه صلى الله عليه وسلم وإذا عيناه تذرفان} هكذا كانوا يعيشون مع القرآن ويحيون معه!! والرسول عليه الصلاة والسلام يقول: {خيركم من تعلم القرآن وعلمه}



ويقول عليه الصلاة والسلام: {اقرءوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه} رواه مسلم، وفي لفظ ٍللبخاري: {اقرءوا سورة البقرة وآل عمران، اقرءوا الزهراوين فإنهما تأتيان يوم القيامة كغمامتين، أو غيايتين، أو كفرقان من طيرٍ صواف، تظلان صاحبهما يوم القيامة}.
فيا من أراد أن يستظل بذاك الظل في يوم الشمس والكرب والخوف! استظل بآيات الله تبارك وتعالى حتى يظلك الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله


المشاهدات 1842 | التعليقات 0