وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ
سعود المغيص
الخُطْبَةُ الأُولَى :
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.
أمّا بعد عِبادَ اللهِ:
اتَّقُوا اللهَ تَعالى، واعْلَمُوا أنَّ حقيقةُ الحياةِ الزوجيةِ، وتحقيق السكنِ في البيت، والوئامِ في الأسرة هي العِشرةُ بالمعروف، قال تعالى: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) وقال تعالى : (فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ)
كل ذلك لِيعلَمَ الزوجانِ الكريمانِ والأسرةُ من بعدهم، والمجتمعُ أن العَلاقة بين الزوجين علاقةُ مودَّةٍ، وسكنٍ، وعيشٍ كريمٍ، إنَّها حقوقٌ متداخلةٌ متكاملةٌ، ومسؤولياتٌ مشتركةٌ، إنَّها العِشرةُ بالمعروفِ.
عباد الله : البيتُ جميلٌ إذا تصافت القلوب، وتغافلت عن العيوب، وعَمِلَتْ بما يُرضي علَّامَ الغيوب، كَمْ هو جميلٌ وعظيمٌ من أجل حسن العِشرة ، أن يتبادَل الزوجانِ صدقَ المشاعر، مشاعرُ يُدرِكَانِ معها أن لكل واحد منهما مكانةً في قلب صاحبه، مشاعرُ صادقةٌ تَنبُع من قلبٍ لا يتصنَّعُها، ومن نفسٍ تتلذَّذ بإبدائها، والاعتزازِ بها، من غير أن تتكلَّفَها.
والاحترام المتبادَل هو الذي يوجد أجواء الألفة، والاحترام والتقدير من أهم ركائز استقرار البيوت، الاحترام يدلُّ على حُسن التربية، وصِدق التديُّن، احترم ولو لم تُحِبَّ، اكْسَبْ أهلَكَ ولو خسرتَ الموقفَ.
ومن حُسن العشرة اجعل سلاحَكَ العقلَ وليس اللسانَ، واجعل قوتك في الصمت وليس برفع الصوت، ارفع كلماتِكَ، ولا ترفع صوتَكَ، الصوت الهادئ أقوى من الصراخ، والتهذيب يَهزِم الوقاحةَ .
ومن حُسن العشرة كتمانُ السرِّ، وسترُ العيوبِ، ونَشرُ ما يَسُرّ من ثناء، وحسنُ الإصغاء، والدعوةُ بأحبِّ الأسماءِ، والشكرُ على الإنجاز، وحُسنِ الصنيع، والسكوتُ عمَّا يسوء، وتركُ المراء، والذَّبُّ في الغَيبة، والنصحُ بلطف، وسلول مسالك التعريض وليس التصريح، والدعاءُ في ظهر الغيب، وإظهارُ الفرح بما يَسُرّ، والحزنُ بما يَضُرّ، والجامعُ لذلك كلِّه -حفظكم الله- أن يُعامِلَ كلُّ فردٍ من أفراد الأسرة بما يَحِبُّ أن يُعاملَ به.
ومن حُسْن العِشْرة -حفظكم الله- الرفق في التعامُل، فالرفق ما كان في شيء إلا زَانَهُ، وما نُزِعَ من شيء إلا شَانَهُ، بالرفقِ يُنزِلُ اللهُ البركةَ، والسكونَ، والطمأنينةَ.
ومِنْ حُسن العشرة التسامُح، وهو أعلى مراتب القوة، والانتقامُ من أكبرِ مظاهرِ الضَّعفِ، التسامُح ليس ضَعفًا، ونقاءُ القلب ليس عَيبًا، والتغافل ليس غباءً، بل ذلك كلُّه تربيةٌ، وعقلٌ، وقوةٌ، وهو مع حُسن النيَّة عبادة، ودِين،.
ومِنْ حُسن العشرة التواضع، فالمجدُ في التواضع، وأكثرُ البقاعِ ماءً ما كان منها أكثرَ انخفاضًا، والتواضعُ يَهزِم الغرورَ، ولا يتواضع إلا مَنْ كان واثقًا بنفسه، ولا يتكبَّر إلا مَنْ كان عالِمًا بنقصه.
عباد الله: نُشدانُ الكمال في الشأن الأُسريّ متعذر، والتطلع إلى استكمال الصفات شيء ليس في متناوَل البشر، ومن رجاحةِ العقلِ، وسلامةِ التفكيرِ، وحُسنِ التدينِ، وحُسنِ التبعُّل، توطينُ النفس على قَبول بعض المنغِّصات، والمضايَقات، ومَنْ حاسَب على كل شيء خَسِرَ كلَّ شيء، فاستوصوا بأهلكم خيرًا، واكسَبْ أهلكَ، ولو خسرتَ الموقفَ.
وقد قال عليه الصلاة والسلام كما في حديث مسلم: "لَا يَفْرَكْ مؤمنٌ مؤمنةُ، إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا خُلُقًا آخَرَ"، ومعنى: "لَا يَفْرَكْ" أي: لا يكره ولا يُبْغض.
مَعاشِرَ الإخوةِ: ومن جميل العشرة أن يكون الاختلافُ بذوق، والاعتذارُ بتواضع، والعتابُ برفق، والاجتماعُ بحب، والافتراقُ بإحسان، لا يجوز أن يكون الخلاف بسبب زلَّة لسان، أو عثرة سلوك، أو كلمة طائشة، أو تصرُّف عابر.
واعلم -حفظك الله- أن نجاح الأسرة يكون بالثقة والتجاهل، اجتنِبوا ترصُّدَ الأخطاء، واحذروا الحكمَ على المقاصد والنِّيَّات، ومَنْ جانَب الحسدَ حَفِظَ القلبَ والجسدَ، والمعاصي تُزيل النعمَ.
ودفنُ الأسرارِ أدبٌ من الأدب الراقي، والغضبُ ريحٌ عاتيةٌ، تُطفئ نورَ العقل، ولذةُ الانتقامِ لحظةٌ، أمَّا لذةُ الرضا فهي على الدوام، والمرء هو الذي يصنع قَدْرَ نفسه، اكسب أهلك، ولو خسرتَ الموقف، ليست المشكلةُ ألَّا يقعَ الخلافُ فهو لابدَّ واقع، لكنَّ الحكمة والعقل والحصافة، كيف يُعالَج الخلافُ إذا وقَع؟ نعم، يُعالَج الخلافُ بالصبر، والأناة، والتنازل، والتسامح، والتغافل.
نفعني الله وإيَّاكم بهدي كتابه، وبسنة نبيه محمد -صلى الله عليه وسلم-، أقول قُولِي هذا وأستغفِر اللهَ لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة، إنَّه هو الغفور الرحيم.
الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ :
الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَلاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ تَعْظِيمًا لِشَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الدَّاعِي إِلَى رِضْوانِهِ، صَلَّى اللهُ عَليْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَعْوَانِهِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا..
أمّا بعد عِبادَ اللهِ:
هنيئًا لمن يتناسَوْنَ الإساءةَ، ولا يحملون في قلوبهم قسوةً، ولا يعرفون للكره طريقًا، هنيئًا لمن كان في لقائهم سرور وفرح، وفي حديثهم سعادة ومرح، واعلموا أنَّ أولَ مَنْ يعتذر هو الأشجعُ، وأولَ مَنْ يُسامِح هو الأقوى، وأول مَنْ يَنسى هو الأسعدُ، والاعترافُ بالخطأ، وقَبولُ الحقِّ، والتنازلُ عن حظوظ النفس، والحرصُ على جَمْع الكلمة، وكسب القلوب هو الجامع للأسرة، الحافظ للبيت، المحقِّق لحُسن العشرة، بل هو السر في حل جميع المشكلات، وهو السرُّ في حلولِ السعادة، وتنزُّلِ السكينة، اكسب أهلك ولو خسرت الموقف.
ألا فاتقوا الله -رحمكم الله- واعلموا أنَّه لا شيء ينفذ إلى القلوب كلُطف العبارة، وبذل الابتسامة، ولِين الكلام، وسلامة المقصد، ونقاء القلب، وغضّ الطرف عن الزلات، وسيِّدُ المروءاتِ التغافلُ.
اَللَّهُمَّ عِلْمنَا مَا يَنْفَعُنَا ، وَأَنْفَعُنَا بِمَا عَلَّمَتْنَا وَفَقِهَنَا فِي دِينكْ يَا ذَا اَلْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ .
اللهم أَعِزَّ الإسلامَ والمسلمينَ، ، وأَذِلَّ الشركَ والمشركينَ، واحم حوزة الدين، واخذل الطغاة والملاحدة وسائر أعداء الملة والدين، اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل اللهم ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك، يا ربَّ العالمينَ.
اللهم وفِّق إمامَنا ووليَّ أمرنا بتوفيقك، وأعِزَّه بطاعتك، وأعلِ به كلمتك، واجعله نصرة للإسلام والمسلمين، ووفقه وولي عهده وإخوانه وأعوانه لما تحبه وترضاه، وخذ بنواصيهم للبر والتقوى.
اللَّهُمَّ احْفَظْ إِخْوَانَنَا أَهْلَ السُّودَانِ، اللَّهُمَّ احْفَظْ دِينَهُمْ وَأَمْنَهُمْ وَأَبْدَانَهُمْ وَأَرْوَاحَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَهَالِيهِمْ وَأَوْلادَهُمْ، اللَّهُمَّ أَطْفِئِ الْفِتْنَةَ بَيْنَهُمْ, وَارْزُقْهُمُ التَّآلُفَ عَلَى الْحَقِّ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ،
اَللَّهُمَّ صِلْ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدْ وَآلُهُ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ
رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.
سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ، وَسَلَامٌ عَلَى الْـمُرْسَلِينَ، وَالْحَمْدُ لِلهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.