وعادت عجلة التعليم كما كانت بفضل الله 1443/6/18هـ  

عبد الله بن علي الطريف
1443/06/17 - 2022/01/20 16:19PM

وعادت عجلة التعليم كما كانت بفضل الله 1443/6/18هـ  

الحمدُ لله الذي علَّم بالقلَم، علَّم الإنسانَ ما لم يعلَم، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أن محمدًا عبدُه ورسولُه، بعثَه اللهُ في الأميِّينَ (يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ) [آل عمران: 164] صلَّى الله وسلَّم وبارَك عليه، وعلى آلِه وأصحابِه ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يومِ الدينِ. أما بعدُ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران: 102]. أما بعد

أيها الإخوة: وتدور الأيامُ دورتَها وتعودُ الحياةُ إلى طبيعتها، وتنحسر بفضل الله تعالى وتوفيقه الجائحة بعد سنتين إلا أياماً معدودة فلله الحمد رب العالمين.. ويتكرر المنظر الجميل الدال على الجد والنشاط وينطلق أبناءُ الأمة وبناتُها إلى دُوْرِ التربيةِ والتعليم بجميع مراحلِها الدراسية؛ لينهلوا من معينها، ويستقوا من معارفها..

إنه منظر يسر الناظر لِمَجدِ أمته.. المتطلعِ لعزِ دينه ووطنه.. وهل أمةٌ سادت بغير التعلم.. وأعلى من ذلك وأجل قول المعلم والمربي الأول ﷺ: مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ. رواه مسلم. وفي رواية عند غيره: وَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا رِضًا لِطَالِبِ الْعِلْمِ..

نعم بحمد الله وتوفيقه عادت الدراسة كاملة حضورية والعود أحمد.. وها هي الجموع الغالية من فلذات الأكباد تعود بعد ذاك الانقطاع الذي تم طاعة لله لوقايتهم والأمة من انتقال الوباء وانتشاره.. فانقطاعنا كان طاعة لله، وعودتنا طاعة وسنحوز أجر الطاعتين إن احتسبنا..

نسأل الله بمنه وكرمه أن يجعله عوداً مباركاً وقراراً موفقا ويقينا والأمة والعالم أجمع شر الأوبئة إنه جواد كريم ولنا مع هذه المناسبة السعيدة عدة وقفات وإرشادات لأولياء الأمور، والمعلمين، والطلاب ذكورا، وإناثا..

أيها الأولياء: نستعد جميعا للعودة لما بقي من العام الدراسي استعداداً مادياً بشراء ما يحتاجه الأولاد من لوازم مادية مدرسية وغيرها، وفي خضم ذلك ينسى بعضنا إعداد البنين والبنات الإعداد المعنوي والنفسي للتعلم.. ونقصد به غرس الأهداف السامية في نفوس الناشئة، بعد وضوحها لدينا. ذلك أن الطالب أو الطالبة يقضي كل يوم في المدرسة ست ساعات، ويقضي من عمره في التعليم العام قرابة أربعةَ عشرَ ألف ساعة دراسية.. وهذا يحتم علينا إيضاح الهدف من الدراسة..

ثم علينا تَذْكِيرهم بأهمية الاحتساب في التعلم عند الله.. وأن غرس في نفوسهم الرغبة في المساهمة في النهوض بوطنهم وأمتهم إلى المقدمة.؟ متسلحين بقيمهم الإسلامية منكرين لذواتهم ورغباتهم الخاصة في سبيل ذلك..

إن وجودَ الأهداف السامية عند شباب الأمة وجيلها الصاعد ووضوحها يكاد يكون معدوماً في هذا الزمان، والقليل منهم من وضع له هدفاً سامياً يسعى إليه.. ولم يتجاوزوا كثير منهم الأهداف الدنيوية القريبة إلا من رحم الله، وهذا هو الفرق بين المجتمع المنتج الحي الذي يربي أبناءه على الوضوح والتطلع لمعالي الأمور، وينأى بهم عن سفسافها، وبين المجتمع المستهلك الميت الذي لا هدف له واضحٌ يسعى إليه..

أيها الإخوة: ومما يجب علينا نحو هذا الجيل من أولادنا وهم مقبلون على التعامل مع طائفة كبيرة من أبناء المسلمين الذين يشاركونهم في التعلم، ومع عددٍ من معلمِيهم أن نغرسَ في نفوسِهم معنى الإيثار بدل الأنانية والأثرة، وحفظ اللسان عن الغيبة والاستهزاء والسخرية بالآخرين من المعلمين أو المعلمات أو غيرهم، والتسامح بدل حب الذات، والتعاون مع الزملاء بدل السلبية وعدم تحمل المسئولية، والتأكيد عليهم بأنهم إخوة يسعون إلى هدف واحد هو نفع أنفسهم وأمتهم، والتأكيد على ذلك باستمرار خصوصا عند وجود مواقف تستدعى ذلك يقصها الأولاد عند عودتهم من المدارس..

وأن نكرر على مسامعهم وبلا ملل بأن المدرسة إحدى سبل التعلم، وليست السُبُلَ كُلَها، وأن نعودهم على الاعتماد على النفس، والتنظيم وإعداد ما يحتاجون ليومهم الدراسي بأنفسهم مبكرين، وأن نعلم علم يقين أن الرعاية المبالغ فيها ومبادرتنا بقضاء كلِ حاجاتهم التي يستطيعون القيام بها بأنفسهم؛ وهي من الروتين اليومي لا تصنع جيلا معتمداً على نفسه وقدراته بعد الله، بل تصنع جيلا من المتواكلين الخاملين..

وأن علينا معاشر الأولياء أن نعلمَ أن مهمة التربيةِ والتعليم ليست مقتصرة على المدرسة، بل لنا فيها النصيب الأكبر، فنحن معاشر الآباء نتحمل المسئولية الكبرى في تعليم أولادنا وتربيتهم، ونحن المخاطبون بذلك أصلاً قال عز من قائل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ. [التحريم:6]. قال السعدي: ووقاية الأهل والأولاد، بتأديبهم وتعليمهم، وإجبارهم على أمر الله، فلا يسلم العبد إلا إذا قام بما أمر الله به في نفسه، وفيمن يدخل تحت ولايته من الزوجات والأولاد وغيرهم ممن هو تحت ولايته وتصرفه. أهـ

وقال العلماء: هذه الآية أصلٌ في تعليم الأهل والذرية. وذكر ابن كثير رحمه الله عن مقاتل والضحاك: حقٌ على كلِ مسلمٍ أن يُعَلْمَ أهلَه من قرابتِه وإمائِه ما فرضَ اللهُ عليهم وما نهاهم عنه. ويقرر رسولُ الله ﷺ أن المربي والمدرس الأول للولد الأم والأب بقوله: كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ. وفي رواية أَوْ يُشَرِّكَانِهِ.

أيها المعلمون والمعلمات: إنكم تجلسون من كرسي التعليمِ على عُرُوْشِ مَمَالكٍ رعاياها أطفالُ الأمةِ وفتيانُها فسوسوهم بالرفقِ والإحسان، وتدرجوا بهم من مرحلةٍ كاملةٍ في التربيةِ إلى مرحلةٍ أكملَ منها، إنهم أمانةُ اللهِ عندَكم، وودائعُ الأمةِ بين أيديكم، سلمتهم إليكم أطفالاً لتردوهم إليها رجالاً ونساء.. وقدمتهم إليكم هياكلَ لتَنْفُخوا فيها الروحَ.. وألفاظاً لتعمروها بالمعاني.. وأوعيةً لتملؤها بالفضيلة والمعرفة..

والتعليم بابٌ واسعٌ من أبوابِ نيلِ الحسنات، ورفعةِ الدرجات، فهنيئاً لكم ما تؤدونه من واجب، وما تحوزونه من أجر بتعليمِ الناس الخير، فَعَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: ذُكِرَ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ رَجُلانِ أَحَدُهُمَا عَابِدٌ وَالآخَرُ عَالِمٌ فَقَالَ: رَسُولُ اللَّهِ ﷺ «فَضْلُ العَالِمِ عَلَى العَابِدِ كَفَضْلِي عَلَى أَدْنَاكُمْ»، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ وَأَهْلَ السَّمَوَاتِ وَالأَرَضِينَ حَتَّى النَّمْلَةَ فِي جُحْرِهَا وَحَتَّى الْحُوتَ لَيُصَلُّونَ عَلَى مُعَلِّمِ النَّاسِ الْخَيْرَ». رواه الترمذي وصححه الألباني، والعلم إذا أطلق يراد به علم الشريعة، وإذا لم يطلق فقد يدخل فيه كل علم نافع.

أيها الأحبة: لا يقوم عمل إلا بإخلاص، يَقُولُ النبي ﷺ: «إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا أَوْ إِلَى امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ». متفق عليه. إننا نجد ممَنْ شرفهم الله بهذه الرسالة ربما أضاعوا أجرهم بسبب تركهم للإخلاص، فترى أحدَهم لا يؤدي عمله إلا لأجل المال، ولا يهتم بوقت درسه ولا بفائدة طلابه، ولا يبالي بما يراه من سلوكٍ منحرف أو أخلاق سيئة عند طلابه. والمهمُ عنده أن ينتهي وقت الدوام ليفك نفسه من همِ ذلك اليوم وغمِهِ، ولم يخطر على باله أبداً أنه يؤدي رسالة في مجتمعه، لِيَخْرُجَ من تحت يده من يُعلم الناس، ومن يُعالج المرضى، ومن يذود عن البلاد وغيرهم، فينال هذا المعلم كل ما يُكتبُ لأولئك من الحسنات إن هو أخلص في عمله ونوى نفع الأمة والمساهمة بتربية أولادها. كما أوصي المعلمين والمعلمات بحسن استقبال الطلاب والطالبات فعن عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ قَالَ: «سَيَأْتِيكُمْ أَقْوَامٌ يَطْلُبُونَ الْعِلْمَ فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُمْ فَقُولُوا: لَهُمْ مَرْحَبًا مَرْحَبًا بِوَصِيَّةِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَاقْنُوهُمْ». أي عَلِّمُوهُمْ. رواه ابن ماجة وحسنه الألباني. وكان أبو سعيد الخدري رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إذا جاء طلاب العلم قال: مَرْحَبًا بِوَصِيَّةِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ. ودرج على الترحيبِ بالمتعلمين وحسنِ استقبالِهم والبشاشةِ والاستئناسِ بهم علماءُ الأمةِ قبولاً لوصية النبي ﷺ بهم، وكتب السير مليئة بأخبارهم.. من ذلك كان الإمام أبو حنيفة إذا شاهد طلاب العلم يقبلُ عليهم بوجهٍ طلقٍ وبشاشةٍ ورحابةِ صدر ويقول: أنتم مَسَارُّ قلبي وجلاءُ حزني قد أسرجتُ لكم الفقهَ وألجمتُه فإذا شئتم فاركبوا...

وعليكم بالرفق واللين في كل شيء حتى في العقوبة فعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا عَنْ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: إِنَّ الرِّفْقَ لا يَكُونُ فِي شَيْءٍ إِلا زَانَهُ وَلا يُنْزَعُ مِنْ شَيْءٍ إِلا شَانَهُ». رواه مسلم 

أحبتي: كم ارتفع قدر معلم عند طلابه بالرفق والمعاملة الحسنة، وكم صلحَ حالُ طلابٍ بالرفق والمعاملة الحسنة..

أيها المعلمون: إذا عاقبتم فلا تعاقبوا بالضرب، فعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَتْ: مَا ضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ شَيْئًا قَطُّ بِيَدِهِ وَلا امْرَأَةً وَلا خَادِمًا إِلا أَنْ يُجَاهِدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا نِيلَ مِنْهُ شَيْءٌ قَطُّ فَيَنْتَقِمَ مِنْ صَاحِبِهِ إِلا أَنْ يُنْتَهَكَ شَيْءٌ مِنْ مَحَارِمِ اللَّهِ فَيَنْتَقِمَ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. رواه مسلم، بل قد أمرنا في حال الحرب ونحن نقاتل الكفار الذين يخالفون ديننا وشريعتنا، أن نتجنب الوجه فقَالَ النبي ﷺ: «إِذَا قَاتَلَ أَحَدُكُمْ فَلْيَجْتَنِبْ الْوَجْهَ». رواه البخاري. فما بالنا نقسو في عقاب أبناء المسلمين.!

ثم اعلموا: أن المعاملة الطيبة تُقَوِّم كثيراً من الانحرافات وتدخلُ الناسَ في دين الله عز وجل، وإن من أجل مهمات المعلم تعليم الناس الخير ونصحهم وإرشادهم. أسأل الله تعالى أن يكون هذا العام عام خير وبركة وأن يكتب فيه الخيرَ والفلاحَ لأمتنا وولاة أمرنا وإخواننا في كل مكان إنه جواد كريم وآخر دعونا أن الحمد لله رب العالمين..

 الخطبة الثانية:

أما بعد: أيها الأبناء والبنات أهليكم وأمتكم يتطلعون إليكم لتكون صالحين مصلحين فالله الله أروهم من أنفسكم خيرا بالجد، والاجتهاد بطلب العلم وعلو الهمة والحرص على معالي الأمور والبعد عن سفسافها.

وانووا بذهابكم للدراسة طلبَ العلم ورفعَ الجهل عن أنفسكم ونفعَ أمتكم تحوزوا الأجر العظيم والمنزلة العالية عند الله تعالى. فمن سلك طريقا يطلب فيه علما سهل الله له طريقا إلى الجنة...

احترموا المعلم ووقروه واستفيدوا من علمه وخلقه الحسن فما من أمة كريمة إلا وللمعلم عندها قدر، واقرؤوا سير الأئمة وستجدون العجب..

وعليكم الالتزام بالتوجيهات والأخذ بالاحترازات الصحية المطلوبة فما طلب ذلك إلا من أجل سلامتكم ولا تتبرموا منها واحتسبوا الأجر بعملكم هذا، وليست الفتوة بخرق الأنظمة، بل الفتوة والخير بالالتزام والطاعة فهي بحمد الله طاعة بمعروف.. ثم صلوا وسلموا..

 

المشاهدات 1248 | التعليقات 0