وصف الجنة ونعيمها
أنشر تؤجر
الحمد لله الرحمن الرحيم ، بشر عباده برحمه منه ورضوان ، وجنات لهم فيها نعيم مقيم ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهدأن محمداً عبده ورسوله ، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين ، وسلم تسليما كثيرا .
أَمَّا بَعْدُ: فأُوصِيكُمْ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ تَعَالَى :﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُمْ مُّسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102].
عباد الله : نِعَمُ رَبِّ الْعَالَمِينَ ، تتَدَفَّقُ عَلَى عِبَادِهِ المؤمنين ، في هذا الشهر العظيم .
أَلَا وَإِنَّ مِنْ أَعْظَمِ عَطَايَا رَبُنَا في رَمَضَانَ ، أَنَّهُ شَهْرٌ تُفْتَحُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجِنَانِ ، كَمَا قَالَ نَبِيُّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :" إِذَا دَخَلَ رَمَضَانُ فُتِّحَتْأَبْوَابُ الْجَنَّةِ فلم يغلق منها باب "
وما من مرغب يحث على الطاعة , ويعلي الهمم للحصول على رضا الله , مثل الترغيب بالجنة ونعيمها , وما أعده الله لعباده الصالحين ،جعلنا الله وإياكم من أهلها .
فاستمع ـ يا أخي ـ إلى دار بناها الله بيده , لبنه من ذهب ولبنه من فضه ، ملاطها المسك الأذفر, وحصباؤها اللؤلو والياقوت , وترابهاالزعفران ، من يدخلها ينعم ولا يبأس , ويخلد ولا يموت , لا تبلى ثيابهم , ولا يفنى شبابهم , أعدها الله لعباده المؤمنين المتقين , قال تعالى :(وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنةٍ عرضها السموات أعدت للمتقين )
وقال الله تعالى كما في الحديث القدسي"أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت , ولا خطر على قلب بشر"
فما بالك – يا عبد الله – بجنة عرضها السموات والأرض , ما بين مصرعي الباب مسيرة أربعين عاما , وليأتين عليه يوم وهي كضيض منالزحام , في الجنة شجره يسير الراكبُ الجواد المضمر السريع في ظلها مائة عام ما يقطعها .
فيها أنهار من ماء غير آسن , وأنهار من لبن لم يتغير طعمه , وأنهار من خمر لذة للشاربين , وأنهار من عسل مصفى ، يطوف عليهم ولدانمخلدون , إذا رأيتهم حسبتهم لؤلؤاً منثوراً من جمالهم وانتشارهم في خدمة أسيادهم , يطوفون عليهم بكأس من معين بيضاء لذة للشاربين ،شرابهم التسنيم والزنجبيل والكافور , و طــعــامهم فــاكهة مما يتخيرون , فيها من كل فاكهة زوجان , قد ذللت قطوفها تذليلاً , إن قام تناولهابيسر , وإن قعد تناولها بيسر , وإن اضطجع تناولها بيسر ، ألين من الزبد وأحــلــى من العسل , ولحم طير مما يشتهون .
ويعطى الواحد من أهل الجنة قوة مائة في الأكل والشرب والجماع , على خلق رجل واحد , على صورة أبيهم آدم ستون ذراعاً في السماء , جرد مرد, مكحلون , لا غل بينهم ولا حسد ولا بغضاء , ولا يمسهم فيها تعب ولا هم ولا حزن ، قال تعالى :( وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّإِخْوَانًا عَلَىٰ سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ) وقال سبحانه (لَا يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ)
أما نساء أهل الجنة - يا عباد الله - فمن الحور العين , لو اطلعت إحداهن إلى الأرض لأضاءت الدنيا , و لملأت ما بينهما ريحا , و لنصيفهاعلى رأسها خير من الدنيا وما فيها , للرجل من أهل الجنة زوجتان من الحور العين , على كل واحدة سبعون حلة يرى مخ ساقها من وراءالثياب , وأنشأهن الله إنشاءً فجعلهن أبكار , كلما أتاها زوجها رجعت بكراً كما كانت , متوددة إلى زوجها متحببة إليه قصرت طرفها عليه , طاهرةً مطهرة من الأنجاس والأقذار :(كأنهن الياقوت والمرجان)
أيها المؤمنون : أول من يقرع باب الجنة هو نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، فيقول له الخازن : من أنت ؟ فيقول : " محمد " فيقول : أمرتألا أفتح لأحدٍ قبلك .
وأول زمرةٍ يدخلون الجنة على صورة القمر ليلة البدر ، والذين يلونهم على أشد كوكبٍ دري في السماء إضاءةً .
وفي الجنة ـ يا عباد الله ـ ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين وهم فيها خَالِدِينَ ، لا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلا ولا هم منها مخرجون , وينادي فيهم مناد :إن لكم أن تصحوا فلا تسقموا أبداً , وإن لكم أن تحيوا فلا تموتوا أبداً , وإن لكم أن تشبوا فلا تهرموا أبدا , وإن لكم أن تنعموا فلا تبأسواأبدا , فذلك قول الله عز وجل :( وَنُودُواْ أَن تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ)ثم يحل الله عليهم رضوانه فلا يسخط عليهم بعده أبدا.
فإذا دخل أهل الجنة الجنة ناد مناد : يا أهل الجنة , إن لكم عند الله موعداً يريد أن ينجزكموه ، فيقولون : ما هو؟ ألم يثقل موازيننا ويبيضوجوهنا ويُدخلنا الجنة ويزحزحنا عن النار ؟! قال : فيكشف لهم الحجاب فينظرون إلى وجه الله سبحانه وتعالى , فوالله ما أعطاهم الله شيئاًأحب إليهم من النظر إليه ولا أقر لأعينهم منه , وهو أعلى نعيم أهل الجنة في الجنة ,فإنهم ينعمون برؤية ربهم الذي من عليهم حتى أوصلهمبفضله إلى دار السلام والنعيم , يرونه عياناً بأبصارهم كما قال تعالى (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ) وقال تعالى :(للذين أحسنواالحسنى وزيادة ) قال ابن عباس – رضي الله عنه – (الحسنى) الجنة , (والزيادة) هي النظر إلى وجه الله الكريم .
بارك الله لي ولكم في القرآن والسنة ،العظيم ونفعنا بما فيهما من الآيات والحكمة ، أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه انه هوالغفور الرحيم .
الخطبة الثانية :
الحمد لله على إحسانه ، والشكر له على توفيقه وامتنانه ، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه ، وأشهد أن محمداً عبدهورسوله ، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى اله وأصحابه واتباعه إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً .
عباد الله : نعيم الجنة يفوق الوصفُ , ويقصرُ دونه الخيال , وما ذكرناه هو شيء يسير من نعيم أهل الجنة , وما أخفاه الله عنا من نعيمالجنة شيء عظيم لا تدركه العقول , كما قال تعالى :( فَلَا تَعْلَم نَفْس مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّة أَعْيُن جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ )
والجنة هي سلعة الله وسلعة الله غالية ، روي عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال :" مَنْ خَافَ أَدْلَجَ وَمَنْ أَدْلَجَ بَلَغَ الْمَنْزِلَ أَلَا إِنَّ سِلْعَة اللَّهِغَالِيَةٌ أَلَا إِنَّ سِلْعَةَ اللَّهِ الْجَنَّةُ )
والشيء الغالي لا يمكن أن يتوصل اليه بأبخس الأثمان .
ومما يدل على عظم شأن الجنة – يا عباد الله - أنها حفت بالمكاره وحفت النار بالشهوات ، كما ثبت ذلك عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أنالنبي صلى الله عليه وسلم قال :" حفت الجنة بالمكاره وحفت النار بالشهوات "
وأما الطريق الموصل إلى الجنة بعد رحمة الله , فإنه يسر على من يسره الله عليه ، ألا وهو الإيمان بالله والعمل الصالح , كما قال تعالى :(ونودوا أن تلكم الجنة اورثتموها بما كنتم تعملون )، وقال تعالى :( وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى )
أيها الإخوة : ينبغي أن نعلم أن الفوز بالجنة دار النعيم يحتاج إلى جد واجتهاد ، وصبر على طاعة الله ، وتشمير في هذه الحياة الدنيا .
لا دار للمرء بعد الموت يسكنها ..... الا التي كان قبل الموت بانيها
فان بناها بخير طاب مسكنه ..... و ان بناها بشر خاب بانيها
اعمل لدار غد رضوان خازنها ..... و الجار أحمد و الرحمن ناشيها
قصورها ذهب و المسك طينتها ..... و الزعفران ربيع نابت فيها
أنهارها لبن محض و من عسل ..... و الخمر يجري رحيقا في مجاريها
و الطير تجري على الأغصان عاكفة ..... تسبح الله جهراً في مغانيها
من يشتري الدار في الفردوس يعمرها ..... بركعة في ظلام الليل يحييها
اللهم أجعلنا من أهل الفردوس الأعلى من الجنة ، ووالدينا واهلنا وذرياتنا برحمتك يا أرحم الراحمين .
اللهم تقبَّل منا الصيامَ والقيامَ والصالح من الأعمال، واغفر لنا التقصير والزلل، واجعلنا في شهرنا هذا من عتقائك من النار، يا أرحمالراحمين.
اللهم صلِّ وسلِّم على عبدِك ورسولِك محمدٍ، وعلى آله الطاهرين، وأزواجِهِ أمهاتِ المؤمنين، وخُلفائِه الأربعةِ الراشدين ، وسائر صحابةِ نبيِّكأجمعين، والتابعين ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وارضَ اللهمَّ عنَّا معهم بعفوك وكرمك يا أرحم الراحمين.
اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين، وأذلَّ الشرك والمشركين، ودمِّر أعداءَ الدين، واجعل هذا البلد آمنًا مطمئنًا سَخَاءً رَخَاءً وسائرَ بلاد المسلمين.
اللهم آمنَّا في أوطاننا، وأصلحْ أئمَّتَنَا وولاةَ أمورنا، وأيِّدْ بالحقِّ والتوفيق إمامَنا ووليَّ أمرنا، اللهُمَّ وفِّقْهُ ووليَّ عهدِهِ لما تحب وترضى، وأعنهماعلى البر والتقوى، وهيئ لهما البطانةَ الناصحة الصالحة التي تدلُّهم على الخير وتعينهم عليه.
اللهم أصلح أحوال المسلمين في كل مكان .
اللهم آتِ نفوسنا تقواها، زكِّها أنتَ خيرُ مَن زكَّاها، أنت وليها ومولاها، اللهم إنا نسألك الهُدى والتُّقى، والعفَافَ والغِنى.
(ربَّنا آتِنا في الدُّنيا حسنةً وفي الآخرةِ حسنةً وقنا عذابَ النار).
عِبادَ الله: اذكروا الله يذكركم، واشكروه على نعمه وآلائه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون