وَصَايَا وَنَحْنُ عَلَى أَبْوَابِ رَمَضَانَ
مبارك العشوان 1
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
عِبَادَ اللهِ: وَنَحْنُ عَلَى أَبْوَابِ رَمَضَانَ - نَسْأَلُ اللهَ تَعَالَى بُلُوغَهُ - فَهَذِهِ بِعْضُ الوَصَايَا؛ عَسَى اللهُ أَنْ يَنْفَعَنَا بِهَا.
الوَصِيَّةُ الأُوْلَى: مَنْ كَانَ عَلَيْهِ أَيَّامٌ مِنْ رَمَضَانَ المَاضِي فَلْيُبَادِرْ بِقَضَائِهَا؛ وَلْيَعْلَمْ أنَّهُ لَا يَجُوزُ تَأْخِيرُهَا إِلَى رَمَضَانَ الثَّانِي بِدُونِ عُذْرٍ؛ قَالَ تَعَالَى: { فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ } البقرة 184
لِنَتَنَبَّهْ لِهَذَا؛ وَلْنُذَكِّرْ بِهِ أَهْلَنَا وَأَوْلَادَنَا؛ قَبْلَ أنْ يُدْرِكَهُمُ الوَقْتُ وَفِي ذِمَمِهِمْ شَيءٌ مِنْ رَمَضَانَ المَاضِي.
الوَصِيَّةُ الثَّانِيَةُ: لِنَتَعَلَّمْ أَحْكَامَ الصِّيَامِ، وَآدَابَهُ؛ وَلْنَتَدَارَسْهَا فِي بُيُوتِنَا وَمَجَالِسِنَا وَمَسَاجِدِنَا، وَلْنُعَلِّمْهَا مَنْ تَحْتَ رِعَايَتِنَا؛ لِيُؤَدِّيَ الجَمِيعُ هَذِهِ الفَرِيْضَةَ عَلَى عِلْمٍ وَبَصِيرَةٍ؛ فَتَكُونَ مَقْبُولةً عِنْدَ اللهِ جَلَّ وَعَلَا.
الوَصِيَّةُ الثَّالِثَةُ: مَنْ كَانَ لَدَيهِ أَوْلَادٌ أَوْ بَنَاتٌ أَوْ إِخْوَةٌ أَوْ أَخَوَاتٌ؛ فَإِنْ كَانُوا صِغَارًا لَمْ يَبْلُغُوا سِنَّ الرُّشْدِ وَلَا يَشُقُّ عَلَيهِمُ الصِّيَامُ؛ فَلْيَحُثَّهُمْ عَلَيْهِ لِيَعْتَادُوهُ، وَلَا يُلْزِمْهُمْ بِهِ. أمَّا إِذَا بَلَغُوا سِنَّ الرُّشْدِ وَصَارُوا مِنْ أَهْلِ التَّكْلِيفِ فَلْيَأْمُرْهُمْ بِالصِّيَامِ، وَلْيُلْزِمْهُم بِهِ، وَلْيُبَيِّنْ لَهُمْ أنَّهُ وَاجِبٌ عَلَى المُسْلِمِ البَالِغِ العَاقِلِ القَادِرِ المُقِيمِ؛ يَجِبُ عَلَيهِ صَومُ الشَّهْرِ كَامِلًا، وَلَيسَ مُخَيَّرًا بِأَنْ يَصُومَ أيَّامًا وَيُفْطِرَ أيَّامًا.
أوْلَادُنَا - وَفَّقَكُمُ اللهُ - أَمَانَةٌ، وَنَحْنُ مَسْئُولُونَ عَنْ رِعَايَتِهِمْ وَتَرْبِيَتِهِمْ، وَتَعْلِيمِهِمْ أُمُورَ دِينِهِمْ؛ صَحَّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ ( أَلاَ كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ) رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ.
الوَصِيَّةُ الرَّابِعَةُ: يَقُولُ النَّبِيُّ صَلَّـى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ:( لَا تَقَدَّمُوا رَمَضَانَ بِصَوْمِ يَوْمٍ وَلَا يَوْمَيْنِ إِلَّا رَجُلٌ كَانَ يَصُومُ صَوْمًا فَلْيَصُمْهُ ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
الوَصِيَّةُ الخَامِسَةُ: إِذَا رُؤِيّ هِلَالُ رَمَضَانَ وَأُعْلِنَ دُخُولُهُ أَوْ أُكْمِلَ العَدَدُ؛ فَإِنَّهُ يُعْمَلُ بِهِ وَيَجِبُ الصِّيَامُ، وَلَيْسَ لِأَحَدٍ بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ يُشَكِّكَ فِي ثُبُوتِهِ، وَيُلَبِّسَ عَلَى النَّاسِ؛ وَكَذَلِكَ عَلَى النَّاسِ أَنْ لَا يَلْـتَفِتُوا إِلَيْهِ؛ يَقُـولُ النَّبِيُّ صَـلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّـمَ: ( صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ فَإِنْ غُبِّيَ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ ) رَوَاهُ البُخَارِيُّ.
بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ فِي القُرْآنِ العَظِيمِ وَنَفَعَنَا بِمَا فِيهِ مِنَ الآيِ وَالذِّكْرِ الحَكِيمِ، وَأَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ الجَلِيلَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمْ.
الخطبة الثانية:
الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللهِ.
أَمَّا بَعْدُ: فَالوَصِيَّةُ السَّادِسَةُ: لِنَعْقِدِ العَزْمَ - رَحِمَكُمُ اللهُ - عَلَى الجِدِّ فَي شَهْرِنَا؛ وَلْنَحْرِصْ عَلَى كَسْبِ هَذِهِ الفُرْصَةِ، وَاسْتِغْلَالِ هَذَا المَغْنَمِ.
وَإِذَا كُنَّا نَسْتَعِدُّ لِأُمُورِ دُنْيَانَا، وَنَتَهَيَّؤُ لَهَا، وَنَتَوَاصَى بِعَدِمِ تَضْيِيْعِ فُرَصِهَا؛ فَإِنَّ رَمَضَانَ مِنْ أَعْظَمِ الفُرَصِ [ الفُرَصِ الدِّيْنِيَّةِ، الفُرَصِ الأُخْرَوِيَّةِ ]
فَلْنَتَهَيَّأْ لِحِفْظِ أيَّامِ شَهْرِنَا وَلَيَالِيهِ، وَلْنَعْمُرْهُ بِالطَّاعَاتِ؛ وَلْنَحْفَظْهُ عَنِ المُحَرَّمَاتِ.
نَظِّمْ - وَفْقَكَ اللهُ - وَقْتَكَ مِنَ السَّحَرِ إِلَى السَّحَرِ، وَإِيَّاكَ إِيَّاكَ أَنْ يَضِيعَ نَهَارُكَ فِي نَوْمٍ وَلَيلُكَ فِي سَهَرٍ.
أَسْأَلُ اللهَ تَعَالَى أَنْ يُبَلِّغَنِي وَإِيَّاكُمْ رَمَضَانَ وَيُوَفِّقْنَا لِاغْتِنَامِهِ، اللَّهُمَّ وَأَعِنَّا عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِك.
ثُمَّ صَلُّوا وَسَلِّمُوا - رَحِمَكُمُ اللهُ - عَلَى مَنْ أَمَرَكُمُ اللهُ بِالصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ عَلَيهِ؛ فَقَالَ سُبْحَانَهُ: { إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا }الأحزاب 56
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، اللهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ.
اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإسْلَامَ وَالمُسْلِمِينَ، اللَّهُمَّ وَانْصُرْ عِبَادَكَ المُوَحِّدِينَ، اللَّهُمَّ وَعَلَيكَ بِأَعْدَئِكَ يَا قَوِيُّ يَا عَزِيزُ.
اللَّهُمَّ أصْلِحْ أئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُورِنَا، اللَّهُمَّ وَفِّقْ وُلَاةَ أمْرِنَا لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى، اللَّهُمَّ خُذْ بِنَوَاصِيهِمْ لِلْبِرِّ وَالتَّقْوَى، اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا وَإِيَّاهُمْ لِهُدَاكَ، واجْعَلْ عَمَلَنَا فِي رِضَاكَ، اللَّهُمَّ مَنْ أَرَادَنَا وَدِينَنَا وَبِلَادَنَا بِسُوءٍ فَرُدَّ كَيْدَهُ إِلَيهِ، وَاجْعَلْ تَدْبِيرَهُ تَدْمِيرًا عَلَيهِ، يَا قَوِيُّ يَا عَزِيزُ.
عِبَادَ اللهِ: اُذْكُرُوا اللهَ العَلِيَّ الْعَظِيْمَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشْكُرُوهُ عَلَى نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ وَلَذِكْرُ اللهِ أكْبَرُ وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.