وصايا وتجيهات في ترشيد الإجازة للأبناء والبنات

عبدالرحمن اللهيبي
1445/11/23 - 2024/05/31 00:29AM
من المنقول بتصرف
 

الحمد لله مصرِّف الدُهُور ، وخالق الظلمة والنور ، أحمده سبحانه حمد الشاكرين واستغفره استغفار التائبين ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن اقتفى أثره وسار على نهجه إلى يوم الدين

 أما بعد : فاتقوا الله عباد الله، واعلموا أن الدنيا قد ارتَحَلَتْ مُدْبِرَة، وأنَّ الآخرةَ قد ارتَحَلَتْ مُقْبِلَة، ولكلٍّ مِنْ الدنيا والآخرة بَنُون، فكونوا من أبناء الآخرة، ولا تكونوا من أبناء الدنيا، فإن اليومَ عملٌ ولا حِساب، وغدًا حسابٌ ولا عمل { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ }

أيها المسلمون : فإننا وأبناءَنا مقبلون على إجازة دراسية طويلة ومع بداية هذه الإجازة لا بد من التذكير بما يلي:

أولها: يجب أن نعلم أيها المسلمون أن مَهمة الإنسان في هذه الحياة هي عبوديتُه لربه ، فهي سر وجوده ، ووسام عزه، وتاج شرفه، فالحق سبحانه يقول: وَمَا خَلَقْتُ ٱلْجِنَّ وَٱلإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ 

 ألا وإن أمارة المسلم الصادقِ في إسلامه حيثما كان وحلَّ ، وفي أي بلد إليه ارتحل ، هو بقاؤه ثابتًا على قيمه ومبادئه، متمسكا بدينه وعقيدته، فخورًا بإسلامه وثوابته، لا يخجل من عبوديته لربه في زمان دون زمان، ولا يمنعه من تمسكه بدينه مكان دون مكان .. فمحياه كله لله، وأعماله جميعُها لمولاه، ((قُلْ إِنَّ صَلاَتِى وَنُسُكِى وَمَحْيَاىَ وَمَمَاتِى للَّهِ رَبّ ٱلْعَـٰلَمِينَ)) 

المسلم يا عباد الله سواء في الإجازة أو سواها وفي أي مكان من البلدان ، فإن العبودية لله شعاره، وطاعته لربه دثاره

يستحضر مراقبة الله دوما في حضره وأسفاره ، لا يفرط في أذكاره وصلواته ، ولا في فرائض دينه وواجباته ، داعيا إلى الله بسلوكه وأخلاقه ، وذلك لأن المؤمن الحق يدرك حقيقة هذه الدنيا الفانية وما يعقبها من الأخرى الباقية ..

]يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ[

ثم اعلموا يا مسلمون ـ: أن الترفيه البريء، والترويح المباح، لا غضاضة على المرء فيه، بل هو مطلوب شرعا وعقلا لأغراض تربوية ونفسية واجتماعية، فقد قال ﷺ: «وَإِنَّ لِنَفْسِكَ عَلَيْكَ حَقًّا» فلا بُد إذن من الترويح عن الأهل والنفس، ولكن بما لا يَسُوْءُ المرءَ في آخرتِه ولا بما يوردها مواردَ الفتن المنكرات

فالإسلام لا يحجر على أتباعه أن يروِّحوا عن نفوسهم ، أو يمنعهم من إدخال السرور على أهليهم وأبنائهم ، ولكن شريطة أن يكون ذلك بما أباح الله لهم ، وإن في ما أباحه الله لعباده غنية لهم عن الحرام ..

أما أن يُستغَل الترفيه في الإجازة فيما يضعف الإيمان، ويقوض الفضيلة، ويخدش الحياء، فليس هذا سبيل المؤمنين الذين يعظمون ربهم ، ويدركون حقيقة دنياهم .. وما هم مقبلون عليه من الحساب في أخراهم..

أقول قولي هذا وأستغفر العظيم..

 

 

عباد الله : ونحن مقبلون على هذه الإجازة الدراسية الطويلة فلابد من العناية بفلذات الأكباد، فأبناؤنا وبناتنا هم ثمرات الفؤاد، فهذه الإجازة فرصة كبيرة لاستثمارها في برامج حافلة، تكسبهم المهارات، وتنمِّي فيهم القدرات، تقوِّي إيمانهم، وتصقل فكرهم، وتثري ثقافتهم، في حلقات تحفيظ للقرآن ، وفي قراءة الكتب النافعة المفيدة ككتب أعلام الإسلام ، وفي الدورات التدريبية الهادفة وما شابه ذلك من برامج مفيدة نافعة، وكذلك أيضا إدخال السرور عليهم بالسفر بهم إلى أحد مصائف هذه البلاد في سياحة بريئة، في محافظة على دينهم وقيمهم وأخلاقهم..

يُقَالُ هَذَا الكَلامُ - أَيُّهَا الإِخوةُ - وَحَالُ بَعضِ أولادنا في الإجازات الدراسية لا تُرضِي أَبًا وَلا تَسُرُّ مُحِبًّا ، وَلا تُسعِدُ أُمًّا وَلا تُبهِجُ صَدِيقًا ، سَهَرٌ في اللَّيلِ إِمَّا في المَقَاهِي أَوِ في الاستِرَاحَاتِ ، وَإِمَّا عَلَى أَرصِفَةِ الشوارع والطرقات،  وَإِمَّا عَلَى شاشات الألعاب أو الجَوَّالِ أَو غَيرِهِ مِن وَسَائِلِ التَّوَاصُلِ والتطبيقات غالب الأوقات، وربما يُتَابِعُونَ أشخاصا من التافهين والسفهاء يتخذونهم كقدوات أو يشاهدون مَقَاطِعَ تُسَمِّمُ الأَفئِدَةَ ، أَو يَتَأَمَّلُونَ صُوَرًا تَطعَنُ القُلُوبَ ، فاحذروا ثم احذروا من فتح باب الانترنت على مصراعيه دون إشراف أو رقابة .. ودون تقنين ومتابعة ، راقبوا أولادكم مع من يذهبون ، وأين يجلسون ، وخذوا بحجزاتهم عن موارد الزلات والهلكات ، فكم من شاب انتهى به الأمر إلى تنبني أفكار منحرفة في المعتقدات ، أو إدمان للمخدرات والمسكرات .. والسبب الغالب في ذلك هو غفلة والده وانشغاله عنه وعدم صحبته له..

فالله الله في أبنائكم فهم حدثاء الأسنان سفهاء الأحلام لا يدركون مخاطر ما يقدمون عليه ، ودور الأب هو التربية والحوار والإرشاد والتوجيه ، ثم الإلزام واستعمال القوامة ولا معنى للقوامة دون ذلك ، حتى وإن غضب الولد وتأفف ، فسيدرك محامد ما فعلتَ له عند رشده ، وسيدعو لك عن كبره.

فاتقوا الله عبد الله، وَٱتَّقُواْ يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى ٱللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ

ثم صلوا وسلموا ـ رحمكم الله ـ على خير الورى طُرا، وأفضلِ الخليقة شرفا وطهرًا، صلاةً تكون لكم يوم القيامة ذخرًا، فقد أمركم بذلك ربكم تبارك وتعالى، في تنزيل يتلى ويقرا، فقد قال تعالى  إِنَّ ٱللَّهَ     وَمَلَـٰئِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِىّ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيماً

المشاهدات 506 | التعليقات 0