وَصَايَا مَعَ بَدْءِ الدِّرَاسَةِ 1443 هـ

مبارك العشوان 1
1443/01/17 - 2021/08/25 22:53PM

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالَى أيُّهَا النَّاسُ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ.

عِبَادَ اللهِ: بَعْدَ غَدٍ يَبْدَأُ الطُّلَّابُ وَالطَّالِبَاتُ عَامَهُمُ الدِّرَاسِيَّ الجَدِيدِ؛ جَعَلَهُ اللهُ عَامًا مُبَارَكًا؛ يُنْشَرُ فِيهِ الْعِلْمُ وَيُعْمَلُ بِهِ، وَيُزَالُ الجَهْلُ وَيُقْضَى عَلَيهِ.

لِلْعِلْمِ - رَحِمَكُمُ اللهُ - مَنْزِلَةٌ عَالِيَةٌ، وشَرَفٌ عَظِيمٌ؛ يَنْبَغِي أنْ يُدرِكَهُ كُلُّ مُعَلِّمٍ وَمُعَلِّمَةٍ، وَكُلُّ طَالِبٍ وَطَالِبَةٍ، وَكُلُّ وَلِيِّ أَمْرٍ؛ يَقُولُ اللهُ جَلَّ وَعَلَا: { يَرْفَعِ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا العِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ }المجادلة 11

وَيَقُولُ جَلَّ وَعَلَا: { قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ } الزمر 9 قَالَ السَّعْدِيُّ رَحِمَهُ اللهُ: لَا يَسْتَوِي هَؤُلَاءِ وَلَا هَؤُلَاءِ، كَمَا لَا يَسْتَوِي اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ، وَالضِّيَاءُ وَالظَّلَامُ، وَالمَاءُ وَالنَّارُ... وَيَقُولُ - فِي مَوضِعٍ آخَرَ: فَإِنَّ العِلْمَ يَرْفَعُ اللهُ بِهِ صَاحِبَهُ فَوقَ العِبَادِ دَرَجَاتٍ؛ خُصُوصًا العَالِمَ العَامِلَ المُعَلِّمَ، فَإِنَّهُ يَجْعَلُهُ اللهُ إِمَامًا لِلنَّاسِ، بِحَسَبِ حَالِهِ؛ تُرْمَقُ أَفْعَالُهُ، وَتُقْتَفَى آثَارُهُ... الخ

عِبَادَ اللهِ: مَا دَامَ العِلْمُ وَأَهْلُ العِلْمِ فِي النَّاسِ؛ فَهُمْ فِي خَيْرٍ عَظِيْمٍ؛ وَإِذَا فُقْدَ العِلْمُ وَأَهْلُهُ؛ حَلَّ مَكَانَهُ الجَهْلُ وَأَهْلُهُ وَالضَّلَالُ وَالضُّلَّالُ؛ يَقُولُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَـــــلَّمَ: ( إِنَّ اللهَ لَا يَقْبِضُ العِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنَ العِبَادِ، وَلَكِنْ يَقْبِضُ العِلْمَ بِقَبْضِ العُلَمَاءِ، حَتَّى إِذَا لَمْ يُبْقِ عَالِمًا، اتَّخَذَ النَّاسُ رُءُوسًا جُهَّالًا، فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ، فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا ) رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ.

لَا يُكْشَفُ الضَّلَالُ بِمِثْلِ العِلْمِ، وَلَا تُرَدُّ البِدَعُ وَتُزَالُ الشُّبَهُ بِمِثْلِ العِلْمِ، وَلَا تُقْمَعُ الفِتَنُ بِمِثْل العِلْمِ.

النَّاسُ بِخَيْرٍ مَا عَظَّمُوا العِلْمَ، وَقَدَّرُوا العُلَمَاءَ، وَرَجَعُوا إِلَيْهِمْ، وَصَدَرُوا عَنْ عِلْمِهِمْ.

يَقُولُ القُرْطُبِيُّ قَالَ سَهْلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ رَحِمَهُ اللَّهُ: لَا يَزَالُ النَّاسُ بِخَيْرٍ مَا عَظَّمُوا السُّلْطَانَ وَالْعُلَمَاءَ، فَإِذَا عَظَّمُوا هَذَيْنَ أَصْلَحَ اللَّهُ دُنْيَاهُمْ وَأُخْرَاهُمْ، وَإِذَا اسْتَخَفُّوا بِهَذِينِ أَفْسَدَ دُنْيَاهُمْ وَأُخْرَاهُمْ.

وَقِيلَ لِسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: مَا عَلَامَةُ هَلَاكِ النَّاسِ؟ قَالَ: هَلَاكُ عُلَمَائِهِمْ.

فَلْنَحْرِصْ - وَفَّقَكُمُ اللهُ – عَلَى العِلْمِ وَالتَّعْلِيْمِ، فَقَدْ صَحَّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ: ( مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا، سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: (  مَنْ يُرِدِ اللهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ ) رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ.

أَمَّا تَعْلِيمُ النَّاسِ، وَرَفْعُ الجَهْلِ عَنْهُمْ؛ وَدَعْوتُهُمْ لِلخَيرِ، وَتَحْذِيرُهُم مِنَ الشَّرِ؛ فَهُوَ المُهِمَّةُ العُظْمَى الَّتِي قَامَ بِهَا رُسُلُ اللهِ عَليهِمْ صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلَامُهُ؛ وَهُوَ قُرْبَةٌ إِلَى اللهِ تَعَالَى، وَهُوَ مَجَالٌ خَصْبٌ لِكَسْبِ الحَسَنَاتِ وَمُضَاعَفَتِهَا؛ فِي حَيَاةِ مُعَلِّمِ النَّاسِ الخَيْرَ وَحَتَّى بَعْدَ مَمَاتِهِ؛ يَقُولُ صَلَّى اللهُ عَليهِ وَسَلَّمَ: ( إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ إِلَّا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ فِي القُرْآنِ العَظِيمِ، وَنَفَعَنَا بِمَا فِيْهِ مِنَ الْآيِ وَالذِّكْرِ الحَكِيْمِ، وَأَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ؛ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيم.

 

الخطبة الثانية: 

الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللهِ.

أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّنَا نَتَذَاكَرُ وَنَحْنُ فِي هَذَا العَامِ الدِّرَاسِيِّ، وَالَّذِي يَخْتَلِفُ فِي أَسَابِيْعِهِ الأُوْلَى عَنِ الأعْوَامِ السَّابِقَهِ؛ فَالتَّعَلُّمُ وَالتَّعْلِيْمُ فِيْهِ عَنْ بُعْدٍ؛ لِبَعْضِ المَرَاحِلِ، وَعَنْ قُرْبٍ لِبَعْضِهَا اِتِّبَاعًا لِلتَّوْجِيْهَاتِ، وَعَمَلًا بِالِاحْتِرَازَاتِ مِنْ هذا المَرَضِ وَالَّذِي نَسْأَلُ اللهَ تَعَالَى أَنْ يَرْفَعَهُ عَنَّا وَعَنْ بِلَادِنَا وَسَائِرِ بِلَادِ المُسْلِمِينَ، وَأَنْ يَشْفِيَ مَرْضَانَا، وَيَرْحَمَ مَوتَانَا.

نَتَذَاكَرُ الأَمَانَةَ الَّتِي حُمِّلْنَا إِيَّاهَا؛ أمَانَةَ التَّرْبِيَةِ وَالتَّعْلِيمِ، أَمَانَةً تَحَمَّلَهَا الجَمِيْعُ؛ تَحَمَّلَهَا المُعَلِّمُونَ وَالمُعَلِّمَاتُ، وَقَادَةُ المَدَارِسِ، وَوُكَلَاؤُهَا، وَمُرْشِدُوا الطُّلَّابِ.

وَهَكَذَا تَحَمَّلَهَا أَوْلِيَاءُ الأُمُورُ.

فَلْيُؤَدِّ كُلُّ أَمَانَتَهُ، وَلْيَقُمْ كُلُّ بِمُهِمَّتِهِ.

اللهَ اللهَ أَيُّهَا المُعَلِّمُونَ فِي الإِخْلَاصِ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ؛ وَالإِتْقَانِ لِلْعَمَلِ؛ قَدِّمُوا العُلُومَ النَّافِعَةَ بِأَسْهَلِ طَرِيقٍ وَأَقْرَبِهِ لِلفَهْمِ.

اللهَ اللهَ أَيُّهَا الأَوْلِيَاءُ فَي مُتَابَعَةِ أَوْلَادِكُمْ؛ اِصْبِرُوا وَصَابِرُوا، تَابِعُوهُمْ وَاقْتَطِعُوا جُزْءً مِنْ أَوْقَاتِكُمْ لَهُمْ؛ وَلَا تَعْتَبِرُوا هَذَا حِمْلًا ثَقِيْلًا أَلْقِيَ عَلَيْكُمْ، وَعِبْئًا وَكِلَ إِلَيْكُمْ؛ بَلْ هُوَ قِيَامٌ بِالْمَسْؤُولِيَّةِ، بَلْ هُوَ فُرْصَةٌ ثَمِيْنَةٌ لِتَحْصِيلِ الأُجُورِ العَظِيْمَةِ؛ فَأَحْسِنُوا اِسْتِغْلَالَهَا.

أَيُّهَا الأَوْلِيَاءُ: - وَفَّقَكُمُ اللهُ وَسَدَّدَكُمْ - إِنَّ مَا يُطْلَبُ مِنَ المُعَلِّمِ مِنَ الإِحْسَانِ إِلَى الطَّالِبِ، وَالرِّفْقِ بِهِ، وَتَشْجِيْعِهِ؛ يُطْلَبُ مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ تُتَابِعُونَ أَوْلَادَكُمْ؛ فَـ ( إنَّ الرِّفْقَ لَا يَكُونُ في شَيْءٍ إِلَّا زَانَهُ، وَلَا يُنْزَعُ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا شَانَهُ ) كَمَا صَحَّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ.

أَيُّهَا المُعَلِّمُونَ، أَيُّهَا الأَوْلِيَاءُ، أَيُّهَا الطُّلَّابُ: خُذُوا الأَمْرَ بِجِدٍ، وإِلَّا مَضَتْ هَذِهِ الأَسَابِيْعُ وَلَمْ تُحَصِّلُوا شَيْئًا. 

نَسْأَلُ اللهَ لِلْجَمِيعِ العَونَ وَالتَّوْفِيْقَ وَالسَّدَادَ.

ثُمَّ صَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى مَنْ أَمَرَكُمُ اللهُ بِالصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ عَلَيْهِ؛ فَقَالَ سُبْحَانَهُ: { إِنَّ اللهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا } الأحزاب 56

اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَأَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَأَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ.

اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإسْلَامَ وَالمُسْلِمِينَ، اللَّهُمَّ وَانْصُرْ عِبَادَكَ المُوَحِّدِينَ، اللَّهُمَّ وَعَلَيكَ بِأَعْدَئِكَ يَا قَوِيُّ يَا عَزِيزُ.

اللَّهُمَّ أَصْلِحْ أَئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُورِنَا، اللَّهُمَّ وَفِّقْ وُلَاةَ أَمْرِنَا لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى وَخُذْ بِنَوَاصِيهِمْ لِلْبِرِّ وَالتَّقْوَى اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا وَإِيَّاهُمْ لِهُدَاكَ وَاجْعَلْ عَمَلَنَا فِي رِضَاكَ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.

عِبَادَ اللهِ: اُذْكُرُوا اللهَ العَظِيمَ الجَلِيلَ يَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوهُ عَلَى نِعَمِهِ يَزِدْكُم وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.

 

 

المرفقات

1629931944_وَصَايَا مَعَ بَدْءِ الدِّرَاسَةِ 1443 هـ.pdf

1629931974_وَصَايَا مَعَ بَدْءِ الدِّرَاسَةِ 1443 هـ.doc

المشاهدات 4346 | التعليقات 2

كتب الله أجركم ورفع قدركم

خطبة موفقة جمعت بين النصح والإرشاد مدعمة بالدليل من الكتاب والسنة.


جزاك الله خيرا