وصايا لمن أراد الحج وفضل عشر ذي الحجة

فيصل التميمي
1435/11/24 - 2014/09/19 03:43AM
مختصرة من عدة خطب وفقني الله وإياكم إلى كل خير
وصايا لمن أراد الحج وفضل عشر ذي الحجة 24/11/ 1435هـ
إِنَّ الْحَمْدَ للهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ, وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ, وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَن لاَّ إِلَهَ إِلا اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ, وَأَشْهَدُ أَنَّ نبينا مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صلى الله عليه وعلى اله وصحبه وسلم تسيما كثيرا .
أما بعد: فأوصيكم أيها الناس ونفسي بتقوى الله عزوجل ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ )
عباد الله... الْحَجُّ فَرِيضَةٌ عَظِيمَةٌ، وَرُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ هَذَا الدِّينِ، فَرَضَهُ اللهُ تَعَالَى عَلَى النَّاسِ فِي الْعُمُرِ مَرَّةً وَاحِدَةً، وَهُوَ وَاجِبٌ عَلَىَ الْمُسْلِمِ الْبَالِغِ الْعَاقِلِ الْحُرِّ الْمُسْتَطِيعِ، وَأَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّهُ وَاجِبٌ عَلَى الْفَوْرِ لاَ عَلَى التَّرَاخِي، أَيْ: مَتَى تَوَفَّرَتْ شُرُوطُهُ وَجَبَ عَلَى الْمُسْلِمِ أَدَاؤُهُ مَرَّةً فِي الْعُمْرِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: خَطَبَنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: «أَيُّهَا النَّاسُ، قَدْ فَرَضَ اللهُ عَلَيْكُمُ الْحَجَّ فَحُجُّوا»، فَقَالَ رَجُلٌ: أَكُلَّ عَامٍ يَا رَسُولَ اللهِ؟ فَسَكَتَ. حَتَّى قَالَهَا ثَلاَثاً، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : «لَوْ قُلْتُ: نَعَمْ لَوَجَبَتْ، وَلَمَا اسْتَطَعْتُمْ»، ثُمَّ قَالَ: «ذَرُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ؛ فَإِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِكَثْرَةِ سُؤَالِهِمْ وَاخْتِلاَفِهِمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ، فَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ، وَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَدَعُوهُ».(رواه مسلم)
فَلاَ يَنْبَغِي لِمُسْلِمٍ يَخَافُ اللهَ سُبْحَانَهُ وَيَرْجُو لِقَاءَهُ، ولَدَيْهِ الْكِفَايَةُ وَالاِسْتِطَاعَةُ؛ أَنْ يُفَرِّطَ فِي أداءِ هذهِ العبادةِ العظيمة، أَوْ يُؤَجِّلَهُا بِدُونِ عُذْرٍ مَقْبُوْلٍ قال جل وعلا: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ). فَفِي الآيَةِ تَأْكِيدٌ وَاضِحٌ عَلَى فَرْضِيَّةِ الْحَجِّ، وَوَعِيدٌ شَدِيدٌ لمن تَّهَاوُنِ بِهَا. وَقَدْ كَانَ بَعْضُ الصَّالِحِينَ يَتَحَسَّرُ إِذَا فَاتَهُ الْحَجُّ وَيَقُولُ: «لَئِنْ سَارَ الْقَوْمُ وَقَعَدْنَا، وَقَرُبُوا وَبَعُدْنَا: فَمَا يُؤْمِنُنَا أَنْ نَكُونَ مِمَّنْ (كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ).
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنَّ لِلْحَجِّ فَضَائِلَ كَثِيرَةً، وَأُجُوراً كَبِيرَةً؛ قال صلى الله عليه وسلم «مَنْ حَجَّ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ؛ رَجَعَ كَيَوْمَ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ» وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه مَرْفُوعاً: «الْعُمْرَةُ إِلَى الْعُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا، وَالْحَجُّ الْمَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلاَّ الْجَنَّةُ»
عباد الله.. وثمة أُمُورٌ ينبغي لمن أراد الْحَجَّ، وَرغَبُ أَنْ يَكُونَ حَجُّهُ مَبْرُوراً، وَسَعْيُهُ مَشْكُورا؛ أَنْ يُرَاعِيَها ، ويَحْرِصَ عَلَيْهَا.
ومِنها: أَنْ يُلِمَّ بِأَحْكَامِ الحج، وَيَتَفَقَّهَ فِي أَرْكَانِهِ وَوَاجِبَاتِهِ، وَيَعْرِفَ مستحبّاته ومَحْظُورَاتِهِ، وَمَا يُمْكِنُ أَنْ يَقَعَ فِيهِ الْحَاجُّ مِنْ أَخْطَاءٍ، وَذَلِكَ لِيَتَجَنَّبَهَا، وَلِيُؤَدِّيَ النُّسُكَ عَلَى أَكْمَلِ الْوَجْهِ الْمَطْلُوبِ شَرْعاً.
ومنها أَنْ يَتَّخِذَ لِحَجِّهِ نَفَقَةً مِنْ حَلاَلٍ لما جاء في حديث النبي عليه الصلاة والسلام (( ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ، أَشْعَثَ أَغْبَرَ، يَمُدُّ إِلَى السَّمَاءِ يَدَيْهِ: يَا رَبِّ! يَا رَبِّ! وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ، وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ، وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ، وَغُذِيَ بِالْحَرَامِ؛ فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لَهُ؟!»..
كَمَا يَنْبَغِي لِلْحَاجِّ أَنْ يَكُونَ عَمَلُهُ وَعِبَادَتُهُ خَالِصَةً لِوَجْهِ اللهِ تَعَالَى، لَيْسَ مِنْ وَرَائِهَا رِيَاءٌ وَلاَ سُمْعَةٌ، فلاَّ يَبْتَغِي بِهَا إِلاَّ وَجْهَ اللهِ سُبْحَانَهُ وتعالى، يَقُولُ سُبْحَانَهُ: (فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا) يقولِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللهَ لاَ يَقْبَلُ مِنَ الْعَمَلِ إِلاَّ مَا كَانَ لَهُ خَالِصاً، وَابْتُغِيَ بِهِ وَجْهُهُ» فَالإِخَلاصُ وَالنِّيَّةُ الْصَّادِقَةُ شَرْطٌ لِنَجَاحِ الْعِبَادَةِ وَقَبُولِهَا.
وَيَنْبَغِي لِلْحَاجِّ أَيْضاً أَنْ يَتَخَلَّقَ بِالْخُلُقِ الْحَسَنِ أَثْنَاءَ حَجِّهِ، وَأَنْ يَتَحَلَّى بِالصَّبْرِ وَالْحِلْمِ وَالْعَفْو وَالأَنَاةِ، وَهَذِهِ الأُمُورُ مِنْ أَهَمِّ الْأَسْبَابِ لِلْفَوْزِ بِالْحَجِّ الْمَبْرُورِ، يَقُوْلُ سُبْحَانَهُ: (فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ) ، وقال صلى الله عليه وسلم : «مَنْ حَجَّ للهِ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ؛ رَجَعَ كَيَوْمَ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ».
كُلُّ هَذِهِ ـ إِخْوَةَ الإِيمَانِ ـ أُمُوْرٌ يَنْبَغِي لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَحْرِصَ عَلَيْهَا إِذَا أَرَادَ التَّوَجُّهَ إِلَى تِلْكَ الرِّحَابِ الطَّاهِرَةِ، وَالبِقَاعِ الْمُبَارَكَةِ، إِنْ أَرَادَ أَنْ يَرْجِعَ مِنْهَا بِحَجٍّ مَبْرُورٍ وسَعْيٍ مَشْكُورٍ وَتِجَارَةٍ لَنْ تَبُورَ.
أَسْأَلُ اللهَ بمنه وكرمه أَنْ يعيينا جميعاً عَلَى طاعته وأن يوفقنا إلى مرضاته ، ويحفظ أمن هذه البلاد وآمين البيت الحرام من كل سوء ومكروه إنه ولي ذلك والقادر عليه.
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كلّ ذنبٍ وخطيئةٍ، فاستغفروه إنه كان للأوَّابين غفورًا.
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانِه، والشكر له على توفيقِه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريك له تعظيمًا لشأنه، وأشهد أنَّ نبيَّنا وسيِّدنا محمدًا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وإخوانه، وسلَّم تسليمًا كثيرًا.
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ عباد الله ثم اعلموا رحمكم الله أنَّ من أعظم الأيام التي يتقرب فيها العبد لخالقه ، ويتعرض فيها لنفحات رحمة ربه.. أيام عشر ذي الحجة التي ستظلنا قريباً، فَقَدْ أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ فيها : «مَا الْعَمَلُ فِي أَيَّامٍ أَفْضَلَ مِنْهَا فِي هَذِهِ» قَالُوا: وَلاَ الْجِهَادُ؟ قَالَ: (وَلاَ الْجِهَادُ، إِلاَّ رَجُلٌ خَرَجَ يُخَاطِرُ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ، فَلَمْ يَرْجِعْ بِشَيْء)
ومن الأعمال المشروعة في هذه الأيام المباركة من حين دخولها الإكثار من ذكر الله بالتسبيح والتهليل والتكبير والتحميد وقراءة القرآن والاستغفار، ومن الصيغ الواردة في التكبير قول (الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر ، لا إله إلا الله ، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد) ، يكثر المسلم من قولها وإظهارها في بيته وفي سعيه في الأرض إحياء لهذه السنة، كما كان يفعل الصحابة رضي الله عنهم، قال صلى الله عليه وسلم : ((ما من أيام أعظم عند الله ولا أحب إليه العمل فيهن من هذه الأيام العشر، فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتسبيح)) .
واعلموا عباد الله بأنه يجب على من أراد أن يضحي مع دخول عشر ذي الحجة أن يمسك عن شعره وأظفاره، فلا يقص منها شيئًا، من رؤية هلال شهر ذي الحجة إلى أن يذبح أضحيته، قال صلى الله عليه وسلم : ((إذا رأيتم هلال ذي الحجة وأراد أحدكم أن يضحي فليمسك عن شعره وأظفاره حتى يضحي)) أخرجه مسلم، وهذا الحكم خاص بصاحب الأضحية فقط، أما أهله وأولاده فلا يلزمهم ذلك إلا من كانت له أضحية مستقلة به.
هذا وصلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه فقال قولا كريم..
المشاهدات 2585 | التعليقات 1

جزاك الله خيرا