وصايا للصائمين / للدكتور سغد الدريهم

الخطيب المفوه
1432/08/28 - 2011/07/29 08:02AM
وصايا للصائمين
الدكتور سعد الدريهم
جامع أبي عبيدة بحي الشفا
إنَّ الحمدَ لله ، نحمدُه ونستعينه ونستغفره ، ونعوذُ بالله من شرور أنفسنا ، ومن سيئات أعمالنا . من يهده الله ؛ فلا مضلَّ له ، ومن يضللْ؛ فلا هاديَ له ، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهدُ أن محمداً عبده ورسوله .
أما بعدُ : فإنَّ أصدق الحديث كتابُ الله ، وخيرَ الهدي هديُ محمد e، وشرَّ الأمور مُحـدثاتُها ، وكلَّ محـدثةٍ بدعــةٌ ، وكلَّ بدعةٍ ضلالةٌ ، وكلَّ ضلالةٍ في النار .
أيها الأحبةُ في الله ، أيام معدودة ، وتصافح هذه الوجوه الطاهرة الأيام الفاضلة والليالي العطرة من شهر رمضان ، حيث هناك الخيرات قد نصبت والفضائل قد أعدت ، وزينت في الملأ الأعلى جنان ربنا تنتظر العاملين والعمل ، فيا حبور من أدرك تلك الأيام والليالي ، وقام بحقها ، واستوفى ما لها ، ويا خسارة من حُرم .. فاللهم إنا نسألك وأنت للسُّؤْل محل أن تجعلنا من المقبولين في شهر رمضان ..
أيها الأحبة ، لو تأملنا لأدركنا أن الأيام تمشي سراعاً ، فلا زال صدى رمضان الغابر يتردد في ذواكرنا ، وكأننا قد فرغنا منه للتو واللحظة ، بينما نحن على مقربة من رمضان آخر ، وعندما نلتفت بذكرياتنا نلحظ أننا قد عملنا في ذلك الشهر الصيام والصلاة والقراءة والذكر والصدقة وغير ذلك؛ ربما أدركنا التعب والنصب حينذاك ، وهناك من مرت عليه تلك الأيام كغيرها ، فعمل الموبقات فنال بعض لذاته .. لو نظرنا لأدركنا أن المشقة واللذة قد مضت ولكن بقي الأجر والوزر ، وهكذا كل عمل نعمله تمضي ثمرته وتبقى نتيجته إن خيراً أو شراً ، وكذلك أعمارنا أيها الجمع الكريم ، ستعود يوما إلى ربها ، حيث سيفجأنا سرعة انصرامها وتحولها ، وسنقف على ما أودعناه فيها ، ولن نجد هناك المشقة أو اللذة ، ولكن سنلقى المحصلة النهائية الأجر أو الوزر ، فيا من يريد السعادة عليك بطاعة ربك ، ولو ركبتك المشقة وعلاك العنت ، ولا تلتفت بل امض في طريقك ، وعند الصباح يحمد القوم السرى ..
أيها الأحبة في الله ، لا يأتي رمضان إلا وتلحظ من النفوس الحية استعداداً للخير وإرادة له ، بل إن بعض العباد ليمني نفسه بتبتل تنقطع دونه الأعناق ، وتلحظ منهم عزماً على ذلك في بدايات الشهر ، ولكن بتقدم الأيام والليالي من الشهر الكريم ، يبدأ الملل يتسرب إلى النفوس المؤمنة الراغبة ، حتى يعود المرء إلى سابق عهده ، وهذا أيها الأحبة في الله ، نتاج السياسة الخاطئة للنفس ، فلو أن الإنسان تدرج بنفسه من السهل وارتقى بها لكان موفقاً ، فمن بدأ صغيراً كبر ، ومن كان ذا بداية كبيرة لا ريب أنه للتواضع أقرب ، فاحرص أيها الموفق ، وأنت في بداية الشهر على لزوم صلاة الجماعة في كل الأوقات ؛ واجعل من ذلك همك ما استطعت ؛ فإن وفقت فقد فتِّحت لك أبواب الخير ، وعند ذلك لو أخذت بالنوافل وقراءة القرآن لكنت في عداد الصالحين ، قد يكون ذلك قليلاً في نظر بعض الناس ، ولكن كما قال الحبيب r : « أحب العمل إلى الله أدومه وإن قل »، والحق سبحانه يبارك في القليل ، ومن البركة أن يكون مفتاحاً للخيرات من العبادات ..
وهنا أيها الجمع الكريم ، لا بد أن نقف على أمر مهم من عدونا الأول إبليس اللعين ، فهو أركسه الله يشم قلب العبد فإن رأى منه إقبالاً واندفاعاً للخير يقوم بترغيبه في الزيادة والإكثار حتى يمل العبد ويترك العمل ، وإن رأى من العبد ميلاً عن الطاعة ؛ زهده فيها وحبب إليه الخمول ، والناس في بواكير الشهر على رغبة جامحة في تحصيل الخير ؛ حتى إن الإنسان ليحرص على تتبع طرق الخير ، وكل ذلك بسبب من الشيطان ، ولكن عما قليل يفقد الإنسان الحماس بسبب التعب فيترك ذلك... بل ربما يترك حتى الواجبات؛ لذا ألح عليكم وأنتم مقبلون على شهركم بأن تكونوا على حذر من مكايد الشيطان ، وأن تتعاملوا مع النفوس المنبعثة للخير بالحكمة ؛ فألزموها بداية بقليل من العمل وعندما تعتاده سيكون ذلك سبيلاً لغيره ، وعوداً على بدء أقول إن خير ما عودنا عليه نفوسنا في هذا الشهر لزوم جماعة المسلمين في الصلاة ، ولو خرج الإنسان من شهره بهذه الفضيلة لا ريب أنه قد كسب شهره وأطاع ربه ، وخاض في غمار الرحمة .
وكما أن الولوج إلى الطاعة يكون بتدرج وأخذاً بالقليل في البداية ، كذلك العادات السيئة يكون التخفف منها تدرجاً ، ويكون هذا الشهر منطلقاً لذلك وإذا علم الله منك صدق النية أعانك ويسر لك الخير ..
وهنا أيها الأحبة في الله ، ألح على أهمية التخطيط في التعامل مع أمورنا في عباداتنا وعاداتنا، حيث نعرف الذي نريد والذي لا نريد والمهم والأهم؛ فنعطي كل ذي حق حقه وبذلك نخرج من فوضى الحياة التي هي سبب لهدر الأوقات والجهود والأموال ، ولو تعاملنا مع أوقات الصلوات في توزيع المهام في حياتنا لكنا موفقين غاية التوفيق ، وهذا ما يجعلني ألح على أهمية صياغة حياتنا من خلال صلواتنا الخمس ، فنقرن الدنيا بالآخرة ، وتكون الدنيا تبعاً للآخرة ، وعندها سنكسب الاثنتين ، وياله من مكسب ربيح لو عقلنا ..
وأختاماً لهذه الخطبة أقول : إن رمضان مدرسة تخرج منها عظماء الأمة، وصيغت من خلالها شخصياتهم ؛ لأن عناصر بناء الشخصية المسلمة الناجحة موجودة في القرآن ، والناس يعكفون في الشهر الكريم على ألواح الكتاب العزيز لذا تصاغ منهم النفوس صياغة أخرى ، ولا يلقى ذلك إلا الصابرون ، فيا من يريد السعادة في الدنيا والآخرة ؛ تلمس حاجاتك في كتاب ربك وستجدها ( ما فرطنا في الكتاب من شي ) فما عليك إلا أن تلزم رحبته في هذا الشهر ، وعندها ستندم على كل لحظة من عمرك ضيعتها في بعد عن كتاب الله ، وصدق ذو النورين t : عندما قال : « لو صحت قلوبكم ما شبعتم من كتاب الله » ، فاللهم إنا نسألك أن تجعل القرآن العظيم ربيع قلوبنا ونور صدورنا وجلاء أحزاننا وذهاب همومنا وغمومنا وقائدنا وسائقنا إليك ..
أقول قولي هذا ، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب ؛ فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .


الحمد ُلله على آلائه، وصلـواتُه على محمَّدٍ خاتمِ أنبيائه، وعلى آله وأصحابه وأصفيائه، وسلَّم تسليماً كثيراً.
وبعد ُ:
وكعادة الناس أيها الأحبة في الله ، قبل دخول الشهر يستعدون له ، ويملئون بيوتهم من كل خير ، وتلك عادة يبدو لي أنها قديمة وراسخة ، وقد تكون ناتجة من تعظيم الناس لهذا الشهر ، وربما تمشياً مع وصية النبي r لأمته بالتوسعة على الأهل في هذا الشهر ، وهذا شامل لكل أمر حلال ، ولا نثرب على الناس في ذلك بل تلك المآكل والمشارب طيبات أحلت لعباد الله ، وهي للصالحين ألزم وأوجب ( قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة ) ، فاللهم لك الحمد على ما أنعمت به علينا من نعمك العظيمة وآلائك الجزيلة ، كما نسألك سبحانك أن ترزقنا شكرها والقيام بحقها ..
نعم ، أيها الأحبة ، لا بد أن تشكر هذه النعم ، وشكرها يكون بردها للمنعم بها سبحانه فلا تنسب لغيره ، وكذلك بوضعها الوضع اللائق بها فلا تهان ، وبالشكر تقر النعم وبكفرانها تفر ..
وإنك لو نظرت حولك لعلمت قدر نعمة الله عليك سبحانه ، فأنت تتنعم بهذه النعم وتجبى إليك من كل البقاع ، والناس من حولك يتضورون جوعاً بل إن المجاعات هذه الأيام تضرب أفريقيا ، بل إن في الصومال وحدها ، وهو الشعب الذي يشارككم الدين والجنس ؛ هناك مليون إنسان مهددون بالموت ، والصور التي تنقل تفزع من مرآها النفوس ، وما أصاب غيركم قد أصيب به أجدادكم من قبل ، وقد يصيبكم ، نسأل الله أن يجنبنا ذلك ؛ فتذكروا ذلك ، واجعلوا من ذلك تكأة لحفظ نعمكم وكذلك رفد من حولكم بها ، وذلك بمد يد العون لتلك البلاد المنكوبة عن طريق القنوات الرسمية التي وضعتها الدولة لئلا تصرف في غير ما أرسلت له ، وهذا أمر أؤكد عليه ، ولا داعي للاجتهادات الفردية التي ما أنزل الله بها من سلطان ، وهنا ومن خلال هذا المنبر أهيب بحكامنا وهم القريبون من كل خير أن يبدؤوا حملات لجمع التبرعات لأولئك المنكوبين ؛ للتخفيف عنهم ، وهذا ظن إخواننا بنا ، فاللهم إنا نسألك أن ترفع عن إخواننا ما يلقون من غائلة الجوع والمرض ، وأن يلطف بهم إنه جواد كريم ..
المشاهدات 2452 | التعليقات 0