وصايا تربوية في العام الدراسي الجديد للشيخ صالح الجبري

منصور الفرشوطي
1432/10/10 - 2011/09/08 20:38PM
ملخص الخطبة
1- نصائح وتوجيهات للطلاب. 2- كلمة للمعلمين وبيان مهمة التعليم الأساسية.
الخطبة الأولى

بمناسبة ابتداء العام الدراسي وافتتاح المدارس والمعاهد والكليات نتوجه إلى المدرسين والطلبة وأولياء الأمور بهذه الوصايا، ونبدأ بالطلبة.
أيها الطالب في أي مرحلةٍ كنت، أولاً: أرجو الله عز وجل أن يكلل مسعاك بالتوفيق، وأن يحفظك وأن يجعلك عنصر خير في هذا المجتمع، وأن يقيك من السوء والضر والشر والكيد والحقد والغل وكل ما يؤذيك في دينك ودنياك وجسمك وروحك وقلبك.
ثانيًا: أيها الطالب على اختلاف مستويات دراستك، أناشدك الله أن تنوي العبادة في دراستك، فإن طلب العلم أشرف العبادات. إذا دخلت مدرستك أو معهدك أو كليتك فانوِ بدراستك أن تكون لله عبدًا، وليكن شعارك: (اللهم اجعل علمي خالصًا لوجهك الكريم، اللهم أشهدك أني في عبادة)، فطلب العلم كما أسلفنا أشرف العبادات، فعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله salla-icon.gif يقول: ((من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له طريقا إلى الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضا بما يصنع، وإن العالم ليستغفر له من في السموات ومن في الأرض حتى الحيتان في الماء، وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب، وإن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما إنما ورثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظ وافر)) صحيح الترغيب والترهيب (1/ 70)، وقال أيضا في حديثٍ لأنس بن مالك: ((طلب العلم فريضة على كل مسلم)) صحيح الترغيب والترهيب (1/ 72).
لذا انوِ العبادة، وإذا ما نويت العبادة فطوبى لك أيها الطالب، تبتدئ من السابعة صباحا وأنت في أشرف عبادة إن نويت ذلك، وتستمر عبادتك وأنت على مقعد الدراسة، وأنت في باحة المدرسة تستريح من عناء الدرس، وأنت تأكل ما بين الحصص فأنت في عبادة، وأنت تؤدي واجباتك المدرسية في المنزل فأنت في عبادة إن نويت ذلك، start-icon.gifقُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ mid-icon.gif لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَend-icon.gif [الأنعام: 162، 163]، وقال رسول الله salla-icon.gif: ((إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى)) صحيح الترغيب والترهيب (1/ 10).
ثالثًا: أيها الطالب، القرآن القرآن، كيف ذلك؟ نريدك أن تجعل القرآن منطلقك ومحور تحركاتك، من القرآن انطلق، ابحث في القرآن عن منطلقاتك لحياتك السلوكية، ابحث في القرآن عن منطلقات لغاياتك العملية، القرآن القرآن، لِتكن دائمًا في رحابه، قال رسول الله: ((تركت فيكم شيئين لن تضلوا ما تمسكتم بهما: كتاب الله وسنتي، ولن يتفرقا حتى يردا علي الحوض)) رواه مالك والحاكم وهو حديث حسن، ((إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا))، وما ضل بعض من طلابنا إلا بسبب ابتعادهم عن القرآن. فالقرآن القرآن، التزموه تلاوةً وقراءةً وتدبرًا، ابتدئ يومك به واختم يومك به ولو ببضع آيات، فذلك والله حفظٌ لك ولعقلك وقلبك وسلوكك، نريد لك نسخة خاصة بك من القرآن الكريم تحملها في حقيبتك، وإن لم تحمل كُل القرآن فلا أقل من أن تحمل منه جزءًا يُقرأ كلما وجدت فرصة، فوالله إنه حفظ وصيانة ودفاع بالنسبة لك وبالنسبة لنا وبالنسبة لمجتمعنا، start-icon.gifوَهَذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَend-icon.gif [الأنعام: 155].
رابعًا: يا طلابنا التزموا آداب الإسلام في مدارسنا، أيها الإخوة ادخلوا بعض مدارسنا لتروا الجدران موسخة، ولتروا المقاعد مكسرة، ولتجدوا النظافة معدومة، من الذي فعل هذا؟! هل هم أعداء الإسلام والمسلمين؟! لا، إنهم بعض أبنائنا والذين لهم ولعٌ غريب في التخريب والإفساد، ألا يعلمون أن الله عز وجل يقول: start-icon.gifوَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ الْفَسَادَend-icon.gif [البقرة: 205]، وأن الذين يفسدون في الأرض سيجعلهم الله في الدنيا خاسرين وفي الآخرة أذلاء؟! فما بالنا نُفْسِد؟! وما بالنا نخرب؟! لذلك نحن نطلب من كل الناس ومن كل الآباء أن يوجهوا أبناءهم إلى أن العناية بالمدرسة عبادة، ولأنه من يخرب في طرق المسلمين ومرافقهم فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، هكذا بيّن لنا النبي salla-icon.gif.
خامسًا: نريدك ـ أيها الطالب ـ أن تكون متفوقًا، نريدك مجتهدًا، أن تنهي ما عليك من واجبات، أن تدرس وتبرمج وقتك، قال رسول الله salla-icon.gif: ((إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه)) صحيح الجامع الصغير (1880).
أتقن دراستك، ونحن نعلم أن ما يحيطك من عوامل مفسدة لا تساعدك على التفوق والإتقان، فتمرد عليها لأننا نريدك متفوقًا عالمًا، نريدك عنصرًا فعّالاً في هذا المجتمع، تقدم ما ينفعه وتبتعد عما يضره، نناشدك أن تحاسب نفسك في كل يوم: أين قضيت وقتك؟ وما الذي فعلته في يومك؟ فإن كنت مخطئًا فاستغفر الله وعاهده على أن لا تعود إلى ذلك، وإن كنت مصيبًا فازدد في اليوم التالي واحرص على أن تكون في كل يوم أفضل مما كنت عليه بالأمس، فمن استوى يوماه فهو مغبون.
سادسًا: اجتهدوا في معرفة نفوسكم، وهناك مقياس سهل الاستخدام لاكتشاف النفس، هذا المقياس هو نوعية ما تلومك نفسُك عليه. قد أقسم الله تعالى بالنفس اللوامة فقال: start-icon.gifلا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ mid-icon.gif وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِend-icon.gif [القيامة: 1، 2]، المؤمن تعاقبه نفسه وتلومه، والفاجر عتابُ نفسه له قليل، وهو ماضٍ في انحرافاته غير مكترث بشيء، وكلما ارتقى العبد في مدارج الفلاح والصلاح ارتقت نوعية لوم نفسه ونوعية عتابها عليه، هناك من لا تلومه نفسه ولو مضى عليه شهر دون أن يركع لله تعالى ركعة، وهناك من تلومه نفسه إن فاتته صلاة فريضة من الفرائض، هناك من لا تلومه نفسه على التفريط في المذاكرة والقراءة ولو مضى عليه أسابيع وشهور دون أن يفتح كتابًا، وهناك من تلومه نفسه إذا لم يقرأ كل يوم عدة ساعات، وهناك من تلومه نفسه إذا تأخر عشر دقائق عن دوام المدرسة، وهناك من لا تلومه نفسه وهو يغيب بالأيام ويهرب من الحصص ويتسكع في الشوارع والمقاهي والأسواق. وهكذا على مقدار حيوية ضمير كل إنسان يتشكل سلوكه وطموحه أيضًا؛ لذا نقول للجميع: أصغوا جميعًا إلى الصوت النوراني المنبعث في أعماقكم والذي يؤنبكم على التقصير والتفريط، واسألوا أنفسكم: هل نوعية العتاب الموجه إليكم في داخلكم آخذة في الارتقاء والتسامي، أو أنها آخذة في الانحطاط والتدهور؟ واتخذوا من الجواب معيارًا تتحاكمون إليه.
سابعًا: أبنائي الطلبة، لا بد من الاحترام، احرصوا على احترام الغير، على احترام كل الناس. ولا شكّ أن في المجتمع من يستحق احترامًا خاصًا، وعلى رأسهم الأبوان والمعلمون وكبار السن، وقد قال رسول الله salla-icon.gif: ((ليس منا من لم يجل كبيرنا ويرحم صغيرنا ويعرف لعالمنا حقه)) صحيح الجامع الصغير (5443)؛ لذا لا بد من احترامكم لمعلميكم احترامًا غير منقوص، وعليك أن تضع لنفسك حقيقة واحده وهي أن هذا المدرس الذي يقف أمامك ما هو إلا الوسيلة التي تزيدك معرفة وإدراكًا يومًا بعد يوم، وهو الذي يعطيك الجرعة المناسبة من الفهم والإدراك التي تتناسب مع عمرك لمواجهة الحياة ومتطلباتها بطريقة علمية مدروسة، غير تلك التي تأخذها أنت من البيت أو الشارع.
ثم إن احترامك لمدرسك يدل على أنك تربيت على الاحترام، وأنك تعيش في بيت محترم يُعَلّم أبناءه احترام الآخرين وعدم احتقارهم، مما ينعكس على سمعتك وسمعة عائلتك بكثيرٍ من الإعجاب والتقدير، فلا تسئ إلى نفسك وإلى أبويك بعدم احترامك لمعلمك، واعلم أن احترام الناس لك يكون بقدر احترامك لهم، وصدق رسول الله salla-icon.gif: ((اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن)) صحيح الجامع الصغير (97). معناه: عامل الناس يما تحبّ أن يعاملوك به، وبلا شك أن الاحترام والتقدير المتبادل بين الناس هو في طليعة ما يحبّ الناس التعامل به مع بعضهم البعض في كل زمان ومكان، فهل يفهم البعض ذلك؟ نرجو ذلك ونتمناه.
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم لي ولكم، إنه هو الغفور الرحيم.


small-white-h-line.gif
الخطبة الثانية
وقفتنا الأخرى اليوم مع المعلمين ونقول لهم: أيها الأفاضل، إن المهنة التي تؤدونها مهنة عظيمة وباب واسع من أبواب نيل الحسنات والرفعة في الدرجات، وهنيئًا لكم هذا الشرف العظيم ألا وهو تعليم الناس الخير، قال رسول الله salla-icon.gif: ((إن الله وملائكته حتى النملة في جحرها وحتى الحوت في البحر ليصلون على معلم الناس الخير)) صحيح الجامع الصغير (1838)، فهنيئًا لكم ذلك الأجر العظيم.
لكن لا بد لكم من إخلاص مصاحب لهذا العمل حتى يتحقّق المطلوب، لأنّه لا يقوم عمل إلا بإخلاص. ونحن ننبه على هذا لأننا نرى بعض من شرفهم الله بهذه المهنة يضيعون كل ما يتاح لهم من أجر وخير بسبب تركهم الإخلاص، فترى الواحد منهم لا يؤدي عمله إلا لأجل المال ـ ولا شك إن المال مطلوب ومهم ـ، ولا يهتم بوقت درسه ولا إفادة طلابه ولا تربية تلاميذه، ولا يبالي بسلوك منحرف عند الطلاب وأخلاق رذيلة وعلاقات محرمة وفواحش مقيتة وتبادل ما حرم الله من دخان وأشرطة وصور وبلوتوثات وألعاب إلكترونية فاحشة ومواقع إباحية على الإنترنت وغيرها من انحرافات الطلاب، فلا يأبه لها أبدًا، ولا يبالي إلا بانتهاء وقت الدوام كيفما انتهى، ولا يخطر بباله أنه يؤدي رسالة خطيرة لمجتمعه، وأنه يخرج من تحت يده شخص يعلم المسلمين وآخر يعالجهم وآخر يدافع عنهم بنفسه وبقلمه وعلمه؛ لينال بعد بذلك ويحصل على نصيبه من حسناتهم؛ لأنهم في ميزان عمله الصالح من غير أن ينقص من أجرهم شيء.
لذا فإن المدرس الذي يهتم بالتعليم فقط ويهمل التربية لا يستحق أن يكون معلمًا، ولا يستحق الخيرية؛ لأنه لا يعرف قيمة التربية والهدف من التعليم، تقول أم سفيان الثوري العلَم العملاق في تاريخنا تقول له: "يا بُني، خذ هذه عشرة دراهم وتعلم عشرة أحاديث، فإن وجدت لها تغييرًا في جلستك ومشيتك وكلامك فأقبل على العلم وأنا أكفيك بمغزلي، وإلا فاتركه فإني أخشى أن يكون عِلمُك وبالاً عليك يوم القيامة". إن هذه المرأة العظيمة تؤسس في التربية والتعليم قاعدةً كبرى: (لا نفع للعلم بدون عمل، ولا قيمة له بدون أثر في السلوك). نعم، إن الأمة العظيمة وراءها تربية عظيمة.
هذه هي وظيفة العلم الأساسية: التربية. إنه يربي النشء ويحترق على واقعهم ويعتبرهم أبناءً له، ويعتبر إصلاحهم من أولويات وظيفته وتربيتهم من مسؤولياته، وهو مع ذلك سيحْصُل ما يحصله غيره من مزايا مادية ويعيش عيشته مستقرة هنيئة.
أيها الإخوة، إن النقص الحقيقي في التعليم اليوم هو في غياب التربية المصاحبة للتعليم، فمثلاً مدرس الرياضيات يظن أن عمله المطلوب منه هو تقديم هذه المادة الجافة وشرحها وأن يفهمها الطلاب ثم يخرج، وقُلْ مثل هذا الكلام على مدرس الفيزياء والتاريخ والجغرافيا والنحو وغير ذلك كثير. حسنًا، طيبُ الخلق والأدبِ والتوجيه والإرشاد وصياغة عقل الطلاب وخُلق الطالب كُل هذا من أين يتلقاه الطالب؟! ومن أين يأخذه؟! من البيت؟! الأب أدخل ولده المدرسة وهو يتصور أن المدرسة تقوم بهذا الدور، وفي المدرسة يوجد هذا التصور عند طاقم المدرسين إلا من رحم الله.
أيضًا هذا الانشطار في الفهم موجود؛ لأن مدرسي المواد غير الدينية يظنون أن ذلك مهمة مدرسي الدين، وإذا أتيت إلى مدرس الدين وجدت أنه ملتزم بمنهج محدد ولا بد أن ينهيه ولا يجد فرصه لتوجيه الطلاب؛ لأنه لا يلتقي بهم إلا في الحصص المحدودة الأثر والوقت؛ لذا لا بد من أن يشارك الجميع في قضية التوجيه والإرشاد وصيانة خُلق الطالب وأدبه وعقله ودينه. وهذه هي مهمة المدرسين الحقيقية بكافة أنواعهم؛ حتى يخرج الإنسان مسلمًا صالحًا نافعًا لأمته.
أما إذا أهملنا هذا الجانب فإن الخسارة نتحملها نحن، نصرف الملايين على التعليم ثم لا يؤدي هذا التعليم ما هو مطلوبٌ منه، يتخرج المهندس ويتخرج الطبيب ويتخرج الفني، لكن ما الفائدة عندما يكون مهندسًا فاجرًا أو طبيبًا فاسقًا أو موظفًا خائنًا؟! كم تخسر الأمة من تخرج أمثال هؤلاء؟! السبب هو أن المؤسسة التعليمية لم تقم بعملها المفترض الصحيح حتى يتخرج مثل ذلك الإنسان المؤمن العاقل الناضج الذي يخاف الله والذي يراقب الله قبل أن يراقب مديره ومسؤوله في العمل.
فهل هذه المعاني واضحة في أذهاننا ونحن نستقبل عامًا دراسيًا جديدًا؟! نرجو ذلك ونتمناه.
وفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه...
http://www.alminbar.net/alkhutab/khutbaa.asp?mediaURL=10113
المشاهدات 2776 | التعليقات 0