وَسَائِلُ الثَّبَاتِ فِي زَمَنَ الْمُغْرِيَاتِ 24 رَجَب 1438هـ

محمد بن مبارك الشرافي
1438/07/22 - 2017/04/19 15:48PM
وَسَائِلُ الثَّبَاتِ فِي زَمَنَ الْمُغْرِيَاتِ 24 رَجَب 1438هـ
الْحَمْدُ للهِ الْعَلِيِّ الأعْلَى, الذِي خَلَقَ فَسَوَّى, وَحَكَمَ عَلَى خَلْقِهِ بِالْمَوْتِ وَالفَنَاءِ, وَالْبَعْثِ إِلَى دَارِ الْفَصْلِ وَالْقَضَاءِ, لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى, وأشَّهَدُ أَن لاَ إلَهَ إلاَّ اللهُ وحدَهُ لاَ شرِيكَ لهُ, وأشَّهَدُ أنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ ورَسُولُهُ, صَلَّىَ الله علَيهِ وَعَلَى آلِهِ وأصَّحابَهِ وَمَنْ بِهُدَاهُمُ اقْتَدَى, وَسَلَّمَ تَسلِيماً كَثِيراً.
أَمَّا بَعْدُ : فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ, وَاثْبُتُوا عَلَى دِينِكُمْ وَإِيَّاكُمْ وَالتَّبْدِيلَ وَالانْحِرَافَ عَنْ إِسْلَامِكُمْ وَالارْتِدَادَ عَنْ إِيمَانِكُمْ, فَإِنَّ الْغَافِلَ مَنْ نَسِيَ عَدُوَّهُ الشَّيْطَانَ وَهُوَ مَعَهُ لا يَنْسَاهُ وَلا يَفْتُرُ عَنْ إِغْوَائِهِ وَصَدِّهِ عَنْ سَبِيلِ اللهِ, قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ (يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ)
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ : إِنَّنَا فِي زَمَنٍ خَطِرٍ, لِمَا فِيهِ مِنْ كَثْرَةِ الْفِتَنِ وَمَا حَوَاهُ مِنْ تَنَوِّعِ الْمُغْرِيَاتِ وَالْمُهْلِكَاتِ لِلْإِيمَانِ وَالاسْتِقَامَةِ, إِنَّنَا نَسْمَعُ بَيْنَ الْفَيْنَةِ وَالْأُخْرَى مَا يَنْدَى لَهُ الْجَبِينُ وَيَحْزَنُ لَهُ الْقَلْبُ, مِنْ تَرْكِ بَعْضِ أَبْنَاءِ الْمُسْلِمِينَ دِينَهُمْ, إِمَّا بِالالْتِحَاقِ بِمِلَلِ الْكُفْرِ أَوِ بِالانْتِسَابِ إِلَى لِيبْرَالِيَّةٍ أَوْ عَلْمَانِيَّةٍ أَوْ مِلَّةٍ فَاسِدَةٍ, فَضْلاً عَنْ تَرْكِ بَعْضِ النَّاسِ مَظَاهِرَ الاسْتِقَامَةِ, فَمِنْهُمْ مَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ فِي الْمَسْجِدِ بَعْدَ أَنْ كَانَ مُحَافِظَاً عَلَيْهَا, وَأَطَالَ ثَوْبَهُ بَعْدَ أَنْ كَانَ عَلَى السُّنَّةِ, وَآخَرُ حَلَقَ لِحْيْتَهَ بَعْدَ أَنْ كَانَتْ تُزَيِّنُ وَجْهَهُ, وَثَالِثٌ ابْتَعَدَ عَنِ الصَّالِحِينَ وَمَجَالِسِ الْأَخْيَارِ بَعْدَ أَنْ كَانَ مِنْ أَوَّلِ مَنْ يُبَادِرُ إِلَيْهَا, بَلْ مِنْهُمْ مَنْ قُبِضَ عَلَيْهِ مُتَلَبِّسَاً بِجَرَائِمَ مُخْزِيَةٍ مِنْ شُرْبٍ لِلْخُمُورِ وَتَعَاطٍ لِلْمُخَدِّرَاتِ أَوِ وُقُوعٍ فِي مَعَاصٍ أَخْلَاقِيَّةٍ, وَلا حَوْلَ وَلا قُوَّةٍ إِلَّا بِاللهِ.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ : إِنَّ مَنْ لَمْ يَحْرِصْ عَلَى حِفْظِ دِينِهِ وَتَقْوِيَةِ إِيمَانِهِ ضَعَفُ وَرُبَّمَا زَاغَ عَنْهُ, وَيَدُلَّ لِذَلِكَ مِنَ الشَّرْعِ عِدَّةُ أُمُورٍ :
فَمِنْهَا : أَنَّنَا مَأْمُورُونَ بِقِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ وَفِيهَا قَوْلُهُ تَعَالَى (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ) , فَتَأَمَّلُوا : مَعَ أَنَّنَا مُسْلِمُونَ وَنُصَلِّي إِلَّا أَنَّنَا نَطْلُبُ الْهِدَايَةَ, فَنَحْنُ فِي حَاجَةٍ لِلدِّلَالَةِ عَلَى الْحَقِّ وَفِي ضَرُورَةٍ أَنَّ اللهَ يُثَبِّتَنَا عَلَيْهِ.
وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ (رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ) فَهَذَا دُعَاءُ الرَّاسِخِينَ فِي الْعِلْمِ يَدْعُونَ اللهَ بِالثَّبَاتِ, فَكَيْفَ بِغَيْرِهِمْ .
وَمِنْ ذَلِكَ مَا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ (يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ، ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ) قَالَ: فَقُلْنَا يَا رَسُولَ اللهِ، آمَنَّا بِكَ وَبِمَا جِئْتَ بِهِ، فَهَلْ تَخَافُ عَلَيْنَا ؟ فَقَالَ (نَعَمْ، إِنَّ الْقُلُوبَ بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ يُقَلِّبُهَا)
فَإِذَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَافَ عَلَى نَفْسِهِ وَعَلَى أَصْحَابِهِ؟ فَنَحْنُ أَحْقُّ أَنْ نَخَافَ عَلَى أَنْفُسِنَا وَأَهَالِينَا مِنَ الزَّيْغِ.
وَمِمَّا ثَبَتَ فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ أَنَّهُ بَعْدَ مَوْتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ارْتَدَّ بَعْضُ مَنْ أَسْلَمَ , بَلْ حَتَّى فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُنَاكَ أُنَاسٌ أَسْلَمُوا ثُمَّ ارْتَدُّوا عَنِ الْإِسْلَامِ بِالْكُلِّيَّةِ , أَفَلَا يَجِبُ عَلَيْنَا أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ أَنْ نَخَافَ عَلَى أَنْفُسِنَا مِنَ الانْتِكَاسَةِ ؟
وَمِنَ الْأَدِلَّةِ مِنْ كَلَامِ السَّلَفِ رَحِمَهُمُ اللهُ : قَوْلُ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ : مَنْ كَانَ مِنْكُمْ مُسْتَنًّا فَلْيَسْتَنَّ بِمَنْ قَدْ مَاتَ، فَإِنَّ الْحَيَّ لا تُؤْمَنُ عَلَيْهِ الْفِتْنَةُ، أُولِئَكِ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ ، كَانُوا أَبَرَّ هَذِهِ الْأُمَّةِ قُلُوبًا، وَأَعْمَقَهَا عِلْمًا، وَأَقَلَّهَا تَكُلَّفًا، قَوْمُ اخْتَارَهُمُ اللهُ لِصُحْبَةِ نَبِيِّهِ وَإِقَامَةِ دِينِهِ، فَاْعِرُفوا لَهُمْ حَقَّهُمْ، وَتَمَسَّكُوا بِهَدْيِهِمْ، فَإِنَّهُمْ كَانُوا عَلَى الْهُدَى الْمُسْتِقِيمِ.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ : إِنَّ الزَّيْغَ وَالانْتِكَاسَ لَهُ أَسْبَابٌ تُؤَدِّي إِلَيْهِ وَتَقُودُ لِطَرِيقِهِ, وَمَعْرِفِتُهَا مُهِمَّةٌ لِتَوَقِّيهَا , فَمِنْهَا :
عَدَمُ الْإِخْلَاصِ, بِأَنْ يَكُونَ الْإِنْسَانُ يُظْهِرُ الاسْتِقَامَةَ وَالصَّلَاحَ وَلَكِنَّهُ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ, فَفِيهِ شَبَهٌ مِنَ الْمِنَافِقِينَ, وَلِذَلِكَ سُرْعَانَ مَا يُظْهِرُ مَا كَانَ يُخْفِي عِنْدَ أَدْنَى سَبَبٍ .
وَمِنْ ذَلِكَ مَعَاصِي الْخَلَوَاتِ, فَإِذَا خَلَا بِمَحَارِمِ اللهِ انْتَهَكَهَا وَخَانَ اللهَ وَارْتَكَبَ الْمُوْبِقَاتِ, وَرُبَّمَا ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ, وَمَا عَرَفَ أَنَّ ذَلِكَ يَظْهَرُ وَلَوْ بَعْدَ حِينٍ قَالَ اللهُ تَعَالَى (وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ) وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ عَنِ الْمُنَافِقِينَ (يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ )
وَكَمْ أَهْلَكَتْ وَسَائِلُ التَّوَاصِلُ الْحَدِيثَةُ مِنَ الْأَدْيَانِ وَكَمْ ضَيَّعَتْ مِنَ الْأَعْرَاضِ, فَيَخْلُوَ الْوَاحِدُ أَوِ الْوَاحِدَةُ بِجَوَّالِهِ فِي الْغُرْفَةِ بَعِيدَاً عَنِ النَّاسِ فَيَسْتَمِعَ الْمُحَرَّمَاتِ وَيَنْظُرَ الْمُوبِقَاتِ وَيَتَمَتَّعَ بِالْمَنَاظِرِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ نَفْسِهِ, وَيَظُنُّ أَنَّهُ يُمَتِّعُ نَفْسَهُ, وَمَا عَرَفَ الْمِسْكِينُ أَوِ الْمِسْكِينَةُ أَنَّ ذَلِكَ نَحْرٌ لِلدِّينِ وَتَمْزِيقٌ لِلْعَفَافِ, فَذُنُوبُ الْخَلَوَاتِ طَرِيقُ الانْتِكَاسَاتِ.
أَيُّهَا الشَّبَابُ : وَمِنْ أَعْظَمِ وَسَائِلِ الزَّيْغِ وَالانْتِكَاسِ عَنِ الدِّينِ: مُجَالَسَةُ الْفُسَّاقِ وَأَهْلِ الْمَعَاصِي, وَقَدْ يَضْطَرُّ الإِنْسَانُ إِلَيْهِمْ إِمَّا لِأَنَّهُمْ أَقَارِبُهُ أَوْ زُمَلاؤُهُ فِي الْعَمَلِ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ, ثُمَّ رُبَّمَا جَالَسَهُمْ فِي أَوِّلِ الْوَقْتِ مُجَامَلَةً ثُمَّ يَجُرُّونَهُ مَعَهُمْ إِلَى الْهَاوِيَةِ.
فَكَمْ مِنَ النَّاسِ مَنْ تَركَ بَيْتَهُ وَزَوْجَتَهُ وَصَارَ يَسْهَرُ إِلَى آخِرِ اللَّيْلِ مَعَ أَصْدِقَاءِ السُّوءِ ! كَمْ مِنَ الشَّبَابِ سَقَطَ فِي السَّفَرِيَّاتِ إِلَى بِلَادِ الْغَرْبِ أَوِ الشَّرْقِ وَسَقَطَ فِيمَا سَقَطَ فِيهِ غَيْرُهُ ! وَكَانَ أَوَّلَ الْأَمْرِ إِنَّمَا أَخَذَ الْأَمْرَ فُسْحَةً وَفُرْجَةً ! كَمْ مِنَ الْمُوَظَّفِينَ أَوِ الْمُدِرِّسِينَ جَرَّهُ أَهْلُ الْجَلْسَةِ الْأُسْبُوعِيَّةِ لِأُمُورٍ لا تُحْمَدُ عُقْبَاهَا ؟ فَلا نَقُولُ إِلَّا : إِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ , أقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ الْعَظِيمَ لِي وَلَكُمْ، فَاسْتِغْفِرُوهُ وَتُوبُوا إلَيْهِ إِنَّهُ رَحِيمٌ وَدُودٌ.
الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِه وَصَحْبِهِ أَجْمَعينَ .
أَمَّا بَعْدُ : فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ وَاثْبُتُوا عَلَى دِينِهِ وَخَافُوا عَلَى إِيمَانِكُمْ, وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ جَعَلَ لِكُلِّ شَيْءٍ سَبَبَاً , وَإِنَّ الثَّبَاتَ عَلَى الدِّينِ لَهُ أَسْبَابٌ, فَمَنَ سَلَكَهَا نَجَا بِإِذْنِ اللهِ, وَمَنْ تَرَكَهَا فَلا يَأْمَنُ عَلَى نَفْسِهِ الْفِتْنَةَ وَالزَّيْغَ , فَمِنْ تِلْكَ الْوَسَائِلِ :
الدُّعَاءُ , فَأَكْثِرْ مِنْ سُؤَالِ رَبِّكَ الثَّبَاتَ فِي السُّجُودِ وَقَبْلَ السَّلَامِ وَبَعْدَ التَّحَيِّاتِ, وَفِي ثُلُثِ اللَّيْلِ الْأَخِيرِ وَعِنْدَ الْإِفْطَارِ إِذَا صُمْتَ , وَبَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ, فَإِنَّهَا مَوَاضِعُ حَرِيٌّ الدُّعَاء بِالْإِجَابَةِ فِيهَا .
وَمِنَ الْوَسَائِلِ : أَنْ لا تَأْمَنَ عَلَى نَفْسِكَ الزَّيْغَ وَالانْتِكَاسَةَ, فَأَنْتَ مَعَكَ شَيْءٌ غَالٍ جِدًّا هُوَ الدِّينُ وَإِنَّ الشَّيْطَانَ يُرِيدُ انْتِزَاعَهُ مِنْكَ, فَإِيَّاكَ أَنْ تَغْفَلَ وَعَدُوُّكَ لَكَ بِالْمِرْصَادِ , عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَنْ خَافَ أَدْلَجَ، وَمَنْ أَدْلَجَ بَلَغَ المَنْزِلَ، أَلَا إِنَّ سِلْعَةَ اللَّهِ غَالِيَةٌ، أَلَا إِنَّ سِلْعَةَ اللَّهِ الجَنَّةُ) رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ . وَعَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ : كَانَ النَّاسُ يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْخَيْرِ، وَكُنْتُ أَسْأَلُهُ عَنِ الشَّرِّ مَخَافَةَ أَنْ يُدْرِكَنِي . رَوَاهُ مُسْلِم.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ : وَمِنْ وَسَائِلِ الثَّبَاتِ : طَلَبُ الْعِلْمِ , فَإِنَّهُ طَرِيقٌ لِمَعْرِفَةِ كِتَابِ اللهِ وُسَنَّةِ رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَمَنْ عَرَفَ شَرْعَ اللهِ وَعَمِلَ بِهِ ثَبَتَ , فَعَلَيْكَ بِالْعِلْمِ وَاصْبِرْ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ طَرِيقُكُ إِلَى السَّعَادَةِ الدُّنْيَوِيَّةِ وَالأُخْرَوِيَّةِ , عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (... وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا، سَهَّلَ اللهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) رَوَاهُ مُسْلِم.
وَمِنَ الْوَسَائِلِ مُجَالَسَةُ الْأَخْيَارِ مِنَ الْعُلَمَاءِ وَطُلَّابِ الْعِلْمَ النَّاصِحِينَ وَالدُّعَاةِ الْمُصْلِحِينَ , وَالْحَذَرُ مِنْ مُجَالَسَةِ الْأَشْرَارِ وَلَوْ كَانُوا مِنْ أَقَارِبِكَ أَوْ مِنْ زُمَلائِكَ , وَاعْلَمْ أَنَّكَ سَتَعَضُّ أَصَابِعَ النَّدَمِ وَتَتَأَسَّفَ عَلَى ذَلِكَ لَكِنْ حِينَ لا يَنْفَعُ النَّدَمُ , قَالَ اللهُ تَعَالَى (وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَالَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا * يَاوَيْلَتَا لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا * لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولاً)
أَيُّهَا الْأَخْيَارُ : وَمِنَ وَسَائِلِ الثَّبَاتِ الْعَظِيمَةِ : طَاعَاتُ الْخَلَوَاتِ, حِينَ لا يَرَاكَ إِلَّا رَبُّكَ , وَلِذَلِكَ عَظُمَ أَجْرُ الصِّيَامِ, وَكَثُرَ فَضْلُ قِيَامِ اللَّيْلِ لِأَنَّهُ خَالِصٌ للهِ , لا يَرَاكَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ , فَأَكْثِرْ مِنَ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ السِّرِّيَّةِ وَلا تُخْبِرْ بِهَا أَحَدَاً , وَأَبْشِرْ فَوَ اللهِ لَتَرَيَّنَ أَثَرَهَا عَلَى قَلْبِكَ وَعَلَى تَوْفِيقِكَ وَتَسْدِيدِكَ فِي دِينِكِ وَدُنْيَاكَ , فَمَنْ عَامَلَ اللهَ بِإِخْلَاصٍ وَفَّقَهُ, وَمَنْ صَدَقَ مَعَ اللهِ صَدَقَهُ , وَمَنْ حَفِظَ اللهَ بِالسِّرِّ حَفِظَهُ بِالْعَلَانِيَةِ , عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كُنْتُ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا، فَقَالَ (احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ) رَوَاهُ التِّرْمِذِيِّ وَصَحَّحَهُ هُوَ وَالْأَلْبَانِيُّ.
وَالسَّلَفَ رَحِمَهُمْ اللهُ كَانُوا يَسْتَحِبُّونَ أَنْ يَكُوْنَ لِلرَّجُلِ خَبِيئَةٌ مِنْ عَمَلٍ صَالِحٍ، لاَ تَعْلَمُ بِهِ زَوْجَتُهُ وَلاَ غَيْرُهَا.
فَمَا أَجْمَلَ أَنْ تَتَصَدَّقَ عَلَى فَقِيرٍ لا يَعْلَمُ بِكَ إِلَّا اللهُ , وَمَا أَحْسَنَ أَنْ تَصُومَ وَتُصَلِّيَ بِاللَّيْلِ وَلا تُخْبِرْ أَحَدَاً , فَيَرَى اللهُ مِنْكَ طَلَبَ رِضَاهُ وَالدَّارَ الآخِرَةَ, فَحِينَهَا أَبْشِرْ.
أَسْأَلُ اللهَ بِمَنِّهِ وَكَرَمِهِ أَنْ يَحْفَظَنا جَمِيعَاً وَأَنْ يَأْخُذَ بِأَيْدِينَا لِلتَّوْفِيقِ وَالسَّدَادِ وَأَنْ يَجْعَلَ عُقْبَانا إِلَى رَشَادٍ , اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لَنَا دِينَنَا الذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِنَا , وَأَصْلِحْ لَنَا دُنْيَانَا التِي فِيهَا مَعَاشُنَا وَأَصْلِحْ لَنَا آخِرَتَنَا التِي إِلَيْهَا مَعَادُنَا ! اللَّهُمَّ أَصْلِحْ شَبَابَ الْمُسْلِمِينَ وَاهْدِهِمْ سُبُلَ السَّلامِ وَخُذْ بِنَوَاصِيهِمْ للْهُدَى وَالرَّشَادِ, وَجَنِّبْهُمْ الْفِتَنَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَما بَطَنْ , اللَّهُمَّ آمِنَّا فِي دُورِنَا وَأَصْلِحْ وُلَاةَ أُمُورِنَا ! اللَّهُمَّ جَنِّبْ بِلادَنَا الْفِتَنَ وَسَائِرَ بِلادِ الْمُسْلمِينَ يَا رَبَّ العَالَمِينَ ! اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ مِن الغَلَا وَالوَبَا وَالرِّبَا وَالزِّنَا وَالزَلازِلَ وَالفِتَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَن! وَصَلِّ اللَّهُمَّ وَسَلِّمْ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ وَالْحَمْدِ للهِ رَبِّ العَالَمِينْ .
المرفقات

وَسَائِلُ الثَّبَاتِ فِي زَمَنَ الْمُغْرِيَاتِ 24 رَجَب 1438هـ.docx

وَسَائِلُ الثَّبَاتِ فِي زَمَنَ الْمُغْرِيَاتِ 24 رَجَب 1438هـ.docx

المشاهدات 2076 | التعليقات 1

جزاك الله خيرا