ورحمتي وسعت كل شيء
عاصم بن محمد الغامدي
1437/07/23 - 2016/04/30 15:33PM
[align=justify]{ورحمتي وسعت كل شيء}.
الخطبة الأولى:
الحمد لله المستعان على كل نائبة، والمقصود عند كل نازلة، عنت له وجوهنا، وخشعت له أصواتنا، يا رب أنت المدعوّ في المهمات، وإليك المفزع في الملمات، لا يندفع منها إلا ما دفعت، ولا ينكشف منها إلا ما كشفت.
ونصلي ونسلم على أشرف رسلك وخاتم أنبيائك وعلى الآل والصحب ومن تبعهم بإحسان.
أما بعد عباد الله:
فاتقوا الله حق التقوى، وتمسكوا بشرعه القويم، والتزموا طريقه المستقيم، والتمسوا في رحمته النجاة، فقد وسعت رحمته كل شيء، {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ۚ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ}.
عباد الله:
شفقة الوالدين على أولادهما، وحنانهما ورعايتهما، من عجائب خلق الله، فلولا ذلك لما استمرت الحياة، ولانقرض البشر والحيوانات منذ دهور بعيدة.
ما الذي يجعل الأب يطعم اللقمة التي يشتهيها لولده لما رآه ينظر إليها.
ما الذي يجعل الأم تكابد السهر عند مرض ولدها، وكأن سهرها سيعافيه أو يعجل شفاءه.
ما الذي يجعل الوالدين يكدان ويسعيان في هذه الحياة دون توقف ولا انقطاع من أجل تربية الأولاد وتعليمهم.
إنه عجيب صنع الله تعالى.
غاب يوسف عن يعقوب عليهما السلام سنين طويلة، ذكر بعض المفسرين أنها تقرب من أربعين عامًا، {وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ قَالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ ۖ لَوْلَا أَن تُفَنِّدُونِ}، سئل ابن عباس رضي الله عنهما: من كم وجد يعقوب ريح القميص؟ فقال: من مسيرة سبع ليالٍ أو ثمان ليال، فمع أن العير كانت تحمل قميص يوسف فقط، إلا أنه شم رائحة ولده من شفقته ومحبته.
وعن عائشة -رضي الله تعالى عنها- قالت: "جاءتني مسكينة تحمل ابنتين لها، فأطعمتها ثلاث تمرات، فأعطت كل واحدة منهما تمرة، ورفعت إلى فِيها تمرة لتأكلها، فاستطعمتها ابنتاها فشقت التمرة التي كانت تريد أن تأكلها بينهما، تقول عائشة -رضي الله تعالى عنها: فأعجبني شأنها، فذكرت الذي صنعت لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقال: إن الله قد أوجب لها بها الجنة، أو أعتقها بها من النار، [رواه مسلم].
فإذا تأملت هذا، وتذكرت حنان والديك، وعطفهما عليك، فاعلم أن "لله مئة رحمة، أنزل منها رحمة واحدة بين الجن والإنس والبهائم والهوام، فبها يتعاطفون، وبها يتراحمون، وبها تعطف الوحش على ولدها، وأخّر الله تسعًا وتسعين رحمة يرحم بها عباده يوم القيامة". [صحيح مسلم].
وفي صحيح البخاري عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قدم رسولُ الله ـ صلى الله عليه وسلم، بسبيٍ، فإذا امرأة من السبي تسعى، إذ وجَدَتْ صبيًا في السبي، فألزقته ببطنها، فأرضعته، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أترون هذه المرأة طارحةً ولدها في النار؟ قلنا: لا والله، فقال: "لَلّهُ أرحم بعباده من هذه بولدها".
ولله تعالى رحمة خاصة بالمؤمنين، تختلف عن رحمته العامة بجميع خلقه.
فمن أرادها، فليستمع إلى قوله تعالى: {قال عذابي أصيب به من أشاء ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون* الذين يتبعون النبي الأميّ}.
عن ابن جريج قال: لما نـزلت: {ورحمتي وسعت كل شيء}، قال إبليس: أنا من كل شيء. قال الله: {فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ} الآية. فقالت اليهود: ونحن نتقي ونؤتي الزكاة! فأنـزل الله: {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ}، فنـزعها الله عن إبليس، وعن اليهود، وجعلها للمتقين من أمة محمدٍ صلى الله عليه وسلم.
عباد الله:
المال رحمة لأهله، والفقر رحمة لأصحابه، والعافية رحمة لذويها، والمرض رحمة لمن هو فيه، بل خلْقنا، ورزْقنا، وحياتنا، ومماتنا، وبعثنا، كله من رحمة الله بنا.
كم من الحسنات يأخذها المريض، وكم من السيئات تحط عن الفقير، وكم من الدرجات يرتفع المغموم، إذا كانوا من الصابرين المتقين، الذين أحسنوا الظن برب العالمين.
ولو لم يكن من رحمة في البلاء إلا قرب أصحابه من ربهم، وكثرة مناجاته ودعائه لكفى بها نعمة ورحمة.
مجيب السائلين حملت ذنبي *** وسرت على الطريق إلى حماكا
ورحت أدق بابك مستجيرًا *** ومعتذرًا ... ومنتظرًا رضاكا
دعوتك يا مفرج كل كرب *** ولست ترد مكروبًا دعاكـا
من رحمة الله بنا:
قبوله لنا، كلما أحدثنا له توبة صادقة، فقد قال جل جلاله:
{قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعًا}.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: قال الله تبارك وتعالى:" يا ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان فيك ولا أبالي، يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي، يا ابن آدم إنك لو أتيتني بقُراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا لأتيتك بقرابها مغفرة" [رواه الترمذي وحسنه الألباني].
وجاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله: أحدنا يذنب الذنب، قال: "يكتب عليه"، قال: ثم يستغفر، قال: "يُغفر له ويتاب عليه"، قال: ثم يعود، فيذنب، قال: "يكتب عليه"، قال: ثم يستغفر ويتوب، قال: "يغفر له ويتاب عليه، ولا يملّ الله حتى تملّوا". [حسنه ابن حجر العسقلاني].
ومن رحمة الله بنا ما أخبر عنه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: "لما خلق الله الخلق كتب عنده فوق عرشه: إن رحمتي سبقت غضبي". [متفق عليه].
ومن رحمته بنا ما يكتبه لنا من الحسنات على أمور لم نعملها، قال عليه الصلاة والسلام: "إن الله كتب الحسنات والسيئات، ثم بين ذلك فمن همّ بحسنة فلم يعملها كتبها الله له عنده حسنة كاملة، فإن هو همّ بها فعملها، كتبها الله له عنده عشر حسنات، إلى سبع مائة ضعف، إلى أضعاف كثيرة، ومن همّ بسيئة فلم يعملها، كتبها الله له عنده حسنة كاملة، فإن هو همّ بها فعملها، كتبها الله له سيئة واحدة". [رواه البخاري ومسلم].
ورحمة الله بنا تتجلى في كل شيء من حولنا، فالحمدلله عدد ما خلق، والحمدلله ملء ما خلق، والحمدلله ملء السماوات والأرض وما بينهما.
أقول ما سمعتم، وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمدلله حمد الشاكرين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وصلى الله وسلم على سيد خلقه وخاتم رسله ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين، أما بعد عباد الله:
فالوصية لنفسي ولكم بتقوى الله، فهي وصية الله للأولين والآخرين، وبها تكون النجاة في يوم الدين، {ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإياكم أن اتقوا الله}.
عباد الله:
ابتلي المسلمون على مر السنين بأصناف من الناس، بعضهم ضيق رحمة الله الواسعة، فجعلها خاصة لمن سار على نهجه، أو اقتفى خطاه، وبعضهم جعل نفسه رقيبًا على الخلق، يحدد المرحوم منهم، وغير المرحوم، وبعضهم عرف الله بصفة الرحمة، ولم يعرفه بباقي صفاته الدالة على عظمته.
روى مسلم في صحيحه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "قال رجل والله لا يغفر الله لفلان، فقال الله عز وجل: من ذا الذي يتألى عليّ أن لا أغفر لفلان إني قد غفرت له، وأحبطت عملك".
والمؤمن يعلم أن رحمة الله تعالى، لا تنافي عقابه لمن يستحق، وأن حلمَه جل جلاله لا يتعارض مع غضبه على من استوجبه، بل كل ذلك من أسمائه وصفاته، التي نعبده بها، ونتقرب إليه بتعلمها.
جعلنا الله من عباده المرحومين، وكتب لنا النجاة في يوم الدين.
ثم صلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه فقال عز من قائل: {إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليمًا}.
[/align]
الخطبة الأولى:
الحمد لله المستعان على كل نائبة، والمقصود عند كل نازلة، عنت له وجوهنا، وخشعت له أصواتنا، يا رب أنت المدعوّ في المهمات، وإليك المفزع في الملمات، لا يندفع منها إلا ما دفعت، ولا ينكشف منها إلا ما كشفت.
ونصلي ونسلم على أشرف رسلك وخاتم أنبيائك وعلى الآل والصحب ومن تبعهم بإحسان.
أما بعد عباد الله:
فاتقوا الله حق التقوى، وتمسكوا بشرعه القويم، والتزموا طريقه المستقيم، والتمسوا في رحمته النجاة، فقد وسعت رحمته كل شيء، {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ۚ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ}.
عباد الله:
شفقة الوالدين على أولادهما، وحنانهما ورعايتهما، من عجائب خلق الله، فلولا ذلك لما استمرت الحياة، ولانقرض البشر والحيوانات منذ دهور بعيدة.
ما الذي يجعل الأب يطعم اللقمة التي يشتهيها لولده لما رآه ينظر إليها.
ما الذي يجعل الأم تكابد السهر عند مرض ولدها، وكأن سهرها سيعافيه أو يعجل شفاءه.
ما الذي يجعل الوالدين يكدان ويسعيان في هذه الحياة دون توقف ولا انقطاع من أجل تربية الأولاد وتعليمهم.
إنه عجيب صنع الله تعالى.
غاب يوسف عن يعقوب عليهما السلام سنين طويلة، ذكر بعض المفسرين أنها تقرب من أربعين عامًا، {وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ قَالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ ۖ لَوْلَا أَن تُفَنِّدُونِ}، سئل ابن عباس رضي الله عنهما: من كم وجد يعقوب ريح القميص؟ فقال: من مسيرة سبع ليالٍ أو ثمان ليال، فمع أن العير كانت تحمل قميص يوسف فقط، إلا أنه شم رائحة ولده من شفقته ومحبته.
وعن عائشة -رضي الله تعالى عنها- قالت: "جاءتني مسكينة تحمل ابنتين لها، فأطعمتها ثلاث تمرات، فأعطت كل واحدة منهما تمرة، ورفعت إلى فِيها تمرة لتأكلها، فاستطعمتها ابنتاها فشقت التمرة التي كانت تريد أن تأكلها بينهما، تقول عائشة -رضي الله تعالى عنها: فأعجبني شأنها، فذكرت الذي صنعت لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقال: إن الله قد أوجب لها بها الجنة، أو أعتقها بها من النار، [رواه مسلم].
فإذا تأملت هذا، وتذكرت حنان والديك، وعطفهما عليك، فاعلم أن "لله مئة رحمة، أنزل منها رحمة واحدة بين الجن والإنس والبهائم والهوام، فبها يتعاطفون، وبها يتراحمون، وبها تعطف الوحش على ولدها، وأخّر الله تسعًا وتسعين رحمة يرحم بها عباده يوم القيامة". [صحيح مسلم].
وفي صحيح البخاري عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قدم رسولُ الله ـ صلى الله عليه وسلم، بسبيٍ، فإذا امرأة من السبي تسعى، إذ وجَدَتْ صبيًا في السبي، فألزقته ببطنها، فأرضعته، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أترون هذه المرأة طارحةً ولدها في النار؟ قلنا: لا والله، فقال: "لَلّهُ أرحم بعباده من هذه بولدها".
ولله تعالى رحمة خاصة بالمؤمنين، تختلف عن رحمته العامة بجميع خلقه.
فمن أرادها، فليستمع إلى قوله تعالى: {قال عذابي أصيب به من أشاء ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون* الذين يتبعون النبي الأميّ}.
عن ابن جريج قال: لما نـزلت: {ورحمتي وسعت كل شيء}، قال إبليس: أنا من كل شيء. قال الله: {فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ} الآية. فقالت اليهود: ونحن نتقي ونؤتي الزكاة! فأنـزل الله: {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ}، فنـزعها الله عن إبليس، وعن اليهود، وجعلها للمتقين من أمة محمدٍ صلى الله عليه وسلم.
عباد الله:
المال رحمة لأهله، والفقر رحمة لأصحابه، والعافية رحمة لذويها، والمرض رحمة لمن هو فيه، بل خلْقنا، ورزْقنا، وحياتنا، ومماتنا، وبعثنا، كله من رحمة الله بنا.
كم من الحسنات يأخذها المريض، وكم من السيئات تحط عن الفقير، وكم من الدرجات يرتفع المغموم، إذا كانوا من الصابرين المتقين، الذين أحسنوا الظن برب العالمين.
ولو لم يكن من رحمة في البلاء إلا قرب أصحابه من ربهم، وكثرة مناجاته ودعائه لكفى بها نعمة ورحمة.
مجيب السائلين حملت ذنبي *** وسرت على الطريق إلى حماكا
ورحت أدق بابك مستجيرًا *** ومعتذرًا ... ومنتظرًا رضاكا
دعوتك يا مفرج كل كرب *** ولست ترد مكروبًا دعاكـا
من رحمة الله بنا:
قبوله لنا، كلما أحدثنا له توبة صادقة، فقد قال جل جلاله:
{قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعًا}.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: قال الله تبارك وتعالى:" يا ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان فيك ولا أبالي، يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي، يا ابن آدم إنك لو أتيتني بقُراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا لأتيتك بقرابها مغفرة" [رواه الترمذي وحسنه الألباني].
وجاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله: أحدنا يذنب الذنب، قال: "يكتب عليه"، قال: ثم يستغفر، قال: "يُغفر له ويتاب عليه"، قال: ثم يعود، فيذنب، قال: "يكتب عليه"، قال: ثم يستغفر ويتوب، قال: "يغفر له ويتاب عليه، ولا يملّ الله حتى تملّوا". [حسنه ابن حجر العسقلاني].
ومن رحمة الله بنا ما أخبر عنه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: "لما خلق الله الخلق كتب عنده فوق عرشه: إن رحمتي سبقت غضبي". [متفق عليه].
ومن رحمته بنا ما يكتبه لنا من الحسنات على أمور لم نعملها، قال عليه الصلاة والسلام: "إن الله كتب الحسنات والسيئات، ثم بين ذلك فمن همّ بحسنة فلم يعملها كتبها الله له عنده حسنة كاملة، فإن هو همّ بها فعملها، كتبها الله له عنده عشر حسنات، إلى سبع مائة ضعف، إلى أضعاف كثيرة، ومن همّ بسيئة فلم يعملها، كتبها الله له عنده حسنة كاملة، فإن هو همّ بها فعملها، كتبها الله له سيئة واحدة". [رواه البخاري ومسلم].
ورحمة الله بنا تتجلى في كل شيء من حولنا، فالحمدلله عدد ما خلق، والحمدلله ملء ما خلق، والحمدلله ملء السماوات والأرض وما بينهما.
أقول ما سمعتم، وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمدلله حمد الشاكرين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وصلى الله وسلم على سيد خلقه وخاتم رسله ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين، أما بعد عباد الله:
فالوصية لنفسي ولكم بتقوى الله، فهي وصية الله للأولين والآخرين، وبها تكون النجاة في يوم الدين، {ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإياكم أن اتقوا الله}.
عباد الله:
ابتلي المسلمون على مر السنين بأصناف من الناس، بعضهم ضيق رحمة الله الواسعة، فجعلها خاصة لمن سار على نهجه، أو اقتفى خطاه، وبعضهم جعل نفسه رقيبًا على الخلق، يحدد المرحوم منهم، وغير المرحوم، وبعضهم عرف الله بصفة الرحمة، ولم يعرفه بباقي صفاته الدالة على عظمته.
روى مسلم في صحيحه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "قال رجل والله لا يغفر الله لفلان، فقال الله عز وجل: من ذا الذي يتألى عليّ أن لا أغفر لفلان إني قد غفرت له، وأحبطت عملك".
والمؤمن يعلم أن رحمة الله تعالى، لا تنافي عقابه لمن يستحق، وأن حلمَه جل جلاله لا يتعارض مع غضبه على من استوجبه، بل كل ذلك من أسمائه وصفاته، التي نعبده بها، ونتقرب إليه بتعلمها.
جعلنا الله من عباده المرحومين، وكتب لنا النجاة في يوم الدين.
ثم صلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه فقال عز من قائل: {إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليمًا}.
[/align]