ورثة الفردوس (1) الخشوع في الصلاة

حسين عامر
1431/03/24 - 2010/03/10 11:21AM
الخشوع في الصلاة
عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : ( كان النبي إذا أنزل عليه الوحي سمع عند وجهه كدوي النحل فأنزل عليه يوما فمكثنا ساعة فسري عنه فاستقبل القبلة ورفع يديه وقال اللهم زدنا ولا تنقصنا وأكرمنا ولا تهنا وأعطنا ولا تحرمنا وآثرنا ولا تؤثر علينا وأرضنا وارض عنا ثم قال أنزل علي عشر آيات من أقامهن دخل الجنة ثم قرأ { قد أفلح المؤمنون } حتى ختم عشر آيات)
حسنه ابن حجر في هداية الرواة والبغوي في شرح السنة والشيخ أحمد شاكر في المسند وضعفه الألباني
{ قد أفلح المؤمنون }قد حرف تحقيق إي أن فلاح المؤمنين أصبح حقيقة واقعة لا شك فيها .
والفلح أصله في اللغة الشق والقطع، ومنه فلاحة الارض أي شقها للحرث، واستعمل منه الفلاح في الفوز كأن الفائز شق طريقه للوصول إلى بغيته .
وعن أبي سعيد رضي الله عنه قال خلق الله تبارك وتعالى الجنة لبنة من ذهب ولبنة من فضة وملاطها المسك وقال لها تكلمي فقالت قد أفلح المؤمنون فقالت الملائكة طوبى لك منزل الملوك
رواه الطبراني والبزار روي مرفوعا لكن وقفه هو الأصح المشهور وصححه الألباني.
فمن هم المؤمنون الذين كتب الله لهم هذه الوثيقة ، ووعدهم هذا الوعد ، وأعلن عن فلاحهم هذا الإعلان؟
من هم المؤمنون المكتوب لهم الخير والنصر والسعادة والتوفيق والمتاع الطيب في الأرض؟ والمكتوب لهم الفوز والنجاة ، والثواب والرضوان في الآخرة؟ ثم ما شاء الله غير هذا وذلك في الدارين مما لا يعلمه إلا الله؟
من هم المؤمنون . الوارثون . الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون؟
إنهم هؤلاء الذين يفصل السياق صفاتهم بعد آية الافتتاح :
{ الذين هم في صلاتهم خاشعون } . . تستشعر قلوبهم رهبة الموقف في الصلاة بين يدي الله ، فتسكن وتخشع ، فيسري الخشوع منها إلى الجوارح والملامح والحركات . ، فتختفي من أذهانهم جميع الشواغل ، ولا تشتغل بسواه.
(خاشعون)أي خائفون ساكنون و" الخشوع هو السكون والطمأنينة و هو قيام القلب بين يدي الرب بالخضوع والذل .
ومحل الخشوع في القلب وثمرته على الجوارح.
والأعضاء تابعة للقلب فإذا فسد خشوعه بالغفلة والوساوس فسدت عبودية الأعضاء والجوارح فإن القلب كالملك والأعضاء كالجنود له
وأما التظاهر بالخشوع فممقوت ، ومن علامات الإخلاص : إخفاء الخشوع
كان حذيفة رضي الله عنه يقول : إياكم وخشوع النفاق فقيل له : وما خشوع النفاق قال : أن ترى الجسد خاشعا والقلب ليس بخاشع.
و كان بعض الصحابة يقول : أعوذ بالله من خشوع النفاق ، قيل له : وما خشوع النفاق ؟ قال : أن يرى الجسد خاشعا والقلب غير خاشع.
" والخشوع في الصلاة إنما يحصل لمن فرّغ قلبه لها ، واشتغل بها عما عداها ، وآثرها على غيرها ، وحيئذ تكون راحة له وقرة عين كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : (.. جعلت قرة عيني في الصلاة) "
وقد ذكر الله الخاشعين والخاشعات في صفات عباده الأخيار وأخبر أنه أعد لهم مغفرة وأجرا عظيما سورة الأحزاب 35
ومن فوائد الخشوع أنه يخفف أمر الصلاة على العبد قال تعالى : (واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين) والمعنى : أي مشقة الصلاة ثقيلة إلا على الخاشعين.
[IMG]http://vb.arabseyes.com/imgcache/56157.imgcache[/IMG]
صوره عجيبة فيها خشوع وهدوء
التقطت من المسجد الحرام لاحد المصلين ، والذي من خشوعه وقفت الحمامه على رأسه
فضل الخشوع :
في الحديث أن النبي قال: (خمس صلوات افترضهن الله تعالى ، من أحسن وضوءهن وصلاهن لوقتهن ، وأتم ركوعهن وخشوعهن كان له على الله عهد أن يغفر له ، ومن لم يفعل ، فليس له على الله عهد، إن شاء غفر له وإن شاء عذّبه.) رواه أبو داود وصححه الألباني
وقال أيضا : (من توضأ فأحسن الوضوء ثم صلى ركعتين يُقبل عليهما بقلبه ووجهه [ وفي رواية : لا يحدّث فيهما نفسه ] إلا وجبت له الجنة)رواه البخاري
أن الأجر المكتوب بحسب الخشوع كما قال : (إن العبد ليصلي الصلاة ما يُكتب له منها إلا عشرها ، تسعها ، ثمنها ، سبعها ، سدسها ، خمسها ، ربعها ، ثلثها ، نصفها) رواه الإمام أحمد وهو في صحيح الجامع
- أنه ليس له من صلاته إلا ما عقل منها كما جاء عن ابن عباس رضي الله عنه : (ليس لك من صلاتك إلا ما عقلت منها).
أن الخاشع في صلاته " إذا انصرف منها وجد خفّة من نفسه ، وأحس بأثقال قد وضعت عنه ، فوجد نشاطا وراحة وروحا ، حتى يتمنى أنه لم يكن خرج منها ، لأنها قرّة عينه ونعيم روحه ، وجنة قلبه ، ومستراحه في الدنيا ، فلا يزال كأنه في سجن وضيق حتى يدخل فيها ، فيستريح بها ، لا منها ، فالمحبون يقولون : نصلي فنستريح بصلاتنا ، كما قال إمامهم وقدوتهم ونبيهم : (يا بلال أرحنا بالصلاة) ولم يقل أرحنا منها.
وقال : (جعلت قرة عيني بالصلاة) فمن جُعلت قرّة عينه في الصلاة ، كيف تقرّ عينه بدونها وكيف يطيق الصبر عنها ؟ "
06-12-12-741016189.jpg
طائفة من أسباب الخشوع في الصلاة :
(1) الاستعداد للصلاة والتهيؤ لها .
بأن يستحضر عظمة الله وجلاله و يعلم أن الله يُجيبه في صلاته :
كما في الحديث القدسي (قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ولعبدي ما سأل ، فإذا قال : الحمد لله رب العالمين قال الله : حمدني عبدي فإذا قال : الرحمن الرحيم ، قال الله : أثنى عليّ عبدي ، فإذا قال : مالك يوم الدين ، قال الله : مجّدني عبدي ، فإذا قال : إياك نعبد وإياك نستعين ، قال : هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل ، فإذا قال : إهدنا الصراط المستقيم ، صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين ، قال الله : هذا لعبدي ولعبدي ما سأل.) صحيح مسلم
وهذا حديث عظيم جليل لو استحضره كل مصلٍّ لحصل له خشوع بالغ ولوجد للفاتحة أثرا عظيما كيف لا وهو يستشعر أن ربّه يخاطبه ثم يعطيه سؤله.
وكان علي بن أبي طالب رضي الله عنه إذا حضرت الصلاة يتزلزل ويتلون وجهه ، فقيل له : ما لك ؟ فيقول : جاء والله وقت أمانة عرضها الله على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملتُها.
لما سُئِل حاتم الأصم عن صلاته قال:
إذا حانت الصلاةأسبغت الوضوء،وأتيت الموضع الذي أريد الصلاة فيهفأقعد فيه حتى تجتمع جوارحي
ثم أقوم إلىصلاتيوأجعل الكعبة بين حاجبي،والصراط تحت قدميوالجنة عن يمينيوالنارعن شمالي
ومَلَك الموت ورائيوأظنها آخر صلاتيثم أقوم بين يدي الرجاءوالخوفوأكبر تكبيراً بتحقيقوأقرأ بترتيلوأركع ركوعاً بتواضعوأسجدسجوداً بتخشعوأتبعها الإخلاصثم لا أدري أقُبلت مني أم لا؟
(2) الطمأنينة في الصلاة
عن أبي قتادة رضي الله عنه قال : قال النبي : (أسوأ الناس سرقة الذي يسرق من صلاته ، قال يا رسول الله : كيف يسرق صلاته ، قال : (لا يتم ركوعها ولا سجودها). رواه أحمد والحاكم
والذي لا يطمئن في صلاته لا يمكن أن يخشع لأن السرعة تذهب بالخشوع ونقر الغراب يذهب بالثواب.

(3) تذكر الموت في الصلاة
وفي هذا المعنى وصية النبي لأبي أيوب رضي الله عنه لما قال له: (إذا قمت في صلاتك فصلِّ صلاة مودِّع) رواه أحمد
يعني صلاة من يظن أنه لن يصلي غيرها وإذا كان المصلي سيموت ولابد ، فإن هناك صلاة مّا هي آخر صلاة له فليخشع في الصلاة التي هو فيها فإنه لا يدري لعلها تكون هذه هي.
(4) تدبر الآيات المقروءة وبقية أذكار الصلاة والتفاعل معها
القرآن نزل للتدبر { كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدّبروا آياته وليذكّر أولوا الألباب } و مما يعين على التدبر التفاعل مع الآيات كما روى (حذيفة قال : صليت مع رسول اللهذات ليلة.. يقرأ مسترسلا ، إذا مر بآية فيها تسبيح سبح و إذا مر بسؤال سأل و إذا مر بتعوذ تعوذ) رواه مسلم
وفي رواية (صليت مع رسول الله ليلة ، فكان إذا مر بآية رحمة سأل ، و إذا مر بآية عذاب تعوذ ، و إذا مر بآية فيها تنزيه لله سبح).
(5) أن يقطّع قراءته آيةً آية
وذلك أدعى للفهم والتدبر وهي سنة النبي كما ذكرت أم سلمة رضي الله عنها قراءة رسول الله (بسم الله الرحمن الرحيم ، وفي رواية : ثم يقف ثم يقول ، الحمد لله رب العالمين ، الرحمن الرحيم ، وفي رواية : ثم يقف ثم يقول : ملك يوم الدين) يقطّع قراءته آيةً آية رواه أبو داود
(6) النظر إلى موضع السجود :
لما ورد عن عائشة (كان رسول الله إذا صلى طأطأ رأسه و رمى ببصره نحو الأرض) رواه الحاكم ا/479 وقال صحيح على شرط الشيخين
ما حكم إغماض العينين في الصلاة ؟
قال ابن القيم ( إن كان تفتيح العين لا يُخلّ بالخشوع فهو أفضل ، وإن كان يحول بينه وبين الخشوع لما في قبلته من الزخرفة والتزويق أو غيره مما يشوّش عليه قلبه فهنالك لا يُكره التغميض قطعا ، والقول باستحبابه في هذا الحال أقرب إلى أصول الشرع ومقاصده من القول بالكراهة ، والله أعلم " زاد المعاد 1/293 ط. دار الرسالة
(7) التنويع في السور والآيات والأذكار والأدعية في الصلاة
وهذا يُشعر المصلي بتجدد المعاني والانتقال بين المضامين المتعددة للآيات والأذكار
وأذكار ركوعه متنوعة فبالإضافة إلى (سبحان ربي العظيم) و(سبحان ربي العظيم وبحمده) يقول : (سُبّوح قُدّوس رب الملائكة والروح) ويقول : (اللهم لك ركعت وبك آمنت ولك أسلمت وعليك توكلت أنت ربي ، خشع سمعي وبصري ودمي ولحمي وعظمي وعصبي لله رب العالمين).
وفي الرفع من الركوع يقول بعد (سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد) وكان يضيف أحيانا (ملء السموات وملء الأرض وملء ما شئت من شيء بعد أهل الثناء والمجد ، اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ، ولا ينفع ذا الجدّ منك الجدّ)
وفي السجود بالإضافة إلى (سبحان ربي الأعلى) و(سبحان ربي الأعلى وبحمده) يقول أيضا : (سُبّوح قدوس رب الملائكة والروح) و (سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي) و (اللهم لك سجدت وبك آمنت ولك أسلمت ، سجد وجهي للذي خلقه وصوّره وشقّ سمعه وبصره ، تبارك الله أحسن الخالقين) وغير ذلك.
(8)الاستعاذة بالله من الشيطان
الشيطان عدو لنا ومن عداوته قيامه بالوسوسة للمصلي كي يذهب خشوعه ويلبِّس عليه صلاته.
عن أبي العاص رضي الله عنه قال : يا رسول الله إن الشيطان قد حال بيني وبين صلاتي وقراءتي يلبِّسها عليّ ، فقال رسول : (ذاك شيطان يُقال له خنزب فإذا أحسسته فتعوّذ بالله منه واتفل على يسارك ثلاثا). قال : ففعلت ذلك فأذهبه الله عني. رواه مسلم
وختاما أسأل الله عز وجل أن يجعلنا من الخاشعين وأن يتوب علينا أجمعين ، والحمد لله رب العالمين.
المشاهدات 3824 | التعليقات 0