وذكرهم بأيام الله ( عاشوراء)
موسى بن عبدالله الموسى
الخطبة الأولى
الحمد لله له المحامد كلها، وله الثناء الحسن، لا نحصي ثناء عليه هو كما أثنى على نفسه سبحانه.
لك الحمد ربي أنت للحمد واحد فلست لأحد من عبادك حامد
تفيض علينا دائما كل نعمة ولولاك كل الخلق ما كان واجد
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا
أما بعد، فاتقوا الله أيها المؤمنون حق التقوى، وراقبوا ربكم في السر والنجوى ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾.
Û أيها المؤمنون: يوم من أيام الله العظيمة ،يوم شكر للمؤمنين، وهو يوم هلاك الكافرين، يوم الفرج والنصر والفرح، اليوم العاشر من شهر الله المحرم كان نهاية لقصة طاغية الأرض وفرعون مصر، طغى وبغى وتجبر وعلا، تسلط على بني إسرائيل، قتل أبناءهم واستحيا نساءهم، أرسل الله إليه موسى وهارون فقالا: ﴿إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (١٦) أَنْ أَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ﴾ وخاطباه بقول لين لعله يتذكر أو يخشى.
فأراه الله الآية الكبرى ألقى موسى عصاه فإذا هي حية تسعى، ونزع يده من جيبه فإذا هي بيضاء من غير سوء، ألقي السحرة سجدا فكذب هو وعصى وتجبر وطغى وقال أنا ربكم الأعلى، لقد ظهرت البينات، لقد ظهرت له البينات ولكن ﴿وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا﴾.
آمن السحرة لما رأوا البينات، فتوعدهم ﴿فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى﴾.
فكان جوابهم بعد أن وقر الإيمان في قلوبهم: ﴿لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (٧٢) إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى﴾ .
ما أعظم الإيمان إذا خالطت بشاشته القلوب، لقد بلغ غضب فرعون مبلغه، لكن اليقين بالله أعظم سلاح وثبات، ووعد الله لا يخلف ﴿وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ (5) وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ﴾.
فلما اشتد حنق فرعون أوحى الله إلى موسى أن أسري بعبادي إنكم متبعون، فتبعهم فرعون بجنوده حتى ظن أصحاب موسى أنهم مدركون ؛ البحر أمامهم والطاغية خلفهم، فقال موسى ﴿كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ﴾ فجاء فرج الله ﴿أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا لَا تَخَافُ دَرَكًا وَلَا تَخْشَى﴾ فتبعه فرعون بجنوده وهو لا يزال في سكرة الطغيان، فغشيهم من اليم ما غشيهم ﴿وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هَدَى﴾ فكان هذا اليوم هو يوم النصر والفرح.
لقد أغرق الله فرعون الذي يقول ﴿أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ﴾ وصدق الله ﴿فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ﴾ ، أهلك فرعون وجنوده وصاروا خبراً بعد أثر ﴿فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ﴾ .
وتحقق وعد الله ﴿وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ﴾ .
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ﴾ .
بارك الله لي ولكم بالقرآن والسنة، ونفعني وإياكم بما فيهما من الآيات والذكر والحكمة، أقول ما سمعتم وأستغفر الله يغفر لي ولكم.
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشانه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الداعي إلى جنته ورضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.
أما بعد، أيها المؤمنون: فإن سنن الله لا تتبدل، وآياته لا تتحول، ﴿وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا﴾ [الأحزاب: 62]، ﴿وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا﴾ ، العاقبة للمتقين، والظالم ولو طال ليله فإن له موعداً لن يخلفه.
إن هذا اليوم العظيم هو يوم فرح للمؤمنين ويوم شكر لمن لا يستحق الحمد سواه، لقد صام موسى وقومه ذلك اليوم شكرًا لله على نصره وفرجه ﴿فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ .
Û أيها المؤمنون: لقد كانت قريش تعظم هذا اليوم، وكانوا يكسون فيه الكعبة، وكانوا يصومونه قبل الإسلام، ولقد صامه رسول الله صلى الله عليه وسلم في مكة، فلما أن قدم المدينة وجد اليهود تصومه فسأل عن صيامهم؛ قالوا : هذا يوم عظيم نج الله فيه موسى وقومه وأغرق فرعون وقومه، فصامه موسى شكرًا لله فنحن نصومه.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نحن أحق بموسى منكم»([1]) لأن الأنبياء دينهم واحد، والمؤمنون هم أولى بالأنبياء ممن حرف بعدهم وبدل، فصامه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأمر الناس بصيامه حتى فرض الله رمضان فصار صيامه سنة ، كفارة لسنة كاملة.
لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتقصد مخالفة اليهود، ولذلك فصومه اقتداء بموسى ليس تشبها باليهود.
وكان يتحرى صيامه ويصومه كل عام، فلما أن عرف الصحابة في اخر حياته تأكيده وتقصده مخالفة اليهود قالوا يا رسول الله: إن اليهود تصوم عاشوراء؟ فقال: «صوموا يوما قبله»([2]) أي معه لتنتفي المشابهة في الظاهر، ومن أفرد العاشر بالصيام لم يُكره ، ويرجى له أجر الكفارة , لكن فاته أجر المخالفة .
فاللهم اجعلنا لأنبيائك متبعين، وتوفنا مؤمنين غير مبدلين، ثم صلوا وسلموا على رسول الهدى وإمام أولي النهى كما أمركم ربكم جل وعلا: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [الأحزاب: 56].
([1]) أخرجه البخاري (2004) واللفظ له، ومسلم (1130).
([2]) رواه أحمد في (مسند بني هاشم) بداية مسند عبدالله بن العباس برقم 2155، ورواه البيهقي في (السنن الكبرى) باب صوم قبل يوم عاشوراء برقم 4315.
المرفقات
1720700191_خطبة الجمعة (1).pdf