ودروس مستفادة ...!
HAMZAH HAMZAH
خطبة : أكثر من شهرين
ودروس مستفادة ...!
جامع الفهد- محايل عسير- ١٤٤١/١٠/١٣هـ
د. حمزة آل فتحي
الحمدُ لله الذي خلق كلَّ شيء فقدره تقديرا، والحمد لله الذي لم يتخذ ولدا ، ولَم يكن له شريك في الملك، ولَم يكن له ولي من الذل وكبره تكبيرا
أشهد أن لا اله الا الله ، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، أرسله الله هاديا ومبشرا ونذيرا، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا
أما بعد : فإن أصدقَ الحديث كتاب الله، وخير الهدي هديُ محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار....
( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته، ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون ).
إخوة الاسلام :
لأكثرَ من شهرين وأنتم في أُتون الوباء ، وأعماق المحنة ، غُلّقت مساجدُكم، وخَلدتُم لبيوتِكم ،وانتشر الخوفُ، وابتُلي أقوام ...!
فهل لنا أن نتفكر في ذلك، ونجني بعضَ الدروس ..؟!
رُحماكَ يا رب لا رُحمى فتنقذُنا... سواك من حالنِا يا راحمَ الداني
ابسُط فيوضَك فالأحباسُ تقتلنا... وشوقنا ثائرٌ للراغب العاني
حتى المنابرُ قد جفّت ولا شجنٌ... يُغيثنا اليوم من نبعٍ وإيمانِ
نعم ثمةٌ دروس وعبر ، ليس لعاقل إهمالُها، أو عدم استحضارها ..!
قال تعالى :( وما نُرسلُ بالآيات إلا تخويفا ).
فأولُّ الدروسِ المُجتناة هنا: أن الأمرَ كله لله، بيده ملكوت كل شيء، وهو يجير ولا يجار عليه ، وهو على كل شيء قدير ، ما شاء كان ومالم يشأ لم يكن، يحكم ولا معقب لحكمه ( أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ۗ إِنَّ ذَٰلِكَ فِي كِتَابٍ ۚ إِنَّ ذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ ) . سورة الحج .
ومنها : أن يدركَ المرءُ ضعفَه وحقارة بني آدم، وأنّ فيروساً صغيرا ، فتك بهم كل هذا الفتك، وهدّد صحتهم ومعايشهم، فلعل أهل البطر يتوقفون، وأهل الاستكبار يتراجعون ... ( وكم أهلكنا من قرية بطِرت معيشتَها ، فتلك مساكنُهم لم تُسكن من بعدهم إلا قليلا ).
ومنها : الحَجر الصحي والسكون في البيوت، فخالطتُم أبناءكم ، وارتاحت نفوسكم، ورأيتم فضلَ الله عليكم، فلقد كان الحجر على إيمان وذكر، وسكن واجتماع، وراحة وهدوء، ( والله جعل لكم من بيوتكم سكنا ).
ومنها : ازدياد الناس حبا لإسلامهم، وشوقا إلى صلواتهم ، فقد علمهم النظافة، وآداب التعامل والنزاهة ، وحينها تدركون فضل الوضوء خمس صلوات وغسل الجنابة والجمعة، ولماذا علماؤنا جعلوا باب الطهارة أولَ الأبواب ..؟!
ومن الدروس : درسُ وعي هذه الحياة، وأنها لا تتطلب تعبا ولا هما تافها، فهي رخيصة مهينة، لا تستلزم النزاع ولا التقاتل ، وأن الصحة تاج فوق رووس الأصحاء، واستثمارها الحقيقي في الاستعداد لما بعد الموت، والتزود بالصالحات ، ( وتزودوا فإن خير الزاد التقوى ) سورة البقرة . وفِي الحديث المغانم الخمس :( وصحتَك قبل سقمك ) .
ومن دروس المحنة : القدرةُ على التكيف على أوضاع جديدة وصعبة، وتعلم الصبر والكف والتباعد ، وفِي الحديث قال صلى الله عليه وسلم :( وليسعكَ بيتُك ) وقال :( ومن يتصبر يصبره الله ).
ومنها : تذكرُ نعم الله علينا، واستدامة شكرها والمحافظة عليها، ( وإن تعدوا نعمةَ الله لا تحصوها ) . ومنها نعمة الذكر والصلاة في المساجد، ونعمة الرزق والعمل والتحرك..!
سُلب بعضُها لأكثرَ من شهرين ، فلم يُطِق بعضُنا، وتندم آخرون على فقدان المساجد... وقال : يا ليتني كنت من المصلين ...! وها هي قد عادت، فأصلح من نفسك، وجدّد توبتك، وكن من المبادرين المسارعين ( وسارعوا إلى مغفرة من ربكم ...) سورة آل عمران .
ومن الدروس : اللجوءُ إلى الله وعجزُ البشر عن الحلول ، وفرارهم إلى الخالق ذكراً ، ودعاءً ، وصلاة ( ففروا إلى الله ) . وفِي الوباء فرصةٌ للتائب ، وسبيلٌ للمنيب ، وذكرى للمسرف ( فلولا إذ جاءهم بأسُنا تضرعوا )...!
من ذا نلوذُ به في كشفِ كُربتنا.. ومَن عليه سوى الرحمنِ نتكلُ؟!
اللهم ارحم ضعفَنا، واجبُر كسرنا، وتوفنا وأنت راضٍ عنا...
أقول قولي هذا وأستغفرُ الله لي ولكم ....
—— ———
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آلهِ وصحبه ومن والاه وبعد :
أيها الإخوة الكرام :
احمُدوا اللهَ على أفضاله، واستكثروا من ذكره وشكرانه ، واجعلوا من هذه الظروف ظروفا إيمانية، تعلنون بها التوبة، وتطلبون المغفرة، وتجسدون التآخي والآداب . ( وتوبوا إلى اللهِ جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون ) . سورة النور .
فمن فقه الوباء : تلمسُ الفقراء والجيران والسؤال عنهم، قال صلى الله عليه وسلم :( المؤمن للمؤمن كالبنيان، يشُد بعضه بعضا ) وشبك بين أصابعه . وفِي الصدقة والمواساة مدافعة للبلاء ، واستجلاب العافية والرخاء .
ومن الفقه الأخذ بالرخص ( وما جعل عليكم في الدين من حرج ) والحرص على الآداب الصحية ، التي دلت عليها الشريعة الإسلامية ، وأولتها وزارة الصحة مشكورة عنايةً باهرة، تجاوزت الشهرين نصحا ، وتذكيرا، وتحذيرا . قال صلى الله عليه وسلم :( لا يُورَدُ مُمرضٌ على مُصح ) .
فوعينا يحمينا، وإياكم والتساهل وتعريض أنفسكم والآخرين للخطر، تباعدوا اجتماعيا، واعتنوا بالنظافة، وارتداء الكمامات ، والعطاس بآدابه ، ولا تخرجوا إلا في الضرورات والحالات المهمة، وراعوا الآدابَ في كل دائرة ومنشاة وتجارية.
وشكرا لكل مسؤول مخلص، ولكل عامل جاد من رجالات الصحة والأمن وكافة القطاعات الخدمية ، جزاهم الله خيرا، ونفع بجهودهم .
ونسأله سبحانه أن يرفع الوباء، وأن يحفظَ بلادنا وسائر بلاد المسلمين ، إنه جواد كريم .
وصلوا وسلموا يا مسلمون على الرحمة المهداة، والنعمة المسداة ...