وداع عام واستقبال آخر + حث منسوبي التعليم على التطعيم 27-12-1442
محمد آل مداوي
الحمد لله، الحمد لله الذي خلَق كلَّ شيء فقدَّره تقديرا، جعَل الليلَ والنهارَ خلفةً لمن أراد أن يذَّكَّر أو أراد شكورا، أشهد ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ الواحدُ الصمد، لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوًا أحد، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الأمين، بلَّغ الرسالةَ وأدَّى الأمانةَ ونصَح الأمةَ، وجاهَد في اللهِ حقَّ جِهَادِهِ حتى أتاه اليقينُ، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه، ومن اهتدى بهديه واستنَّ بسُنَّتِه إلى يوم الدين.
أما بعد: فأوصيكم ونفسي بتقوى الله عز وجل، فاتقوا الله رحمكم الله، فحياةُ الإنسَانِ مرَاحِل، والناسُ في هذهِ الدنيا ما بين مُستَعِدٍّ للرحيلِ وراحِل، وكلُّ نَفَسٍ يُدني مِنَ الأجَل، والموَفَّقُ مَنْ حاسَبَ نفسَهُ يومًا بيوم، وساعةً بساعة.. فهنيئًا لمن أحسَنَ واستقام، والويلُ لمن أساءَ وارتكَبَ الآثام، ويتوبُ اللهُ على مَن تاب، (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ).
أيها المؤمنون: في تقلُّبِ الأيام، وتَصَرُّمِ الأعوام؛ فرصةٌ للمُراجَعة والمُحاسَبة، وهي مِنْ نِعَمِ الله العظيمة: (وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ * وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ) .
وقد وبَّخَ اللهُ مَنْ فرَّطَ في وقته ولم ينتَفِعْ بهِ في آخرتِه، قال عز وجل: (أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ).
الليالي والأيامُ خَزائنُ للأعمال، ومراحلُ للأعمار، تُبلِي الجديدَ، وتُقرِّبُ البعيدَ، والكلُّ إلى الله يَسِيرُ، قال عليه الصلاة والسلام: "كلُّ الناسِ يغدو؛ فبائعٌ نفسَه فمعتِقُها أو مُوبِقُها" رواه مسلم.
عباد الله: لا خُلْدَ في الدنيا يُرتَجى، ولا بقاءَ فيها يُؤمَّل: (كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ) ، (كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ)
كم مِنْ مُستَقبِلٍ يومًا لا يَسْتَكْمِلُه، وكم مِنْ مُؤمِّلٍ لِغَدٍ لا يُدرِكُه، (وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) (لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ إِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَلَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ)
اعْقِدِ العزمَ في مَطْلَعِ هذا العام على المحافظةِ على الصلَواتِ الخمسِ في المسَاجِدِ جماعةً معَ المسلمين، والتزوُّدِ مِنَ العلمِ النافعِ والسعيِ في نَشرِه وتعليمِه، وحفظِ اللسانِ مِنَ المُحَرَّمات -مِنَ الكذبِ والغيبةِ والفُحش- .. واحرِصْ على برِّ الوالدينِ وصِلَةِ الأرحام، وبَذْلِ المعروفِ للقريبِ والبعيد، وتَطهيرِ القلبِ مِنَ الحسَدِ والعداوَةِ والبغضاء، واحذرِ الوقوعَ في أعراضِ المسلمين.. اجتهدْ في القيامِ بحقِّ الله، وأداءِ حقوقِ الأولادِ والزوجةِ على الوجهِ الأكمل، وغَضِّ البصرِ عن النظرِ إلى المُحرَّماتِ في الطُرُقَاتِ وأمامَ الشاشَات.
طوبى لعبدٍ انتفَعَ بعُمُرِهِ فاستقبَلَ عامَهُ بمحاسَبةِ نَفسِهِ على ما مضى، فالعاقلُ مَن اتّعظَ بأمْسِهِ، واجتهَدَ في يَوْمِه، واستعدَّ لِغَدِه. (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ).
نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم، وبهدي محمد r، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ وخطيئة، فاستغفروه، فطوبي للمستغفرين!.
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشأنه، وأشهد أن نبينا وسيدنا محمدًا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وسلَّم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد: أيها المسلمون: ونحنُ على أعتَابِ عامٍ دراسيٍّ جديد؛ يتَأكَّدُ على مَنسوبي التعليمِ خُصوصًا، مِنَ الطُّلابِ والطالبات، والمُعلِّمينَ والمُعلِّمات، وأعضَاءِ هيئاتِ التدريس= ضرورةَ الحُصولِ على جُرعَتينِ من لُقاحِ فَيروسِ كورونا؛ حِمايةً لأنفُسِهم، وحِفَاظًا على سَلامَةِ أُسَرِهم ومُجتمَعِهم، ولكي تكونَ المنشآتُ التعليميةُ بيئةً آمِنَةً بحِفظِ الله، ولِتُحقِّقَ رسالتَها التعليمية والتربويَّة على أكمَلِ وجَه.
عبادَ الله: قصِّروا الأمل، وأصْلِحوا العمل، وحَاذِروا بغتَةَ الأجل، ولْيَكُنْ عامُكمُ الجديدُ مُشرِقًا بكمَالِ التوكُّل، وصِدقِ التوبةِ، وحُسْنِ الإنابة، ورَدِّ الحقوقِ إلى أهلها، والتحلُّلِ مِنْ أصحابها.
بادِروا الحياةَ قبلَ الموت، والفراغَ قبل الشُّغْل، والغِنى قبل الفقر، والشبابَ قبل الهَرَم، والصحةَ قبل السَّقَم، (وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ * وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ * أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ * أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِين * أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ)
اللهم يا حيُّ يا قيوم، يا ذا الجلالِ والإكرام، أعنَّا على ذِكرِكَ وشُكرِك وحُسن عِبادتك، واجعلنا ممن طال عُمُره وحَسُن عملُه، واجعل خيرَ أعمارنا أواخرِها، وخير أعمالنا خواتِمها، وخيرَ أيامنا يوم نلقاك فيه، برحمتك يا أرحم الراحمين.
ثم صلُّوا وسلِّموا على الرحمة المُهداة، والنعمة المُسداة: نبيكم محمدٍ رسول الله، فقد أمركم بذلك ربُّكم في محكم تنزيله، فقال -وهو الصادقُ في قِيلِه- قولاً كريمًا: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدك ورسولك نبينا محمد الحبيب المُصطفى، والنبي المُجتبى، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وعلى أزواجه أمهات المؤمنين، وارضَ اللهم عن الخلفاء الأربعة الراشدين: أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعليٍّ، وعن الصحابة أجمعين، والتابعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بعفوك وجُودك وإحسانك يا أكرم الأكرمين.
اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، وأذِلَّ الشرك والمشركين، واحمِ حوزةَ الدين، اللهم وعُمَّ بالأمن والرخاء جميعَ أوطان المسلمين..
اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، وأيِّد بالحق إمامنا ووليَّ أمرنا، اللهم وفِّقه وولي عهده لهداك، واجعل عملهم في رضاك، وأصلح لهم البطانة يا رب العالمين. اللهم وانصر جنودَنا المرابطين على حدود بلادنا، يا قوي يا عزيز.
اللهم اجعل هذا البلد آمنًا مطمئنًا سخاءً رخاءً وسائر بلاد المسلمين، اللهم أدم علينا نعمك، وأعنا على شُكرها والقيام بحقها يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم ادفع عنا الغلاء، والوباء، والربا، والزنا، والزلازل، والمِحَن، وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن، عن بلدنا وعن سائر بلاد المسلمين يا رب العالمين.
(رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) (رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ)
ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
المرفقات
1628179826_خطبة_27_12_1442_وداع_عام_واستقبال_آخر.docx