وداعا شهر الغفران
محسن الشامي
1434/09/23 - 2013/07/31 22:20PM
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله, صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً أما بعد عباد الله اتقوا الله تعالى وتزودوا من الدنيا لما فيه فلاحكم ونجاتكم يوم لا ينفع مال ولا بنون الا من اتى الله بقلب سليم { يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد } اخوة الايمان كنا بالأمس القريب نتلقى التهاني ونبارك لبعضنا بدخول شهر رمضان المبارك ، وها نحن على مشارف وداعه ونتلقى التعازي على فراقه، وهذه الجمعة هي آخر جمعة فيه فسبحان مصرف الشهور والأعوام ومدبر الليالي والأيام وسبحان الذي كتب الفناء على كل شيء وهو الحي القيوم الدائم الذي لا يزول {الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا } فلا إله إلا الله كم من الذين يتمنون حضور هذا الشهر ولكن حال بينهم وبينه هادم اللذات ومفرق الجماعات وكم من الذين حضروه ولكنهم لم يقيموا له قدرًا ولا وزنًا، سهر بالليل على المحرمات أو المكروهات، ونوم بالنهار عن الذكر والتلاوة وجميع الطاعات، قد بلغوا الغاية في التفريط بأثمن الأوقات ألا يعلم كل مفرط في هذا الموسم العظيم أنه ربما يأتيه رمضان القادم وهو تحت أطباق الثرى؟ فهل ينفع الندم على التفريط بعد فوات الأوان{حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمْ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلاَّ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ}يقول المفرطون بعد الموت إذا رأوا الحسرات على التفريط يقولون ربنا أعدنا إلى الدنيا فسوف نجتهد بالأعمال الصالحة بالصلاة والصيام والقيام والصدقة ولا نفرط في شيء أبدا فهل يعودون؟لا والله بل هم مرتهنون في حياة برزخية إما في روضة من رياض الجنة أو في حفرة من حفر النار أيها المسلمون إن قلوب الصالحين إلى هذا الشهر تحنّ ومن ألم فراقه تئن، وكيف لا وقد نزلت فيه رحمة رب العالمين؟كيف لا تدمع على فراقه عيون المحبين وهم لا يعلمون هل يعيشون حتى يحضرونه مرةً أخرى أم لا ؟ نعم والله يا إخوة الإسلام إن القلوب لتحزن عند فراق هذا الحبيب شهر الصيام والقيام شهر المحبة والألفة شهر الرحمة والغفران شهر البركة وانشراح الصدور شهر العبرات والبكاء من خشية الله فكم من معرض عن الله عاد إلى الله في هذا الشهر وكم من إنسان مستوجبٍ دخول النار أعتقه الله من دركاتها نسأل الله أن يجعلنا وإياكم ممن اعتقهم من النار نعم عباد الله هاهو رمضان قد عزم على الرحيل ولم يبق من إيامه إلا القليل وَسَوْفَ يَرْحَلُ بِمَا أَوْدَعْناهُ مِنْ عَمَلٍ سَوْفَ يَرْحَلُ وَيَنْتَهِي إِمَّا شَاهِدٌ لَنا أَوْ شَاهِدٌ عَلَيْنا وَسَوْفَ نجِدُ أَيَّامَهُ وَلَيَالِيَهِ وَمَا عَمِلْنا بِهَا مِنْ أَعْمَالٍ مَحْفُوظَةً فِي كِتَابٍ{لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا} فالله الله باغتنام ما بقي من هذا الشهر أيها المؤمنون لقد شرع الله لنا في ختام هذا الشهر المبارك عبادات نتزود بها من الله قربًا ونعمل بها شكرًا، فمن ذلك التكبير ليلة العيد إلى صلاة العيد،امتثالاً لأمر الله القائل ـ{وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } وَالْمَقْصُودُ مِنَ التَّكْبِيرِ : التَّعْظِيمُ للهِ وَالتَّمْجِيدُ لَهُ عَلَى مَا مَنَّ بِهِ وَيَسَّرَ مِنْ إِكْمَالِ شَهْرِ رَمَضَانَ . وَهَذَا التَّكْبِيرُ مُطْلَقٌ وَلَيْسَ مُقَيَّدَاً بِالصَّلَوَاتِ ! فَـأَظْهِرُوا رَحِمَكُمُ اللهُ هَذِهِ الشَّعِيرَةَ الْعَظِيمَةَ فِي الْمَسَاجِدِ وَالْبُيُوتِ وَالأَسْوَاقِ . وَارْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ قَائِلِينَ : اللهُ أَكْبَرُ , اللهُ أَكْبَرُ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ , اللهُ أَكْبَرُ , وَاللهُ أَكْبَرُ وَللهِ الْحَمْد .وُيُشْرَعُ التَّكْبِيرُ حَتَّى لِلنِّسَاءِ , وَيَمْتَدُّ وَقْتُهُ مِنْ غُرُوبِ شَمْسِ آخِرِ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ إِلَى صَلاةِ الْعِيدِ , وَلا يُشْرَعُ بَعْدَهَا !ومما شُرع لنا في ختام هذا الشهر المبارك زكاة الفطر لتكون آية على الشكر وسببا لتكفير الإثم والوزر وتحصيل عظيم الأجر وطعمة للمساكين ومواساة للفقراء وهي تلزم كل مسلم يفضل عن قوته وقوة أهله ومن تلزمه نفقتهم وهي صاع من طعام تُخرج عن الكبير والصغير والذكر والأنثى والحر والعبد من المسلمين وخصها رسول الله من القوت لأنه هو الذي تحصل به المواساة فتخرج من قوت البلد، وإن كان من الأنواع المنصوصة فهو أفضل، ففي الصحيح عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال:كنا نعطيها يعني زكاة الفطر في زمان رسول الله صاعا من طعام أو صاعا من تمر أو صاعا من شعير أو صاعا من زبيب فالأفضل الاقتصار على هذه الأصناف المذكورة فإن لم توجد يُخرج من بقية أقوات البلد واعلموا أن المقدار الواجب من زكاة الفطر صاع وقدرته اللجنة الدائمة للإفتاء بما يساوي ثلاثة كيلو جرام تقريباً، وأفضل وقت لإخراجها بعد غروب شمس ليلة العيد ويجوز إخراجها قبل ذلك بيوم أو يومين ولا يجوز تأخيرها عن صلاة العيد وتدفع لمستحقيها من أصناف الزكاة الثمانية وأولاهم الفقراء والمساكين وهنا مسألة اود التنبيه عليها انه لا يجوز اخراج زكاة الفطر نقوداً فاتقوا الله عباد الله وأَدُّوا زَكَاتَكُمْ طَيِّبَةً بِهَا نُفُوسُكُمْ , تَتَعَبَّدُونَ بِهَا لِرَبِّكُمْ وَتَتَّبِعُونَ نَبِيَّكُمْ مُحَمَّدَاً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَتُطَهِّرُونَ بِهَا أَنْفُسَكُمْ مِمَّا قَدْ لَحِقَ صِيَامَكُمْ مِنَ الْخَلَل .وتقربوا إلى الله بما شرع لكم وتذكروا أن الآجال قواطع الآمال واستحضروا ساعة الوقوف بين يدي الكبير المتعال{ يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمْ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ}.أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.
الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات والصلاة والسلام على خير البريات أما بعد عباد الله إن كان قد ذهب من هذا الشهر أكثره فقد بقي فيه أجلّه وأخيره لقد بقي فيه العشر الأواخر التي هي زبدته وثمرته والتي خصها الله بليلة هي خير من الف شهر ليلة تعدل عبادة ثلاثا وثمانين سنة وستة اشهر تقريباً إنها ليلة القدر التي يكفر الله بقيامها سالف الذنوب قال صلى الله عليه وسلم (من قام ليلة القدر ايمانا واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه ) ولقد كان صلى الله عليه وسلم يعظّم هذه العشر ويجتهد فيها اجتهاداً حتى لا يكاد يقدر عليه هاهي ام المؤمنين عائشة رضي الله عنها تصف لنا حال رسولنا اذا دخلت العشر فتقول (كان رسول الله اذا دخلت العشر شد مئزره وأحيا ليله وايقظ اهله) وفي الصحيحين عنها قالت: "كان النبي صلى الله عليه وسلم يخلط العشرين بصلاة ونوم فإذا كان العشر شمَّر وشدّ المئزر". يفعل ذلك صلى الله عليه وسلم وقد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخّر فما أحرانا نحن المذنبين المفرّطين أن نقتدي به صلى الله عليه وسلم فنعرف لهذه الأيام فضلها ونجتهد فيها، لعل الله أن يدركنا برحمته ويسعفنا بنفحة من نفحاته تكون سبباً لسعادتنا في عاجل أمرنا وآجله. ورغم انفه ثم رغم انفه ثم رغم انفه من ادرك رمضان فخرج ولم يغفر له الا فاجتهدوا رحمكم الله في هذه الأيام المباركة واقتدوا برسولكم صلى الله عليه وسلم واغتنموا هذه الأوقات الفاضلة فلا يعلم احدنا هل يدركها العام القادم ام يكون من عداد الأموات بل لا يدري احدنا هل يكمل هذه العشر ويوفّق لإتمام هذا الشهر فالله الله بالاجتهاد فيها والحرص على اغتنام أيامها وليالها اللهم اجعلنا عندك من المقبولين، ولا تردنا خائبين، واختم بالصالحات أعمالنا يا رب العالمين. اللهم ارزقنا القناعة بما آتيتنا ورزقتنا اللهم واغننا بحلالك عن حرامك وبك عمن سواك اللهم اجعلنا أفقر الناس إليك وأغنى الناس بك اللهم وفقنا لما تحب وترضى
المشاهدات 2844 | التعليقات 3
حركت مشاعرنا أبا مزون وأيقظت غقلتنا وخاطبت أحاسيسنا وداويت قلوبنا بموعظتك وحقا فكم تضيع علينا من فرص ثمينة وكم تذهب علينا من مناسبات غالية كان الغاية منها رحمة الله بعباده حيث يسير لهم اكتساب الأجر ونيل الثواب بطرق سهلة وميسرة .
فهل من مدكر ؟!
وفيكم بارك اخي محمد الودعاني ولا أنسى زياد الرسي فقد كان لمروره خير دافع وحافز
محمد الودعاني
ماقصرت الله يجزاك الجنة ويتقبل صيامك وقيامك وصالح اعمالك
تعديل التعليق