وداعا شهر الرحمة والغفران

عبدالرحمن اللهيبي
1433/09/28 - 2012/08/16 21:49PM
خطبة مجمعة تحوي الكثير من التويجهات والوصايا المناسبة لآخر جمعة في رمضان



الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات وبفضله وكرمه تزداد الحسنات وتغفر الزلات ، أحمده سبحانه على ما أولى وهدى ، وأشكره على ما وهب وأعطى لا إله إلا هو العلي الأعلى ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله النبي المصطفى ذو الخلُق الأسمى ، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أولي النهى والتقى والتابعين وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين أما بعد .
فاتقوا الله ربكم واشكروا له (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً)
أما بعد: فأوصيكم ونفسي بتقوى الله جل وعلا،فمن اتقاه وقاه،وأسعده وأرضاه
أيها المسلمون، ما أسرعَ ما تنقضي الليالي والأيام، وما أعجلَ ما تنصرم الشهور والأعوام، وهذه سُنّة الله في الحياة، /FONT][/FONT][FONT=Traditional Arabic]كُلُّ[/FONT][FONT=MCS TOPAZ][FONT=Times New Roman] [/FONT][/FONT][FONT=Traditional Arabic]شَىْء[/FONT][FONT=MCS TOPAZ][FONT=Times New Roman] [/FONT][/FONT][FONT=Traditional Arabic]هَالِكٌ[/FONT][FONT=MCS TOPAZ][FONT=Times New Roman] [/FONT][/FONT][FONT=Traditional Arabic]إِلاَّ[/FONT][FONT=MCS TOPAZ][FONT=Times New Roman] [/FONT][/FONT][FONT=Traditional Arabic]وَجْهَهُ[/FONT][FONT=MCS TOPAZ][FONT=Times New Roman] [/FONT][/FONT][FONT=Traditional Arabic]لَهُ[/FONT][FONT=MCS TOPAZ][FONT=Times New Roman] [/FONT][/FONT][FONT=Traditional Arabic]ٱلْحُكْمُ[/FONT][FONT=MCS TOPAZ][FONT=Times New Roman] [/FONT][/FONT][FONT=Traditional Arabic]وَإِلَيْهِ[/FONT][FONT=MCS TOPAZ][FONT=Times New Roman] [/FONT][/FONT][FONT=Traditional Arabic]تُرْجَعُونَ[/FONT][FONT=MCS TOPAZ][FONT=Times New Roman ففي تقلّب الدهر عِبر، وفي تغير الأحوال مدّكر.
إخوةَ الإيمان، شهرُ رمضان أوشك تمامُه، وتقوَّضت خيامه، وتصرَّمت لياليه وأيامُه، قرُب رحيله،وأذن تحويلُه، ولم يبق منه إلا قليله، سار مسرعا، وسيرحل مودعاً, ولله الحمد على ما قضى وأبرَم، وله الشّكر على ما أعطى وأنعم.
تصرَّم الشهر والهفاه وانهدمـا واختصَّ بالفوز بالجناتِ من خدما
طوبى لمن كانت التقوى بضاعتَه في شـهره وبحبل الله معتصمَـا
فاستدركوا ـ رحمكم الله ـ بقيتَه بالمسارعة إلى الخيرات، واغتنامِ الفضائل والقربات فرب قيام ليلة فاضلة يعوض ما فات .
عباد الله : شهرُكم عزم على النقلة، ونوى الرِّحلة، وهو ذاهبٌ بأفعالكم، شاهداً لكم أو عليكم ، فيا ترى أتُراه يرحل حامداً الصنيع أو ذاماً التضييع فمن كان أحسنَ فعليه بالتمام، ومن كان فرّط فليختم بالحسنى فالعمل بالختام ولربما لم يبقى إلا منه إلا هذه الساعات وما أبركها من ساعات ... ففيها ساعة الإجابة لا يوافقها عبد مسلم إلا استجاب الله دعاءه
أيها المسلمون، تشريعاتُ الإسلام تتضمَّن أسراراً لا تتناهى ومقاصد عاليةً لا تبارى، وإنَّ من فقه مقاصدِ الصوم كونَه وسيلةً عظمى لبناء صفة التقوى في وجدان المسلم بأوسع معانيها وأدقِّ صورها، /FONT][/FONT][FONT=Traditional Arabic]يٰأَيُّهَا[/FONT][FONT=MCS TOPAZ][FONT=Times New Roman] [/FONT][/FONT][FONT=Traditional Arabic]ٱلَّذِينَ[/FONT][FONT=MCS TOPAZ][FONT=Times New Roman] [/FONT][/FONT][FONT=Traditional Arabic]ءامَنُواْ[/FONT][FONT=MCS TOPAZ][FONT=Times New Roman] [/FONT][/FONT][FONT=Traditional Arabic]كُتِبَ[/FONT][FONT=MCS TOPAZ][FONT=Times New Roman] [/FONT][/FONT][FONT=Traditional Arabic]عَلَيْكُمُ[/FONT][FONT=MCS TOPAZ][FONT=Times New Roman] [/FONT][/FONT][FONT=Traditional Arabic]ٱلصّيَامُ[/FONT][FONT=MCS TOPAZ][FONT=Times New Roman] [/FONT][/FONT][FONT=Traditional Arabic]كَمَا[/FONT][FONT=MCS TOPAZ][FONT=Times New Roman] [/FONT][/FONT][FONT=Traditional Arabic]كُتِبَ[/FONT][FONT=MCS TOPAZ][FONT=Times New Roman] [/FONT][/FONT][FONT=Traditional Arabic]عَلَى[/FONT][FONT=MCS TOPAZ][FONT=Times New Roman] [/FONT][/FONT][FONT=Traditional Arabic]ٱلَّذِينَ[/FONT][FONT=MCS TOPAZ][FONT=Times New Roman] [/FONT][/FONT][FONT=Traditional Arabic]مِن[/FONT][FONT=MCS TOPAZ][FONT=Times New Roman] [/FONT][/FONT][FONT=Traditional Arabic]قَبْلِكُمْ[/FONT][FONT=MCS TOPAZ][FONT=Times New Roman] [/FONT][/FONT][FONT=Traditional Arabic]لَعَلَّكُمْ[/FONT][FONT=MCS TOPAZ][FONT=Times New Roman] [/FONT][/FONT][FONT=Traditional Arabic]تَتَّقُونَ[/FONT][FONT=MCS TOPAZ][FONT=Times New Roman.
فهل يا ترى نأخذُ من رمضان مدرسةً نستلهم منها شدَّة العزم وقوَّة الإرادة على كل خير؟! تنظيماً للسلوك، وتقويماً للنفوس، وتهذيباً للغرائز، وإصلاحا للظواهر والبواطن، تمسّكاً بالخيرات والفضائل، وتحلِّياً بالمحاسن والمكارم. حينئذ يخرج المسلم من صومه بصفحة مشرِقة بيضاء، ناصعةٍ في حياته، مفعمَة بفضائل الأعمال ومحاسن الأفعال ومكارم الخصال.
يا مسلمون : إن ضيفنا المبارك قد عزم على الرحيل ، فالعين لفراقه تدمع والقلب يوجل ، وإنا لفراقه لمحزونون .
شهر رمضان: إنه الآن بين أيدينا وملء أسماعنا وأبصارنا وحديث منابرنا وزينة منائرنا وبضاعة أسواقنا ومادة موائدنا وحياة مساجدنا فكيف الحال بعد فراقه.
فيا لحسن الفائرين الذين اغتنموا شهر رمضان بأكمل وجه من صلاة وصيام وتهجد وقيام وصدقة وإحسان فنظر الله إليهم وهم يبتهلون بالدعاء إليه فغفر لهم
المشاهدات 2229 | التعليقات 1

لا أدري ما سبب تشابك الجروف ولكن هاي الخطبة مرة أخرى


الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات وبفضله وكرمه تزداد الحسنات وتغفر الزلات ، أحمده سبحانه على ما أولى وهدى ، وأشكره على ما وهب وأعطى لا إله إلا هو العلي الأعلى ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله النبي المصطفى ذو الخلُق الأسمى ، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أولي النهى والتقى والتابعين وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين أما بعد .
فاتقوا الله ربكم واشكروا له (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً)
أما بعد: فأوصيكم ونفسي بتقوى الله جل وعلا،فمن اتقاه وقاه،وأسعده وأرضاه
أيها المسلمون، ما أسرعَ ما تنقضي الليالي والأيام، وما أعجلَ ما تنصرم الشهور والأعوام، وهذه سُنّة الله في الحياة، [كُلُّ شَىْء هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ لَهُ ٱلْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ] ففي تقلّب الدهر عِبر، وفي تغير الأحوال مدّكر.
إخوةَ الإيمان، شهرُ رمضان أوشك تمامُه، وتقوَّضت خيامه، وتصرَّمت لياليه وأيامُه، قرُب رحيله،وأذن تحويلُه، ولم يبق منه إلا قليله، سار مسرعا، وسيرحل مودعاً, ولله الحمد على ما قضى وأبرَم، وله الشّكر على ما أعطى وأنعم.
تصرَّم الشهر والهفاه وانهدمـا واختصَّ بالفوز بالجناتِ من خدما
طوبى لمن كانت التقوى بضاعتَه في شـهره وبحبل الله معتصمَـا
فاستدركوا ـ رحمكم الله ـ بقيتَه بالمسارعة إلى الخيرات، واغتنامِ الفضائل والقربات فرب قيام ليلة فاضلة يعوض ما فات .
عباد الله : شهرُكم عزم على النقلة، ونوى الرِّحلة، وهو ذاهبٌ بأفعالكم، فمن كان أحسنَ فعليه بالتمام، ومن كان فرّط فليختم بالحسنى فالعمل بالختام ولربما لم يبقى إلا منه إلا هذه الساعات وما أبركها من ساعات ... ففيها ساعة الإجابة لا يوافقها عبد مسلم إلا استجاب الله دعاءه

أيها المسلمون، تشريعاتُ الإسلام تتضمَّن أسراراً لا تتناهى ومقاصد عاليةً لا تبارى، وإنَّ من فقه مقاصدِ الصوم كونَه وسيلةً عظمى لبناء صفة التقوى في وجدان المسلم بأوسع معانيها وأدقِّ صورها، [يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ ٱلصّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ].
فهل يا ترى نأخذُ من رمضان مدرسةً نستلهم منها شدَّة العزم وقوَّة الإرادة على كل خير؟! تنظيماً للسلوك، وتقويماً للنفوس، وتهذيباً للغرائز، وإصلاحا للظواهر والبواطن، تمسّكاً بالخيرات والفضائل، وتحلِّياً بالمحاسن والمكارم. حينئذ يخرج المسلم من صومه بصفحة مشرِقة بيضاء، ناصعةٍ في حياته، مفعمَة بفضائل الأعمال ومحاسن الأفعال ومكارم الخصال.
يا مسلمون : إن ضيفنا المبارك قد عزم على الرحيل ، فالعين لفراقه تدمع والقلب يوجل ، وإنا لفراقه لمحزونون .
فيا لحسن الفائرين الذين اغتنموا شهر رمضان بأكمل وجه من صلاة وصيام وتهجد وقيام وصدقة وإحسان فنظر الله إليهم وهم يبتهلون بالدعاء إليه فغفر لهم , ويا لخسارة المفرطين الذين لم يعرفوا لرمضان فضله فأمضوا وقتهم بالملهيات واشغلوا أنفسهم بحظوظ الدنيا ومضى عليهم الشهر بهذه الحال .
أيها الصائمون : اختمو شهركم بخير ختام فالعبرة بكمال النهايات لا بنقص البدايات واستغفروا ربكم من كل خلل وتقصير ومقارفة للآثام والحرام
قال الحسن أكثروا من الاستغفار فإنكم لا تدرون متى تنزل الرحمة
وكان نبيكم r يقول ( إن لأستغفر الله وأتوب إليه في المجلس الواحد مئة مرة)
يا أيها العصاة ، وكلنا كذلك لا تقنطوا من رحمة الله بسوء أعمالكم وأحسنوا الظن بربكم وتوبوا إليه فإنه لا يهلك على الله هالك .

أيها المسلمون : إن المحاسن التي جنتها النفوس المسلمة في رمضان ينبغي أن تكون طريقاً للزيادة والمضاعفة وسلماً للمزيد والاستمرار وليس للتقاعس والانقلاب والنكوص على الأعقاب .
فعاهد ربك يا مسلم بالمحافظة على الطاعات والصلوات ، وأنت في نهاية موسم الخيرات فقد كان نبيك rيعاهد الله على الطاعة في كل ساعة قبيل الليل وأول النهار فيقول في سيد الاستغفار ( اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت )
ثم اعلموا ـ رحمني الله وإياكم ـ أن للمداومة على العمل الصالح فوائد عظيمة، منها أن هذا كان من دأبه ، قالت عائشة رضي الله عنها: كان رسول الله إذا عمل عملاً أثبته، وكان إذا نام من الليل أو مرض صلى من النهار اثنتي عشرة ركعة. رواه مسلم
ومنها دوام اتصال القلب بخالقه مما يعطيه قوة وثباتًا وتعلقًا بالله.
ومنها تعاهد النفس على لزوم الخيرات حتى تسهل عليها وتصبح ديدنًا لها , ومنها أن المداومة سبب لمحبة الله، وفي الحديث القدسي: (وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه) رواه البخاري. ومنها أن المداومة سبب للنجاة من الشدائد، وفي الحديث: (احفظ الله يحفظك، تعرّف إليه في الرخاء يعرفك في الشدة) رواه الإمام أحمد.
ومنها أن المداومة سبب لحسن الختام، قال الله تعالى: وَٱلَّذِينَ جَاهَدُواْ فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا
أيها المسلمون: كان السلف رحمهم الله في غاية الحرص على دوام العمل وإثباته وعدم تركه، فكانت عائشة رضي الله عنها تصلي الضحى ثماني ركعات ثم تقول: (لو نُشِر لي أبواي ما تركتهنّ)
وحين عَلّم رسول الله عليًا ما يقوله عند نومه قال علي: (والله ما تركتها بعد)، فقال له رجل: ولا ليلة صِفّين؟ قال علي: (ولا ليلة صِفّين).

أيها المسلمون، أما إنه يقبح بالمسلم أن يبني في رمضان صرحَ إيمانه ويجملَه ويزيّنه ثم إذا انقضى الشهر عاد فهدم ما بنى وأفسد ما شيّد، وَلاَ تَكُونُواْ كالَّتِى نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثًا،
فالله ينهانا أن نكون كهذه المرأة الحمقاء التي تنسج غزلها حتى إذا أبدعت صنعه وأحكمت غزله نقضته خيطا خيطا، ثم عادت تغزل من جديد.
وهذا وللأسف حال أكثرنا في كل عام، يعمل ويعمل في رمضان حتى إذا بلغ من الخير مبلغًا وبدأ يحسّ طعم العبادة ولذّة الخشوع هدم كل ذلك في أول أيام العيد، فإذا جاء رمضان آخر شرع يبني من جديد، فلا يكاد يبلغ منزله الأول حتى ينتكس ولا حول ولا قوة إلا بالله.
والتأمل في هذا كله يقتضي من المؤمن أن يستمر على ما كان عليه من طاعة في رمضان، وأن يواصل كفّه بعد رمضان عما كفّ عنه من المعاصي والآثام وما أقبح الحَوْر بعد الكَوْر، وما أقبح أن يتدنّس المسلم نفسه بالذنوب المعاصي بعد أن قد تطهّر منها، وما أشنع أن يرجع التائبون إلى حمأة الرذيلة، وأن يتلطّخوا بأوحال المعصية بعد أن توضّؤوا بنور الطاعة.
أخي الصائم : وأنت على عتبات الوداع لشهر الله المعظم فإني مذكر نفسي وإياك وناصح لي و لك فاستمع إني على نفسي وإياك من المشفقين ولك ولنفسي من الناصحين , إن الشياطين يتزاحمون عند بوابة الخروج من رمضان على فك القيود التي سُلسلوا بها خلال شهر الرحمة والغفران ، فهل تمنحهم أخي فرصةً أخرى للوصول إلى مآربهم أم تراك تتمسك بهذا الطهر الذي منحك الله إياه ,,, فيا رجال التوبة، لا ترجعوا إلى ارتضاع ثدي الهوى من بعد الفطام، فالرضاع لا يصلح للرجال العظام، ولكن لا بد من الصبر على مرارة الفطام، فإن صبرتم تعوّضتم عن لذة الهوى بحلاوة الإيمان ، ومن ترك شيئًا لله عوضه الله خيرا منه.
اللهم أعد علينا رمضان .......

الحمد لله الذي أودع شهر رمضان مزيد فضل وأجر، أحمده سبحانه وأشكره على التوفيق للصيام والقيام وإدراك ليلة القدر، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الخلق والأمر، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه كلما أضاء قمر وانشق فجر. أما بعد:
أيها المسلمون، ، ما أسرع ما يتقضّى الزمن، وما أعجل ما تمضي الأيام، كنا بالأمس نستقبل رمضان، ونحن اليوم نودّعه ونبكي عليه، ولم يكن بين استقبالنا ووداعنا إلا أيام قلائل مرّت مرور الطيف ولمعت لمعان البرق الخاطف، ثم غادرتنا مُقَرِّبة إلينا آجالنا مُقَصِّرة من آمالنا وعما قريب تتقضّى الأيام المقدّرة، وتدنو الآجال المكتوبة، ويفارق المرء دنياه، غير حامل زادًا إلا زاد العمل الصالح، ولا لابسًا لباسًا إلا لباس التقوى، فأيّنا أعدّ لذلك اليوم عدّته واتخذ له أهبته, قال سبحانه: كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ ٱلْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ، فالله الله في ساعة لا شكّ في مجيئها، واجعلوا في تصرّم شهركم عبرةً تذكّركم بتصرّم أعماركم.
أيها المسلمون، زكاة الفطر شرعها الله طُهْرة للصائم من اللغو والرفث وطُعْمة للمساكين وشكرًا لله على توفيقه، وهي زكاة عن البدن، يجب إخراجها عن الكبير والصغير والذكر والأنثى , ويستحب إخراجها عن الحمل ويجب إخراجها على كل مسلم غربت عليه شمسُ ليلة العيد وهو يملك ما يزيد عن قوت يومه وليلته، وتدفع زكاة الفطر إلى من يجوز دفع زكاة المال إليه من الفقراء والمساكين، فيدفعها إلى المستحق ويتحرّى في ذلك ومقدارُها الواجب صاع من البر أو الشعير أو الاقط أو التمر أو الزبيب، ويجزئ غيرُها ممّا يطعمه الناس كالأرْز ونحوه، ففي البخاري من حديث أبي سعيد رضي الله عنه قال: كنا نخرج على عهد رسول الله يوم الفطر صاعاً من طعام . ولا يجزئ إخراجُها نقودا بدلَ الإطعام؛ لأنه خلاف النص، وكل عمل ليس عليه أمر النبي فهو مردود.
ووقت الإخراج يبدأ بغروب الشمس ليلة العيد، والأفضل ما بين صلاة الفجر وصلاة العيد، وإن أخرجها قبل العيد بيوم أو يومين جاز، وإن أخّرها عن صلاة العيد أثم ولزمه إخراجها ولم تجزئه إلا إن كان أخرها لعذر، ويجوز للفقير إذا قبض صدقة الفطر أن يخرجها عن نفسه.
أيها المسلمون: التكبير ليلة العيد سنة، قال الله تعالى: وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ، فيُسنّ التكبيرُ ليلةَ العيد والجهرُ به في المساجد والبيوت والأسواق تعظيمًا لله وشكرًا له على تمام النعمة.
قال أهل العلم: ويسنُّ التكبير ليلةَ العيد في خلوات الناس ومجامعهم، يجهر به الرجال، وتسِرّ به النساء. ويكبر المسلم حتى يقضيَ صلاةَ العيد كما جاء ذلك في الأثر. والمنقول عن أكثر الصحابة yفي صفات التكبير: الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر، ولله الحمد.
ولا يشرع التكبير الجماعي إلا أن يقع من غير قصد للتوافق وذلك لعدم وروده عن النبي عليه الصلاة والسلام ولا عن صحابته الكرام .
ويستحب الاغتسال والتطيب للرجال قبل الخروج للصلاة، صح عن سعيد بن جبير رضي الله عنه أنه قال: (سنة العيد ثلاث: المشي والاغتسال والأكل قبل الخروج). وكذا التجمل بأحسن الملابس، وكان للنبي جبة يلبسها في العيد وفي يوم الجمعة, ولذا فإن من الحسن أن يلبس الرجال البشوت ولا ينبغي لهم التحرج منها فإنها من أحسن الزينة لهم والتزين بأحسن اللباس يوم العيد مستحب لمن قدر وأما النساء فيبتعدن عن الزينة الظاهرة إذا خرجن، لأنهن منهيات عن إظهار الزينة للرجال الأجانب، وكذا يحرم على من أرادت الخروج أن تمسّ الطيب أو تتعرض للرجال بالفتنة، فإنها ما خرجت إلا لعبادة وطاعة، فكيف تعصي الله بالتبرج والسفور والتطيب أمام الرجال؟!
وعلى الآباء والأزواج متابعة نسائهم في ذلك
ويستحب أكل تمرات وترا قبل الذهاب إلى مصلى العيد، لما رواه البخاري عن أنس رضي الله عنه: كان رسول الله لا يغدو يوم الفطر حتى يأكل تمرات وترا ))
ويستحب التهنئة بالعيد لثبوت ذلك عن الصحابة رضي الله عنهم كقوله: تقبّل الله منا ومنكم، وما أشبه ذلك من عبارات التهنئة المباحة .
ويسن للرجل إذا ذهب لصلاة العيد من طريق أن يعود من طريق آخر
وأخيراً عباد الله: احرصوا على صيام ستة أيام من شوال، فعن أبي أيوب الأنصاري أن رسول الله قال: (من صام رمضان ثم أتبعه ستًا من شوال كان كصيام الدهر) رواه مسلم.
ويحرم صيام يوم العيد الأول فقط بخلاف عيد الأضحى فيحرم صيام اليوم الأول وأيام التشريق إلا لمن لم يجد الهدي ..
عباد الله : ونحن نرقب الساعات الأخيرة لهذا الشهر المبارك ، والمسلمون قد اتصلت قلوبهم بالله وحسُن ظنهم وزاد رجاؤهم به ، والمسلمون في المساجد الآن وفي ساعة ترفع فيها الدعوات
وتسبق العبرات العبارات تتوجه إلى من له الخلق والأمر وبيده النفع والضر ومنه الهزيمة والنصر ونردد في ثقة ويقين .
يا ناصر المستضعفين ويا راحم البائسين ويا ملجأ المكروبين إنك ترى حال إخواننا المستضعفين
في الشام وبورما وفي بلاد أخرى وتسمع بكائهم وأنينهم وأنت الأعلم بحالهم والأقدر على نصرتهم عز جارك وجل ثناؤك لا تضعف قوتك ولا يهزم جندك ولا يرد حكمك .
نسألك من قلب خاضع منكسر أن تجعل لإخواننا هذا اليوم من كل هم فرجاً .