وداعاً رمضان ،،،

إبراهيم بن صالح العجلان
1435/09/27 - 2014/07/24 20:00PM
( وداعاً رمضان )

معاشر المسلمين:
كان نهارُه برٌّ وإحسان، وليله مناجاةٌ وقرآن، رقَّت فيه القلوب، وخضعت معه النفوس، وعجت فيه الألسن بالذكر، وتسابقت فيه الهمم لحصد الأجر.
بيوتُ اللهِ عامرةٌ في أيامه بالركعِ السجود، والأنفسُ فيه سخيةٌ بالبذلِ والجود .
كم تَلَجْلَجَتْ في أيامِه الدعواتُ في الحَنَاجِر، وكم تَرَقْرَقَتْ في لياليه الدموعُ على المحاجر.
الحياةُ في أيامه حياة ، وقلبٌ لم يَذُقْ جَنَّةَ لياليه قدْ حَلَّ به مُنَاه .
تلك أيام رمضان ، وليالي رمضان ، وحياة رمضان .
فسلامٌ على شهر الصيام، سلام على شهر القرآن والقيام، سلام على من علمنا معنى العبودية،ولذة الطاعة،سلام على من على درَّبنا على مكارم الخلال،ومحاسن الفعال.
سلام عليك يوم أقبلت، ويوم حللت، وسلام عليك إذا ترحَّلت .
ذَرِ الدموع نَحِيْبَاً وابكِ من أَسَفٍ *** على فراقِ ليالٍ ذاتِ أنوارِ
على ليالٍ لشهرِ الصومِ ما جُعِلَتْ *** إلا لتمحيصِ آثامٍ وأوزارِ
يا لائمي في البكاءِ زِدْنِي به كَلَفاً *** واسمعْ غريبَ أحاديثٍ وأخبارِ
ما كان أَحْسَننا والشَّمْلُ مُجتمعٌ *** مِنَّا المصلي ومِنَّا القانِتُ القَارِي
ها هو رمضان يا من أحببتم رمضان قد دنى فراقُه، وحان وداعُه، وتقضتْ أيامُه المعدودات ، اصفرَّتْ شمسُه، وأزِفَ رحيلُه، ولم يبق إلا قلُيله .
فيا الله ، ما اسرع تَصَرُّمَ الأيام فينا ، بالأمس تبادلنا التهانيَ على قدومه، وها نحن نتغصَّصُ الأحزانَ على تشييعه ،وما بين هذا وذاك إلا كَطَيْفِ حُلُمٍ، أو لَمـْحِ بَصَرٍ .
هذه هي حالك أيها الانسان سائر بين إشراق وغروب، وليل ونهار ، حتى تأتيك مَنِيَّتُك ، ويَحْتَنَّ حِيْنُك . {وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذَّكر أو أراد شكورا }.
فيا أخي المبارك ، يا من عاش شهر القرآن والغفران إن كنت ممن أحسن في هذا الشهر الكريم، وهذا الظن بك فزادك ربي حرصاً ، واثبت أُخَيَ على عملك الصالح، فإنك على الصراط المستقيم ، وسائر في الطريق القويم، لجنة ربِّك الكريم.
تذكر يا من وُفِّقَ للعمل الصالح أن من علامات القبول : المداومة على صالح العمل والوجل من حبوط العمل بعد العمل {والذين يؤتوون ما آتو وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون }.
تذكر أخي الصالح أن لك مع ربك في أسحار هذا الشهر عهود ومواثيق، سألته العفو ، واستغفرته من الذنب ، فإياك إياك أن تَخْفُرَ هذه العهود بلذةٍ عابرة،
وشهوةٍ طائشة، يستهويك فيها الشيطان، فبئس الاسم الفسوق بعد الإيمان .
وإن كنت أخي المبارك ممن قصر وتغافل، ونام عن أجره وتجاهل فما أقبح الغفلة تتبعها الغفلة.
يا من أساء الاستقبال أحسن الوداع ، تذكر أخي ان الأعمال بالخواتيم، وأن الباب مفتوح، والخير مفسوح، وعتق الرقاب ممنوح .
فأقبل يا رعاك الله إلى كرم ربك، واستشعر فضله وفيضه ، فقد وسِعَتْ مغفرةُ ربك من لم يسجد لله سجدة حين ختم حياتَه بتوبة.
وشملت رحمة ربك امرأة كثر فجورها، وشاع بغيها يوم أن سقت كلباً شربةَ ماء.
فبادر أخي بالتوبة على ما مضى وكان، من التقصير والعصيان، فربك تعالى يحب ندم التائبين، وتوبة النادمين .
مضى رمضانُ محموداً وأوفى *** علينا الفطرُ يَقْدُمُهُ السرورُ
وفي مَـرِّ الشـهـورِ لنا فنـاءٌ *** ونحن نحبُّ أن تفنى الشهورُ
يا أهل الصيام والقيام، اجعلوا مسك الختام ، وودِّعوا ضيفكم الغالي بالإكثار من كلمة التوحيد لا إله إلا الله ، وباللهج من كلمة الاستغفار، فكلمة التوحيد كما قال ابن رجب : ( تهدم الذنوب، وتمحوها محوا ، ولا تُبْقِ ذنباً ، ولا يَسْبِقُها عمل ، وهي تعدل عتق الرقاب ، الذي يوجب العتق من النار)
ويشهد لقوله رحمه الله ويصدقه قول النبي صلى الله عليه وسلم {من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير عشر مرات كمن أعتق أربعة انفس من ولد اسماعيل } رواه مسلم في صحيحه .
وأما كلمة الاستغفار فحسبك أنَّ الله نادى بها من أساءَ الادبَ معه فقال: إن الله ثالث ثلاثة، فناداهم الرحيم:{افلا يتوبون إلى الله ويستغفرونه والله لغفور رحيم}.
وقد جمع الله بين كلمة التوحيد والاستغفار في قوله {فاعلم أنه لا اله الا الله واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات }.
كان الخليفة الصالح عمر بن عبدالعزيز في ختامِ كلِّ رمضان يكتب إلى الأمصار يأمرهم بالاستغفار، وصدقة الفطر ، وكان يقول في رسالته: قولوا كما قال أبيكم
{ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكون من الخاسرين }.
بارك الله لي ولكم في القرآن .....


الخطبة الثانية




أما بعد فيا إخوة الإيمان:
وها نحن ننتظر استقبال عيدٍ من أعيادنا أهل الإسلام ، مناسبة يجتمع فيه فرحٌ وشكرٌ ، فرح جاء القبول، وشكر على إكمال العدة .
فما أجمل العيد يوم أن يُزَيَّن بصفاء القلوب، والصلة والتزاور .
ما أجمل العيد يوم أن تجدد فيه الأواصر وتسل فيه السخائم .
وما أجمل العيد قبل ذلك كلِّه حينما يتذكر العبد من جعله الله سبباً لهدايته ونجاته محمداً صلى الله عليه وسلم، فيقتفي العبد أثر نبيه صلى الله عليه وسلم وفعاله مع هذه الأعياد.
فيا أحباب المصطفى صلى الله عليه وسلم، اعلموا رحمكم الله أن من سنة الحبيب صلى الله عليه وسلم التي سنها لأمته وأوجبها عليهم : اخراج زكاة الفطر، تعبداً لله ، وطهرة للصائم من اللغو والرَفَثْ ، وطعمة للمساكين ، تُخرج عن الصغير والكبير والذكر والأنثى .
لا يجوز اخراجها بعد العيد ، ولا قبله بأكثر من يومين ، ويستحب أن يخرج المسلم أطيب القوت وأنفسَه حتى ولو غلا ثمنُه {لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون }.
ويستحب أن تُخرج عن الخدم المسلمين من الرجال والنساء، قال نافع مولى ابن عمر : كان ابن عمر يعطي عن الصغير والكبيرحتى إنه كان يعطي عن بَنِيَّ.
ويستحب اخراجها عن الجنين في البطن ولا يجب ، استجب ذلك خليفة رسول الله عثمان بن عفان رضي الله عنه.
وأما مكان اخراجها فالأفضل لفقراء البلد، ويجوز اخراجها لغيرهم اذا عمت الحاجة ، واشترت المسغبة، كحال اخواننا في سوريا واليمن وبورما وغزَّة.
والأفضل عباد الله أن يتولى الانسان توزيع زكاة الفطرة، ولو وكَّل فيها جاز
اما إخراج زكاة الفطر نقداً بدل الطعام، فالصحيح أنه لا يجزئ ، وهذا قول عامة أهل العلم ، فقد زكى النبي صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر تسع سنوات ، وسار على دربه صحابته، ولم يثبت عنهم إخراج القيمة مع شدة حاجتهم للمال، ووجود الموسرين من الصحابة.
يا أهل الإيمان، اعلموا أن ربكم قد ندبكم بعد إتمام العدة إلى شعيرة التكبير في ساعات معدودات، يبدأ وقتها من غروب شمس آخر يوم من رمضان، إلى صلاة العيد ، فكبروا الله تعالى على ما هداكم، وعظموه ومجِّدُوه على ما وفَّقكم وأعطاكم ، فارفعوا أصواتكم بها ، وأعلنوها في بيوتكم ومساجدكم وطرقاتكم،
{ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون } .
اللهم صلِّ على محمد ......
المرفقات

وداعا رمضان.docx

وداعا رمضان.docx

المشاهدات 2411 | التعليقات 0