وداعا رمضان 28-9-1438هـ خطبة منقولة بتصرف يسير

عوض القحطاني
1438/09/27 - 2017/06/22 17:39PM
وداعا رمضان 28-9-1438هـ الخطبة الأولى
الحمد لله مستحقِ الحمد بلا انقطاع، ومستوجبِ الشكر بأقصى ما يستطاع، الوهابُ المنان، الرحيم الرحمن، المدعو بكل لسان، المرجو للعفو والإحسان، الذي لا خير إلا منه، ولا فضل إلا من لدنه. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الجميل العوائد، الجزيل الفوائد، أكرم مسؤول، وأعظم مأمول، عالم الغيوب مفرّج الكروب، مجيب دعوة المضطر المكروب، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، وحبيبه وخليله، الوافي عهده، الصادق وعده، ذو الأخلاق الطاهرة، المؤيّد بالمعجزات الظاهرة، والبراهين الباهرة. صلى الله عليه، وعلى آله وأصحابه وتابعيه وأحزابه، صلاة تشرق إشراق البدور. {يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ}
أيها المسلمون، ما أسرعَ ما تنقضي الليالي والأيام، وما أعجلَ ما تنصرم الشهور والأعوام، وهذه سُنّة الله في الحياة، أيّام تمرّ وأعوام تكرّ، (كُلُّ شَىْء هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ لَهُ ٱلْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ). في تقلّب الدهر عِبر، وفي تغير الأحوال مدّكر.
إخوةَ الإيمان، شهرُ رمضان أوشك تمامُه، وقرُب [إرسال كتابه]، تقوَّضت خيامه، وتصرَّمت لياليه وأيامُه، قرُب رحيله، وأذن تحويلُه، ولم يبق منه إلا قليله، قارب مودِّعا، وسار مسارعا، ولله الحمد على ما قضى وأبرَم، وله الشّكر على ما أعطى وأنعم. تنطوي صحيفة رمضان وتقوَّض سوقُه العامرة بالخيرات والحسنات، وقد ربح فيه من ربح وخسر من خسر.
تصرَّم الشهر وا لهفاه وانهدمـا واختصَّ بالفوز بالجناتِ من خدما
طوبى لمن كانت التقوى بضاعتَه في شـهره وبحبل الله معتصمَـا
إن شهر رمضان قد أوشك تمامُه، وإسدالُ ستاره قاب قوسين أو أدنى، بعد أن بقي المسلمون ثمانية وعشرين يوماً منه، ينالونَ من نفحات ربهم، فما أسرع ما انقضت الأيام، وتلاشت الذكريات، وكأنها أوراق الخريف عصفت بها ريح القدر. وإلى الله المصير.
وهكذا ـ أيها المسلمون ـ تنطوي صحيفة رمضان، وتُقوَّضُ سوقٌ كانت عامرةً بالخيرات والحسنات، ربح فيها من ربح، وخسر فيها من خسر، وحُرِم فيها من حُرِم، على تفاوت كبير في درجات الربح والخسران أو الحرمان وما لنا إلا الصَبر على ألم فراقه، نودِّعه وأشواقنا لم تزل، ودموعنا في المآقي والغصةُ في الحلوق جارحة. وأعيننا لانصرامه في أرق، وإن العين لتدمع، وإن القلب ليحزن، وإنَّا على فراق رمضان لمحزونون، فأحسن الله عزاءكم وجبر مصابكم، وتقبل منا ومنكم
مضَت ليالٍ غرٌّ بفضائلها ونفحات ربّها، وأوشك باقيها على الرّحيل وكأنّها ضربُ خيال، لقد قطعت بنا مرحلةً من حياتنا لن تعود. هذا هو شهرُكم، وهذه هي نهايته، كم من مستقبلٍ له لم يستكمِله، وكم من مؤمِّلٍ أن يعودَ إليه لم يدرِكه، فاغتنِم ما بقي من الشّهر بمضاعفةِ الطّاعات، فأيّام رمضانَ تسارع مؤذنةً بالانصراف والرّحيل، وما الحياة إلاّ أنفاسٌ معدودة وآجال محدودة، وإنّ عمُرًا يقاس بالأنفاسِ لسريعُ الانصرام.
ومرورُ الأيّام يذكِّر بقربِ الرحيل، واحذَر الاغترارَ بالسّلامة والإمهالِ ومتابعة سوابغ المُنى والآمال، فالأيّام تُطوى والأعمار تفنَى، فاستلِفِ الزمن وغالِب الهوى، واجعَل لك في بقيّة الليالي مدَّخرًا فإنّها أنفس الذّخر، وابكِ على خطيئتِك واندَم على تفريطِك، واغتنِم آخرَ ساعاتِه بالدّعاء، ففي رمضانَ كنوزٌ غالية، وسلِ الكريمَ فخزائِنه ملأى ويداه سحَّاء الليل والنّهار، واستنزِل بركةَ المالِ بالصدقة، وحصِّن مالَك بالزكاة، وكن للقرآن تاليًا، وودِّع شهرَك بكثرةِ الإنابة والاستغفار وقيامٍ لله في دُجى الأسحار،
وإن استطعتَ أن لا يسبقَك إلى الله في بقيّة شهرك أحدٌ فافعل، فلحظاتُ رمضانَ الأخيرة نفيسة، ولعلّك لا تدرِك غيرَه، وافتَح صفحةً مشرقة مع مولاك، واسدِل الستارَ على ماضٍ نسيتَه وأحصاه الله عليك، وعاهِد نفسَك في هذا الشّهر بدوامِ المحافظةِ على الصّلوات الخمس في بيوتِ الله وبرِّ الوالدين وصلةِ الأرحام وتطهير مالِك عن المحرّمات والشّبهات وحفظِ لسانِك عن الكذب والغيبة وتطهير القلب من الحسَد والبغضاء وغضّ البصر عن المحرّمات والقيامِ بشعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، واستدرك هفواتِ الفوات، فالترحُّل من الدنيا قد دنا، والتحوّل منها قد أزِف، والرشيد من وقف مع نفسه وقفةَ حساب وعِتاب، يصحّح مسيرتَها ويتدارك زلّتها، يقول ابن حبّان رحمه الله: "أفضل ذوي العقولِ منزلةً أدومُهم لنفسه محاسبة، والسعيدُ من استودع صالحًا من عملِه، والشقيّ من شهِدت عليه جوارحه بقبيح زَلَـــلِــــه ".
والطاعة ليس لها زمنٌ محدود، ولا للعبادةِ أجل معدود، ويجب أن تسير النفوسُ على نهج الهدى والرّشاد بعد رمضان، فعبادة ربِّ العالمين ليست مقصورةً على رمضان، وليس للعبد منتهى من العبادةِ دون الموت، وبئس القوم لا يعرفون الله إلاّ في رمضان.
أيّها المسلمون، إنّ للقبول والرِّبح في هذا الشّهر علامات، وللخسارة والرّدّ أمارات، وإنّ من علامة قبول الحسنةِ فعلُ الحسنة بعدها، ومِن علامةِ السيّئة السيّئة بعدها، فأتبِعوا الحسنات بالحسنات تكن علامةً على قبولها، وأتبِعوا السيّئات بالحسنات تكن كفارةً لها ووقايَة من خطرِها، قال جلّ وعلا: (إِنَّ ٱلْحَسَنَـٰتِ يُذْهِبْنَ ٱلسَّـيّئَـٰتِ ذٰلِكَ ذِكْرَىٰ لِلذكِرِينَ) [هود: 114]، ويقول النبيّ : ((اتّقِ الله حيثما كنت، وأتبع السيئةَ الحسنة تمحُها، وخالقِ الناسَ بخلقٍ حسن)) رواه الترمذي. ومَن عزم على العودِ إلى التّفريط والتقصير بعد رمضان فالله يرضى عمّن أطاعه في أيّ شهر كان، ويغضَب على من عصاه في كلّ وقت وآن، ومدارُ السعادةِ في طول العمر وحسنِ العمل، يقول المصطفى : ((خير النّاس من طال عمره وصلح عملُه)). ومداومة المسلمِ على الطاعة من غير قَصر على زمنٍ معيّن أو شهر مخصوص أو مكان فاضل من أعظم البراهينِ على القبول وحسنِ الاستقامة.
أيّها المسلمون، إن انقضى موسم رمضانَ فإنّ الصيام لا يزال مشروعًا في غيره مِن الشهور، فقد سنّ المصطفى صيامَ يوم الاثنين والخميس، وقال: ((إنّ الأعمالَ تعرَض فيها على الله، فأحبّ أن يعرَض عملي وأنا صائم))، وأوصَى نبيّنا محمّد أبا هريرة رضي الله عنه بصيام ثلاثةِ أيّام من كلّ شهر وقال : ((صوم ثلاثةِ أيّام من كلّ شهر صومُ الدهرِ كلّه)) متّفق عليه. وأتبِعوا صيامَ رمضان بصيام ستّ من شوال، يقول : ((مَن صام رمضانَ ثمّ أتبعه ستًا من شوال كان كصيام الدّهر)) رواه مسلم.
ولئن انقضى قيامُ رمضان فإنّ قيامَ الليل مشروع في كلّ ليلة من ليالي السّنة، وقد ثبت عن النبي أنّ الله ينزل إلى السّماء الدنيا كلَّ ليلة حين يبقى ثلثُ الليل الآخر ويقول: من يدعوني فأستجيب له؟ من يسألني فأعطيه؟ من يستغفرني فأغفر له؟.
وأحبّ الأعمال إلى الله أدومها وإن قلّ، والمغبون من انصرَف عن طاعةِ الله، والمحروم من حُرِم رحمةَ الله، والخطايا مطوَّقة في أعناق الرّجال، والهلاك في الإصرارِ عليها، وما أعرَض معرضٌ عن طاعتِه إلا عثَر في ثوب غفلتِه، ومن أصلح ما بينه وبين الله أصلح الله ما بينه وبينَ الخلق، فإيّاك والمعاصيَ بعد شهرِ الغفران، فالعاصي في شقاءٍ، والخطيئة تذلّ الإنسانَ وتخرِس اللّسان، يقول أبو سليمان التّيميّ: "إنّ الرجلَ يصيب الذنبَ في السرِّ فيصبح وعليه مذلّته"، وأقبِح بالذّنب بعدَ الطاعة والبُعدِ عن المولى بعدَ القرب منه.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (مَنْ عَمِلَ صَـٰلِحًا مّن ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَوٰةً طَيّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ) [النحل: 97].
بارك الله لي ولكم………




الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشأنه، وأشهد أنّ نبيّنا محمّدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وسلم تسليمًا مزيدًا.
أمّا بعد: أيّها المسلمون، فالأعمال بالخواتيم، وفي ختامِ شهركم اجتهِدوا في الإكثار من الاستغفار يُغفَر لكم ما اقترفتم من خللٍ وتقصير، ومَن أحسن وأصلح فيما بقي غُفر له ما سلف، ومن داوم على التقصير أُخِذ بما سلف وبما بقي.
أيها المسلمون، لقد شرع الله لكم في ختام هذا الشهر المبارك أعمالاً تفعلونها: من ذلك إخراج زكاة الفطر، وتسمى صدقة الفطر ففيها أُلفة القلوب وعطف الغنيّ على أخيه الفقير، فرضها رسول الله طهرةً للصّائم وطْعمة للمساكين، ومقدارها صاع من غالب قوت أهل البلد من بر أو شعير أو أرز أو تمر أو زبيب أو أقط، وكلما كان أجود فهو خير وأفضل،
وأما عن وقتها: فإن زكاة الفطر تجب بغروب الشمس ليلة العيد لأنه الوقت الذي يكون به الفطر من رمضان، وزمن دفعها له وقتان: وقت فضيلة ووقت جواز.
فأما وقت الفضيلة فهو صباح العيد قبل الصلاة، عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بزكاة الفطر قبل خروج الناس إلى الصلاة رواه البخاري ومسلم.
وأما وقت الجواز: فهو قبل العيد بيوم أو يومين لما ثبت عن نافع قال كان ابن عمر يعطي عن الصغير والكبير حتى إنه كان يعطي عن بنيّ وكان يعطيها الذين يقبلونها وكانوا يعطون قبل الفطر بيوم أو يومين.
ولا يجوز تأخيرها عن صلاة العيد فإن أخرها فهي صدقة من الصدقات.
أيها المسلمون، وتجب زكاة الفطر فريضة على الكبير والصغير والذكر والأنثى والحر والعبد من المسلمين لما ثبت عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: (فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر من رمضان صاعا من تمر أو صاعاً من شعير على العبد والحر والذكر والأنثى والصغير والكبير من المسلمين) رواه البخاري ومسلم. وتستحب عن الجنين فقد كان السلف رضي الله عنهم يخرجونها عنه.
ويجب أن يخرجها عن نفسه وكذلك عمن تلزمه مؤونته من زوجة أو قريب إذا لم يستطيعوا إخراجها عن أنفسهم فإن استطاعوا فالأَولى أن يخرجوها عن أنفسهم لأنهم المخاطبون بها أصلاً وتجب زكاة الفطر على من وجدها فاضلة زائدة عما يحتاجه من نفقة يوم العيد وليلته أو أقل من ذلك سقطت عنه ولم تجب عليه.
أما الأمر الثاني: الذي شرع لكم في ختام هذا الشهر فهو التكبير
قال الله تعالى: ( وَلِتُكْمِلُواْٱلْعِدَّةَ وَلِتُكَبّرُواْ ٱللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) [البقرة:185].
ويبتدأ التكبير ـ أيها الإخوة ـ من غروب الشمس ليلة العيد، حتى حضور الإمام لصلاة العيد ويكبر المسلمون ذكوراً وإناثاً، ويسن في حق الرجال الجهر بالتكبير في المساجد والأسواق والبيوت، إعلاناً لتعظيم الله وشكره وأما النساء فإنهن يكبرن سراً لأنهن مأمورات بالتستر فلا يجهرن بالتكبير وصفة التكبير أن يقول: الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
وأما الأمر الثالث: الذي شرع لكم في ختام شهركم هذا فهو صلاة العيد.
وصلاة العيد أمر بها النبي صلى الله عليه وسلم حتى النساء أمرهن أن يخرجن ولم يأمر عليه الصلاة والسلام النساء بالخروج لأي شيء سوى صلاة العيد ، ومن السنة أن تصلى خارج البلد وذلك لإظهار هذه الشعيرة، وكذلك من السنة أن يذهب الإنسان من طريق وأن يعود من طريق آخر وذلك لنشر هذه الشعيرة في جميع أسواق البلد وشوارعها.
ومن المؤسف أيها الإخوة أن بعض الناس تجده بعد التعب في أيام رمضان ولياليها تجده ينام عن صلاة العيد، ولا يشهد الخير مع المسلمين وهذا حرمان عظيم، تقول أم عطية رضي الله عنها: أُمرنا أن نخرج الحيض وذوات الخدور يشهدن الخير ودعوة المسلمين، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم الحيض أن يعتزلن المصلى، ولكن أمرهن باستماع خطبة العيد وحضورهن دعوة المسلمين.فربما أصابهم نفحة خير وبركة.
وكيفية الخروج يا عباد الله، أن يخرج المسلم إليها متطيباً متجملاً، وذكر بعض العلماء أنه يستحب له الاغتسال لها أيضاً.
أيها المسلمون، إنه لا مانع من تناول الطيبات، وفعل المباحات وإظهار الفرح والسرور بالعيد، بل ذلك مستحب مع المحافظة على فعل ما أوجب الله وترك ما حرم الله وعدم الإسراف والخيلاء. إن كثيراً من الناس هداهم الله تضيع أوقاتهم بعد العيد بالسهرات واللهو واللعب، وربما تركوا أداء الصلوات في أوقاتها أو مع الجماعة فكأنهم بفعلهم هذا يريدون أن يمحوا أثر رمضان من نفوسهم، ويجددوا عهدهم مع الشيطان، إن أولئك حري أن لا يقبل منهم رمضان، لأن من شروط صحة التوبة العزم على عدم العودة إلى الذنب بعدها، وهؤلاء تركوا الذنوب تركاً مؤقتاً ثم عادوا إليها، وهذا لا يعتبر توبة، لأنهم إنما تركوها لعارض ثم عادوا إليها بعد زواله. فنعوذ بك اللهم من الحور بعد الكور.
واعلموا يا عباد الله ان اصدق الحديث كلام الله ........
وصلوا وسلموا يرحمكم الله على ..............
المشاهدات 1501 | التعليقات 2

ياشيخ عوض أحسن الله إليك على هذه الخطبة ولكن لو استبعدت تعزية الناس منها لكان أفضل فشرع في ختام الشهر التكبير والتهليل على نعمة الهداية ولم يرد في ذلك التعزية ومواساة الناس ...تقبل هذه الملاحظة من أخيك شكرالله لك


جزاك الله خير