وداعا رمضان جمعتها من عدة خطب للشيخ صلاح البدير والشيخ عبدالله البصري
عبدالرحمن اللهيبي
1437/09/25 - 2016/06/30 04:53AM
هذه خطبة جمعتها من عدة خطب للشيخ صلاح البدير ومن خطبة للشيخ عبدالله البصري مع اختصار وتنسيق وتصرف
الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات وبفضله وكرمه تزداد الحسنات وتغفر الزلات ، أحمده سبحانه على ما أولى وهدى ، وأشكره على ما وهب وأعطى لا إله إلا هو العلي الأعلى ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله النبي المصطفى ذو الخلُق الأسمى ، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أولي النهى والتقى والتابعين وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين أما بعد .
فاتقوا الله ربكم واشكروا له (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً)
أما بعد: فأوصيكم ونفسي بتقوى الله جل وعلا،فمن اتقاه وقاه،وأسعده وأرضاه
أيها الصائمون، ما أسرعَ ما تنقضي الليالي والأيام، وما أعجلَ ما تنصرم الشهور والأعوام، وهذه سُنّة الله في الحياة، [كُلُّ شَىْء هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ لَهُ ٱلْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ] ففي تقلّب الدهر عِبر، وفي تغير الأحوال مدّكر.
إخوةَ الإيمان، شهرُ رمضان أوشك تمامُه ، وتصرَّمت لياليْه وأيامُه، قرُب رحيله، وأذن تحويلُه، ولم يبق منه إلا قليله، سار مسرعا، وسيرحل مودعاً, ولله الحمد على ما قضى وأبرَم، وله الشّكر على ما أعطى وأنعم.
تصرَّم الشهر والهفاه وانهدمـا واختصَّ بالفوز بالجناتِ من خدما
طوبى لمن كانت التقوى بضاعتَه في شـهره وبحبل الله معتصمَـا
فاستدركوا ـ رحمكم الله ـ بقيتَه بالمسارعة إلى الخيرات، واغتنامِ الفضائل والقربات فرب قيام ليلة فاضلة يعوض ما فات وربما أن ما بقي منه خير من ما مضى فنحن مقبلون هذه الليلة وهي ليلة السابع والعشرين وهي أرجى الليالي لأن تكون ليلة القدر
نسأل الله أن ينيلنا فضلها وبركتها
عباد الله : شهرُكم عزم على النقلة، ونوى الرِّحلة، ها هو ذاهبٌ بأفعالكم، شاهداً لكم أو عليكم ، فيا ترى أتُراه يرحل حامداً الصنيع أو ذاماً التضييع فمن كان قد أحسنَ فعليه بالتمام، ومن فرّط فليختم شهره بالحسنى فالعمل بالختام ولعل ما بقي من الليالي خير من ما مضى ..
يا صائمون : إن ضيفنا المبارك لا يزال بين أيدينا وملء أسماعنا وأبصارنا وحديث منابرنا وزينة منائرنا وحياة مساجدنا فكيف الحال بعد فراقه , فالعين لفراقه تدمع والقلب يوجل ، وإنا لفراقك يا شهرنا لمحزونون .. فيا لحسن الفائرين الذين اغتنموا شهر رمضان بأكمل وجه من صلاة وصيام وتهجد وقيام وصدقة وإحسان فنظر الله إليهم وهم يبتهلون بالدعاء إليه فغفر لهم وعتق رقابهم , ويا لخسارة المفرطين الذين لم يعرفوا لرمضان قدره فأمضوا وقتهم بالملهيات واشغلوا أنفسهم بحظوظ الدنيا ومضى عليهم الشهر وهم على هذه الحال .
فيا أيها الصائمون :اختموا شهركم بخير ختام فالعبرة بكمال النهايات لا بنقص البدايات واستغفروا ربكم من كل خلل وتقصير ومقارفة للإثم والحرام
قال الحسن أكثروا من الاستغفار فإنكم لا تدرون متى تنزل الرحمة
وكان نبيكم يقول ( إني لأستغفر الله وأتوب إليه في المجلس الواحد مئة مرة)
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، لَو قِيلَ لأَحَدِنَا إِنَّ هَذَا هُوَ رَمَضَانُ الأَخِيرُ في حَيَاتِكَ ، وَلَن تُدرِكَ بَعدَهُ رَمَضَانَ آخَرَ ، فَمَاذَا عَسَاهُ أَن يَفعَلَ وَبِأَيِّ نَفسٍ سَيُقبِلُ ، أَتُرَاهُ سيختم شهره بالتفريط والعصيان
لا والله بل سَتَرَاهُ يُسَابِقُ الأَيَّامَ وَاللَّيَاليَ قَبلَ فَوَاتِ الأَوَانِ ، وَسَيَجتَهِدُ اجتِهَادًا لا مَزِيدَ عَلَيهِ ... .
إِنَّ كَثِيرًا مِنَّا الآنَ لا يَتَصَوَّرُ أَنَّهُ قَد يَكُونُ ذَلِكَ الشَّخصَ الَّذِي لَن يَمُرَّ عَلَيهِ رَمَضَانُ مَرَّةً أُخرَى ، وَلَكِنَّهَا الحَقِيقَةُ الَّتي لا بُدَّ لِكُلِّ مِنَّا مِنهَا يَومًا مَا " وَمَا تَدرِي نَفسٌ مَاذَا تَكسِبُ غَدًا وَمَا تَدرِي نَفسٌ بِأَيِّ أَرضٍ تَمُوتُ "
نَعَم ـ عِبَادَ اللهِ ـ وَاللهِ لا نَدرِي مَا اللهُ صَانِعٌ بِنَا غَدًا ، وَلَكِنَّ الَّذِي نَعلَمُهُ جَمِيعًا وَلا نَشُكُّ فِيهِ ، أَنَّهُ لم يُضمَنْ لأَحَدٍ مِنَّا إِكمَالُ هَذَا الشَّهرِ ، فَضلاً عَن أَن يَكُونَ مَضمُونًا لَهُ بُلُوغُ رَمَضَانَ القَادِمِ أَوِ الَّذِي بَعدَهُ ، وَوَاللهِ وَتَاللهِ ، لَيَمُرَّنَّ رَمَضَانُ عَلَى أَحَدِنَا يَومًا وَقَد وُسِّدَ التُّرَابَ ، وَفَارَقَ الأَهلَ وَالأَحبَابَ ، وَحِيلَ بَينَهُ وَبَينَ العَمَلِ ، وَانقَطَعَ مِنهُ الرَّجَاءُ وَالأَمَلُ ، وَصَارَ بَعِيدًا عَن كُلِّ مَا يَنفَعُهُ ، إِلاَّ مِن رَحمَةِ اللهِ ثم دَعوَةٍ صَالِحَةٍ مِن حَيٍّ مُحِبٍّ ، أَو صَدَقَةٍ مِن مُحسِنٍ تَبلُغُهُ ، أَو ثَمَرَةِ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ تَصِلُ إِلَيهِ
فيَا أَيُّهَا الصُّائِمُونَ ، هَا أَنتُمُ اليَومَ في السادس العِشرِينَ مِن رَمَضَانَ ، وَربما أنتم مُستَقبِلُونَ فِيهَا لَيلَة القَدرِ وَمَا أَدرَاكَ مَا لَيلَةُ القَدرِ ، لَيلَةُ القَدرِ خَيرٌ مِن أَلفِ شَهرٍ ، نَعَم ـ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ـ هِيَ لَيلَةٌ وَاحِدَةٌ يَجتَهِدُ فِيهَا المُسلِمُ مُخلِصًا لِرَبِّهِ مُقبِلاً عَلَى مَولاهُ ، مُحسِنًا عَمَلَهُ بَاسِطًا أَملَهُ ، تَائِبًا مُنِيبًا خَائِفًا رَاجِيًا ، وَيَقُومُ مَعَ إِمَامِهِ حَتى يَنصَرِفَ ، فَيُعطَى بِرَحمَةِ اللهِ وَفَضلِهِ أَجرَا أعظم من ثَلاثةٍ وَثَمَانِينَ عَامًا مِنَ العَمَلِ الصَّالِحِ المُستَمِرِّ ، فَأَيُّ نَفسٍ تَسمَعُ بِمِثلِ هَذَا ثم تَتَكَاسَلُ ؟! وَأَيُّ مُسلِمٍ يُوقِنُ بِذَلِكَ ثم يَتَقَاعَسُ ؟! قَالَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " إِنَّ هَذَا الشَّهرَ قَد حَضَرَكُم وَفِيهِ لَيلَةٌ خَيرٌ مِن أَلفِ شَهرٍ ، مَن حُرِمَهَا فَقَد حُرِمَ الخَيرَ كُلَّهُ ، وَلا يُحرَمُ خَيرَهَا إِلاَّ كُلُّ مُحرُومٍ " رَوَاهُ ابنُ مَاجَهْ وَحَسَّنَهُ الأَلبَانيُّ
وكَيفَ لا تَكُونُ مُبَارَكَةً وَقَد أَخبَرَ الصَّادِقُ المَصدُوقُ أَنَّ مَن قَامَهَا إِيمَانًا وَاحتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِهِ
حَقًّا إِنَّ لَيلَةَ القَدرِ ـ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ـ هِيَ فُرصَةُ العُمُرِ ، الَّتي يَجدُرُ بِالمُسلِمِ أَلاَّ يُفَوِّتَهَا أَو يَتَهَاوَنَ بها ، فَلَعَلَّهُ لا يُكتَبُ لَهُ مِنَ العُمُرِ مَا يُمَكِّنُهُ مِن إِدرَاكِهَا مَرَّةً أُخرَى
فيا عبد الله، جدّ القوم وأنت قاعد، وقربوا وأنت متباعد، وقاموا وأنت راقد، وتذكروا وأنت شارد، إن قام العُبادُ لم تُرَ بينهم، وإن عُدَّ الصالحون فلست معهم، ترجو النجاة ببضاعة مزجاة، فلا صلاة ولا مناجاة، ولا توبة ولا مصافاة، لقد باشر الصالحون ليالي رمضان بصفاح وجوههم، وقيام أبدانهم، خالف خوف الله بينهم وبين السُهاد، وأطار من أعينهم الرقاد، عيونهم من رهبة الله تدمع، قلوبهم من خوفه تلين وتخشع، يعبدونه في ظلمة الليل والناس ضُجَّع، قومٌ أبرار، ليسوا بأثمة ولا فُجار، فيا من قضيت ليلك في معصية الخالق، وأضعت ليالي رمضان الشريفة في المحرمات والبوائق،
يا لها من خسارة لا تشبهها خسارة، أن ترى أهل الإيمان واليقين، وركائب التائبين وقوافل المستغفرين، قد حظوا في ساعات الليل بالقرب والزلفى والرضوان، وقد رُميت بالطرد والإبعاد والحرمان، فاستدرك يا عبدالله ما بقي من رمضان جاهدا، ودع اللهو جانباً، والحق بالقافلة، وتقلب في منازل العبودية بين فرضٍ ونافلة، واجعل الحياة بطاعة ربك حافلة، وحافظ على التراويح والقيام، فيما تبقى من الأيام، فقد قال رسول الله : ((من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه)) وقال : ((إن الرجل إذا صلى مع الإمام حتى ينصرف حسب له قيام ليلة)).
الحمد لله الذي أودع شهر رمضان مزيد فضل وأجر، نحمده سبحانه ونشكره على التوفيق للصيام والقيام ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الخلق والأمر، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه كلما أضاء قمر وانشق فجر.
أما بعد: أيها المسلمون، ، ما أسرع ما يتقضّى الزمن، وما أعجل ما تمضي الأيام، كنا بالأمس نستقبل رمضان، ونحن اليوم على عتبات وداعه، ولم يكن بين استقبالنا ووداعنا إلا أيام قلائل مرّت مرور الطيف ولمعت لمعان البرق الخاطف، ثم غادرتنا مُقَرِّبة إلينا آجالنا مُقَصِّرة من آمالنا ,وعما قريب تتقضّى الأيام المقدّرة، وتدنو الآجال المكتوبة، ويفارق المرء دنياه، غير حامل زادًا إلا زاد العمل الصالح، ولا لابسًا لباسًا إلا لباس التقوى، فأيّنا أعدّ لذلك اليوم عدّته واتخذ له أهبته, قال سبحانه: كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ ٱلْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ ، فالله الله في ساعة لا شكّ في مجيئها، واجعلوا في تصرّم شهركم عبرةً تذكّركم بتصرّم أعماركم.
أيها المسلمون، زكاة الفطر شرعها الله طُهْرة للصائم من اللغو والرفث وطُعْمة للمساكين وشكرًا لله على توفيقه، وهي زكاة عن البدن، يجب إخراجها عن الكبير والصغير والذكر والأنثى والحرّ والعبد، ويستحب إخراجها عن الحمل ويجب إخراجها على كل مسلم غربت عليه شمسُ ليلة العيد وهو يملك ما يزيد عن قوت يومه وليلته، وتدفع زكاة الفطر إلى من يجوز دفع زكاة المال إليه من الفقراء والمساكين، فيدفعها إلى المستحق ويتحرّى في ذلك
ووقت الإخراج يبدأ بغروب الشمس ليلة العيد، والأفضل ما بين صلاة الفجر وصلاة العيد، وإن أخرجها قبل العيد بيوم أو يومين جاز، وإن أخّرها عن صلاة العيد أثم ولزمه إخراجها ولم تجزئه إلا إن كان أخرها لعذر، ويجوز للفقير إذا قبض صدقة الفطر أن يخرجها عن نفسه.
الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات وبفضله وكرمه تزداد الحسنات وتغفر الزلات ، أحمده سبحانه على ما أولى وهدى ، وأشكره على ما وهب وأعطى لا إله إلا هو العلي الأعلى ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله النبي المصطفى ذو الخلُق الأسمى ، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أولي النهى والتقى والتابعين وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين أما بعد .
فاتقوا الله ربكم واشكروا له (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً)
أما بعد: فأوصيكم ونفسي بتقوى الله جل وعلا،فمن اتقاه وقاه،وأسعده وأرضاه
أيها الصائمون، ما أسرعَ ما تنقضي الليالي والأيام، وما أعجلَ ما تنصرم الشهور والأعوام، وهذه سُنّة الله في الحياة، [كُلُّ شَىْء هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ لَهُ ٱلْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ] ففي تقلّب الدهر عِبر، وفي تغير الأحوال مدّكر.
إخوةَ الإيمان، شهرُ رمضان أوشك تمامُه ، وتصرَّمت لياليْه وأيامُه، قرُب رحيله، وأذن تحويلُه، ولم يبق منه إلا قليله، سار مسرعا، وسيرحل مودعاً, ولله الحمد على ما قضى وأبرَم، وله الشّكر على ما أعطى وأنعم.
تصرَّم الشهر والهفاه وانهدمـا واختصَّ بالفوز بالجناتِ من خدما
طوبى لمن كانت التقوى بضاعتَه في شـهره وبحبل الله معتصمَـا
فاستدركوا ـ رحمكم الله ـ بقيتَه بالمسارعة إلى الخيرات، واغتنامِ الفضائل والقربات فرب قيام ليلة فاضلة يعوض ما فات وربما أن ما بقي منه خير من ما مضى فنحن مقبلون هذه الليلة وهي ليلة السابع والعشرين وهي أرجى الليالي لأن تكون ليلة القدر
نسأل الله أن ينيلنا فضلها وبركتها
عباد الله : شهرُكم عزم على النقلة، ونوى الرِّحلة، ها هو ذاهبٌ بأفعالكم، شاهداً لكم أو عليكم ، فيا ترى أتُراه يرحل حامداً الصنيع أو ذاماً التضييع فمن كان قد أحسنَ فعليه بالتمام، ومن فرّط فليختم شهره بالحسنى فالعمل بالختام ولعل ما بقي من الليالي خير من ما مضى ..
يا صائمون : إن ضيفنا المبارك لا يزال بين أيدينا وملء أسماعنا وأبصارنا وحديث منابرنا وزينة منائرنا وحياة مساجدنا فكيف الحال بعد فراقه , فالعين لفراقه تدمع والقلب يوجل ، وإنا لفراقك يا شهرنا لمحزونون .. فيا لحسن الفائرين الذين اغتنموا شهر رمضان بأكمل وجه من صلاة وصيام وتهجد وقيام وصدقة وإحسان فنظر الله إليهم وهم يبتهلون بالدعاء إليه فغفر لهم وعتق رقابهم , ويا لخسارة المفرطين الذين لم يعرفوا لرمضان قدره فأمضوا وقتهم بالملهيات واشغلوا أنفسهم بحظوظ الدنيا ومضى عليهم الشهر وهم على هذه الحال .
فيا أيها الصائمون :اختموا شهركم بخير ختام فالعبرة بكمال النهايات لا بنقص البدايات واستغفروا ربكم من كل خلل وتقصير ومقارفة للإثم والحرام
قال الحسن أكثروا من الاستغفار فإنكم لا تدرون متى تنزل الرحمة
وكان نبيكم يقول ( إني لأستغفر الله وأتوب إليه في المجلس الواحد مئة مرة)
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، لَو قِيلَ لأَحَدِنَا إِنَّ هَذَا هُوَ رَمَضَانُ الأَخِيرُ في حَيَاتِكَ ، وَلَن تُدرِكَ بَعدَهُ رَمَضَانَ آخَرَ ، فَمَاذَا عَسَاهُ أَن يَفعَلَ وَبِأَيِّ نَفسٍ سَيُقبِلُ ، أَتُرَاهُ سيختم شهره بالتفريط والعصيان
لا والله بل سَتَرَاهُ يُسَابِقُ الأَيَّامَ وَاللَّيَاليَ قَبلَ فَوَاتِ الأَوَانِ ، وَسَيَجتَهِدُ اجتِهَادًا لا مَزِيدَ عَلَيهِ ... .
إِنَّ كَثِيرًا مِنَّا الآنَ لا يَتَصَوَّرُ أَنَّهُ قَد يَكُونُ ذَلِكَ الشَّخصَ الَّذِي لَن يَمُرَّ عَلَيهِ رَمَضَانُ مَرَّةً أُخرَى ، وَلَكِنَّهَا الحَقِيقَةُ الَّتي لا بُدَّ لِكُلِّ مِنَّا مِنهَا يَومًا مَا " وَمَا تَدرِي نَفسٌ مَاذَا تَكسِبُ غَدًا وَمَا تَدرِي نَفسٌ بِأَيِّ أَرضٍ تَمُوتُ "
نَعَم ـ عِبَادَ اللهِ ـ وَاللهِ لا نَدرِي مَا اللهُ صَانِعٌ بِنَا غَدًا ، وَلَكِنَّ الَّذِي نَعلَمُهُ جَمِيعًا وَلا نَشُكُّ فِيهِ ، أَنَّهُ لم يُضمَنْ لأَحَدٍ مِنَّا إِكمَالُ هَذَا الشَّهرِ ، فَضلاً عَن أَن يَكُونَ مَضمُونًا لَهُ بُلُوغُ رَمَضَانَ القَادِمِ أَوِ الَّذِي بَعدَهُ ، وَوَاللهِ وَتَاللهِ ، لَيَمُرَّنَّ رَمَضَانُ عَلَى أَحَدِنَا يَومًا وَقَد وُسِّدَ التُّرَابَ ، وَفَارَقَ الأَهلَ وَالأَحبَابَ ، وَحِيلَ بَينَهُ وَبَينَ العَمَلِ ، وَانقَطَعَ مِنهُ الرَّجَاءُ وَالأَمَلُ ، وَصَارَ بَعِيدًا عَن كُلِّ مَا يَنفَعُهُ ، إِلاَّ مِن رَحمَةِ اللهِ ثم دَعوَةٍ صَالِحَةٍ مِن حَيٍّ مُحِبٍّ ، أَو صَدَقَةٍ مِن مُحسِنٍ تَبلُغُهُ ، أَو ثَمَرَةِ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ تَصِلُ إِلَيهِ
فيَا أَيُّهَا الصُّائِمُونَ ، هَا أَنتُمُ اليَومَ في السادس العِشرِينَ مِن رَمَضَانَ ، وَربما أنتم مُستَقبِلُونَ فِيهَا لَيلَة القَدرِ وَمَا أَدرَاكَ مَا لَيلَةُ القَدرِ ، لَيلَةُ القَدرِ خَيرٌ مِن أَلفِ شَهرٍ ، نَعَم ـ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ـ هِيَ لَيلَةٌ وَاحِدَةٌ يَجتَهِدُ فِيهَا المُسلِمُ مُخلِصًا لِرَبِّهِ مُقبِلاً عَلَى مَولاهُ ، مُحسِنًا عَمَلَهُ بَاسِطًا أَملَهُ ، تَائِبًا مُنِيبًا خَائِفًا رَاجِيًا ، وَيَقُومُ مَعَ إِمَامِهِ حَتى يَنصَرِفَ ، فَيُعطَى بِرَحمَةِ اللهِ وَفَضلِهِ أَجرَا أعظم من ثَلاثةٍ وَثَمَانِينَ عَامًا مِنَ العَمَلِ الصَّالِحِ المُستَمِرِّ ، فَأَيُّ نَفسٍ تَسمَعُ بِمِثلِ هَذَا ثم تَتَكَاسَلُ ؟! وَأَيُّ مُسلِمٍ يُوقِنُ بِذَلِكَ ثم يَتَقَاعَسُ ؟! قَالَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " إِنَّ هَذَا الشَّهرَ قَد حَضَرَكُم وَفِيهِ لَيلَةٌ خَيرٌ مِن أَلفِ شَهرٍ ، مَن حُرِمَهَا فَقَد حُرِمَ الخَيرَ كُلَّهُ ، وَلا يُحرَمُ خَيرَهَا إِلاَّ كُلُّ مُحرُومٍ " رَوَاهُ ابنُ مَاجَهْ وَحَسَّنَهُ الأَلبَانيُّ
وكَيفَ لا تَكُونُ مُبَارَكَةً وَقَد أَخبَرَ الصَّادِقُ المَصدُوقُ أَنَّ مَن قَامَهَا إِيمَانًا وَاحتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِهِ
حَقًّا إِنَّ لَيلَةَ القَدرِ ـ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ـ هِيَ فُرصَةُ العُمُرِ ، الَّتي يَجدُرُ بِالمُسلِمِ أَلاَّ يُفَوِّتَهَا أَو يَتَهَاوَنَ بها ، فَلَعَلَّهُ لا يُكتَبُ لَهُ مِنَ العُمُرِ مَا يُمَكِّنُهُ مِن إِدرَاكِهَا مَرَّةً أُخرَى
فيا عبد الله، جدّ القوم وأنت قاعد، وقربوا وأنت متباعد، وقاموا وأنت راقد، وتذكروا وأنت شارد، إن قام العُبادُ لم تُرَ بينهم، وإن عُدَّ الصالحون فلست معهم، ترجو النجاة ببضاعة مزجاة، فلا صلاة ولا مناجاة، ولا توبة ولا مصافاة، لقد باشر الصالحون ليالي رمضان بصفاح وجوههم، وقيام أبدانهم، خالف خوف الله بينهم وبين السُهاد، وأطار من أعينهم الرقاد، عيونهم من رهبة الله تدمع، قلوبهم من خوفه تلين وتخشع، يعبدونه في ظلمة الليل والناس ضُجَّع، قومٌ أبرار، ليسوا بأثمة ولا فُجار، فيا من قضيت ليلك في معصية الخالق، وأضعت ليالي رمضان الشريفة في المحرمات والبوائق،
يا لها من خسارة لا تشبهها خسارة، أن ترى أهل الإيمان واليقين، وركائب التائبين وقوافل المستغفرين، قد حظوا في ساعات الليل بالقرب والزلفى والرضوان، وقد رُميت بالطرد والإبعاد والحرمان، فاستدرك يا عبدالله ما بقي من رمضان جاهدا، ودع اللهو جانباً، والحق بالقافلة، وتقلب في منازل العبودية بين فرضٍ ونافلة، واجعل الحياة بطاعة ربك حافلة، وحافظ على التراويح والقيام، فيما تبقى من الأيام، فقد قال رسول الله : ((من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه)) وقال : ((إن الرجل إذا صلى مع الإمام حتى ينصرف حسب له قيام ليلة)).
الحمد لله الذي أودع شهر رمضان مزيد فضل وأجر، نحمده سبحانه ونشكره على التوفيق للصيام والقيام ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الخلق والأمر، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه كلما أضاء قمر وانشق فجر.
أما بعد: أيها المسلمون، ، ما أسرع ما يتقضّى الزمن، وما أعجل ما تمضي الأيام، كنا بالأمس نستقبل رمضان، ونحن اليوم على عتبات وداعه، ولم يكن بين استقبالنا ووداعنا إلا أيام قلائل مرّت مرور الطيف ولمعت لمعان البرق الخاطف، ثم غادرتنا مُقَرِّبة إلينا آجالنا مُقَصِّرة من آمالنا ,وعما قريب تتقضّى الأيام المقدّرة، وتدنو الآجال المكتوبة، ويفارق المرء دنياه، غير حامل زادًا إلا زاد العمل الصالح، ولا لابسًا لباسًا إلا لباس التقوى، فأيّنا أعدّ لذلك اليوم عدّته واتخذ له أهبته, قال سبحانه: كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ ٱلْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ ، فالله الله في ساعة لا شكّ في مجيئها، واجعلوا في تصرّم شهركم عبرةً تذكّركم بتصرّم أعماركم.
أيها المسلمون، زكاة الفطر شرعها الله طُهْرة للصائم من اللغو والرفث وطُعْمة للمساكين وشكرًا لله على توفيقه، وهي زكاة عن البدن، يجب إخراجها عن الكبير والصغير والذكر والأنثى والحرّ والعبد، ويستحب إخراجها عن الحمل ويجب إخراجها على كل مسلم غربت عليه شمسُ ليلة العيد وهو يملك ما يزيد عن قوت يومه وليلته، وتدفع زكاة الفطر إلى من يجوز دفع زكاة المال إليه من الفقراء والمساكين، فيدفعها إلى المستحق ويتحرّى في ذلك
ووقت الإخراج يبدأ بغروب الشمس ليلة العيد، والأفضل ما بين صلاة الفجر وصلاة العيد، وإن أخرجها قبل العيد بيوم أو يومين جاز، وإن أخّرها عن صلاة العيد أثم ولزمه إخراجها ولم تجزئه إلا إن كان أخرها لعذر، ويجوز للفقير إذا قبض صدقة الفطر أن يخرجها عن نفسه.
المرفقات
وداعا رمضان 2.doc
وداعا رمضان 2.doc