وجوه الناس

وجوه الناس
22 / 10 /1439هـ
الْحَمْدُ لِلَّهِ الْخَلَّاقِ الْعَلِيمِ؛ خَلَقَ الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ، وَابْتَلَاهُ بِحَمْلِ أَمَانَةِ الدِّينِ، فَإِنْ حَمَلَهَا وَأَدَّاهَا كَانَ مِنَ النَّاجِينَ، وَإِنْ أَعْرَضَ عَنْهَا أَوْ فَرَّطَ فِيهَا كَانَ مِنَ الْهَالِكِينَ، نَحْمَدُهُ حَمْدًا كَثِيرًا، وَنَشْكُرُهُ شُكْرًا مَزِيدًا، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ؛ أَرْزَاقُ الْعِبَادِ وَآجَالُهُمْ بِيَدِهِ، وَكُلُّ الْخَلْقِ تَحْتَ سُلْطَانِهِ وَقَهْرِهِ، وَلَا خُرُوجَ لِأَحَدٍ عَنْ قَضَائِهِ وَقَدَرِهِ، فَوَجَبَ أَنْ تَتَعَلَّقَ الْقُلُوبُ بِهِ، وَأَنْ لَا تُصْرَفَ الْعِبَادَةُ إِلَّا لَهُ، وَأَنْ لَا يَلْجَأَ الْعِبَادُ لِغَيْرِهِ، وَإِلَّا خَابُوا وَخَسِرُوا، ﴿وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [الْأَنْعَامِ: 17]، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ جَاءَ بِدِينِ الْحَقِّ مِنْ رَبِّهِ سُبْحَانَهُ، فَمَنْ أَطَاعَهُ وَاتَّبَعَ هُدَاهُ كَانَ مِنَ الْمُتَّقِينَ الْفَائِزِينَ، وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ كَانَ مِنَ الظَّالِمِينَ الخَاسِرِينَ ﴿فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى﴾ [طه: 123-124]، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ، وَأَسْلِمُوا لَهُ وُجُوهَكُمْ، وَاسْتَمْسِكُوا بِدِينِكُمْ، وَأَخْلِصُوا لَهُ أَعْمَالَكُمْ ﴿وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى وَإِلَى اللَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ﴾ [لُقْمَانَ: 22].
أَيُّهَا النَّاسُ: أَكْرَمُ مَا فِي جَسَدِ الْإِنْسَانِ وَجْهُهُ، وَفِيهِ أَكْثَرُ حَوَاسِّهِ، وَهُوَ مَعْقِدُ جَمَالِ صَاحِبِهِ أَوْ دَمَامَتِهِ، وَهُوَ الْمُبِينُ عَنْ شَخْصِهِ، وَلِذَا اعْتُمِدَ تَصْوِيرُ الْوَجْهِ فِي الْبِطَاقَاتِ الرَّسْمِيَّةِ. وَهُوَ مَحَلُّ الْإِكْرَامِ أَوِ الْإِهَانَةِ؛ فَتَقْبِيلُ الْجِبَاهِ وَالْأُنُوفِ تَكْرِيمٌ وَتَبْجِيلٌ، وَجَدْعُ الْأُنُوفِ وَتَقْبِيحُ الْوُجُوهِ إِهَانَةٌ وَتَحْقِيرٌ، وَفِي الْإِسْلَامِ نُهِيَ عَنْ ضَرْبِ الْوَجْهِ كَرَامَةً لَهُ. وَيُعْرَفُ حَالُ الْمَرْءِ مِنْ وَجْهِهِ؛ فَإِذَا أَخْفَى مَشَاعِرَهُ مِنْ حُبٍّ أَوْ كُرْهٍ أَوْ فَرَحٍ أَوْ حُزْنٍ أَوْ غَضَبٍ أَوْ رِضًا أَوْ حَيَاءٍ فَضَحَهُ وَجْهُهُ، فَمَا تُخْفِيهِ الْقُلُوبُ يَظْهَرُ أَثَرُهُ عَلَى الْوُجُوهِ، وَفِي أَحَادِيثَ كَثِيرَةٍ وَصَفَ الصَّحَابَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَجْهَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  فِي أَحْوَالٍ اعْتَرَتْهُ فَقَالُوا: «وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا سُرَّ اسْتَنَارَ وَجْهُهُ، كَأَنَّ وَجْهَهُ قِطْعَةُ قَمَرٍ»، «قَدْ عَرَفْتُ فِي وَجْهِهِ الْجُوعَ»، «فَعَرَفْتُ فِي وَجْهِهِ الْكَرَاهِيَةَ»، «فَرَأَيْتُ الْغَضَبَ فِي وَجْهِهِ»، «وَهُوَ يَبْرُقُ وَجْهُهُ مِنَ السُّرُورِ» وَكُلُّهَا أَحَادِيثُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا.
وَقَالَ عُثْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «مَا أَسَرَّ أَحَدٌ سَرِيرَةً إِلَّا أَبْدَاهَا اللَّهُ عَلَى صَفَحَاتِ وَجْهِهِ، وَفَلَتَاتِ لِسَانِهِ». «وَالْغَرَضُ أَنَّ الشَّيْءَ الْكَامِنَ فِي النَّفْسِ يَظْهَرُ عَلَى صَفَحَاتِ الْوَجْهِ... وَقَالَ الْإِمَامُ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: بَلَغَنِي أَنَّ النَّصَارَى كَانُوا إِذَا رَأَوُا الصَّحَابَةَ الَّذِينَ فَتَحُوا الشَّامَ يَقُولُونَ: وَاللَّهِ لَهَؤُلَاءِ خَيْرٌ مِنَ الْحَوَارِيِّينَ فِيمَا بَلَغَنَا». وَالْحَوَارِيُّونَ هُمْ أَصْحَابُ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ. وَقَدْ وَصَفَ اللَّهُ تَعَالَى أَثَرَ الْعِبَادَةِ عَلَى وُجُوهِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ فَقَالَ سُبْحَانَهُ: ﴿سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ﴾ [الْفَتْحِ: 29]، وَهُوَ نُورٌ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ كَثْرَةِ صَلَاتِهِمْ، وَقَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: «مَنْ كَثُرَتْ صَلَاتُهُ بِاللَّيْلِ حَسُنَ وَجْهُهُ بِالنَّهَارِ».
وَأَهْلُ الْكُفْرِ وَالنِّفَاقِ يَظْهَرُ عَمَلُهُمْ عَلَى وُجُوهِهِمْ ﴿وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُوا الْمُنْكَرَ﴾ [الْحَجِّ: 72]؛ أَيْ: «يَلُوحُ عَلَى وُجُوهِهِمُ الْغَيْظُ وَالْغَضَبُ عِنْدَمَا يُتْلَى عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ وَيُدْعَوْنَ إِلَى الْإِيمَانِ. وَهَذَا كِنَايَةٌ عَنِ امْتِلَاءِ نُفُوسِهِمْ مِنَ الْإِنْكَارِ وَالْغَيْظِ حَتَّى تَجَاوَزَ أَثَرُهُ بَوَاطِنَهُمْ فَظَهَرَ عَلَى وُجُوهِهِمْ».
فَفِي الدُّنْيَا يَظْهَرُ نُورُ الْإِيمَانِ وَالْعِبَادَةِ عَلَى وُجُوهِ الْمُؤْمِنِينَ، وَتَظْهَرُ ظُلْمَةُ الْكُفْرِ وَالنِّفَاقِ عَلَى وُجُوهِ الْمُكَذِّبِينَ، وَيَعْرِفُ ذَلِكَ أَهْلُ الْفِرَاسَةِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ مِنْ أَحْبَارِ الْيَهُودِ، وَلَكِنَّهُ كَانَ صَادِقًا فِي تَحَرِّي الْحَقِّ وَاتِّبَاعِهِ، قَالَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ انْجَفَلَ النَّاسُ إِلَيْهِ، وَقِيلَ: قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَجِئْتُ فِي النَّاسِ لِأَنْظُرَ إِلَيْهِ، فَلَمَّا اسْتَبَنْتُ وَجْهَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَرَفْتُ أَنَّ وَجْهَهُ لَيْسَ بِوَجْهِ كَذَّابٍ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ، عَرَفَ ذَلِكَ بِفِرَاسَتِهِ، فَآمَنَ بِهِ، وَتَرَكَ الْيَهُودِيَّةَ.
وَأَمَّا فِي الْآخِرَةِ فَأَوْصَافُ وُجُوهِ الْمُؤْمِنِينَ وَأَوْصَافُ وُجُوهِ الْمُكَذِّبِينَ فِي الْقُرْآنِ عَجِيبَةٌ؛ جَاءَتْ فِي جُمْلَةٍ كَبِيرَةٍ مِنَ الْآيَاتِ الْوَاضِحَةِ الْبَيِّنَةِ الَّتِي لَا تَحْتَاجُ إِلَى تَفْسِيرٍ وَبَيَانٍ؛ فَوُجُوهُ الْمُؤْمِنِينَ بَيْضَاءُ، وَوُجُوهُ الْمُكَذِّبِينَ سَوْدَاءُ ﴿يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ * وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ [آلِ عِمْرَانَ: 106 - 107].
وَوُجُوهُ الْمُؤْمِنِينَ تَعْلُوهَا الْعِزَّةُ، وَوُجُوهُ الْمُكَذِّبِينَ تَكْسُوهَا الذِّلَّةُ ﴿لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ * وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئَاتِ جَزَاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ مَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعًا مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِمًا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ [يُونُسَ: 26- 27].
وَوُجُوهُ الْمُؤْمِنِينَ فِيهَا نَضْرَةُ النَّعِيمِ، وَوُجُوهُ الْمُكَذِّبِينَ كَالِحَةٌ تَنْتَظِرُ عَذَابَ الجَحِيمِ ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ * وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ﴾ [الْقِيَامَةِ: 22 - 24]؛ أَيْ: كَالِحَةٌ مِنْ تَيَقُّنِ الْعَذَابِ. ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ * ضَاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ * وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ * تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ * أُولَئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ﴾ [عَبَسَ: 38 - 42]. ﴿إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ * عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ * تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ﴾ [الْمُطَفِّفِينَ: 22 - 24]. ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ * عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ * تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً﴾ [الْغَاشِيَةِ: 2 - 4]، وَقَالَ سُبْحَانَهُ فِي وُجُوهِ الْمُؤْمِنِينَ: ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاعِمَةٌ * لِسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ * فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ﴾ [الْغَاشِيَةِ: 8 - 10].
 وَعِنْدَ وَفَاةِ الْمُكَذِّبِينَ يُضْرَبُونَ عَلَى وُجُوهِهِمْ؛ إِهَانَةً لَهُمْ وَإِيلَامًا ﴿وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ﴾ [الْأَنْفَالِ: 50]، ﴿فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ﴾ [مُحَمَّدٍ: 27].
وَمِنْ شِدَّةِ أَلَمِ ضَرْبِ الْوَجْهِ فَإِنَّ الْإِنْسَانَ يَتَّقِيهِ بِيَدَيْهِ، وَأَشُدُّ شَيْءٍ عَلَى الْإِنْسَانِ أَنْ تُوثَقَ يَدَاهُ، وَيَنْهَالَ آسِرُهُ عَلَى وَجْهِهِ بِالضَّرْبِ؛ حَيْثُ يَجِدُ أَلَمَ الضَّرْبِ وَأَلَمَ الْإِهَانَةِ، وَأَهْلُ النَّارِ يَتَّقُونَ الْعَذَابَ بِوُجُوهِهِمْ ﴿أَفَمَنْ يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَقِيلَ لِلظَّالِمِينَ ذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ﴾ [الزُّمَرِ: 24]، ﴿يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ﴾ [الْقَمَرِ: 48]، وَفِي حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ النَّاسَ يُحْشَرُونَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَفْوَاجٍ: فَوْجٌ رَاكِبِينَ طَاعِمِينَ كَاسِينَ، وَفَوْجٌ يَمْشُونَ وَيَسْعَوْنَ، وَفَوْجٌ تَسْحَبُهُمُ الْمَلَائِكَةُ عَلَى وُجُوهِهِمْ وَتَحْشُرُهُمْ إِلَى النَّارِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ.
وَلَا يَرُدُّونَ النَّارَ عَنْ وُجُوهِهِمْ: ﴿لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا حِينَ لَا يَكُفُّونَ عَنْ وُجُوهِهِمُ النَّارَ وَلَا عَنْ ظُهُورِهِمْ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ﴾ [الْأَنْبِيَاءِ: 39]. نَعُوذُ بِاللَّهِ تَعَالَى مِنْ حَالِهِمْ وَمَآلِهِمْ، وَنَسْأَلُهُ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ وَالْمُعَافَاةَ الدَّائِمَةَ فِي الدِّينِ وَالدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.
وَأَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ...
الخطبة الثانية
الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ، ﴿وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ * وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ [آلِ عِمْرَانَ: 131- 132].
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِذَا رَأَى أَهْلُ النَّارِ مَا يُوعَدُونَ مِنَ الْعَذَابِ الْأَلِيمِ ظَهَرَ ذَلِكَ عَلَى وُجُوهِهِمْ، فَلَا يَقْدِرُونَ عَلَى إِخْفَائِهِ ﴿فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَقِيلَ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ﴾ [الْمُلْكِ: 27].
وَحَشْرُهُمْ يَكُونُ عَلَى وُجُوهِهِمْ -عِيَاذًا بِاللَّهِ مِنْ ذَلِكَ-: ﴿وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا﴾ [الْإِسْرَاءِ: 97]، ﴿الَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلَى وُجُوهِهِمْ إِلَى جَهَنَّمَ أُولَئِكَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضَلُّ سَبِيلًا﴾ [الْفُرْقَانِ: 34]. وَفِي حَدِيثِ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ رَجُلًا قَالَ: «يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَيْفَ يُحْشَرُ الْكَافِرُ عَلَى وَجْهِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ قَالَ: أَلَيْسَ الَّذِي أَمْشَاهُ عَلَى رِجْلَيْهِ فِي الدُّنْيَا قَادِرًا عَلَى أَنْ يُمْشِيَهُ عَلَى وَجْهِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَيُكَبُّونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ، وَهَذَا أَعْظَمُ مَا يَكُونُ مِنَ الْعَذَابِ وَالذُّلِّ وَالْهَوَانِ ﴿وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ [النَّمْلِ: 90]، ﴿أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ [الْمُلْكِ: 22].
وَتُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ فَتَلْفَحُهَا وَتَشْوِيهَا ﴿وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ * سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمُ النَّارُ﴾ [إِبْرَاهِيمَ: 49-50]، ﴿تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ﴾ [الْمُؤْمِنُونَ: 104]. ﴿يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا﴾ [الْأَحْزَابِ: 66].
فَحَرِيٌّ بِأَهْلِ الْإِيمَانِ -وَهُمْ يَقْرَؤُونَ هَذِهِ الْآيَاتِ الْمُفْزِعَاتِ فِي عَذَابِ أَهْلِ النَّارِ، وَمَا يَنَالُ وُجُوهَهُمْ مِنْهُ- أَنْ يَتَدَبَّرُوا تِلْكَ الْآيَاتِ، وَأَنْ يَأْخُذُوا عِبْرَةً مِنْ شِدَّةِ حَرِّ الصَّيفِ لِحَرِّ المَوقِفِ العَظِيمِ يَومَ القِيَامَةِ، وَحَرِّ نَارِ جَهَنَّمَ، أَجَارَنَا اللهُ تَعَالَى وَوَالدِينَا وَالمُسْلِمِينَ مِنْهَا، وَحَرِيٌّ بِهِمْ أَنْ يَجْتَنِبُوا الْمُحَرَّمَاتِ، وَيَلْزَمُوا الْبَاقِيَاتِ الصَّالِحَاتِ، وَأَنْ يُكْثِرُوا مِنَ الصَّلَاةِ وَالسُّجُودِ؛ فَمَنْ أَكْثَرَ مِنَ السُّجُودِ لِلَّهِ تَعَالَى نُجِّيَ وَجْهُهُ مِنَ الْعَذَابِ، وَقَدْ جَاءَ فِي حَدِيثِ الشَّفَاعَةِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى حَرَّمَ عَلَى النَّارِ أَنْ تَأْكُلَ أَثَرَ السُّجُودِ.
وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُمْ...
المرفقات

الناس-مشكولة-2

الناس-مشكولة-2

الناس-7

الناس-7

المشاهدات 2818 | التعليقات 0