وجوب الاتباع وعدم الابتداع-المولد
حسين بن حمزة حسين
1446/04/04 - 2024/10/07 12:59PM
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بلّغ الرسالة، وحفظ الأمانة، ونصح الأمة، ما ترك شيئاً يقرب الأمة إلى الله إلا دلّها عليه، وما ترك شيئاً يبعدها عن الله إلا ونهاها وحذّرها منه، فصلوات الله وسلامه وبركاته عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلّم تسليما كثيرا.
إخوة الإيمان : اتقوا الله عباد الله، واعلموا أنّ أعظمَ نعمةٍ أنعم الله بها على أهلِ الأرض قاطبةً، بعثةُ محمدٍ صلى الله عليه وسلم، افترض الله على أهل الأرض طاعته، وأمرهم بامتثال أمره، واجتناب نهيه، قال تعالى ( وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا ۚ)، سدّ الله الجنّة أن تفتح لأحدٍ إلا من طريقه ، فأقام الله به الدّين وأكمله، قال تعالى ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا )، وقال صلى الله عليه وسلم ( تركتُكم على البيضاءِ ليلِها كنهارِها لا يزيغُ عنها بعدي إلا هالِكٌ، ومن يَعِشْ منكم فسَيرى اختلافًا كثيرًا فعليكم بما عرَفتُم من سُنَّتي وسُنَّةِ الخلفاءِ المهدِيِّينَ الرَّاشدينَ )، فالاعتصام بالكتاب والسنة على نهج سلف الأمة هو الطريق القويم والصراط المستقيم الواجب السّيْر عليه، وهو المنجاةُ من الوقوع في البدع والضّلال التي يُبْغِضْها اللهُ ورسولُه، قال تعالى ( وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِه)، وقال تعالى محذّرا من مخالفة نبيّه صلى الله عليه وسلم وسمّى ذلك عصيان -نعوذ بالله- ( وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ )، وقال تعالى ( فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ )، وقال صلى الله عليه وسلم ( من أحدَث في أمرِنا أو دينِنا هذا ما ليس فيه فهو رَدٌّ . وفي لفظٍ: من عمل عملًا ليس عليه أمرِنا فهو رَدٌّ ) رواه البخاري ومسلم، فهذا الحديثُ قاعدةٌ عَظيمةٌ مِن قَواعدِ الإسلامِ، وهو مِن جَوامعِ كَلِمِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ؛ فإنَّه صَريحٌ في ردِّ كلِّ البِدَعِ الخارجة عن الكتاب والسنة، وأنَّ المِقياسَ في معرفة العمل مُحدَثًا أو غيرَ مُحدَثٍ؛ هو القرآنِ والسُّنةِ، فالأصل في الدّين التوقّيف، فعلى هذا لا يحل لمؤمن رضي بالله تعالى ربّا، وبمحمدٍ صلى الله عليه وسلّم نبياً ورسولاً، أن يغيّر أو يبدّل، أو يَزيدَ ويُنْقِص أو يعمل عملاً أو يأخذ ورداً لم يثبت في الكتاب والسنّة، كما قال الإمام مالك رحمه الله : ما لم يكن ديناً في عهْد محمدٍ صلى الله عليه وسلم، لا يكون ديناً إلى يوم القيامة، وهذا ما يجب أن نُدينَ اللهَ عليه، نحن والمسلمون جميعا ولا بدّ، وعلى ذلك نحيَى، وعليه نرجو الله تعالى الموْت، مطيعين ممتثلين، غير مغيّرين ولا مبدّلين، ولنعلم أن بعض البدع قد تُلقي صاحبَها بالردةِ والكفر الأكبر – نسأل الله السلامة- ومنها ما دون ذلك من الضلال.
عباد الله: اتبعوا ولا تبتدعوا، امتثلوا ولا تخالفوا، لنعظّم كتاب الله وسنة رسول الله، تعظيما لدين الله، لنعظّم رسول الله صلى الله عليه وسلم، بتعظيم أوامره واجتناب نواهيه، فنحن أهل المدينة، سكان طيبة الطيبة، واجب الطاعة عليْنا أعظم، وواجبُ الامتثال فينا أكبر، وارتكاب البدع منّا في المدينة أفظع، حاشا أهل المدينة غير الوفاء والطاعة والامتثال، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم محذّراً (المدينةُ حرامٌ من كذا إلى كذا، لا يُقطَعُ شجرُها، ولا يُحدَثُ فيها حدثٌ، من أحدث فيها حدثًا، أو آوى محدِثًا، فعليه لعنةُ اللهِ، والملائكةِ، والناسِ أجمعين، لا يَقبل اللهُ منه يومَ القيامةِ صرفًا، ولا عدلًا) رواه البخاري، قال العلماء في معنى صرفا ولا عدلا أي لا تقبل منه فريضة ولا نافلة نعوذ بالله من الخذلان.. نفعنا الله بالكتاب والسنة، وبما فيهما من الآيات والحكمة...
الخطبة الثانية:
عباد الله: سأضرب مثلا من البدع المنتشرة في العالم الإسلامي، بدعة الاحتفال بالمولد أو ليلة عيد موْلد رسول الله صلى الله عليه وسلم، والذي يتكرر في كل عام يوم الثاني عشر من ربيع الأول كل سنة، فالاحتفال بالمولد النبوي هذا بدعة منكرة، لم يرد في كتاب الله تعالى ولا في سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، لم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه ولا التابعون لهم بإحسان، ولتعلم عن الأمر أنظر من أين ومتى نشأ وبدأ ؟ ، نشأت هذه البدعة في القرن الرابع الهجري على يد الرافضة العُبَيْديّين، وأتوا بها مضاهاة للنصارى باحتفالهم بمولد المسيح عليه السلام، قال ابن كثير رحمه الله عنهم في كتابه البداية والنهاية ( كفارٌ، فسّاقٌ، فجّار، ملْحدون، زنادقة، معطّلون للإسلام، ولمذهب المجوسيّة معتقدون، عطلوا الحدود، وأباحوا الفروج، وأحلوا الخمر، وسفكوا الدماء، وسبّوا الأنبياء، ولعنوا السلف، وادعوا الربوبية، هم أول من أنشأ القباب على القبور، وأظهر الضرائح وبدع القبور) هؤلاء هم أوّلُ من أقام هذه البدعة، والمصيبة في من يتّبعهم، ويترك هدْي السلف الصالح من الصحابة والتابعين، بل يوالي ويعادي على هذه البدعة - نسأل الله السلامة -.
إخوة الإيمان: جميع البدع بدعة المولد وغيرها، بأنواعها وأشكالها لا تخلوا من محرمات ومنكرات، وبعضها لا تخلوا من الشرك الأكبر، المخرج لصاحبه من دائرة الإسلام، كاستغاثة أهل القبور بالأموات، وطلب المدد منهم، وسؤالهم تفريج الكربات ودفع الملمّات، وفي المولد من المنكرات ما دينَ الله تعالى منه بريء من الرقص والتمايل مع آلات اللهو والطرب والأناشيد والمدائح التي فيها من الغلو والشرك الأكبر ما لو أن الإنسان اعتقده ما يكون به كافراً خارجا من دين الله، بل وبعضهم في بعض البلدان الإسلامية من يجعلون مكانا فارغا في مجلسهم ويدّعون كذباً وزوراً حضرةَ النبي صلى الله عليه وسلم بشخصه معهم، ثم لا يخلو عادة المولد من قراءة قصيدة البردة للبوصيري، وفيها من الشرك والاستغاثة بالنبي صلى الله عليه وسلم مالا ينبغي إلا لله عز وجل ومن ذلك قوله :
يا أكرم الخلق مالي من ألوذ به *** سواك عند حلول الحادث العمم
فَإِنَّ مِنْ جُودِكَ الدُّنْيَا وَضَرَّتَهَا *** وَمِنْ عُلُومِكَ عِلْمَ اللَّوْحِ وَالقَلَمِ
إن لم تكن في معادي آخذاً بيدي ***** فضلاً وإلا فقل يا زلّة القدم
يقول الشيخ عبد المحسن العبّاد حفظه الله: لو قال القائل يا خالق الخلق لَاسْتقام الكلام:
يا خالق الخلق مالي من ألوذ به *** سواك عند حلول الحادث العمم
فَإِنَّ مِنْ جُودِكَ الدُّنْيَا وَضَرَّتَهَا *** وَمِنْ عُلُومِكَ عِلْمَ اللَّوْحِ وَالقَلَمِ
إن لم تكن في معادي آخذاً بيدي ***** فضلاً وإلا فقل يا زلّة القدم
إخوة الإيمان: محبّته صلى الله عليه وسلم تكفّل الله بزرعها في قلوبنا بشرعه ودينه، إنما تكون باتباع سنته واقتفاء أثره، وهجر المحدثات والبدع، نسأل الله تعالى العلم النافع والعمل الصالح والقول السديد وأن يقبضنا على التوحيد والسنة غير مغيّرين ولا مبدلين.
.