وجاءَ محرمٌ 1443/1/4هـ

يوسف العوض
1443/01/01 - 2021/08/09 05:32AM

الخطبة الأولى:

 

 إنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ ، نَسْتَعِينُه وَنَسْتَغْفِرُه ، وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا ، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ  وَأَشْهَدُ أَنَّ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ محمدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ -صلى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم- ، أَرْسَلَهُ بِالْحَقِّ بشيرًا ونذيرًا بَيْنَ يَدَيْ السَّاعَةِ ، مَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولُهُ فَقَدْ رَشَدَ ، وَمَنْ يَعْصِهِمَا فَإِنَّهُ لَا يَضُرُّ إلَّا نَفْسَهُ وَلَا يَضُرُّ اللَّه شيئًا (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) ، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً) وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً) ، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ .  .فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً) 

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ : جاءَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ -رضي اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَال : « أَنَّ الزَّمَانَ قَدْ اسْتَدَارَ كهيئتهِ يَوْمَ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ، السنةُ اثْنَا عَشَرَ شهرًا ، مِنْهَا أربعةُ حُرُمٌ ، ثلاثٌ متوالياتٌ : ذُو الْقِعْدَةِ وَذُو الْحِجَّةِ وَالْمُحَرَّمُ وَرَجَبٌ مُضَرَ الَّذِي بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ » مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ، فَيُخْبِر رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَن السنةَ فِيهَا اثْنَا عَشَرَ شهرًا ، وَهَذِه الْأَشْهُرُ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ أشهُرٍ هِي حُرُم ، حَرَّمَ اللَّهُ - عزّ وجلّ- فِيهَا الْقِتَالَ ، لِذَلِكَ قَالَ اللَّهُ - عزّ وجلّ - : (فلا تظلمواْ فِيهِنّ أنفسكم) ، وَبَيَّنَ لَنَا أَسْمَاءَ هَذِهِ الْأَشْهُرِ الأرْبَعَةِ الحُرُمِ ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْهُرَ كَانَتْ مَوْجُودَةً مِنْ قبلُ ، وَكَانَت اثْنَي عشرَ شهراً منذُ أَنْ خَلَقَ اللَّهُ - عزّ وجلّ - السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ، وَلَكِنَّ أَهْلَ الْجَاهِلِيَّةِ غَيَّرواْ وَقَدِّمُوا حَتَّى يَسْتَحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ - عزَّ وجلَّ - مِنْ الْقِتَالِ فجعلواْ شَهْرَ صَفَرٍ بَدَل شَهْرِ مُحَرَّمٍ ، فَاَللُه - عزَّ وجلَّ - عَاتَبَهُمْ فِي الْقُرْآنِ ، فَأَكِّدَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَلِكَ وَبَيْنَ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ هَذِهِ الْأَشْهُرَ وَأَنَّهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ : ذُو الْقِعْدَةِ وَذُو الْحِجَّةِ ومُحَرَّمٌ ، هَذِه مُتَتالِيَةٌ ، وَشَهْرُ رَجَبٍ بَيْنَ جُمَادَى الثَّانِيَةِ وَشَعْبَانَ ، فَهَذِه الْأَشْهُرُ سُميت بِالْأَشْهُرِ الحُرُمِ ، لِأَنَّ اللَّهَ - عزّ وجلّ - حَرَّمَ الْقِتَالَ فِيهَا وَهَذَا يَدُلُّ أيضًا عَلَى فَضْلِ هَذِهِ الْأَشْهُرِ الأرْبَعَةِ وَفَضْلِ الْعِبَادَةِ فِيهَا ، وخاصةً شَهْرَ الْمُحَرَّمِ مِنْ هَذِهِ الْأَشْهُرِ الحُرُمِ .  

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ : لذلكَ رَغَّبَ الْإِسْلَامُ فِي صَوْمِ شَّهْرِ مُحرَّمٍ كَمَا رَوَى أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَغَيْرُهُمَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَال : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : « أَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ رَمَضَانَ شَهْرُ اللَّهِ الْمُحَرَّمُ وَأَفْضَلُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْفَرِيضَةِ صَلَاةُ اللَّيْلِ » ، فهَذَا حَدِيثٌ فِيهِ بَيَانُ فَضْلِ هَذَا الشَّهْرِ ، وَفَضْلِ الصِّيَامِ فِي هَذَا الشَّهْرِ ، فَعَلَى الْمُسْلَمِ أَنْ يَغْتَنِمَ هَذِه الْفُرْصَةَ وَيُكْثِرَ مِنْ الصِّيَامِ فِي هَذَا الشَّهْرِ لِأَنَّ الصِّيَامَ فِيهِ أَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ رَمَضَانَ ، وَكَذَلِك رَغَّبَ الْإِسْلَامُ فِي صِيَامِ يَوْمِ عَاشُورَاءَ وَهُوَ الْيَوْمُ الْعَاشِرُ مِنْ شَهْرِ مُحَرَّمٍ ، وَثَبَتَ فِيهِ أَكْثَرُ مِنْ حَدِيثِ رَغَّبَ الْإِسْلَامُ وَأَمَر بِصِيَامِ عَاشُورَاءَ وَمِنْهَا مَا رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَال : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : « وَصِيَامُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ » ، وَهَذَا فضلٌ عَظِيمٌ ، فصيامُه يُكَفِّرُ ذُنُوبَ سَنَةٍ فَائِتَةٍ ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى فَضْلِ هَذَا الشَّهْرِ شَهْرِ الْمُحَرَّمِ .

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ : فالسُنّةُ فِي شَهْرِ الْمُحَرَّمِ ؛ تَعْظِيمُ هَذَا الشَّهْرِ ، وَالِامْتِنَاعُ عَنْ الْقِتَالِ فِيهِ لِأَنَّهُ مِنْ الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ ، وَالْإِكْثَارُ مِنْ الطَّاعَاتِ والقُربات فِيه ، خاصةً صِيَامَ أَيَّامِه وَصَوْمَ عَاشُورَاءَ وَقَبْلَه تَاسُوعَاءَ ، وأَمَّا الِابْتِدَاعُ فِي هَذَا الشَّهْرِ ، فَقَدْ ابْتَدَعَ النَّاسُ وَأَحْدَثُوا بَعْضَ الْمُبْتَدَعَاتِ ، وَمِنْهَا بِدْعَتَانِ كَبِيرَتَانِ تَفَرَّعَت مِنْهُمَا كثيرٌ مِنَ الْبِدَعِ :

الْبِدْعَة الْأُولَى : بِدْعَةُ الحُزْنِ فِي شَهْرِ الْمُحَرَّمِ مِنْ أَوَّلِهِ إلَى آخِرِهِ وَتَحْرِيمِ الْفَرَحِ فِي هَذَا الشَّهْرِ ، وَتَحْرِيمِ الزَّوَاجِ فِيهِ عِنْدَ الرَّافِضَةِ وَغَيْرِهِم ، هَذِهِ الْبِدْعَةُ الْأُولَى بِدْعَةُ الحُزْنِ فِي هَذَا الشَّهْرِ ، وَهَذَا الْحُزْنُ لَه مَظَاهِرُ كَثِيرَةٌ وَمُشَاهَدُ ، وَخَاصَّةً فِي الْيَوْمِ الْعَاشِرِ مِنْ مُحَرَّمٍ ، ففِي عَاشُورَاءَ أَكْرَمَ اللَّهُ - عزّ وجلّ - الْحُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - ، أَكْرَمَهُ اللَّهُ بِالشَّهَادَةِ سَنةَ إحدى وستين لِلْهِجْرَةِ ، فَاسْتُشْهِد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بَعْدَ أَنْ قُتَلَ ظُلمًا وَهُو وَأَخُوه الْحَسَنُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَخْبَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُمَا سَيِّدَا شَبَابِ أَهْلِ الجنَّةِ ، كَمَا عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ وَغَيْرُهُ .

والْبِدْعَة الثَّانِيَة : بِدْعَةُ الْفَرَحَ فِي يَوْمِ عَاشُورَاءَ عِنْدَ النواصبِ ، والنواصبُ هُمْ الَّذِينَ نَاصَبُوا الْعَدَاءَ لِلْحُسَيْنِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وأَهْلِ بَيْتِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَغْلَبَ هَؤُلَاءِ مِنْ الْخَوَارِجِ وَمَن الجُهّالِ الَّذِين قَابَلُوا الْفَاسِدَ بِالْفَاسِدِ وَالْكَذِبَ بِالْكَذِبِ وَالشَّرَّ بِالشَّرِّ وَالْبِدْعَةَ بِالْبِدْعَةِ فَوَضَعُوا الْآثَارَ فِي شَعَائِرِ الْفَرَحِ وَالسُّرُورِ يَوْمَ عَاشُورَاءَ .


الخطبة الثانية:  

 

الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تسليماً كثيراً إلَى يَوْمِ الدِّينِ ، أَمَّا بَعْدُ :  

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ : وَبَيْن هَاتَيْنِ البدعتينِ نَجِدُ أنَّ اللَّهَ – عَزَّ وَجَلَّ – قَد هَدى وَوَفَّقَ أَهْلَ السُّنَّةِ فَامْتَثَلُوا مَا جَاءَ عَنْ النَّبِيِّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلّمَ – مِنْ الصَّوْمِ ، مَعَ مُرَاعَاةِ عَدَمِ التشبهِ بِالْيَهُود فِي صِيَامِهِم لَه ، وابتعدوا عَنْ مَا أَحْدَثَهُ الشَّيْطَانُ مِنْ الْبِدَعِ الْبَاطِلَةِ الَّتِي لَمْ تَثْبُتْ عَنْ النَّبِيِّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلّمَ - ، وَلَا عَنْ أَصْحَابِهِ فِي الْقُرُونِ الْمُفَضّلَةِ ، وَلَا التَّابِعِينَ ، فَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالشُّكْرُ عَلَى أَنَّ وَفَّقَنَا أَنْ نَكُونَ مِنْ أَهْلِ سُنَّةِ نَبِيِّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلّمَ - ، وَوَفَّقَنَا إِلَى اتِّبَاعِهِ ، وَالسَّيْرِ عَلَى نَهْجِهِ وَخَطاه ، فنَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ يعافينا و إيَّاكُم مِنَ الْبِدَعِ و مُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ .



المشاهدات 921 | التعليقات 3

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

جزاكم الله خيرا ونفع بكم

هناك ملاحظات:

قلت: "ثلاثٌ متوالياتٌ"

والصواب: "ثلاثةٌ متواليةٌ"

قلت: "أَنْ يَغْتَنِمَ هَذِه الْفُرْصَةَ وَيُكْثِرُ مِنْ الصِّيَامِ"

والصواب: أَنْ يَغْتَنِمَ هَذِه الْفُرْصَةَ وَيُكْثِرَ مِنْ الصِّيَامِ"

قلت: "وَكَانَت اثْنَتَي عشرَ شهراً"

والصواب: "وَكَانَت اثْني عشرَ شهرًا"

قلت: "حَتَّى يَسْتَحِلُّون مَا حَرَّمَ"

والصواب: "حَتَّى يَسْتَحِلُّوا مَا حَرَّمَ"

 


جزاك الله خيرا


جزاكما الله خيرا

وبارك فيكما