وجاء شهر الله المحرم
عمر القحطاني
1438/01/05 - 2016/10/06 13:59PM
عباد الله : دخل علينا قبل أيام شهر الله المحرم وتعلمون أن الله تعالى يقول : ( إن عدة الشهور عند الله اثنى عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السموات والأرض منها أربعة حرم ذلك الدين القيم فلا تظلموا فيهن أنفسكم ) الآية
والأربعة الحرم هي رجب وذو القعدة وذو الحجة ومحرم ، وشهر الله المحرم من الأشهر الحرم التي أمرنا الله تعالى بقوله ( فلا تظلموا فيهن أنفسكم ) قال ابن عباس رضي الله عنهما (جعل الذنب فيهن أعظم ، والعمل الصالح والأجر أعظم )
وقال قتادة : ( إن الظلم في الأشهر الحرم أعظم خطيئة ووزرا ، من الظلم فيما سواها ، وإن كان الظلم على كل حال عظيما ، ولكن الله يعظم من أمره ما يشاء )
فيجب على العبد الحصيف أن يعظم هذا الشهر المعظم ويراقب نفسه ويحاسبها ، وأن يتخفف من المعاصي ويستكثر من الحسنات التي تقرب إلى الله تعالى فمن تقرب إلى الله تعالى بفعل الحسنات تقرب الله له حقيقة فحفظه ورعاه ووفقه وأيده .
عباد الله : بدخول شهر الله المحرم نكون قد ودعنا عاما كاملا ، فمن كان منا مسيئا فيما مضى، فليحسن العمل قيما بقي فإن الأجل محدود والرحيل عن هذه الدنيا قريب ، ومن كان محسنا فليزد في حسناته فإن العبرة بالخواتيم .
وبدخول شهر الله المحرم نستقبل عاما هجريا جديدا فينبغي للعاقل أن يخطط لحياته ويضع له أهدافا ليسعى لتحقيقها وألا يمضي عليه العمر وهو كما هو ، وأن يعزم في هذا العام أن يزداد من العلم النافع والعمل الصالح وأن يرقى في سلم المعارف وأن يكتسب كل يوم منفعة جديدة ، ولا بد أن يكون يومه خيرا من أمسه وغده خيرا من يومه وهكذا حتى يلقى الله تعالى وهو في صعود .
عباد الله : وبدخول شهر الله المحرم نتذكر هجرة النبي صلى الله عليه وسلم وكيف بدأ الإسلام غريبا حتى إن أحب الناس إلى الله تعالى يخرج من وطنه وأهله ، يخرج فارا بدينه تاركا بلده الذي نشأ به وأمضى أكثر من خمسين عاما فيه ، خرج مطاردا محكوما عليه بالقتل ، خرج هو وصاحبه والله معهما بعد خروج أصحابه فارين مطاردين ، فاستقبلهم الأنصار وآووهم ونصروهم ثم عاد بعد ثماني سنوات فاتحا مكة منتصرا رافعا لواء التوحيد ثم دانت له الجزيرة العربية وأكمل الله دينه وأتم نعمته ورضي الإسلام دينا ، انتصر الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه ودخلوا مكة فاتحين بعد أن حاربتهم قريش وكل القبائل وأرادوا إبادتهم ولكن الله تعالى أراد نصرهم ، فكان ما أراد الله تبارك وتعالى .
فنقول للمشردين والمحاربين والمنكوبين من المسلمين ستنتصرون والله الذي لا إله غيره ، وسيمكن الله تعالى للإسلام ولن يبقى بيت في العالم إلا سيدخله الإسلام شاء الغرب أم أبوا .
عباد الله : وبدخول شهر الله المحرم نذكر قصة موسى عليه السلام الذي نجاه الله تعالى من فرعون وقومه في يوم عاشوراء ، حيث ولد موسى في زمان كان فرعون يقتل أبناء بني اسرائيل ويبقي نساءهم أحياء ، فوضعته أمه في تابوت وألقته في اليم خائفة عليه من القتل ، أرادت نجاته فألقته في اليم لأن الله أمرها بذلك ، وألا تخاف وألا تحزن ، ووعدها أنه راده لها والله لا يخلف وعده .
فأخذه الماء حتى ألقاه عند الذي خافت عليه منه ، ألقاه عند فرعون نفسه فكأنه تحد الله تعالى بأنني أنا الله الملك أريد نجاة موسى وأريد أن أبعثه رسولا وأريد أن يكون هلاكك يا فرعون على يده ، فأرني يا فرعون ما أنت صانع ، وأرني هل تستطيع أن تضره وهو رضيع بين يديك ، الله أكبر ..
فيتربى في قصر فرعون ثم يبعث الله إليه ويأمره بالبلاغ ، فيبلغ الرسالة ويسخر به فرعون ويجمع له السحرة ليقضوا على سحره وليبطلوا كيده فألقى السحرة عصيهم وحبالهم ويخيل للناس أنها ثعابين تسعى ، ثم ألقى موسى عصاه التي هي معجزة من الله تعالى فإذا هي حية حقيقية تسعى فابتلعت كل ما ألقى السحرة ، فلما رأى ذلك السحرة سجدوا مباشرة لله واعترفوا بصدق موسى ورسالته وآمنوا بالله تعالى ولم يطلبوا وقتا للتفكير أو للهرب ، بل وهددهم فرعون بالقتل فلم يردهم ذلك عن الإيمان الذي لم يمضوا فيه إلا دقائق معدودة ، وخوفهم فرعون بما سيفعله فيهم ولكنهم قالوا إنه ليس بيدك إلا أن تحرمنا من الحياة الدنيا فافعل ما تريد فعله ، فنحن لا تهمنا الدنيا وإنما تهمنا الآخرة وأن ننجو يوم القيامة من عذاب الله تعالى .
ثم طارد فرعون وجيوشه موسى ومن معه من بني اسرائيل حتى وصلوا إلى البحر فأيقن قوم موسى أن فرعون وقومه سيمسكون بهم لا محالة ، فالبحر أمامهم فأين يذهبون وكيف ينجون فقالوا إنا لمدركون ، فصاح موسى صيحة الواثق بربه المؤمن بعظمته الذي يعلم أن الله على كل شيء قدير وأن الله تعالى لا يعجزه أي شيء ، صاح موسى وقال ( كلا إن معي ربي سيهدين ) الله معي فما ظنكم برجل معه الله رب العالمين ، ما ظنكم بمن معه مالك الملك من إذا أراد أي شيء يقول له كن فيكون ، فما إن قال موسى عليه السلام مقولته حتى أوحى الله تعالى له أن يضرب بعصاه البحر ، لم يفكر موسى في هذا الأمر ولم يقل : وما تفعل عصاي بهذا البحر العظيم ، وما الفائدة من ضرب البحر لم يقل ذلك بل نفذ الأمر مباشرة فضرب البحر بالعصا ففتح الله له اثنى عشر طريقا في البحر بعدد قبائل بني اسرائيل ومشوا في هذه الطرق وعبروا البحر ولم يبتل منهم لا راكب ولا مركوب ، ثم لحق بهم فرعون وقومه فأمر الله البحر بعد أن نجا موسى ومن معه بأن يصطك على فرعون وجيوشه الذين رأوا هذه المعجزة أيضا أمام أعينهم ومع ذلك استمروا في غيهم وكفرهم ومكرهم بالمؤمنين .
عباد الله : إن ما حصل لموسى عليه السلام مع فرعون فيه العبرة العظيمة بأن الله تعالى إذا أراد شيئا فلن تستطيع أي قوة في الأرض رده ولا دفعه ، ومن تمسك بحبل الله والتجأ إلى الله تعالى واعتصم به وسار على أمره واقترب منه فإن الله حافظه وناصره وموفقه ومؤيده ، وأن أهل الباطل يغترون دائما بقوتهم وبطشهم وما آتاهم الله من النعم ولكن الله تعالى يمهلهم ولا يهملهم ، ويزيدهم من النعم والعلو في الأرض من أجل أن يستدرجهم حتى إذا حل بهم العذاب فلن يستطيعوا دفعه عنهم ولا النجاة منه .
إنك يا عبد الله قد تنظر بعينك إلى أوضاع بعض المسلمين هنا أو هناك فتقول كيف السبيل لخلاصهم وما هو الحل لأزمتهم وتستبعد أن تنتهي بلواهم إلى خير لأنك لا ترى أي بوادر فرج تلوح في الأفق لانتهاء الأزمة ، فتعجز عن التفكير ، ولكن الله تعالى العظيم الذي نجى موسى ومن معه بعد أن كان البحر أمامهم والعدو خلفهم ، قادر على أن ينجي عباده المؤمنين في أي زمان ومكان ولكن عليهم أولا أن يعودوا إلى الله تعالى ويعتصموا به ، وعليهم أن يوقنوا ألا نصر إلا من الله ولا نجاة إلا من عند الله ولا يكشف الضر إلا الله ولا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم .
إن فرعون الذي استغل ملكه ومنصبه وقوته في مطاردة المؤمنين ومحاربتهم ، كان يظن أنه لا راد لما يريد ، وكان يظن أنه يستطيع القضاء على الخير وأهله فأمر بقتل أولاد بني اسرائيل سنة وإبقائهم سنة ، لينجو من النبي الذي سيأتي ، ولكن الله إذا أراد شيئا فمن يستطيع رده ، أراد فرعون القضاء على الدين ، والله أراد أن يعلي كلمته فكان ما أراد الله تعالى ، كما تفعل قوى الغرب اليوم في العالم ، فهي تريد القضاء على الإسلام وتسن القوانين التي بها تحارب بلاد المسلمين وتريد إذلال أهل السنة والجماعة بالأخص ، لأنهم أهل المنهج السليم وأهل الإسلام الصحيح ويريدون تشريدهم وتفريقهم ، ويتحالفون مع الرافضة في حرب أهل السنة وأهل الإسلام ، يريدون أن يطفئوا نور الله فينفخون عليه بأفواههم ولكن الله سيتم نوره وسيعلي كلمته وسيرد الكافرين على وجوههم خاسرين وسترون والله ما سيفعله الله بأهل الكفر والشرك والنفاق ، ولكن عليكم بالصبر وبتصحيح المسار وبالبعد عن كل ما يسخط الله تعالى كل فيما يخصه وقد قال تعالى ( يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم ) بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم ......
الخطبة الثانية :
عباد الله : وإن دخول شهر الله المحرم يذكرنا بفضيلة صيام هذا الشهر العظيم فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " أَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ رَمَضَانَ شَهْرُ اللَّهِ الْمُحَرَّمُ ، وَأَفْضَلُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْفَرِيضَةِ صَلَاةُ اللَّيْلِ " . أخرجهُ مسلمٌ (1163) .
فيسن صومه كله أو أكثره أو بعضه لا سيما صيام يوم عاشوراء الذي لما أتى النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وجد اليهود يصومونه لأن الله نجا موسى عليه السلام فيه فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بصيامه وقال نحن أحق بموسى منهم فكان النبي صلى الله عليه وسلم يصومه ويوصي بصيامه ويبعث إلى نواحي المدينة بصيامه ولما جاءت السنة العاشرة قال ( لئن عشت إلى قابل لأصومن التاسع ) أي مع العاشر ولكن توفي صلى الله عليه وسلم بعدها ولم يدرك صيامه في العام الذي بعده وقد أخبر بأن صيام يوم عاشوراء يكفر السنة الماضية .
هذا اليوم العظيم الذي قتل فيه الحسين رضي الله عنه وعن أبيه على يد بعض الظالمين المخذولين ، قتل رضي الله عنه شهيدا وأنكر الصحابة والسلف قتله ولم يرض بقتله إلا من في قلبه مرض وفي إسلامه دخن ،
قتل في كربلاء بعد أن أرسل إليه الشيعة أن اقدم إلينا لنبايعك وننصرك ، فلما قدم إليهم تخلوا عنه وخذلوه فكانوا المتسببين في قتله في الحقيقة عليهم من الله ما يستحقون ، فأصبحوا بعد ذلك يتخذون يوم عاشوراء يوم عزاء وحزن ويرفعون النداءات لأخذ الثأر لمقتل الحسين من أهل السنة والجماعة ، يريدون ثأر الحسين الذي تسببوا هم في مقتله من أهل السنة الذين لم يرضوا بقتله ولا أرادوه بل وأنكروه .
فهذا يدلك على سخف عقولهم وهشاشة دينهم ومعتقداتهم ويتظاهرون بالإسلام وأغلبهم منه براء .
عباد الله : لقد أصبحت الحرب على الإسلام وأهله من أمم الكفر أوضح من الشمس في رابعة النهار ، وترى في المقابل غفلة من كثير من المسلمين واشتغالهم بالمحرمات والموبقات فضلا عن المباحات والملهيات وكأنهم لا يرون ما يحاك لهم ولا يشعرون بما يمكر بهم .
فعلينا جميعا أفرادا وجماعات وحكاما ومحكومين بالرجوع إلى الله تعالى والتوبة والإنابة إليه سبحانه ، والاشتغال بما يقرب إليه والابتعاد عن كل ما يسخطه ، وأن نربي أبناءنا وبناتنا التربية الناصحة الصالحة وأن ننشئ جيلا واعيا صالحا قادرا على مواجهة الأعداء ومناكفتهم . وعلينا بإصلاح أنفسنا وأهل بيتنا وأن نطهر قلوبنا و بيوتنا مما لا يرضي الله تعالى لنكون صالحين مصلحين وقبل ذلك وبعده نلح على الله تعالى بقلوب صادقة مقبلة واثقة بأن يعلي الله كلمته وينصر دينه ويعز أولياءه .
فاللهم يا واحد يا أحد يا فرد يا صمد يا من لا يرد أمره ولا يغلب جنده..
والأربعة الحرم هي رجب وذو القعدة وذو الحجة ومحرم ، وشهر الله المحرم من الأشهر الحرم التي أمرنا الله تعالى بقوله ( فلا تظلموا فيهن أنفسكم ) قال ابن عباس رضي الله عنهما (جعل الذنب فيهن أعظم ، والعمل الصالح والأجر أعظم )
وقال قتادة : ( إن الظلم في الأشهر الحرم أعظم خطيئة ووزرا ، من الظلم فيما سواها ، وإن كان الظلم على كل حال عظيما ، ولكن الله يعظم من أمره ما يشاء )
فيجب على العبد الحصيف أن يعظم هذا الشهر المعظم ويراقب نفسه ويحاسبها ، وأن يتخفف من المعاصي ويستكثر من الحسنات التي تقرب إلى الله تعالى فمن تقرب إلى الله تعالى بفعل الحسنات تقرب الله له حقيقة فحفظه ورعاه ووفقه وأيده .
عباد الله : بدخول شهر الله المحرم نكون قد ودعنا عاما كاملا ، فمن كان منا مسيئا فيما مضى، فليحسن العمل قيما بقي فإن الأجل محدود والرحيل عن هذه الدنيا قريب ، ومن كان محسنا فليزد في حسناته فإن العبرة بالخواتيم .
وبدخول شهر الله المحرم نستقبل عاما هجريا جديدا فينبغي للعاقل أن يخطط لحياته ويضع له أهدافا ليسعى لتحقيقها وألا يمضي عليه العمر وهو كما هو ، وأن يعزم في هذا العام أن يزداد من العلم النافع والعمل الصالح وأن يرقى في سلم المعارف وأن يكتسب كل يوم منفعة جديدة ، ولا بد أن يكون يومه خيرا من أمسه وغده خيرا من يومه وهكذا حتى يلقى الله تعالى وهو في صعود .
عباد الله : وبدخول شهر الله المحرم نتذكر هجرة النبي صلى الله عليه وسلم وكيف بدأ الإسلام غريبا حتى إن أحب الناس إلى الله تعالى يخرج من وطنه وأهله ، يخرج فارا بدينه تاركا بلده الذي نشأ به وأمضى أكثر من خمسين عاما فيه ، خرج مطاردا محكوما عليه بالقتل ، خرج هو وصاحبه والله معهما بعد خروج أصحابه فارين مطاردين ، فاستقبلهم الأنصار وآووهم ونصروهم ثم عاد بعد ثماني سنوات فاتحا مكة منتصرا رافعا لواء التوحيد ثم دانت له الجزيرة العربية وأكمل الله دينه وأتم نعمته ورضي الإسلام دينا ، انتصر الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه ودخلوا مكة فاتحين بعد أن حاربتهم قريش وكل القبائل وأرادوا إبادتهم ولكن الله تعالى أراد نصرهم ، فكان ما أراد الله تبارك وتعالى .
فنقول للمشردين والمحاربين والمنكوبين من المسلمين ستنتصرون والله الذي لا إله غيره ، وسيمكن الله تعالى للإسلام ولن يبقى بيت في العالم إلا سيدخله الإسلام شاء الغرب أم أبوا .
عباد الله : وبدخول شهر الله المحرم نذكر قصة موسى عليه السلام الذي نجاه الله تعالى من فرعون وقومه في يوم عاشوراء ، حيث ولد موسى في زمان كان فرعون يقتل أبناء بني اسرائيل ويبقي نساءهم أحياء ، فوضعته أمه في تابوت وألقته في اليم خائفة عليه من القتل ، أرادت نجاته فألقته في اليم لأن الله أمرها بذلك ، وألا تخاف وألا تحزن ، ووعدها أنه راده لها والله لا يخلف وعده .
فأخذه الماء حتى ألقاه عند الذي خافت عليه منه ، ألقاه عند فرعون نفسه فكأنه تحد الله تعالى بأنني أنا الله الملك أريد نجاة موسى وأريد أن أبعثه رسولا وأريد أن يكون هلاكك يا فرعون على يده ، فأرني يا فرعون ما أنت صانع ، وأرني هل تستطيع أن تضره وهو رضيع بين يديك ، الله أكبر ..
فيتربى في قصر فرعون ثم يبعث الله إليه ويأمره بالبلاغ ، فيبلغ الرسالة ويسخر به فرعون ويجمع له السحرة ليقضوا على سحره وليبطلوا كيده فألقى السحرة عصيهم وحبالهم ويخيل للناس أنها ثعابين تسعى ، ثم ألقى موسى عصاه التي هي معجزة من الله تعالى فإذا هي حية حقيقية تسعى فابتلعت كل ما ألقى السحرة ، فلما رأى ذلك السحرة سجدوا مباشرة لله واعترفوا بصدق موسى ورسالته وآمنوا بالله تعالى ولم يطلبوا وقتا للتفكير أو للهرب ، بل وهددهم فرعون بالقتل فلم يردهم ذلك عن الإيمان الذي لم يمضوا فيه إلا دقائق معدودة ، وخوفهم فرعون بما سيفعله فيهم ولكنهم قالوا إنه ليس بيدك إلا أن تحرمنا من الحياة الدنيا فافعل ما تريد فعله ، فنحن لا تهمنا الدنيا وإنما تهمنا الآخرة وأن ننجو يوم القيامة من عذاب الله تعالى .
ثم طارد فرعون وجيوشه موسى ومن معه من بني اسرائيل حتى وصلوا إلى البحر فأيقن قوم موسى أن فرعون وقومه سيمسكون بهم لا محالة ، فالبحر أمامهم فأين يذهبون وكيف ينجون فقالوا إنا لمدركون ، فصاح موسى صيحة الواثق بربه المؤمن بعظمته الذي يعلم أن الله على كل شيء قدير وأن الله تعالى لا يعجزه أي شيء ، صاح موسى وقال ( كلا إن معي ربي سيهدين ) الله معي فما ظنكم برجل معه الله رب العالمين ، ما ظنكم بمن معه مالك الملك من إذا أراد أي شيء يقول له كن فيكون ، فما إن قال موسى عليه السلام مقولته حتى أوحى الله تعالى له أن يضرب بعصاه البحر ، لم يفكر موسى في هذا الأمر ولم يقل : وما تفعل عصاي بهذا البحر العظيم ، وما الفائدة من ضرب البحر لم يقل ذلك بل نفذ الأمر مباشرة فضرب البحر بالعصا ففتح الله له اثنى عشر طريقا في البحر بعدد قبائل بني اسرائيل ومشوا في هذه الطرق وعبروا البحر ولم يبتل منهم لا راكب ولا مركوب ، ثم لحق بهم فرعون وقومه فأمر الله البحر بعد أن نجا موسى ومن معه بأن يصطك على فرعون وجيوشه الذين رأوا هذه المعجزة أيضا أمام أعينهم ومع ذلك استمروا في غيهم وكفرهم ومكرهم بالمؤمنين .
عباد الله : إن ما حصل لموسى عليه السلام مع فرعون فيه العبرة العظيمة بأن الله تعالى إذا أراد شيئا فلن تستطيع أي قوة في الأرض رده ولا دفعه ، ومن تمسك بحبل الله والتجأ إلى الله تعالى واعتصم به وسار على أمره واقترب منه فإن الله حافظه وناصره وموفقه ومؤيده ، وأن أهل الباطل يغترون دائما بقوتهم وبطشهم وما آتاهم الله من النعم ولكن الله تعالى يمهلهم ولا يهملهم ، ويزيدهم من النعم والعلو في الأرض من أجل أن يستدرجهم حتى إذا حل بهم العذاب فلن يستطيعوا دفعه عنهم ولا النجاة منه .
إنك يا عبد الله قد تنظر بعينك إلى أوضاع بعض المسلمين هنا أو هناك فتقول كيف السبيل لخلاصهم وما هو الحل لأزمتهم وتستبعد أن تنتهي بلواهم إلى خير لأنك لا ترى أي بوادر فرج تلوح في الأفق لانتهاء الأزمة ، فتعجز عن التفكير ، ولكن الله تعالى العظيم الذي نجى موسى ومن معه بعد أن كان البحر أمامهم والعدو خلفهم ، قادر على أن ينجي عباده المؤمنين في أي زمان ومكان ولكن عليهم أولا أن يعودوا إلى الله تعالى ويعتصموا به ، وعليهم أن يوقنوا ألا نصر إلا من الله ولا نجاة إلا من عند الله ولا يكشف الضر إلا الله ولا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم .
إن فرعون الذي استغل ملكه ومنصبه وقوته في مطاردة المؤمنين ومحاربتهم ، كان يظن أنه لا راد لما يريد ، وكان يظن أنه يستطيع القضاء على الخير وأهله فأمر بقتل أولاد بني اسرائيل سنة وإبقائهم سنة ، لينجو من النبي الذي سيأتي ، ولكن الله إذا أراد شيئا فمن يستطيع رده ، أراد فرعون القضاء على الدين ، والله أراد أن يعلي كلمته فكان ما أراد الله تعالى ، كما تفعل قوى الغرب اليوم في العالم ، فهي تريد القضاء على الإسلام وتسن القوانين التي بها تحارب بلاد المسلمين وتريد إذلال أهل السنة والجماعة بالأخص ، لأنهم أهل المنهج السليم وأهل الإسلام الصحيح ويريدون تشريدهم وتفريقهم ، ويتحالفون مع الرافضة في حرب أهل السنة وأهل الإسلام ، يريدون أن يطفئوا نور الله فينفخون عليه بأفواههم ولكن الله سيتم نوره وسيعلي كلمته وسيرد الكافرين على وجوههم خاسرين وسترون والله ما سيفعله الله بأهل الكفر والشرك والنفاق ، ولكن عليكم بالصبر وبتصحيح المسار وبالبعد عن كل ما يسخط الله تعالى كل فيما يخصه وقد قال تعالى ( يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم ) بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم ......
الخطبة الثانية :
عباد الله : وإن دخول شهر الله المحرم يذكرنا بفضيلة صيام هذا الشهر العظيم فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " أَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ رَمَضَانَ شَهْرُ اللَّهِ الْمُحَرَّمُ ، وَأَفْضَلُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْفَرِيضَةِ صَلَاةُ اللَّيْلِ " . أخرجهُ مسلمٌ (1163) .
فيسن صومه كله أو أكثره أو بعضه لا سيما صيام يوم عاشوراء الذي لما أتى النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وجد اليهود يصومونه لأن الله نجا موسى عليه السلام فيه فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بصيامه وقال نحن أحق بموسى منهم فكان النبي صلى الله عليه وسلم يصومه ويوصي بصيامه ويبعث إلى نواحي المدينة بصيامه ولما جاءت السنة العاشرة قال ( لئن عشت إلى قابل لأصومن التاسع ) أي مع العاشر ولكن توفي صلى الله عليه وسلم بعدها ولم يدرك صيامه في العام الذي بعده وقد أخبر بأن صيام يوم عاشوراء يكفر السنة الماضية .
هذا اليوم العظيم الذي قتل فيه الحسين رضي الله عنه وعن أبيه على يد بعض الظالمين المخذولين ، قتل رضي الله عنه شهيدا وأنكر الصحابة والسلف قتله ولم يرض بقتله إلا من في قلبه مرض وفي إسلامه دخن ،
قتل في كربلاء بعد أن أرسل إليه الشيعة أن اقدم إلينا لنبايعك وننصرك ، فلما قدم إليهم تخلوا عنه وخذلوه فكانوا المتسببين في قتله في الحقيقة عليهم من الله ما يستحقون ، فأصبحوا بعد ذلك يتخذون يوم عاشوراء يوم عزاء وحزن ويرفعون النداءات لأخذ الثأر لمقتل الحسين من أهل السنة والجماعة ، يريدون ثأر الحسين الذي تسببوا هم في مقتله من أهل السنة الذين لم يرضوا بقتله ولا أرادوه بل وأنكروه .
فهذا يدلك على سخف عقولهم وهشاشة دينهم ومعتقداتهم ويتظاهرون بالإسلام وأغلبهم منه براء .
عباد الله : لقد أصبحت الحرب على الإسلام وأهله من أمم الكفر أوضح من الشمس في رابعة النهار ، وترى في المقابل غفلة من كثير من المسلمين واشتغالهم بالمحرمات والموبقات فضلا عن المباحات والملهيات وكأنهم لا يرون ما يحاك لهم ولا يشعرون بما يمكر بهم .
فعلينا جميعا أفرادا وجماعات وحكاما ومحكومين بالرجوع إلى الله تعالى والتوبة والإنابة إليه سبحانه ، والاشتغال بما يقرب إليه والابتعاد عن كل ما يسخطه ، وأن نربي أبناءنا وبناتنا التربية الناصحة الصالحة وأن ننشئ جيلا واعيا صالحا قادرا على مواجهة الأعداء ومناكفتهم . وعلينا بإصلاح أنفسنا وأهل بيتنا وأن نطهر قلوبنا و بيوتنا مما لا يرضي الله تعالى لنكون صالحين مصلحين وقبل ذلك وبعده نلح على الله تعالى بقلوب صادقة مقبلة واثقة بأن يعلي الله كلمته وينصر دينه ويعز أولياءه .
فاللهم يا واحد يا أحد يا فرد يا صمد يا من لا يرد أمره ولا يغلب جنده..
زياد الريسي - مدير الإدارة العلمية
مرحبا بالشيخ عمر وكتب الله أجرك بداية طيبة ومشرفة ونافعة نفع الله بها.
ونسأل الله أن يكتب لنا ولكم ولجميع من نحب الخير والعافية والسلامة ولكل المسلمين في مستقبل أيامنا والعفو والمغفرة في ما مضى من عمرنا إنه جواد كريم!.
تعديل التعليق