وبشر الصابرين
رمضان صالح العجرمي
مقترح خطبة الجمعة
.وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ
.١-مقدمة
٢- أهمية وثمرات الصبر
٣-أقسام ومراتب الصبر
.
.
(الهدف من الخطبة)
التذكير بهذه المنزلة العظيمة من منازل السائرين إلى الله تعالى لاسيما مع كثرة الابتلاءات فى هذا الزمان.
.
.
.
📁 مقدمة ومدخل للموضوع:
.
◼️ فإن الله تعالى جعل دار الدنيا دارا متغيرة الأحوال متبدلة المراحل والأطوار، فهذا سرور يعقبه حزن ويسر يخلفه العسر وسقم تتبعه العافية واجتماع تعقبه الفرقة في الدنيا أو إلى الدار الآخرة وحياة يعقبها الموت؛ هكذا هي الدنيا دار ابتلاء واختبار؛ كما قال الله تعالى: {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزيز الغفور} ، وقال تعالى: {إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه فجعلناه سميعا بصيرا}
◼️ ويظن البعض أن الصبر لا يكون إلا عند المصائب فقط وهذا مفهوم خاطئ،
▪︎فهذا الغنى الذى يعطيه الله تعالى المال فيبتليه هل يصبر ويشكر ويؤدى حقه أم لا؟
▪︎والمرأة التي يعطيها الله تعالى الجمال هل تصبر وتستر هذا الوجه أم لا؟
▪︎والرجل الذى يعطيه الله تعالى الصحة والعافية هل يشكر هذه النعمة أم يطغى بها على عباد الله؟
◼️ فإذا كان الأمر كذلك فإننا فى حاجة ضرورية إلى أن نتزود من هذه المنزلة العظيمة من منازل السائرين إلى الله تعالى؛ ألا وهى منزلة الصبر
◼️ فالصبر هو الزاد والقوة والعتاد في جميع مراحل الحياة؛ يحتَاجُهُ المَرِيضُ في شَكوَاهُ، والمُبتَلى في بَلوَاهُ، وَالدَّاعِيَةُ إلى الله في دعوته، والمعلم في مدرسته، والمرأة في بيتها، والأب في أسرته، وطَالِبُ العِلمِ في دراسته، والموظف في إدارته، والتاجر في تجارته، والعامل في خدمته.
◼️ والصبر معناه: حبس النفس عن الجزع واللسان عن التشكي والجوارح عن لطم الخدود وشق الجيوب وغير ذلك.
.
📁 أهمية ومكانة الصبر وثمراته:-
.
1️⃣ فإن مما يدل على أهمية ومكانة الصبر هو كثرة ذكره في القرآن الكريم؛ فقد ذكر في أكثر من تسعين موضعا.
▪︎فتارة يأمر الله تعالى به ويحث عليه؛ كما قال الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون} ، وقال تعالى: {واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين}
▪︎وتارة يثنى على عباده الصابرين؛ كما قال الله تعالى: {وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ* الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ} ، وقال تعالى: {وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ}
▪︎وتارة يقرنه الله تعالى مع غيره من مقامات الدين ومراتبه؛ فقد قرنه بالصلاة فقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ}
▪︎وقرنه بالتقوى فقال تعالى: {وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ}
▪︎وقرنه بالشكر فقال تعالى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ}
▪︎وقرنه باليقين فقال تعالى: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآياتِنَا يُوقِنُونَ}
▪︎وقرنه بالتوكل فقال تعالى: {نِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ * الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ}
▪︎وقرنه بالاستغفار والتسبيح فقال تعالى: {فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ}
.
2️⃣ ومما يدل على أهمية ومكانة الصبر أنه من صفات وسمات أفضل البشر من الأنبياء والمرسلين؛ ففي الحديث: ((إن أشدَّ الناسِ بلاءً الأنبياء ثم الأمثلُ فالأمثلُ..))
▪︎فهذا نوح عليه السلام أول رسل الله إلى الخلق مكث في قومه ألف سنة إلا خمسين عاما يدعوهم إلى الله سرا وجهارا ليلا ونهارا
▪︎وهذا أيوب عليه السلام يبتليه الله تعالى أشد البلاء: {وَأَيٌّوبَ إِذ نَادَى رَبَّهُ أَنّى مَسَّنِىَ الضٌّرٌّ وَأَنتَ أَرحَمُ الرَّاحِمِينَ فَاستَجَبنَا لَهُ فَكَشَفنَا مَا بِهِ مِن ضُرّ وَءاتَينَـاهُ أَهلَهُ وَمِثلَهُم مَّعَهُم رَحمَةً مّن عِندِنَا وَذِكرَى لِلعَـابِدِينَ} ؛ فأثنى الله تعالى عليه: {إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ}
▪︎وهذا يعقوب عليه السلام يبتليه الله تعالى بفقد أحب أولاده إليه فصبر صبرا لا شكوى فيه ولا جزع فقال الله تعالى عنه: {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ} ، ولما فقد ابنه الثانى فما زاد على الصبر: {فصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا}
▪︎وهذا إسماعيل عليه السلام يختبر ويبتلى أشد البلاء: {فلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ}
▪︎وهذا موسى عليه السلام كان فى عداد الصابرين ويحث قومه على ذلك: {قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا} ، {وقال موسى لقومه استعينوا بالله واصبروا إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين }
▪︎وتوجه الخطاب إلى النبي صلى الله عليه وسلم بالحث على الصبر: {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ} ، {واصبر وما صبرك إلا بالله ولا تحزن عليهم ولا تك في ضيق مما يمكرون} ، {واصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا}
.
3️⃣ ومما يدل على أهمية ومكانة الصبر هو بيان مكانة الصابرين عند الله تعالى.
▪︎ومن صور هذه المكانة والمنزلة محبته لهم؛ كما قال الله تعالى: {وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ}
▪︎ومن صور مكانة الصابرين عند الله تعالى معيته لهم؛ كما قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ}
▪︎ومن صور هذه المكانة أيضا صلواته ورحمته للصابرين؛ وتأمل هذه البشريات الثلاث: {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ* الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ* أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ}
▪︎ومنها تحقيق العزة والكرامة والتأييد من الله تعالى والنصر؛ كما قال الله تعالى: {وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا} ، {بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِين} ، {وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ} وفى الحديث: ((واعلَمْ أنَّ النصرَ مع الصبرِ))
.
4️⃣ ومما يدل على أهمية ومكانة الصبر هو ذلك التكريم الذى يحظى به الصابرون فى الدنيا.
▪︎فمن رزقه الله تعالى الصبر فقد ظفر بأعظم خير وأوسع عطاء؛ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((وَمَنْ يَتَصَبَّرْ يُصَبِّرْهُ اللَّهُ وَمَا أُعْطِىَ أَحَدٌ عَطَاءً خَيْرًا وَأَوْسَعَ مِنَ الصَّبْرِ )) ، وقال صلى الله عليه وسلم: ((عجبًا لأمر المؤمن إن أمره كلَّه خير وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن إن أصابته سرَّاء شكر فكان خيرًا له وإن أصابته ضرَّاء صبر فكان خيرًا له)) [رواه مسلم]
▪︎ومن صور التكريم الفوز والفلاح؛ كما قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون}
▪︎ولذلك أقسم الله تعالى: {..إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر }
▪︎وقد وصف النبي صلى الله عليه وسلم الصبر بأنه ضياء كما فى الحديث: ((والصبر ضياء
▪︎والصبر يورث صاحبه الإمامة في الدين؛ كما قال الله تعالى: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآَيَاتِنَا يُوقِنُونَ}
.
5️⃣ ومما يدل على أهمية ومكانة الصبر هو ذلك الجزاء والثواب العظيم في الآخرة.
▪︎ومنها البشريات بالفوز العظيم؛ كما قال تعالى: {إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ} ، وقال تعالى: {إنه من يتق ويصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين }
▪︎ولعظم مكانة الصبر لم يجعل له حدا معينا لجزائه وثوابه؛ كما قال تعالى: {مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} ، وقال تعالى: {إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب}قال قتادة رحمه الله: لا والله ما هُناكم مكيال ولا ميزان.
▪︎وقد جمع الله بين المغفرة والأجر الجزيل للصابرين فقال تعالى: {إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ}
▪︎ولم يجعل لهم ثوابا أعظم من الجنة؛ كما قال تعالى: {وَجَزَاهُم بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا} ، وفي صحيح البخاري عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ((إِنَّ اللَّهَ قَالَ: إِذَا ابْتَلَيْتُ عَبْدِي بِحَبِيبَتَيْهِ فَصَبَرَ عَوَّضْتُهُ مِنْهُمَا الْجَنَّةَ))
▪︎ومنها تسليم الملائكة عليهم؛ كما قال الله تعالى: {جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آَبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ*سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ}
▪︎بل وترفع درجاتهم في الجنة بالصبر على الشدائد؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الرجل ليكون له عند الله المنزلة فما يبلغها بعمل فما يزال يبتليه بما يكره حتى يبلغه إياها)) [رواه ابن حبان في صحيحه] ؛ ولذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((يَوَدُّ أَهْلُ الْعَافِيَةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِينَ يُعْطَى أَهْلُ الْبَلَاءِ الثَّوَابَ لَوْ أَنَّ جُلُودَهُمْ كَانَتْ قُرِضَتْ فِي الدُّنْيَا بِالْمَقَارِيضِ))
.
.
نسأل الله العظيم أن يجعلنا من الصابرين
.
.*.*.*.*.*.*.*.*.*.*.*.*
.
📁 الخطبة الثانية:-
أقسام ومراتب الصبر باعتبار ما يتعلق به
.
1️⃣ الصبر على الطاعات والعبادات
◼️ فإن الصبر على طاعة الله تعالى من أعظم أبواب الصبر وهو عمل يستلزم صدق العبد مع الله تعالى والصدق مع نفسه أيضاً ومجاهدتها على فعل الطاعة؛ لأن النفس تركن إلى الراحة.
▪︎فالصلاة تحتاج إلى الصبر كما قال تعالى: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَ}
▪︎والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الله مما يحتاج إلى صبر
كما قال تعالى حاكياً عن لقمان: {يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ}
▪︎ومرافقة أهل الصلاح تحتاج إلى صبر كما قال تعالى: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ..}
▪︎وهكذا كل العبادات والطاعات تحتاج إلى صبر للمداومة عليها؛ لاسيما الأعمال التي تحتاج وقتاً طويلاً وتلك التي تتطلب البذل والعطاء والتضحية فلا ينال العبد ثمراتها بعد الاستعانة بالله تعالى إلا بالصبر والمثابرة
▪︎فهذا الذى يصبر عن الحرام لا يسمى عفيفا إلا بعد الصبر والمثابرة على ذلك
▪︎والذى يصبر عند لقاء العدو يسمى شجاعا.
▪︎والذى يصبر على إخراج المال وزكاته يسمى كريما.
▪︎والذى يصبر على حاله لا يفرح بالمال إذا أتى ولا يجزع إذا ذهب فإنه يسمى زاهدا.
▪︎والذى يصبر على كتمان السر يسمى كاتما وحافظا للسر.
◼️ بل أن العبادات والطاعات تحتاج إلى صبر من قبل الشروع فيها وأثناء وبعد الانتهاء منها
▪︎قبل الشروع فيها؛ وذلك بتصحيح النية والقصد والإخلاص لله تعالى.
▪︎وأثناء الشروع فيها وذلك بإتقانها وعدم التعلق بأنظار الآخرين لحفظ العمل من الرياء.
▪︎وأما بعد الفراغ من العمل وذلك بأن يصبر نفسه عن الإتيان بما يبطل العمل كما قال تعالى: {لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى} ، وأن يصبر عن رؤية العمل والعجب به، وأن يصبر عن نقله من السر إلى العلانية.
.
2️⃣ الصبر عن المعاصي والمخالفات الشرعية.
◼️وهو أن يمسك نفسه عن فعل كل ما هو قبيح ويجاهد نفسه على ترك المعصية مهما كان يحبها ويتعلق بها؛ وذلك بأن يبعد قلبه عن حب المعصية وتعلقه بها، وعدم التواجد فى مكان المعصية وعدم مجالسة أصحابها والأنس بهم
◼️فإن الصبر على محارم الله تعالى أيسر وأسهل من الصبر على عذابه يوم القيامة؛ وتأمل إلى قصة هذه المرأة الصالحة الصابرة وهى توصى زوجها عند خروجه لطلب الرزق قائلة: اتق الله فينا ولا تطعمنا حراما فإنا نصبر على الجوع ولا نصبر على النار.
.
3️⃣ الصبر على المصائب والأقدار المؤلمة
◼️حيث يصبر المسلم على ما يصيبه من قضاء الله وقدره مما هو خارج عن إرادته؛ وهذا الصبر هو مدار امتحان الله تعالى للعبد في الدنيا؛ ومن صور المصائب والأقدار المؤلمة:
▪︎فمنها الصبر على الشدائد؛ فقد كان عمار بن ياسر وأبوه وأمه يعذبون من مشركي قريش فمر بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وحثهم على الصبر: ((صبرًا آل ياسر فإن موعدكم الجنة))
▪︎ومنها موت ذوى القربى وفراقهم والحزن عليهم؛ فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: مَرَّ النبي صلى الله عليه وسلم بِامْرَأَةٍ تَبْكِى عِنْدَ قَبْرٍ فَقَالَ: ((اتَّقِى اللَّهَ وَاصْبِرِى)) قَالَتْ: إِلَيْكَ عَنِّى فَإِنَّكَ لَمْ تُصَبْ بمصيبتي وَلَمْ تَعْرِفْهُ، فَقِيلَ لَهَا إِنَّهُ النبي صلى الله عليه وسلم، فَأَتَتْ بَابَ النبي صلى الله عليه وسلم فَلَمْ تَجِدْ عِنْدَهُ بَوَّابِينَ فَقَالَتْ: لَمْ أَعْرِفْكَ. فَقَالَ: ((إِنَّمَا الصَّبْرُ عِنْدَ الصَّدْمَةِ الأُولَى))
▪︎ومن أعظم المصائب هي فقد الوالد لولده ولذلك ترتب على من يصبر ويحتسب الجزاء العظيم؛ ففي الحديث: ((إذا ماتَ ولَدُ العبدِ قالَ اللَّهُ لملائِكتِهِ قبضتم ولدَ عبدي فيقولونَ نعم فيقولُ قبضتُم ثمرةَ فؤادِهِ فيقولونَ نعم فيقولُ ماذا قالَ عبدي فيقولونَ حمِدَكَ واسترجعَ فيقولُ اللَّهُ ابنوا لعبدي بيتًا في الجنَّةِ وسمُّوهُ بيتَ الحمْدِ))
▪︎ومنها الصبر على قلة ذات اليد والأمراض والشدائد؛ كما قال الله تعالى: {وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ}
▪︎ومنها الصبر على الأمراض؛ ففي الصحيحين أن ابن عباس رضي الله عنهما قال لعطاء: أَلَا أُرِيكَ امْرَأَةً مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ؟ قال: بَلَى قَالَ: هَذِهِ الْمَرْأَةُ السَّوْدَاءُ، أَتَتْ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ: إِنِّي أُصْرَعُ وَإِنِّي أَتَكَشَّفُ فَادْعُ اللَّهَ لِي. قَالَ: ((إِنْ شِئْتِ صَبَرْتِ وَلَكِ الْجَنَّةُ وَإِنْ شِئْتِ دَعَوْتُ اللَّهَ أَنْ يُعَافِيَكِ؟)) فَقَالَتْ: أَصْبِرُ؛ لكنِّي أَتَكَشَّفُ فَادْعُ اللَّهَ لِي أَنْ لَا أَتَكَشَّفَ، فَدَعَا لَهَا.
◼️وقد جمع الله تعالى هذه الأنواع من الابتلاءات كما في قوله تعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الأَمْوَالِ وَالأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ} ، ثمّ وجّه الله تعالى عباده إلى ما يعينهم على الصبر حال وقوع البلاء فقال تعالى: {الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ } ،ثم بين ثمرات وثواب هذا الصبر: {أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ}
.
.
نسأل الله العظيم أن يجعلنا من عباده الصابرين عند الضراء والشاكرين عند السراء
.
( ملحوظة )
.
١-الكلام عن الصبر يطول وما ورد في فضله من آيات وأحاديث صحيحة كثيرة جدا؛ وبفضل الله تعالى تم جمع أغلب هذه الأدلة في خمسة عناصر فقط ولكل منها فروع؛ تسهيلا للحفظ والإلقاء فإنك بمجرد حفظ هذه العناصر الخمسة ستستدعى معها كل الفروع بأدلتها بإذن الله تعالى.
.