﴿وَبِئْرٍ مُّعَطَّلَةٍ﴾

﴿وَبِئْرٍ مُّعَطَّلَةٍ﴾ 17/7/1443هــ إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِ، وَأَشْهَدُ أنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَخَلِيلُهُ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَسَلِّمَ تَسْلِيمًا كثيرًا. أمَّا بَعْدُ .. فاتقوا الله ﴿إِنَّ لِلۡمُتَّقِینَ عِندَ رَبِّهِمۡ جَنَّـٰتِ ٱلنَّعِیمِ﴾ عباد الله : البئر عين للحياة وشاهدة على آثار من غبر، خير ورزق مبارك إن عذب ماؤها، وبوار إن جف أو نضب، كم خَطت إليها الأقدام، وتخاصم عليها أقوام، وتزاحم عليها واردوها من بشر وأنعام، وفي تاريخ أمة الإسلام كانت زمزم في قصة أم أسماعيل حدثا لا يغيب وآية من آيات الله فهي البئر المبارك ماؤها جعله الله طعام طعم وشفاء سقم وخير ماء على وجه الأرض ماؤها. وفي كتاب الله كانت البئر شاهدة على بلاء الله ليوسف عليه السلام:  ﴿ولَمَّا ذَهَبُوا۟ بِهِۦ وَأَجۡمَعُوۤا۟ أَن یَجۡعَلُوهُ فِی غَیَـٰبَتِ ٱلۡجُبِّۚ وَأَوۡحَیۡنَاۤ إِلَیۡهِ لَتُنَبِّئَنَّهُم بِأَمۡرِهِمۡ هَـٰذَا وَهُمۡ لَا یَشۡعُرُونَ﴾ وعند البئر وحين كثر الزحام سطر لنا القرآن حياء فتاتين طاهرتين لم تخالطا الرجال: ﴿وَلَمَّا وَرَدَ مَاۤءَ مَدۡیَنَ وَجَدَ عَلَیۡهِ أُمَّةࣰ مِّنَ ٱلنَّاسِ یَسۡقُونَ وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ ٱمۡرَأَتَیۡنِ تَذُودَانِۖ قَالَ مَا خَطۡبُكُمَاۖ قَالَتَا لَا نَسۡقِی حَتَّىٰ یُصۡدِرَ ٱلرِّعَاۤءُۖ وَأَبُونَا شَیۡخࣱ كَبِیرࣱ﴾ ومروءةَ موسى عليه السلام حين بذل المعروف فلم يمن ولم يطل الحديث ولا أحدّ النظر: ﴿فَسَقَىٰ لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّىٰۤ إِلَى ٱلظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّی لِمَاۤ أَنزَلۡتَ إِلَیَّ مِنۡ خَیۡرࣲ فَقِیرࣱ﴾ والــــــبئر في القرآن أثر من الآثار على أمم أهلكت بذنوبها: ﴿فَكَأَیِّن مِّن قَرۡیَةٍ أَهۡلَكۡنَـٰهَا وَهِیَ ظَالِمَةࣱ فَهِیَ خَاوِیَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا وَبِئۡرࣲ مُّعَطَّلَةࣲ وَقَصۡرࣲ مَّشِیدٍ﴾ أصبحت القرية خرابا بعد أن كانت عامرة، وموحشة بعد أن كانت آهلة بأهلها آنسة. ﴿وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ﴾ أي: وكم من بئر، قد كان يزدحم عليه الخلق، لشربهم، وشرب مواشيهم، ففقد أهله، وعدم منه الوارد والصادر، وكم من قصر، تعب عليه أهله، فشيدوه، ورفعوه، وحصنوه، وجصصوه، فحين جاءهم أمر الله، لم يغن عنهم شيئا، وأصبح خاليا من أهله، قد صاروا عبرة لمن اعتبر، ومثالا لمن فكر ونظر.     وفي سنة المصطفى ﷺ كانت البئر شاهدة على بر وإحسان وبشارة بالجنان: فحين قدِم المهاجرون المدينة المنورة لم يستسيغوا ماءها، وكانت بئر رومة من أعذب مياه الآبار في المدينة، فكانوا يستقون منها بالثمن، فأرهقهم ذلك، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: " مَنْ يَشْتَرِي بِئْرَ رُومَةَ فَيَجْعَلَ دَلْوَهُ مَعَ دِلَاءِ المُسْلِمِينَ بِخَيْرٍ لَهُ مِنْهَا فِي الْجَنَّةِ "؟ فاشتراها عثمان رضي الله عنه من صلب ماله وسبلها: أي جعلها وقفا. وعلَى بِئْرِ أَرِيسٍ جَلَسَ ﷺ وَتَوَسَّطَ قُفَّهَا، وكَشَفَ عَنْ سَاقَيهِ وَدلَّاهُمَا فِي البِئرِ، فجَاءَ أَبُو بَكر -رضِيَ الله عنْهُ- فقال أبو موسى الأشعري -رضي الله عنه- يَا رسُولَ الله، هَذَا أبُو بكرٍ يَسْتَأذِنُ، فقَالَ ﷺ: «ائْذَنْ لَهُ وَبَشِّرْهُ بِالجَنَّةِ» ثم جاء عمر-رضِيَ الله عنْهُ- فقال ﷺ: «ائْذَنْ لَهُ وَبَشِّرْهُ بِالجَنَّةِ» ثم جاء عُثمَانُ بنُ عَفَّان -رضِيَ الله عنْهُ-فقَالَ ﷺ: «ائْذَنْ لَهُ وَبَشِّرهُ بِالجَنَّةِ مَعَ بَلوَى تُصِيبُهُ» فقَالَ: اللهُ الْمُسْتَعَانُ. وهي البئر التي قيل أنه سقط فيها خاتم النبي ﷺ من يد عثمان فكان مبدأ الفتنة. عباد الله: روى الترمذي عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قِيلَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَنَتَوَضَّأُ مِنْ بِئْرِ بُضَاعَةَ ؟ وَهِيَ بِئْرٌ يُلْقَى فِيهَا الْحِيَضُ وَلُحُومُ الْكِلَابِ وَالنَّتْنُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ:  (إِنَّ الْمَاءَ طَهُورٌ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ) قال ابن القيم رحمه الله: "فوضوؤه من بئر بضاعة وحالها ما ذكروه له دليل على أن الماء لا يتنجس بوقوع النجاسة فيه ما لم يتغير". وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " الصحيح أن الماء لا ينجس إلا بالتغير؛ لأن الحكم يدور مع علته وجودا وعدما ، فإذا وجدت النجاسة صار الماء نجسا " انتهى . وشبيه بالبئر خزان الماء وقد سئل بن عثيمين رحمه الله عن خزان ماء بال فيه طفل، وكذلك ووجد فيه فأر فأجاب: "الماء إذا سقطت فيه النجاسة من بول، أو عذرة، أو فأرة أو غيرها مما يكون نجساً ، ولم يتغير لا طعمه ولا لونه ولا ريحه بالنجاسة ، فهو طهور , لكن النجاسة ذات الجرم يجب إخراجها , مثل لو كانت عذرة ، يجب أن تخرج من الماء, أو فأرة تخرج أيضاً" انتهى .                                  "لقاء الباب المفتوح" (102/5) وقال ابن قدامة رحمه الله: " ولو تردى بعير في بئر، فتعذر نحره، فجرح في أي موضع من جسده ، فمات به : حل أكله" لحديث رافع بن خديج رضي الله عنه قال: «كنا مع النبي ﷺ، فند بعير، وكان في القوم خيلٌ يَسيرة، فطلبوه، فأعياهم ، فأهوى إليه رجل بسهم فحبسه الله ، فقال النبي ﷺ: (إن لهذه البهائم أوابد كأوابد الوحش، فما غلبكم منها فاصنعوا به كذا ) .  وفي لفظ:  (فما ند عليكم فاصنعوا به هكذا) متفق عليه .   بارك الله لي ولكم ............     الـخطبة الــــــثانية:   الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأشهدُ أَنَّ محمداً عبدهُ ورسُولُه النبيُ الأَمين، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابِه أجمعين، وسلم تسليماً أما بعد: من حفر بئرا في ملكه فسقط فيه إنسان أو حيوان فتلف لم يضمن إذا لم يتسبب في ذلك إلا بمجرد الحفر في ملكه؛ لأنه غير متعد. قال البخاري رحمه الله: " بَابُ مَنْ حَفَرَ بِئْرًا فِي مِلْكِهِ لَمْ يَضْمَنْ ". ثم روى عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: ( المَعْدِنُ جُبَارٌ، وَالبِئْرُ جُبَارٌ، وَالعَجْمَاءُ جُبَارٌ، وَفِي الرِّكَازِ الخُمُسُ ) .   قال النووي رحمه الله : " الْبِئْرُ جُبَارٌ: مَعْنَاهُ أَنَّهُ يَحْفِرُهَا فِي مِلْكِهِ ، أَوْ فِي مَوَاتٍ ، فَيَقَعُ فِيهَا إِنْسَانٌ أَوْ غَيْرُهُ ، وَيَتْلَفُ : فَلَا ضَمَانَ ، وَكَذَا لَوِ اسْتَأْجَرَهُ لِحَفْرِهَا ، فَوَقَعَتْ عَلَيْهِ ، فَمَاتَ : فَلَا ضَمَانَ . فَأَمَّا إِذَا حَفَرَ الْبِئْرَ فِي طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ، أَوْ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ ، فَتَلِفَ فِيهَا إِنْسَانٌ : فَيَجِبُ ضَمَانُهُ عَلَى عَاقِلَةِ حَافِرِهَا ، وَالْكَفَّارَةُ فِي مَالِ الْحَافِرِ ، وَإِنْ تَلِفَ بِهَا غَيْرُ الْآدَمِيِّ : وَجَبَ ضَمَانُهُ فِي مَالِ الْحَافِرِ " انتهى . ولكن ينبغي عليه مع ذلك التحويط على الموقع، أو تعليم البئر ، أو تغطيته ؛ لئلا يقع فيه أحد. لأن البئر المعطلة مزلة للأقدام ونفي الضمان لا يعني نفي التبعة كاملة فالمفرط قد يأثم والواجب كف الأذى والحذر حتى تسلم الذمم من التبعات يوم القيامة وتحفظ النفوس وتصان.   وصلوا وسلموا .............
المرفقات

1645131761_﴿وَبِئْرٍ مُّعَطَّلَةٍ﴾ 2.docx

المشاهدات 1617 | التعليقات 0