وانقضت خير الأيام

أحمد عبدالعزيز الشاوي
1445/12/14 - 2024/06/20 18:02PM

الحمد لله الذي يبدىء ويعيد وهو الولي الحميد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له يحكم ما يشاء ويفعل ما يريد، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله سيد العبيد أفضل من صلى وصام وأتقى من حج البيت الحرام، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه إلى يوم المزيد وسلم تسليماًً.

أما بعد فاتقوا الله ربكم واشكروا له بلدة طيبة ورب غفور

وتمضي الأيام وتسير بنا قافلة الحياة ، وتنتهي خير الأيام عند الله وفيها صعدت إلى السماء أرواح ، وأقيمت أفراح ، وحلت بأناس أتراح ، وخاض غمار العمل فيها قوم قدروا الله حق قدره فسبحوه بالغدو والرواح ،

مضت الأيام المعلومات ومن بعدها الأيام المعدودات ، مضى يوم عرفة ويوم النحر ،وانقضى موسم كان لأهل الآخرة فرصة ، ولطلاب الجنة ميدانا

ثلاثة عشر يوماً مضت ، ومن المؤكد أنها ستتكرر كل عام لكن من المؤكد أنها لهذا العام قد مضت إلى ربها شاهدة لأقوام بالقبول والغفران ولآخرين بالخيبة والخسران ومن المؤكد أيضا أن منا من لن يدركها بعد عامه هذا والله المستعان

ثلاثة عشر يوما مضت  كانت رحلة مثيرة لرفع الدرجات وتكثير الحسنات عاد منها قوم يحملون دراً وآخرون كانت عاقبة أمرهم خسرا

أيام مباركة مضت بعد أن جلت لنا صورة من صور الرحمة الإلهية حينما نعمل قليلا ونجازى عليه كثيرا ونبذل يسيرا ليكافئنا ربنا مغفرة وأجرا كبيرا

أيام لاكالأيام مضت وودع الحجاج أرض مكة الطاهرة ومشاعرها المقدسة بعد أن خاضوا غمار رحلة إيمانية رائعة فكم سكبت هناك من عبرات وكم أقيل من عثرات وكم قبل من توبات وكم من مهموم تفرج همه ومكروب نفس كربه ومذنب طهر قلبه، وإن ربي لطيف لما يشاء

ثلاثة عشر يوماً مرت، حسبت من أعمارنا وكل يوم مضى يدني من الأجل، فيا ترى بأي حال قضيناها، وبأي عمل أمضيناها.

ثلاثة عشر يوماً مرت على الطائعين والضائعين فماذا بقي من عنائكم أيها العاملون المطيعون، ذهب العناء وبقي الأجر والثناء وماذا وجد المفرطون الغارقون في الشهوات ؟، ذهبت لذاتها والإثم حل. ولاخير في لذة من بعدها النار

يا معشر العاملين الطائعين من حجاج ومقيمين لكم البشرى فإن الكريم وعد وهو لايخلف الميعاد أني لاأضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى ، وماكان الله ليضيع إيمانكم وحاشا لذي الجود أن يخيب رجاءكم أو يرد دعاءكم فإن ربكم حيي كريم وقد قال: أنا عند ظن عبدي بي فليظن بي ماشاء ، وإن الله لا يضيع أجر من أحسن عملاً.

مضت أيام عظيمة من أيام الله جلت لنا أنه بالإرادة والعزيمة والصدق يستطيع المسلم أن يتخلى عن كل خطيئة

إن امرءا قهر نفسه عن فعل مباح في أصله فلم يقطع شجرة ولم يقلم ظفرا ولم يمس طيبا ولم ينزع شعرة ولم يغط رأسا خوفا من الله وامتثالا لأمره ,, أفلا يستطيع هذا المسلم أن يتخلى عن الحرام والموبقات

إن مسلما تعلم الصبر عن معصية الله وعلى طاعة الله وصبر على الضيق والزحام وأخلاق الأنام .. أفلا يستطيع أن يحسن خلقه مع أهله وولده وأبناء مجتمعه

إن مسلما تعلم في الحج كيف يستسلم لله بتنفيذ أوامره والخضوع لأحكامه فيطوف ويسعى ويرمي وينحر ويحلق وينفر دون أن يدرك الحكمة .. أفلا يمكن أن يكون الاستسلام والخضوع له شعارا في كل تعاملاته مع أحكام الدين وشريعة رب العالمين فلا يتضايق من شعيرة ولا يتردد في قبول فريضة .. شعاره ( سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا ) وهاديه ودليله ( فلا وربك لايؤمنون حتى يحكموك .. )

مضت أيام الحج وانتهت الشعيرة لتقول للعائد من البقاع الطاهرة : ليس الحج أن تعود لتروي للناس حكاية حجك ولكن أن تعود فيرى الناس آثار حجك صلاحا في قلبك واستقامة في سلوكك وحسنا في أخلاقك واعتدالا في مواقفك وإقبالا على العبادة وشوقا إلى الآخرة فأين هذه الآثار والثمار من قوم يستفتحون عودتهم بالنوم عن المكتوبة ، والعودة لذنوب القلوب والجوارح ، فلاترى لهم في العبادات أثرا ، ولاتجد للحج في سلوكهم تغييرا

يامعشر الحجاج المتطهرين : لقد قال ربكم عن الحج مالم يقله عن غيره فقال : ( وأتموا الحج والعمرة لله )  وذلك لأنهما مما يكثر فيهما الرياء حتى إن كثيرا من الحجاج لايكاد يسمع حديثا في شيء من ذلك إلا ذكر مااتفق له في حجه فلما كان مظنة الرياء قيل فيهما ( لله ) اعتناء بالإخلاص ، فلاتجعلوا من حجكم حديثا لمجالسكم

يا معشر العاملين يا من عرفتم للمواسم الربانية قدرها: إن أحب العمل إلى الله أدومه وإن قل، وكان نبيكم ﷺ إذا عمل عملاً أثبته، فاجعلوا من هذه الرحلة الإيمانية بداية لحياة ملؤها الصلاح والتقوى ونهايتها الخاتمة الحسنى [مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ]

وإن من أراد أن يداوم على أعماله الصالحة  ويسابق إلى الخيرات، فإن من المفيد له أن يعرف أهمية المداومة عليها، وفضل المداومة، وفوائدها، وآثارها، والأسباب المعينة عليها، وحال الصحابة رضي الله عنهم في ذلك.

عن عائشة رضي الله عنها أنها كانت تصلي الضحى ثماني ركعات ثم تقول: ( لو نشرني أبواي ماتركتها)

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لبلال عند صلاة الفجر: ( يا بلال حدثني بأرجى عمل عملته في الإسلام، فإني سمعت دف نعليك بين يدي في الجنة)، قال: ( ما عملت عملاً أرجى عندي أني لم أتطهر طهوراً في ساعة من ليل ولانهار إلا صليت بذلك الطهور ما كتب لي أن أصلي)

أيها العاملون الموفقون: لا يفوتنكم أن تكثروا من دعاء الله تعالى أن يعينكم على الثبات على طاعة الله في زمن كثرت فيه الفتن وتنوعت أسباب الانحراف، في زمن قل أن تجد على الحق أعواناً.

أسأل الله تعالى أن يغفر ذنوبكم وأن يصلح قلوبكم وأن يقبل عملكم ويقيل زللكم.

وأستغفر الله لي ولكم....

الخطبة الثانية .... أما بعد :

يامعشر العاملين : مضت أيام عظيمة رأينا فيها الفقه المفتقد فقه الأولويات .. ترى رجالا يشددون على أنفسهم في أخذ شعرة لأجل الأضحية لكنهم لايبالون إذا ضحوا بأضاحيهم ضحوا بعدها بلحاهم ، فياعجبا ممن يعظم أمرا مختلفا في تحريمه ويتهاونون في أمر متفق على تحريمه

وترى نساء تستفتي عن شعرات سقطت من رأسها لكنها لاتبالي أن تبدي زينتها وتكشف وجهها وتفتن نفسها وغيرها بعباءة ونقاب

ليست الخطورة في تساقط الشعور من الرؤوس بل الخطر يكمن في فقد الشعور من النفوس ،، الشعور بتعظيم الله وإجلال شعائره

ياأيها العاملون لله : إن من الأمور التي ينبغي الاهتمام بها بعد القيام بأي عمل : مسألة قبول العمل؛ فإن التوفيق للعمل الصالح نعمة كبرى، ولكنها لا تتم إلا بنعمة أخرى أعظم منها، وهي نعمة القبول.  فما أعظم مصيبة من لم يقبل ؟ وما أشد الخسارة إن رد العمل على صاحبه ، وباء بالخسران المبين في الدين والدنيا !

اسع إلى القبول باستصغار العمل وعدم العجب والغرور به: فإن الإنسان مهما عمل وقدم فإن عمله كله لايؤدي شكر نعمة من النعم  ولايقوم بشيء من حق الله تبارك وتعالى، ومما يعين على استصغار العمل:معرفة الله تعالى، ورؤية نعمه، وتذكر الذنوب والتقصير.

اسع إلى القبول بالخوف من رد العمل وعدم قبوله: وقد وصف الله حال أسلافنا بعد العمل فقال : ( والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون. أولئك يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون) وأثر عن علي رضي الله عنه أنه قال: ( كونوا لقبول العمل أشد اهتماماً منكم بالعمل. ألم تسمعوا الله عز وجل يقول : ( إنما يتقبل الله من المتقين)

احرص على القبول بالرجاء وكثرة الدعاء: فالخوف بلا رجاء يورث اليأس والقنوط ، والرجاء بلا خوف يسبب الأمن من مكر الله، وكلها أمور مذمومة تقدح في عقيدة الإنسان وعبادته.

وعندما يتحقق الرجاء فإن الإنسان يرفع يديه سائلاً الله قبول عمله؛ فإنه وحده القادر على ذلك، كما فعل الخليل وابنه إسماعيل عليهما السلام ( وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم)

وإذا أردت القبول فأكثر الاستغفار: فمهما حرص الإنسان على تكميل عمله فإنه لابد من النقص والتقصير، ولذلك علمنا الله تعالى كيف نرفع هذا النقص فأمرنا بالاستغفار بعد العبادات،

اسع إلى القبول بالإكثار من الأعمال الصالحة فالعمل الصالح شجرة طيبة، تحتاج إلى سقاية ورعاية، حتى تنمو وتثبت، وتؤتي ثمارها،

كن من الأخفياء الذين يستترون بأعمالهم ينفق أحدهم فلاتعلم شماله ماتنفق يمينه ، وإذا ذكر الله خاليا فاضت عيناه ، لاكما هو حال البعض منا لايكاد ينتهي من الشعائر حتى يكون قد علم بعمله الأقارب والأباعد ، يسبقه التصوير ويلحقه الحديث في المجالس عن التنقلات والمغامرات والنفير

كن من الأتقياء الذين يتقربون إلى الله بإكمال العمل وإتمامه وتتبع أركانه وواجباته ومسنوناته  يسعون جهدهم إلى بلوغ الكمال لاأولئك الذين يتقربون إلى الله بملاحقة الرخص وتتبع الشواذ من الآراء ، وإن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه

اللهم تب على التائبين، واغفر ذنوب المذنبين، وثقل أعمال المقبلين وارحمنا برحمتك أجمعين.

المرفقات

1718895720_وانقضت خير الأيام.doc

المشاهدات 1101 | التعليقات 0