وانحبس المطر
إبراهيم بن سلطان العريفان
إن الحمد الله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمد عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه والتابعين وسلم تسليما كثيرًا.
الزموا تقوى الله عز وجل فهي وصيته إليكم ]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ[.
إخوة الإيمان والعقيدة .. إن ربكم كريم لا تحصى نعماؤه ولا تعد آلاؤه ]وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ[ وإن من أجلها وأجزلها وأعظمها نعمة الماء، ذلك الخَلْق العجيب ذو البناء الغريب، إذا هتنت به السماء ضحكت له الأرض، وهشت له الخلائق وتراكضت به الجداول، وامتدت في جنباته الخمائل، وقذفت الأرض بخيراتها، فنعم الإنسان ورخصت الأسعار، وشبع الحيوان وغردت الطيور ]وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ * وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ * رِزْقًا لِلْعِبَادِ وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا كَذَلِكَ الْخُرُوجُ[ وقال ]أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الْأَرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ[ فمع الماء تكون الخضرة والحياة ويكون الظل والنقاء، مع الماء تزدهر البساتين ويبرد النسيم ويعبق الشذى وتخضر الأوراق وتطيب الثمار وترتوي الأكباد، الماء إكسير الحياة وسر البناء ومادة الوجود، فما أعظم الله وما أجوده.
ألم تروا أن الله عذب أقوامًا بحبسه عنهم! وإذا أمسكت الماء قطرها أجدبت الأرض وهلك نبتها، وخمدت أصوات الطيور والتهبت أكباد البهائم ظمأً، إذا توقفت الماء وهبت رياح القحط ذوت الأشجار وذابت الأكباد، وإذا توقف الماء بأمر ربه فَغَرَ الهلاك فاه، وابتلع الأنفس والثمرات، وعصف الدمار بالمحاصيل والفواكه ]قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ[ فحبسه من أعظم المصائب، عقوبة واستئصال، وإذا كان بقدر فهو الرحمة المنشودة ]وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ[
أيها المسلمون .. مضت سنة الله عز وجل أن يذيق عباده العصاة بعض بأسه لعلهم يرجعون ]وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ[ فما وقعت مصيبة إلا بذنب ولا رفعت إلا بتوبة ]وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ[.
تفكروا! ما بال سمائنا أمسكت قطرها؟ وما لأرضنا لا تخرج زرعها؟ لماذا يتصايح العالم اليوم من مشكلة المياه ولماذا تهب الدول لحماية مياهها كما تقوم بحماية حدودها؟ لماذا يهدر الجوع قارات بأكملها، ألا ترون أن السحب تتجمع في سمائنا فتشرئب إليها أعناق الخلائق، ثم تتفرق دون أن تنزل قطرة ماء، إنها الخطايا والذنوب، إنها الأنفس الآسنة والقلوب الميتة لا تتعظ ولا تتذكر ولا تشكر إذا غمرتها النعم، ولا تتذكر إذا تتابعت عليها المصائب والنغم، وقد تكون الأمة متلبسة ببعض المعاصي. ولكن إذا مسهم القحط ولفحهم سموم الجدب تابوا ورجعوا وخافوا وأقلعوا فأولئك فيهم بقية خير، ولكن الخوف كل الخوف لو غارت المياه، وجفت الآبار واصفرت المواشي فلا يرجعون ولا يتذكرون ]فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ[.
إن التوبة النصوحة والاستسقاء الحق هو نزوع القلب والجوارح عن المعاصي، والندم على ما سلف منها، إن طلب الغيث لا يأتي بالدعوات التي تخرج من قلوب عابثة لاهية، ويُروى: أن الله أوحي إلى نبي من الأنبياء أن مر قومك لا يناجوني؛ والآثام في أجفانهم. ليلقوها ثم ليرفعوا إلي حاجاتهم.
ولقد عرف سلف هذه الأمة سر إنزال المطر وعلموا أن أبواب السماء لا تفتح إلا لدعوات الصالحين الصادقين ذوي القلوب الحية والأيدي الطاهرة فكانوا يقدمون أبرهم واتقاهم للاستسقاء.
نسأل الله أن يؤاخذنا بذنوبنا، وأن يتوب علينا ويغفر لنا
أقول ما تسمعون ...
الحمد لله رب العالمين ....
معاشر المؤمنين .. إن طلب الغوث يتطلب مراجعة كاملة يقوم بها الفرد، وتقوم بها الأمة، إنه يتطلب إقراراً بالذنب، وانكسار للجبار، ورجوعاً للحق، إن القحط يكشف عن الأبصار غشاوتها، وعن القلوب عمايتها، عندئذ يشعر الخلق بالفقر للخالق ]يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ[.
إن انحباس المطر وتأخر نزوله، هو بلاء وكرب، وموت بطيء إذا لم يسرع الناس إلى التوبة النصوح، إذا لم يؤوبوا إلى خالقهم ]أَمَّنْ هَذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ بَلْ لَجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ[ وإن من العبث أن يوغل أهل القلوب المطموسة في غيهم بالبحث عن أسباب البلاء في الماديات، وينسون الذي خلق هذه الماديات وأجرى فيها أحكامه، ويذوقون الكرب والشدة فيلتمسون كشفها عند غير الله والعياذ بالله ]قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْهَا وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ[.
أيها المسلمون .. فمهما عظمت الذنوب فإن باب التوبة مفتوح، ومهما كان الإسراف فإن القنوط من رحمة الله ممنوع، ويبقى الرجوع إلى الله ودعاؤه بكشف الضر ورفع المعاناة ]وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ[.
اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا إتباعه وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه
المرفقات
1735284777_وانحبس المطر.pdf
1735284786_وانحبس المطر.docx