وانتصف شهر الصوم

عبدالرحمن اللهيبي
1444/09/16 - 2023/04/07 05:56AM
الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات وبفضله وكرمه تزداد الحسنات وتغفر الزلات ، أحمده سبحانه على ما أولى وهدى ، وأشكره على ما وهب وأعطى لا إله إلا هو العلي الأعلى، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله النبي المصطفى ذو الخلُق الأسمىِ ، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أولي النهى والتقى والتابعين وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين أَمَّا بَعدُ ، فَـ" يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم وَالَّذِينَ مِن قَبلِكُم لَعَلَّكُم تَتَّقُونَ " أَيُّهَا الصائمون ، رَبُّكُم حَكَمٌ عَدلٌ ، يَجزِي عَلَى الحَسَنَةِ أَضعَافًا مُضَاعَفَةً ، وَيَجزِي على السَّيِّئَةِ مِثلَهَا ، وَلا يُضِيعُ أَجرَ مَن أَحسَنَ عَمَلاً وَلا يَظلِمُ ربك أَحَدًا ، وَمِن عَدلِهِ أَنَّهُ لا يَستَوِي عِندَهُ تَقِيٌّ وَفَاجِرٌ ، وَلا مُجتَهِدٌ في الصالحات وآخر فاتر ، بَل يَجزِي كُلاًّ بما عَمِلَ وَإِن كَانَ صَغِيرًا "فَمَن يَعمَلْ مِثقَالَ ذَرَّةٍ خَيرًا يَرَهُ. وَمَن يَعمَلْ مِثقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ " مَن عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفسِهِ وَمَن أَسَاءَ فَعَلَيهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلاَّمٍ لِلعَبِيدِ " أيها الصائمون، لقد مضى من رمضان صدره، وانقضى منه شطره، واكتمل منه بدره، ووَالذي نفسي بيده سَتَذهَبُ هَذِهِ الأَيَّامُ المعدودات ، والليالي المباركات وَستَنقَضِي بما أُودِعَ فِيهَا من صالحات أو سيئات وَلا وَاللهِ لَا يَكُونَ مَن اجتهد فيها وأَقبَلَ كَمَن أعرض عنها وأَدبَرَ ، وَلا مَن حافظ على الفَرَائِض كَمَن فرط فيها وقَصَّرَ ، وَلا مَن تَصَدَّقَ وَأَعطَى وَاتَّقَى ، كَمَن بَخِلَ وَاستَغنى ، وَلا مَن قرأ القرآن وذَكَرَ اللهَ كَثِيرًا كَمَن لم يَذكُرْهُ إِلاَّ قَلِيلاً، لا وَاللهِ لا يَستَوُونَ  قد فاز وربي من اغتنم شهر رمضان خير مغتنم، وشقي المعرض العاصي في هذا الشهر الأشم ، يوم يندم ولات ساعة مندم ، يوم تحل على أهل الفسق والفجور الآفات يوم تتقطع أفئدة أهل التفريط والاعراض بالزفرات، يوم يُحشر المعرضون والدموعُ على الوجنات.. وعندها يقال هيهات هيهات .. وفي الحديث القدسي يقول الله جل في علاه: ((يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم، ثم أوفيكم إياها، فمن وجد خيراً فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه)) أيها الصائمون: إِنَّ مِنَ المحزن والمُؤلِم حَقًّا أَنَّ يدخل الشهر علينا وينتصف ، وَثَمَّةَ أقوامٌ مِنَّا ، لم يُغَيِّرُوا شَيئًا في حَيَاتِهِم لم يُغَيِّرُوا قَلِيلاً وَلا كَثِيرًا ، لم يُحدِثُوا تَوبَةً وَلا عَجَّلُوا إلى ربهم بِأَوبَةٍ .. ألا ننظر يا عباد الله إلى حالنا؟ ها هي أَيَّامُنا تَصَرَّمَت وأَعوَامُنا تَتَابَعَت ، شَاخَ مَن شَاخَ ولا زالت علاقتنا بربنا ضعيفة مهترئة ..فما عبدناه حق عبادته ولا شكرناه حق شكره أيها الصائمون، شهركم هذا شهر العتق من النيران، شهر فكاك الرقاب من دار الشقاء والحرمان، شهر السلامة من الخزي والخذلان ، شهر النجاة من الذلة والهوان فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله : ((إن لله تبارك وتعالى عتقاء في كل يوم وليلة)) يعني في رمضان. أما يحزنك أيها الصائم أن يمضي الشهر وقد عتقت فيه رقاب المجتهدين وأنت يا عبد الله من المحرومين فاجتهدوا - يا رعاكم الله - ما استطعتم في إعتاق رقابكم، وفكاك أبدانكم، وشراء أنفسكم .. يا عَبدَ اللهِ ، إنك تَتَعَامَلُ مَعَ رَبٍّ رَحِيمٍ جَوَادٍ غفور كَرِيمٍ ، فَمَا الَّذِي يَصرِفُكَ عَنِ اغتِنَامِ هذه الأيام المعدودات ؟ أَلا فَلا تُضَيِّعِ الوَقتَ ـ رَحِمَكَ اللهُ ـ وَإِنْ كُنتَ قَد قَصَّرتَ في أول الشهر وَفَرَّطتَ ، أَو أَسَأتَ فيها وَتَعَدَّيتَ ، فَأَحسِنِ العَمَلَ في باقيها وَاصدُقِ الطَّلَبَ في حاضرها.. كيف ونحن مقبلون على العشر الأواخر منها أيها الصائمون ، إن أيامَ ولياليَ رمضان يجب أن تُعظَّم وتصان، وتُكرمَ ولا تُهان، فهل حبستم أنفسكم فيها عن فضول النظر والكلام ومن الغيبة والكذب والبهتان ؟! وكففتم جوارحكم عن اللهو والآثام؟! ألا فالْتُحرس منكم في هذا الشهر العينان، وليحفظ فيه السمع واللسان، وذلك واجب في كل زمان، ويتعاظم وربي في شهر الصيام ، يقول سيد الأنام صلى الله عليه وسلم: ((من لم يدع قول الزور والعمل به، فليس  لله حاجة في أن يدع طعام وشرابه))  ويقول ﷺ: ((رب صائم حظه من صيامه الجوع والعطش))  فَاتَّقُوا اللهَ عباد الله وصونوا الْجَوَارِحِ عَنِ الْحَرَامِ، وغضوا الْأَبْصَارِ عَنِ الْآثَامِ، واحفظوا الْأَسْمَاعِ مِنَ الغيبة والمَعَازِفِ وَالْقِيَانِ، وفارقوا برامج الزُّورِ وَالْبُهْتَانِ، ومسلسلات الفجور والعصيان فَكَمْ صَائِمٍ مَا صَامَ! وَكَمْ مِنْ عابدٍ بِالنَّهَارِ يمحوا ما كتب بِاللَّيْلِ! فحَذَارِ حَذَارِ أَنْ نَكُونَ مِنْهُمْ؛ فَإِنَّ صِيَامَ الْقَلْبِ عَنِ الْآثَامِ قَبْلَ صِيَامِ الْأَبْدَانِ عَنِ الشَّرَابِ والطَّعَامِ. أقول قولي هذا ..     أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوهُ ﴿وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ أيها الصائمون، لقد شرفكم الله تعالى بهذا الكتاب المبارك، يخاطبكم الله به ويناجيكم، ويدعوكم فيه لما يحييكم ، فتدبروا آياتِه، وتفكروا في بيِّناته، وقفوا عند عظاته، واعملوا بأوامره، وانتهوا عند زواجره، فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: (لا تهذوا القرآن هذَّ الشعر، ولا تنثروه نثر الدّقل، قفوا عند عجائبه، وحركوا به القلوب، ولا يكن همّ أحدِكم آخرَ السورة) وَمَن فَاتَتهُ العَشرُ الأُوَلُ فَلْيَجتَهِدْ في العَشرِ الوُسطَى ، وَإن فرط في الوسطى فَلا يُغلَبَنَّ عَلَى العَشرِ الأَوَاخِرِ ، فَإِنَّهَا خِتَامُ الشَّهرِ وَلُبُّهُ ، وَفِيهَا لَيلَةُ القَدرِ الَّتي هِيَ خَيرٌ مِن أَلفِ شَهرٍ ، وَقَد كَانَ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ يَجتَهِدُ فِيهَا مَا لا يَجتَهِدُ في غَيرِهَا ، وَكَانَ يَعتَكِفُ فِيهَا وَيَهجُرُ الدُّنيَا وَيَشُدُّ المِئزَرَ وَيَجتَنِبُ نِسَاءَهُ ، وَيَخلُو بِرَبِّهِ وَيَحرِصُ عَلَى قُربِهِ ، فَرَحِمَ اللهُ امرَأً جَدَّ وَاجتَهَدَ وَجَاهَدَ ، وَسَهِرَ اللَّيلَ وَصَلَّى وَدَعَا وَكَابَدَ فاتقوا الله يا صائمون وتَزَوَّدُوا من الخير والطاعات وأكثروا من البر والقربات، فَمَن لم يَتَزَوَّدْ في رَمَضَانَ مِنَ الحسنات فَمَتى ؟ وَتَذَكَّرُوا قُولَ نَبِيِّكُم عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ : " حُجِبَتِ النَّارُ بِالشَّهَوَاتِ ، وَحُجِبَتِ الجَنَّةُ بِالمَكَارِهِ " مُتَّفَقٌ عَلَيهِ   "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اركَعُوا وَاسجُدُوا وَاعبُدُوا رَبَّكُم وَافعَلُوا الخَيرَ لَعَلَّكُم تُفلِحُونَ ". هذا وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا ...
المشاهدات 725 | التعليقات 0