وانتصرت غزة .. ولا ننسى سوريا

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
إخوة الإيمان والعقيدة ... يقول الله تبارك وتعالى ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ ) وقال الحق عز وجل ( وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ ) وما شرع الله الجهاد وكلف المؤمنين بأعباء القتال إلا ابتلاءً لهم واختباراً ( ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاء اللَّهُ لَانتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِن لِّيَبْلُوَ بَعْضَكُم بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَن يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ )
ها هي غزة تنتصر والصهيون تندحر ، هذه هي خلاصة المشهد الذي استمر لأكثر من تسعة أيام ، من الصمود والمقاومة وتهديد عاصمة الاحتلال وضرب جنوده واستهداف طائراته، فانكشف وهنه وبان ضعفه ، على أيدي المقاومين المرابطين في غزه .
جاء هذا الانتصار رغم البربرية والوحشية التي استهدفت بها الصهاينة غزة ، فقصفت المساجد ورياض الأطفال ومنازل الآمنين ، لكن عاقبة هذا الظلم عوجلت لها خزياً وعاراً وذلاً أشبه بالاعتراف بعجزها عن مواجهة المقاومة في غزة ، وفضح الله حقيقة العدو الغاصب الجبان الذي يمتلك كل أسلحة الدمار وأحدث التقنيات العسكرية وكل أشكال الدعم الدولي سياسياً وعسكرياً ومادياً ، لكنها تحطمت أمام إرادة شعب غزة الصلبة الذي استطاع بفضل الله وعونه أن يهزم الجبناء هزيمة لم يكن يتوقعها ، فوافقوا على الهدنة بالشروط التي وضعتها المقاومة ، في سابقة لم تحدث من قبل ، فمنذ العام 1948 وإسرائيل هي من يغدر ويقتل ويحتل ويوقف النار متى شاء وبالشروط التي تحقق مصالحها .
هذا الانتصار أسعد الأمة كلها ، وغرس في أفئدة الأجيال الناشئة بأن الفرج آت ، وأن الطغيان مندحر ، وأن ليل الذل سينجلي مهما طال وادلهم سواده ، إذا اعتصمنا بحبل الله وثبتنا على المبادئ وتمسكنا بالقضية وسكبنا الدماء غزيرة في سبيلها . وفي هذا الانتصار العظيم دروس بليغة للأمة يجب أن تعيها.
عباد الله ... تدبروا قوله تعالى ( وَمَا النَّصْرُ إِلا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) ولنتأمل كيف ختم الله الآية بهذين الاسمين: العزيز، والحكيم، فالعزيز هو الذي لا يغالب، والحكيم في تدبيره، فإن النصر قد يتأخر، وقد يكون ثمنه باهظاً، قد تهدم البيوت، وتراق الدماء، لكن كل ذلك لا يزيد المؤمن إلا إيماناً بأن الله حكيم في تدبير أمره ، وأن النصر آت لا محالة .
تأملوا قوله سبحانه ( كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإذْنِ اللَّهِ ) فالمقاومة في غزة لا تملك ما يملكها عدوها فنصرها الله ، لكنها تملك سلاحاً أقوى من كل أسلحة الأرض ، إنه الإيمان بالله والتوكل عليه لتحقيق النصر ، وما الصواريخ إلا أسباب أعدوها عملاً بقوله تعالى ( وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ )
وقد بارك الله بهذه الصواريخ وسدد رمي من أطلقها ، على رغم أنوف من زعم أنها صواريخ عبثية مقابل أعتى الترسانات العسكرية ، وبعضهم قال عنها صواريخ بدائية وصواريخ تنك لا تجرح عدواً ولا تقتل معتدياً ، لكنها صنعت بفضل الله ما لم تصنعه ترسانات جيوش بأكملها ، وحطمت إلى الأبد أسطورة الجيش الذي لا يقهر ، ودمرت نظرية "يهود آمن "وكشفت فشل نظام القبة الحديدية الذي راهنت عليه الصهاينة ، وصدقه المتخاذلون من أبناء جلدتنا ، ولم يعبأ به إبطال المقاومة في غزة.
أيها المسلمون ... إن الجهاد ماضٍ إلى قيام الساعة ، وقد أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه لا سبيل للقضاء على المجاهدين بقوله ( لا تزال طائفة من أمتي على الدين ظاهرين ، لعدوهم قاهرين لا يضرهم من خالفهم إلا ما أصابهم من لأواء حتى يأتيهم أمر الله وهم كذلك ) قالوا : و أين هم ؟ قال ( ببيت المقدس و أكناف بيت المقدس ) فهذا خبر الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم: لا يمكن القضاء على المجاهدين بأكناف بيت المقدس، وسيبقون إلى قيام الساعة، ونتنياهو ومن والاه يقولون أنهم سيقضون على المجاهدين ، فمن منهما تحقَّق قوله؟ .
عباد الله ... تأبى الرماح إذا اجتمعن تكسراً ، فإن مما أثلج صدورنا الوحدة التي كانت بين المجاهدين، اتحدوا في وجه آلة البطش الغاشمة ( هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ * وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيم ) فمن ثمرات هذا الانتصار ولعله من البشائر لانتصارات أخرى إذا توحدت الجهود واتحدت البندقية صوب العدو ، وأزيلت أسباب الفرقة والاختلاف التي تنذر بالفشل، وصدق الله (وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ ).
يا أهل غزة .. هذه رسالة ربانية، يقول ربكم في محكم التنزيل (إِن تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجونَ مِنَ اللَّهِ مَا لا يَرْجونَ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً ) فالرئيس الصهيوني هرب إلى الملجأ من صواريخ غزة ، ورئيس أركان جيش الاحتلال أصيب بانهيار عصبي لما سمع دوي انفجار الصواريخ في تل أبيب .
وأُجبر ستة ملايين يهودي على الهروب إلى الملاجئ بشكل يومي، وأصيبت دولة بني صهيون بشلل تام في الحياة الاقتصادية ، وسجل هبوط حاد في بورصة اليهود، إضافة إلى تكبد خزينتها أعباء مالية كبيرة.
لقد كانت ردّة فعل المقاومة الفلسطينية مفاجأة ، وتجاوزت كل توقعات حكومة نتنياهو، ومما زاد من حالة الإحباط الصهيوني أنَّ صواريخ المقاومة قد وصلت القدس المحتلة، في خطوةٍ تمثِّل ضربة للوعي الجمعي للصهاينة بأسرهم.
إن الضربة القاصمة التي أراد نتنياهو بإنزالها بالمقاومة في غزة ، قد استحالت سهماً ارتَدّ إلى نحر الصهاينة أنفسهم.
فنسأل الله أن يحرر المسجد الأقصى من دنس اليهود ...
أقول ما تسمعون ...

إن انتصار غزة جعل الأمن الصهيوني على المحك والأمان الذي نعمت به بات مهزوزا ويتلاشى شيئاً فشيئاً تحت ضربات المقاومة.
قال المصطفى صلى الله عليه وسلم ( يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها ) فقال قائل : ومن قلة نحن يومئذ ؟ قال صلى الله عليه وسلم ( بل أنتم يومئذ كثير ؛ ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم وليقذفن الله في قلوبكم الوهن ) فقال قائل : يا رسول الله ! وما الوهن ؟ قال ( حب الدنيا وكراهية الموت )
لقد تداعى زعماء أمريكا وأوروبا لحصار المقاومة في غزة وإنقاذ الكيان الصهيوني من الورطة الكبيرة التي تسبب بها غرور نتنياهو واعتداؤه الوحشي على قطاع غزة.
لقد أرادت الصهاينة والغرب اغتنام انشغال العرب بمأساة سوريا ليصفوا حساباتهم مع المقاومة غي غزة ، وهو ما اعترف به عدو الله في تل أبيب فقال : يجب على إسرائيل استغلال انشغال العرب في سوريا وتوجيه ضربة عسكرية لحماس وشل قدراتها العسكرية، واستعادة قوة الردع لجيشنا.
عباد الله .. إن الواجب علينا قبل غيرنا أن نهتم بمعالجة الأزمة السورية بنفس الاهتمام والقدر الذي تحركنا فيه لأجل قضية غزة ، وهو حق وواجب لأهلنا في فلسطين علينا ، لكن لا يجب أن تنسينا أحداث غزة المؤلمة مآسي إخواننا في بلاد الشام .
أيها المسلمون : إن واجبنا أن ننصر إخواننا في فلسطين والشام ، ولنتذكر أن خذلان المسلم لا يجوز ، قال النبي صلى الله عليه وسلم ( ما من امرئ يخذل امرأ مسلما في موضع تنتهك فيه حرمته وينتقص فيه من عرضه إلا خذله الله في موضع يحب فيه نصرته ، وما من امرئ ينصر مسلما في موضع ينتقص فيه من عرضه وينتهك فيه من حرمته إلا نصره الله في موطن يحب فيه نصرته ).
فإذا هان علينا دم المسلم ، ولا نبالي بما يحدث إخواننا سوى بالاسترجاع وهز الرؤوس ، فإن ذلك يدل على تخاذل وانهزام نفسي وخلل في مفهوم الأخوة وتقصير في واجب النصرة ، فسفك الدم المسلم من أعظم العظائم وأكبر الكبائر ، قال صلى الله عليه وسلم: "لئن تهدم الكعبة حجراً حجراً أهون على الله من أن يراق دم امرئ مسلم"، وفي رواية: "لزوال الدنيا أهون على الله عز وجل من قتل رجل مسلم" رواه الترمذي والنسائي.
فعلى كل منا أن يبذل ما في وسعه لنصرة أهله وإخوانه ، فإن العدو غاشم ومتربص وعنيد ومجرم ومتحفز للقتل في لحظة وآن.
المشاهدات 2056 | التعليقات 1

زادك الله علما ونفعا شيخ إبراهيم الحق ما ذكرت فكلما قارب جرح منا على الاندمال نكأ الأعداء ومن عاونهم ممن هم من جلدتنا جرحا آخر وهكذا صار جسد الأمة مليء بالجراح مثخنة به وهم بين الحين والآخر يعملون على إذكاء شرارة أخرى في جسد هذه الأمة المرحومة.
لكن أبشر فالأمة على ميعاد نصر كبير وتمكين عظيم وتجدد جراحها لا يعني نسيان ما سبق من جراحها.

اللهم لا تجعل للكافرين والمنافقين على المؤمنين سبيلا ولا سلطانا.