وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ 11/9/1442هـ

خالد محمد القرعاوي
1442/09/09 - 2021/04/21 14:24PM

وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ 11/9/1442ه
الحمدُ للهِ يُحبُّ التَّوابِينَ، وَيغفِرُ لِلمُستَغفِرِينَ، أَشهدُ ألاَّ إله إلاَّ اللهَ وحدَهُ لا شَريكَ لَهُ تَفَضَّلَ بِالنِّعَمِ، وَغَفَرَ بِالتَّوبَةِ بَعْدَ النَّدَمِ، وَأَشهَدُ أنَّ نَبِيَّنَا مُحمَّداً عبدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، أَرسَلَهُ اللهُ إِلَينَا رَحْمَةً وَأَمَانَاً، صلـَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَليه وعلى آلِهِ وَأَصحَابِهِ، والتَّابِعينَ لَهُم وَمَنْ تَبِعَهم بِإحسَانٍ وإيمانٍ إلى يَومِ الدِّينِ. أمَّا بعدُ. (يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ). أيُّها الصَّائِمونَ: اللهُ تَعالى يُريدُ مِنَّا أنَّ نَتُوبَ إليهِ, فَهل حَقَّقنا ذلِكَ وَسَعينا إليهِ؟!نَحنُ في شَهْرِ التَّوبَةِ إن لَم نُحقِّقها الآنَ فَمتى إِذَاً؟ التَّوبةُ يا صَّائِمونَ: بَابُها مَفتُوحٌ وخَيرُها مَمنُوحٌ مَا لَمْ تُغرغِرُ الرُّوحَ، قَالَ رَسُولُ الله صلـَّى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ:(لو أَخطَأتُم حَتى تَبْلُغَ خَطَايَاكُمُ السَّمَاءَ ثُمَّ تُبتُم لَتَابَ اللهُ عَليكُم). تَأمَّلوا التَّوَدُّدَ الكَرِيمَ مِن الرَّؤُوفِ الحَلِيمِ: «يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَأَزِيدُ, وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَجَزَاؤُهُ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا أَوْ أَغْفِرُ, وَمَنْ تَقَرَّبَ مِنِّي شِبْرًا تَقَرَّبْتُ مِنْهُ ذِرَاعًا وَمَنْ تَقَرَّبَ مِنِّي ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ مِنْهُ بَاعًا وَمَنْ أَتَانِي يَمْشِى أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً وَمَنْ لَقِيَنِي بِقُرَابِ الأَرْضِ خَطِيئَةً لاَ يُشْرِكُ بِي شَيْئًا لَقِيتُهُ بِمِثْلِهَا مَغْفِرَةً». رَواهُ مُسْلِمٌ. فَأكثِرُوا: فَتُوبُوا بِأَلسِنَتِكُم، وقُلُوبِكُم, وَجَوَارِحِكُم. عبادَ اللهِ: رُكنُ التَّوبةِ الأَعظَمُ وَشَرطُها المُقدَّمُ هُو الإقلاعُ عن المَعصِيَةِ, والعَزْمُ على عَدَمِ العَودَةِ, ولا تَوبَةَ إلاَّ بِفعلِ المَأمُورِ واجتِنَابِ المَحظُورِ والتَّخَلُّصِ مِنْ المَظَالِمِ وإِبرَاءِ الذِّمَّةِ مِن حُقوقِ الآخَرِينَ.(وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ). فَوَا أَسَفَاً عَلينَا إنْ خَرَجَ رَمَضَانُ وَلَمْ يُغَيِّرْ حَالَنا! فَإنْ كُنتَ مِمَّن ابتُلِيَ بِأَكْلِ الرِّبَا وأَخْذِ الرَّشَاوِي فَاكْتَفِ بِالحَلالِ عن الحَرامِ. وَإِنْ كُنْتَ مِمَّن ابتُلِيَ بِالخَمْرِ والمُخَدِّرِ فَاعْلَمِ أنَّ عَشَرَةً مَلعُونِينَ فِيها, فَاهْجُرْهَا وَفَارِقْ أهلَها لا كَثَّرَهُمُ اللهُ, إِنْ كُنتَ مُتَهَاوِناً فِي الصَّلاةِ فَعَاهِدْ رَبَّكَ, وَرَبِّ نَفْسَكَ. إن كُنتَ مِمَّن أطْلَقَ لِنَفْسِهِ العَنانَ يَنظُرُ مَا يَشَاءُ, ويُقَلِّبُ بِالأجْهِزَةِ ما يَشَاءُ فاتَّقِ اللهَ في أعضَائِكَ فَعنها سَوفَ تُسألُ وَتُحَاسَبُ! يا صائِمُونَ: لقد مَضَى مِن رَمَضَانَ ثُلُثَهُ، والثُّلُثُ كَثِيرٌ فَاغْتَنِمُوا فُرَصَهُ، وَأَحسِنوا فيما بَقِيَ، يُغْفَرُ لَكُم مَا مَضَى وَمَا بَقِيَ. يَقُولُ الرَّبُّ في الحديث القدسيِّ: "يَا عِبَادِي إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا فَمَنْ وَجَدَ خَيْرَاً فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلاَ يَلُومَنَّ إِلاَّ نَفْسَهُ". فاللهمَّ كَما وَفَّقتَنا لإدْرَاكِ رَمَضَانَ فَوفَّقنا فيهِ لِلتَّوبَةِ النَّصُوحِ، أقولُ ما سَمَعْتُمْ، وأستغفِرُ اللهَ لِي وَلَكُم وَلِلمُسلِمِينَ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍّ، فَاستَغْفِرُوه إنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.

الخطبة الثانية: الحَمْدُ للهِ وَعَدَ المُنْفِقِينَ مَغْفِرَةً مِنهُ وَفَضْلاً، أَشْهدُ أن لا إله إلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَريكَ لَهُ يُعْطِي وَيَمْنَعُ حِكْمَةً مِنْهُ وَعَدْلاً، وَأَشْهَدُ أنَّ نَبِينَا مُحمَّداً عبدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، أَكْمَلُ الخَلْقِ جُودَاً وَبَذْلاً. الَّلهُمَ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَاركْ عليهِ، وَعَلى آلِهِ وَصَحْبِهِ والتَّابِعِينَ لَهُمْ إحْسَانَاً َوَبِرًّا. أَمَّا بعدُ: فَيا مُسلِمُونَ، أُوصيكُم وَنَفْسِي بِتَقْوىَ اللهِ عزَّ وَجَلَّ سِرًّا وَجَهْرًا.
أيُّها الصَّائِمونَ: مِمَّا يُجدِّدُ النَّشاطَ في رَمضانَ عدمُ الاقْتِصَارِ على نَوعِ عِبَادَةٍ، فَمِنْ قُرَآنٍ إلى دُعاءٍ، إلى إطعَامٍ وإنْفَاقٍ، إلى سعيٍ على الفقراءِ والمساكينِ، وتَلَمُّسٍ لِحَاجَاتِ الأُسرِ والمُحتَاجِينَ، وَأَمْرٍ بِالمَعْرُوفِ وَنَهْيٍ عن المُنْكَرِ, وَأَبْوَابُ الجَنَّةِ بِحَمْدِ اللهِ ثَمَانِيَةٌ. إنْ أَدْرَكْتَ ذَلِكَ تَجَدَّدَ نَشاطُكَ, وَعَلَتْ هِمَّتُكَ, وَعَادَتْ لَكَ حَيَوِيَّتُكَ،(ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ)..
عبادَ اللهِ: الزَّكاةُ عِبَادَةٌ عَظيمةٌ، وَفَريضَةٌ مُنتَظِمَةٌ، لَيستْ عَوَائِدَ سَنَوِيَّةٍ! إنَّما هِيَ فَريضَةٌ مَقْصَدُهَا إغْنَاءُ الفُقَرَاءِ, وتَنْمِيَةُ المَالِ, وَتَرْبِيَةُ الأنْفُسِ عَلى البَذْلِ والعَطَاءِ. لَيستْ تَفَضُّلا ولا امْتِنَانَاً، إنَّمَا فَرِيضَةٌ وَاجِبَةٌ لازِمَةٌ. وَمَنْ أَرَادَ النَّجَاةَ فَليَلْزَمِ الزَّكَاةَ! فَنَبِيُّنا يَقُولُ:(اتَّقُوا اللهَ رَبَّكُمْ، وَصَلُّوا خَمْسَكُم، وَصُومُوا شَهْرَكُم، وَأَدُّوا زَكاةَ أَمْوَالِكُم، وَأَطِيعُوا ذَا أَمْرِكُمْ، تَدْخُلُوا جَنَّةَ رَبِّكُمْ). فَيَا وَيلَ مَنْ يَكْنِزُونَ الأَمْوَال وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَبَشّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ! فَإنَّهُ مَا مَنَعَتْ أُمَّةٌ زَكَاةَ أَمْوَالِهَا إلَّا نُزِعَتْ بَرَكَاتُ أَرْزَاقِهَا, وَوَقَعَتْ عَليهَا البَلايا، يَقُول :(مَا مَنَعَ قَومٌ الزَّكَاةَ إلاَّ ابْتَلاهُمُ اللهُ بِالسِّنِينَ). (وَلَمْ يَمْنَعُوا زَكَاةَ أَمْوَالِهِم إلَّا مُنِعُوا القَطْرَ مِن السَّمَاءِ، وَلَولا البَهَائِمُ لَمْ يُمْطَرُوا). فيا أيَّها الكِرَامُ، أَدُّوا زَكاةَ أموالِكم طيَّبةً بها نُفُوسُكم، لِتُطَهِّروا بِها دِينَكُم ودُنْيَاكُم, تَقبَّلَ اللهُ منَّا ومنكم صالح القولِ والعمل. وأغنانا بحلاله عن حرامه وبفضلهِ عمن سواه. اللهم اغفر زلَّاتِنا, وأَمِّن رَوعَاتِنَا، وَاسْتُر عَورَاتِنَا، اللهم أعزَّ الإسلامَ والمسلمين، ودمِّر أعداءَك أعداءَ الدِّينِ. اللهم من أرادَ دِينَنَا وَبِلادَنَا وَأَمْنَنَا وَأخْلاقَنَا بِسُوءٍ فأشغلهُ في نفسِه وَشَتِّتْ شَملَهُ وَافْضَحْهُ على رؤوس الأشهاد, اللهم وفِّق ولاةَ أمورنا لِمَا تُحبُّ وترضى وأعنهم على البرِّ والتقوى. ربَّنا اغفر لنا ولِوالِدينا والمُسلمينَ أجمعينَ. رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ. وَلَذِكرُ اللهِ أَكبَرُ وَاللهُ يَعلمُ مَا تَصْنَعونُ.

المشاهدات 1755 | التعليقات 1

جزاك الله خيرا