واقعنا مع النظافة ...موافقة للتعميم
عبدالرزاق بن محمد العنزي
الخطبة الأولى: (28/1/1444)
أيها الناس: حديثنا اليوم سيكون عن عبادة من العبادات التي يتقرب بها المسلم إلى ربه ،وهي سلوك حضاري رائع ،وهي مسؤولية فردية وجماعية تبدأ من الذات ،وهي مدعاة لمحبة الآخرين وتقديرهم ، إنها النظافة ، فالإسلام دين النظافة بكل أبعادها النظافة الباطنة، والنظافة الظاهرة.
فالنظافة في الإسلام ليست لظاهر الجسد فحسب، بل هي للروح وذلك بتخليصها من أدران الشرك والخرافة والتعلق بغير الله تعالى ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُواْ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا ﴾.
ويدعو الإسلام إلى نظافة القلب من الرياء والكراهية المكروهة، ونظافته من الغل والحقد والحسد وسائر الأخلاق القلبية المقيتة.
ويدعو الإسلام إلى نظافة العقل من الأفكار والتصورات الخاطئة والثقافات المشبوهة، والآراء المسمومة.
ويدعو الإسلام أيضاً إلى نظافة الجوارح من الأخلاق المذمومة والمعاملات السيئة، كنظافة البطن من أكل الحرام بجميع طرقه من ربا أو رشوة أو غش أو خيانة.
فالمسلم نظيف في معتقده وفكره، وفي أخلاقه وسلوكه، وفي معاملاته، وفي جسده وفي بيته وسوقه وعمله وفي حياته كلها.
عباد الله، إن الناظر في شريعة الإسلام الغراء يجد فيها مظاهر تدعو إلى النظافة الحسية، وإبعاد الأجساد وما اتصل بها عن الأوساخ والأدران، فمن ذلك:
أن الإسلام حرم على المسلم ما اشتمل على الأقذار من المأكولات والمشروبات والمنكوحات. فحرم عليه تناول الميتة وما لحق بها والدم ولحم الخنزير وما أهل به لغير الله؛ لما فيها من الجراثيم والأضرار.
قال تعالى: ﴿ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ ﴾.
وحرم عليه أيضاً شرب الخمر والمخدرات وسائر المسكرات؛ لما فيها من إذهاب العقل وإمراض الجسد وإفساد التصرفات،
قال تعالى:﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾.
ونجد الإسلام من جانب آخر شرع شرائع وسنناً للنظافة والنقاء، فمن ذلك: ما يتعلق بقضاء الحاجة، فقد شرع الابتعاد والاستتار عن الناس، وعدم التخلي في طريقهم أو ظلهم وموردهم وأماكن نزولهم .
ومن مظاهر النظافة في الإسلام ما يتعلق بسنن الفطرة.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (عشر من الفطرة: قص الشارب، وإعفاء اللحية، والسواك، واستنشاق الماء، وقص الأظفار، وغسل البراجم، ونتف الإبط، وحلق العانة، وانتقاص الماء، والمضمضة) وكل واحدة من هذه العشر لها حديث عجيب عند الأطباء بما فيها من النظافة وإزالة القذارة وحماية الجسد والحفاظ عليه مما يهدده. بارك الله لي ولكم ،،،
الخطبة الثانية :
أيها المسلمون: لقد حرص رسولنا صلى الله عليه وسلم على غرس هذا الخلق الجميل في أمته، وعده من محاسن الأعمال، وأن تركه من سوء الإهمال، دل على ذلك حديث أبي ذَرٍّ - رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «عُرِضَتْ عَلَيَّ أَعْمَالُ أُمَّتِي حَسَنُهَا وَسَيِّئُهَا فَوَجَدْتُ في مَحَاسِنِ أَعْمَالِهَا الْأَذَى يُمَاطُ عن الطَّرِيقِ وَوَجَدْتُ في مَسَاوِي أَعْمَالِهَا النُّخَاعَةَ تَكُونُ في الْمَسْجِدِ لَا تُدْفَنُ» رواه مسلم على المجتمع كله في أي مكان نزل أن تكون النظافة عنده ثقافة ملازمة وعملاً يمارسه في كل أعماله وتحركاته حتى تنشأ الأجيال على هذه الثقافة النافعة التي تلامسها وتسمعها وتتربى عليها.
بداءة بالنظافة الشخصية ثم بعد ذلك النظافة الأسرية في البيت وبين أفراد الأسرة، ثم بعد ذلك في المدرسة والعمل والشارع والسوق.
ثم صلوا وسلموا،،،،،،