واقعنا أم حكامنا ؟!

أبو عبد الله الأنصاري
1434/04/26 - 2013/03/08 01:06AM
[align=justify][align=justify][align=justify]في السنوات الثلاث الأخيرات جرت في عدد من بلداننا العربية أحداث وتغييرات صاخبة ، أفرزتها هبات شعبية غاضبة ، راح خلالها أعداد كبيرة من القتلى والجرحى ، وعلقت الشعوب عليها الأماني والآمال في تحسين حالها وتغيير واقعها ، لكن المؤسف جداً أن تلك التضحيات كلها أدت - في نهاية مطاف شعوب تلك البلدان - إلى واقع لم يختلف كثيراً عن الواقع السابق .
ولا شك أن هذه الأحداث كان لها من ظلم الحكام واستبدادهم واستهتارهم بالحقوق والواجبات ما يبررها ، ويدفع الشعوب المقهورة المغلوبة إليها ، لكن إذا كان من الواجب على المسلم أن يكون عبداً لله تعالى في كل ما يأتي ويذر ، يتعبد لله بالفعل الذي يقدم عليه ، ويتعبد لله بالغاية التي يقصدها ويريد تحقيقها، فإن ذلك يفرض في هذا المقام سؤالين : أحدهما : ما السبب الذي أدى إلى خروج هؤلاء الناس ، وتفاعلهم مع هذه الأحداث ، والسؤال الثاني : ما المطالب الرئيسية التي يود هؤلاء المتظاهرون أن يحققوها ويفرضوها في الواقع .
والجواب الذي لا يكاد يخفى على أحد أن الذي أخرج الناس في هذه البلدان هو ما يعانونه من أوضاع الفقر والبطالة ، والفساد المستشري ربما في كافة أجهزة الدولة ، أما المطالب التي حددوها وأصروا على تحقيقها فقد انتهت إلى مطلب واحد يتلخص في رحيل رئيس الدولة ، وتنحيته عن سلطة البلاد ، كل ذلك بناء على ظن تلك الجماهير الغاضبة بأن السبب الرئيسي لما يمسهم من الجوع والفقر وقلة ذات اليد والبطالة إنما هو هؤلاء الحكام والرؤساء الذين يستأثرون بأموال الشعوب وخيراتها .
غير أن من الخلل البين في التفكير والجهل بسنن الله تعالى في خلقه وقدره وفي دينه وشرعه أن يرد الناس ما يحل بهم من الخوف والجوع وما يقع لهم من النقص في الأموال والأنفس والثمرات وضيق المعايش والأرزاق بل وعموم أحوالهم إلى الحكام والرؤساء فحسب ، وأنا لا أقول هذا الكلام دفاعاً عن الحكام الظلمة المستبدين ، لكني أريد أن أصحح خطأ المفاهيم ، وانتكاس وانقلاب التصورات ، ومع أنه لا ينكر أحد أن ظلم الحكام واستئثارهم سبب من أسباب ضرر المجتمعات لكنه لم يكن أبداً – على مر التاريخ – هو السبب الأبرز الذي تقع به المصائب والنكسات على الشعوب ، فالناس – أيها الأحبة - لا يؤتون في المصائب التي تحل بهم من قبل حكامهم بقدر ما يؤتون فيها من قبل أنفسهم ، وجملة القول : أن السبب الحقيقي لما يحل بمجتمعاتنا وشعوبنا من المصائب والبلاء إنما هو في ظلم الحكام والشعوب جميعاً لأنفسهم ، إنما هو في بُعد الحكام والشعوب عن ربهم ، وغفلتهم عن شريعتهم ، وانحرافهم عن كتاب ربهم وسنة نبيهم صلى الله عليه وسلم ، إنما تعم النقم وتحل المصائب حينما يعرض المجتمع في أغلبه عن طاعة الله ويستهتر بحرمات الله ، وهذا ما قرره ربنا تعالى في مواضع عديدة من كتابه حيث يقول سبحانه : ( ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس لذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون ) ، ويقَولَ سبحانه : ( وَمَا أَصَابَكُم من مُصِيبَة فبمَا كسبت أَيْدِيكُم وَيَعْفُو عَن كثير ) ، ويقول عز شأنه : ( مَا أَصَابَك من حَسَنَة فَمن الله وَمَا أَصَابَك من سَيِّئَة فَمن نَفسك ) ، بل يبين تعالى أن تلك هي سنته الماضية في جميع خلقه وعموم عباده فيقول : ( ذَلِك بِأَن الله لم يَك مغيرا نعْمَة أنعمها على قوم حَتَّى يُغيرُوا مَا بِأَنْفسِهِم ) ، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله تعالى : ( فَلَا يسلبهم إِلَّا إِذا غيروا مَا فِي أنفسهم بِالْمَعَاصِي والذنُوب ، وَلَا يجزى بالسيئات إِلَّا من فعل السَّيِّئَات ، وَلَا يُوقع النقم ويسلب النعم إِلَّا من أَتَى بالسيئات الْمُقْتَضِيَة لذَلِك )أ.هـ.
والحكام الظلمة – بعد ما تكسبه أيدي الناس - ليسوا سوى عقوبة واحدة من عقوبات الله تعالى لتلك لمجتمعات الغافلة عن حقوقه المعرضة عن التمسك بدينه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم .
يقول الإمام ابن القيم رحمه الله : ( ومَنْ له معرفة بأحوال العالَم ومبدئه يعرِف أنَّ جميع الفساد فى جَوِّه ونباته وحيوانه وأحوالِ أهله، حادثٌ - بعد خلقه - بأسباب اقتضت حدوثَه، ولم تزل أعمالُ بنى آدَم ومخالفتُهم للرُّسُل تُحدث لهم من الفساد العام والخاص ما يجلب عليهم من الآلام، والأمراض، والأسقام، والطواعين، والقحوط، والجدوب، وسلب بركات الأرض، وثمارها، ونباتها،وسلب منافعها، أو نقصانها أُموراً متتابعة يتلو بعضُهَا بعضاً ، واكتفِ بقوله تعالى: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِى الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِى النَّاسِ}، ونَزِّل هذه الآية على أحوالِ العالَم، وطابِقْ بين الواقع وبينها، وأنت ترى كيف تحدث الآفاتُ والعلل كل وقت فى الثمار والزرع والحيوان، وكيف يحدُث من تلك الآفات آفاتٌ أُخَرُ متلازمة، بعضُها آخذ برقاب بعض، وكُلَّما أحدث الناسُ ظلماً وفجوراً، أحدث لهم ربهم تبارك وتعالى من الآفات والعلل فى أغذيتهم وفواكههم، وأهويتهم ومياههم، وأبدانهم وخلقهم، وصُورهم وأشكالهم وأخلاقهم من النقص والآفات، ما هو موجب أعمالهم وظلمهم وفجورهم ، ولقد كانت الحبوب من الحِنطة وغيرها أكبرَ مما هي اليوم ، كما كانت البركةُ فيها أعظمَ ، وقد روى الإمام أحمد بإسناده : أنه وُجد فى خزائن بعض بني أميةَ صرةٌ فيها حِنطةٌ أمثال نوى التمر مكتوبٌ عليها : هذا كان ينبُت أيامَ العدل.
وقد جعل اللهُ سبحانه أعمال البَرِّ والفاجر مقتضِياتٍ لآثارها فى هذا العالَم اقتضاءً لا بد منه ، فجعل منعَ الإحسان والزكاة والصدقة سبباً لمنع الغَيْث من السماء ، والقحطِ والجَدْبِ، وجعَلَ ظلمَ المساكين، والبخسَ فى المكاييل والموازين، وتعدِّى القَوِّيِّ على الضعيف سبباً لجَوْر الملوك والولاة الذين لا يَرحمون إن اسْتُرْحِموا ، ولا يَعْطِفُون إن استُعطِفُوا ، وهم فى الحقيقة أعمالُ الرعايا ظهرت فى صور وُلاتهم ، فإنَّ اللهَ سبحانه بحكمته وعدله يُظهِرُ للناس أعمالَهم فى قوالِب وصورٍ تناسبها ، فتارةً بقحط وجدب ، وتارة بعدوٍّ ، وتارةً بولاة جائرين ، وتارةً بأمراضٍ عامة ، وتارةً بهُموم وآلام وغموم تحضُرها نفوسُهم لا ينفكُّونَ عنها، وتارةً بمنع بركات السماء والأرض عنهم، وتارةً بتسليط الشياطين عليهم تَؤُزُّهم إلى أسباب العذاب أزَّاً، لِتَحِقَّ عليهم الكلمة، وليصيرَ كل منهم إلى ما خُلِقَ له ، والعاقل يُسَيِّر بصيرته بين أقطار العالَم، فيُشاهدُه، وينظر مواقعَ عدل الله وحكمته، وحينئذ يَتَبيَّنُ له أنَّ الرُّسُلَ وأتباعَهُم خاصةً على سبيل النجاة، وسائر الخلق على سبيل الهلاك سائرون، وإلى دار البَوار صائرون، واللهُ بالغُ أمرِه، لا مُعَقِّبَ لحكمه، ولا رادَ لأمره.. وبالله التوفيق )أ.هـ .
ولأجل ذلك فقد اقتضت السنّة الإلهية أن الله تعالى إنما يولي الظالمين على الظالمين ، وكما يكون الناس يوَلَّ عليهم ، ( ولن يجعل الله للكافرين والظالمين على المؤمنين سلطاناً مبينا) وهذا هو معنى قوله تعالى: ( وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ) .
يقول محمد أبو زهرة في بيانه لمعنى الآية : وكذلك نجعل بعض الظالمين ولاة على ظالمين مثلهم ، فيفسد الأمر ، ويضطرب الحال ، ويكون الفساد في الأرض ، بدل الصلاح فيها ، وهذا يفيد أن ظلم الولاة يكون بسبب ظلم الرعية فيما بينها ، كما رُوي " كيفما تكونوا يولى عليكم " وأن فساد الرعية يؤدى إلى ألا يحكمها إلا راع ظالم .
ويقول الرَّازي في تفسيره :"الآية تدل على أن الرَّعيَّة متى كانوا ظالمين فالله تعالى يسلط عليهم ظالماً مثلهم ، فإن أرادوا أن يتخلصوا من ذلك الأمير الظالم فليتركوا الظُّلم".
وقد جاء عن منصور بن أبي الأسود قال: سألت الأعمش عن قوله: ( وكذلك نولي بعض الظالمين بعضاً )، ما سمعتهم - أي الأئمة السابقين - يقولون فيه ؟ قال: سمعتهم يقولون: إذا فسد النَّاس أُمِّرَ عليهم شرارُهم".
وقد جاء في بعض الآثار الإلهية : أنا الله عز وجل ، ملك الملوك ، قلوب الملوك ونواصيهم بيدي ، من أطاعني جعلتهم عليه رحمة ، ومن عصاني جعلتهم عليه نقمة ، فلا تشتغلوا بسب الملوك ، وأطيعوني أُعطف قلوبهم عليكم.
وقال قتادة: قالت بنو إسرائيل: إلهنا أنت في السماء ونحن في الأرض ، فكيف نعرف رضاك من سخطك ؟ فأوحى الله تعالى إلى بعض أنبيائهم : إذا استعملت عليكم خياركم فقد رضيت عنكم ، وإذا استعملت عليكم شراركم فقد سخطت عليكم.
ولله در الإمام أبي عبد الله ابن قيم الجوزية إذ يقول : ( وتأمل حكمته تعالى في أن جعل ملوك العباد وأمراءهم وولاتهم من جنس أعمالهم ، بل كأن أعمالهم ظهرت في صور ولاتهم وملوكهم ، فإن استقاموا استقامت ملوكهم ، وإن عدلوا عدلت عليهم ، وإن جاروا جارت ملوكهم وولاتهم ، وإن ظهر فيهم المكر والخديعة فولاتهم كذلك ، وإن منعوا حقوق الله لديهم وبخلوا بها منعت ملوكهم وولاتهم ما لهم عندهم من الحق وبخلوا بها عليهم ، وإن اخذوا ممن يستضعفونه مالا يستحقونه في معاملتهم أخذت منهم الملوك مالا يستحقونه ، وضربت عليهم المكوس والوظائف ، وكلما يستخرجونه من الضعيف يستخرجه الملوك منهم بالقوة ، فعُمالهم ظهرت في صور أعمالهم ، وليس في الحكمة الإلهية أن يولى على الأشرار الفجار إلا من يكون من جنسهم ، ولما كان الصدر الأول خيار القرون وأبرُّها كانت ولاتهم كذلك ، فلما شابوا شابت لهم الولاة ، فحكمة الله تأبى أن يولي علينا في مثل هذه الأزمان مثل معاوية وعمر بن عبد العزيز ، فضلاً عن مثل أبي بكر وعمر ، بل ولاتنا على قدرنا ، وولاة مَن قبلنا على قدرهم ، وكلٌ من الأمرين موجب الحكمة ومقتضاها ، ومن له فطنةٌ إذا سافر بفكره في هذا الباب رأى الحكمة الإلهية سائرةً في القضاء والقدر ، ظاهرةً وباطنةً فيه كما في الخلق والأمر سواء ، فإياك أن تظن بظنك الفاسد أن شيئاً من أقضيته وأقداره عارٍ عن الحكمة البالغة ، بل جميع أقضيته تعالى وأقداره واقعةٌ على أتم وجوه الحكمة والصواب ).
الخطبة الثانية
وبناء على ذلك – يا معاشر الناس – فقد كان منهاج أسلافنا في تغيير واقعهم لا يتجه فقط لمنازعة الحكام ، ولا بإحداث الفوضى والتخريب والفساد في الأرض ، وإن طالبوهم بإصلاح الأوضاع ، وأمروهم بالمعروف ونهوهم عن المنكر ، لكنه يتجه في الأساس إلى تغيير أحوالهم ، والرجوع إلى ربهم ، والتوبة من الذنوب والمعاصي ، لأنهم يدركون سنة الله الماضية في خلقه : ( إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ).
فما قيمة الأمر إذا كانت نهايته أن ينزل حاكم ويصعد آخر مع بقاء الشعوب والمجتمعات على ما هي عليه من الغفلة والظلم والعصيان ؟! ولذلك قالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : لَا يَخَافَنَّ عَبْدٌ إلَّا ذَنْبَهُ ، وَإِنْ سُلِّطَ عَلَيْهِ مَخْلُوقٌ فَمَا سُلِّطَ عَلَيْهِ إلَّا بِذُنُوبِهِ ، فَلْيَخَفِ اللَّهَ وَلْيَتُبْ مِنْ ذُنُوبِهِ الَّتِي نَالَهُ بِهَا مَا نَالَهُ ، وكان مالك بن دينار - رضي الله عنه - يقول : كلما أحدثتم ذنباً أحدث الله لكم من سلطانكم عقوبة.
وكتب أخ لمحمد بن يوسف يشكو إليه جور العمال، فكتب إليه محمد بن يوسف: بلغني كتابك وتذكر ما أنتم فيه، وليس ينبغي لمن يعمل المعصية أن ينكر العقوبة، ولم أر ما أنتم فيه إلا من شؤم الذنوب، والسلام
وحين سئل الحسن البصري عن الحجّاج : ما ترى في القيام عليه ؟ فقال: اتقوا الله، وتوبوا إليه يكفيكم جوره . وكان إذا قيل له ألا تخرج ؟! يتغير ، ويقول : إن الله إنما يغير بالتوبة ، ولا يغير بالسيف.
وعندما أفتى الحسن رجلاً من الناس بعدم جواز الخروج على الحجّاج فقال له الرجل : لقد كنتُ أعرفك سيء القول في الحجّاج غير راضٍ عن سيرته، قال الحسن: وأيم الله إني اليوم لأسوأ فيه رأياً ، وأكثر عتباً ، وأشد ذماً ، ولكن لتعلم عافاك الله أن جور الملوك نقمةٌ من نقم الله تعالى ، ونقم الله لا تُلاقى بالسيوف ، وإنما تتقى وتستدفع بالدعاء والتوبة والإنابة والإقلاع عن الذنوب.
والعجيب أن هذه الشعوب الغافلة التي تعاني ما تعانيه لا تخرج ولا تتحشد لمطالبة حكامها بتطبيق شرع الله تعالى ، ولا تطالبهم برفع أسباب غضبه وسخطه عنها ، فالمنكرات والفواحش والربا والرشا والظلم والمعاصي ، تملأ السمع والبصر ، وتغطي الطول والعرض ، وهي والله التي ينال الشعوب بسببها ما ينالهم ، إنما تخرج هذه الشعوب مطالبة بتعديلات سياسية في ظل الأنظمة الديمقراطية المستورد من ديار اليهود والنصارى ، وإذا كان الشعوب تجهل كثيرا من حقائق الأمور ، وتسيء فهمهما ، فما عذر البعض من دعاة الإسلام الذين – بدل أن يبصروا الناس بالأسباب الحقيقية لما هم فيه – يفضلون أن يسيروا في ركاب الغوغاء ، ومظاهر الفوضى ، ضاربين بسنن الله الكونية والشرعية في تغيير أحوال عباده عرض الحائط .
يا معاشر المسلمين : إذا صلحت أديان الناس صلحت لهم دنياهم ، وإذا فسدت أديانهم فلا أمل في صلاح شيء من أمر الدنيا ، يا أيتها الشعوب المسلمة الفقيرة المرهقة أنقذوا أنفسكم مما أنتم فيه من عقوبات الذنوب بالعودة الصادقة إلى من بيده خزائن السماوات والأرض ، أدركوا أن سعة الدنيا ورخاء المعاش إنما هو في تقوى الله وطاعته والاستقامة على دينه ومرضاته ، ألم تسمعوا إلى قول الله تعالى : ( ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ، ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون ) ، ألم تسمعوا إلى قول الله تعالى : ( ولو أن أهل الكتاب آمنوا واتقوا لكفرنا عنهم سيئاتهم ولأدخلناهم جنات النعيم ، ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل وما أنزل عليهم من ربهم لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم منهم أمة مقتصدة وكثير منهم ساء ما يعملون ) ، أما تأملتم وعد الله تعالى في قوله : ( وأن لو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماءا غدا ) ، أما وعيتم عن رسل الله قولهم ( استغفروا ربكم إنه كان غفارا يرسل السماء عليكم مدرارا ، ويمددكم بأموال وبينين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا ) .
أيها الشعب اليمني الذي طالت معاناته من الفقر والحاجة أدرك – كما يقول الإمام ابن القيم – أن لك رباً : ( لا يخاف الفقر ، ولا تنقص خزائنه على سعة الإنفاق ، ولا يحبس فضله عنك لحاجة منه إليك ، واستغنائه بحيث إذا أخرجه أثر ذلك في غناه ، بل هو يحب الجود والبذل والعطاء والإحسان أعظم مما تحب أنت الأخذ والانتفاع بما سألته ، فإذا حبسه عنك فاعلم أنك أنت الواقف في طريق مصالحك ، وأنت المعوق لوصول فضله إليك ، وأنت حجر في طريق نفسك ، وهذا هو الأغلب على الخليقة ، فإن الله سبحانه قضى فيما قضى به أن ما عنده لا ينال إلا بطاعته ، وأنه ما استجلبت نعم الله بغير طاعته ، ولا استديمت بغير شكره ، ولا عُوِّقت وامتنعت بغير معصيته ، وكذلك إذا أنعم عليك ثم سلبك النعمة فإنه لم يسلبها لبخل منه ، ولا استئثار بها عليك ، وإنما أنت المتسبب في سلبها عنك ، ف( إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ) ، ( ذلك بأن الله لم يك مغيرا نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم وأن الله سميع عليم ) قال : ( فآفتك من نفسك ، وبلاؤك من نفسك ، وأنت في الحقيقة الذي بالغت في عداوة نفسك ، وبلغت من معاداة نفسك ما لا يبلغ العدو منك ، كما قيل :
ما يبلغ الأعداء من جاهل ... ما يبلغ الجاهل من نفسه
ولو علمت من أين أصبت لأمكنك تدارك ذلك ، ولكن قد فسدت الفطرة ، وانتكس القلب ، وأطفأ الهوى مصابيح العلم والإيمان منه ، فأعرضتَ عمن أصل بلائك ومصيبتك منه ).
[/align][/align]
[align=justify][/align][/align]
المشاهدات 3220 | التعليقات 2

(اذا صلحت أديان الناس صلحت لهم دنياهم ، وإذا فسدت أديانهم فلا أمل في صلاح شيء من أمر الدنيا) بارك الله فيك شيخنا مقولة صحيحة فعلا

وكم تحتاج الشعوب العربية لسماع تلك الخطبة فهي تحكي الواقع المرير التي تمر به الامة وليعلم كل من يخرج في مظاهرات واعتصامات ما غرضه وما حدوده وليفكر مرة في الخروج من أجل مطلب أخروي وليس من أجل مطلب دنياوي فاني وهذا إن جاز له الخروج أصلا ، فقد مللنا والله من المظاهرات والاعتصامات حتى قلنا (يا لت ما حصلت ثورات) فالسلبيات اكثر من الايجابيات ، وقد أيقظت فتن خامدة ، وأطلقت ألسن سامة كانت مقيدة ، وظهر العلمانيون والليبراليون ظهور الشمس في الضحى ، وشوهت صورة الاسلامييون حينما انغمسوا في الأمور السياسية ، وخرج علينا إعلام كاذب ، منافق ، مادي ، مفتري ، وتكلم الرويبضة ، ونشطت وكثرت أعمال المخربين واللصوص والبلطجة ممن كانوا لا يخافون الله ويخافون الحكومة فقط فحين سقطت الحكومة الغاشمة أخذوا يبطشون ولا رادع لهم، ونتج عن ذلك فقدان الأمن والأمان والخراب والفوضى، وكما قال أحد الشيوخ الأفاضل (كنا الأفضل أن نعيش في ظلم ولا نعيش في فوضى ) نسأل الله أن يصلحنا ويهدينا إلى سواء السبيل.


[align=justify]بارك الله فيك أخي أحمد ، قلت : ( كم تحتاج الشعوب العربية لسماع تلك الخطبة ) أما أنا فأقول : كم يحتاج دعاتنا وخطباؤنا - أولاً وقبل غيرهم - أن يستوعبوا هذه الحقيقة ، لأن كثيراً منهم باتوا تدور بهم دوامة الأحداث ، وباتوا يسايرونها بعفوية أخاذة ، دون أن يقفوا مع أنفسهم وأمتهم وقفات تأمل يدركون بها عمق الخلل في مسار الأمة على مستوى أفرادها وجماعتها ، والبعد والغياب - بل وأحياناً كثيرة الإبعاد والتغييب المتعمد لها - عن قضيتها الحقيقية التي تعتبر محوراً أساساً لكل ما تعانيه ، وبعلاجه والوقوف عليه وتصحيح المسار وفقه ترشد الأمة وتستقيم لها أمور دنياها وآخرتها .
قضية أمتنا قضية عودة شاملة صادقة إلى الله تعالى ودينه وصراطه على مستوى العقائد القلبية ، والسلوكيات الإيمانية ، وعلى مستوى التشريعات والنظم ، وعلى مستوى الأقوال والأفعال الظاهرة ، لكن أن تظل أمتنا مغيبة في معامع أحداث تفرض عليها أو تُجر إليها جراً ، وأن تبقى بذلك في معزل عن رسالتها الأساسية فذلك هو الخلل في فهم كثيرين من دعاة الإسلام للداء والدواء ، والله يتولانا برحمته .[/align]