واعبد ربك حتى يأتيك اليقين
إبراهيم بن سلطان العريفان
1435/10/05 - 2014/08/01 08:13AM
بسم الله الرحمن الرحيم
إخوة الإيمان والعقيدة ... فلقد دار الدهر دوره.. ومحا الزمان أثره.. وإذا برمضانَ الكريم يفارقنا فراقَ الحبيب لحبيبه .. وما أشد فراق الأحبة .
نعم .. انقضى رمضان، وتصرمت أيامه ولياليه، واللهُ يعلم كم من صحائفَ بُيضت ! وكم من حسناتٍ كُتبت ! وكم من ذنوب غُفرت ! وكم من رقابٍ أُعتقت !
انقضى رمضان .. وخَفيت أنواره .. وبَليت أستاره.. وأفل نجمه بعد أن سطع .. وأظلم ليله بعد أن لمع.. فتفجرت المدامع .. وأظلمت المساجد والجوامع. وإن القلب ليحزن، وإن العين لتدمع، وإنا على فراقك يا رمضان لمحزونون .
ماذا بقي في قلوبنا من أثر هذا الشهر العظيم؟ما أحوالنا بعد رمضان؟ من كان يعبد رمضان فإن رمضان قد مات ، ومن كان يعبد الله فان الله حي لا يموت .
وا أسفاه على قوم دخل رمضان و خرج رمضان ، وحالهم كحالهم ، لم يتغير منهم شيء ، ولم يتبدل فيهم أمر ، بل ربما زادت آثامهم ، وعظمت ذنوبهم ، واسودت صحائفهم ( ورَغِمَ أنف رجل دخل عليه رمضان ثم انسلخ قبل أن يغفر له ).
أولئك هم الخاسرون حقا . وليس أمامهم إلا التوبةُ إلى ربهم ، و تداركُ ما بقي من أعمارهم .
إن الله جعل رمضان مِضماراً لخلقه ؛ يتسابقون فيه بطاعته ، فسبق قوم ففازوا ، وتخلف آخرون فخابوا . فالعجب من اللاعب الضاحك في اليوم الذي يفوز فيه المحسنون و يخسر المبطلون.
أيها المسلمون .. لكل شيء علامة .. وإن من علامات قبول العمل الصالح المواصلةَ فيه، والاستمرارَ عليه.. وأن يكون حالُ العبد بعد العمل خيراً منه قبل العمل ، فاحكم أنت على صيامك.. هل هو مقبولٌ أم مردود؟
ولئن انقضى رمضان ، فإن عمل المؤمن لا ينقضي حتى الموت، كما قال الله تعالى ( وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ ) أي الموت .
ها هو سيد العابدين وإمام المتقين صلى الله عليه وسلم ، كان كما تقول عائشة رضي الله عنها: (إِذَا صَلَّى صَلَاةً أَحَبَّ أَنْ يُدَاوِمَ عَلَيْهَا ، وَكَانَ إِذَا غَلَبَهُ نَوْمٌ أَوْ وَجَعٌ عَنْ قِيَامِ اللَّيْلِ صَلَّى مِنْ النَّهَارِ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً ).
وكان يقول كما في حديث عائشة المتفق عليه:( سَدِّدُوا وَقَارِبُوا ، وَاعْلَمُوا أَنْ لَنْ يُدْخِلَ أَحَدَكُمْ عَمَلُهُ الْجَنَّةَ ، وَأَنَّ أَحَبَّ الْأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ أَدْوَمُهَا وَإِنْ قَلَّ )
وانظروا إلى الصحابة رضي الله عنهم كيف تلقوا هذا الهدي النبوي ، وداوموا عليه ، وطبقوه في شؤون حياتهم.
فهذه أمُّنا عائشة رضي الله عنها تصلي الضحى ثماني ركعات ثم تقول: " لو نُشر لي أبواي ما تركتها.
وقال النبي عليه الصلاة والسلام لبلال عند صلاة الفجر: " يا بلال حدثني بأرجى عمل عملته في الإسلام فإني سمعت دف نعليك بين يدي في الجنة" قال: " ما عملت عملاً أرجى عندي أني لم أتطهر طُهُوراً في ساعة من ليل أو نهار إلا صليت بذلك الطهور ما كتب لي أن أصلي "
وهذا علي رضي الله عنه لم يترك عملاً صالحاً أرشده إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم في ليلة يستقبل صباحها حرباً وقتالاً؛ وذلك أن علياً وفاطمة سألا النبي صلى الله عليه وسلم خادماً فقال: " ألا أعلمكما خيراً مما سألتما؟ إذا أخذتما مضاجعكما، أن تكبرا الله أربعاً وثلاثين، وتسبحاه ثلاث وثلاثين، وتحمداه ثلاثاً وثلاثين فهو خير لكما من خادم " قال علي: " ما تركته منذ سمعته من النبي صلى الله عليه وسلم، قيل له: ولا ليلة صفين؟ قال: ولا ليلة صفين.
ومن عجائب الأخبار في هذا الجانب ما خرّجه مسلم في صحيحه عن أم حبيبة تقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " من صلى اثنتي عشرة ركعة في يوم وليلة بُني له بهنَّ بيت في الجنة" قالت أم حبيبة: فما تركتهن منذ سمعتهن من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال عنبسة: فما تركتهن منذ سمعتهن من أم حبيبة، وقال عمرو بن أوس: ما تركتهن منذ سمعتهن من عنبسة، وقال النعمان بن سالم: ما تركتهن منذ سمعتهن من عمرو بن أوس.
فانظروا كيف أن كل واحد من هؤلاء السلف رحمهم الله تعالى بادر بالامتثال، وحافظ على السنن الرواتب، واستمر على ذلك، ولم يتركها منذ أن بلغه فضلها، وأخبارهم في ذلك كثيرة.
وتمضي السنون .. ولا يزال في الأمة در مكنون .. فها هو السلطان العثماني محمد الفاتح يفتح القسطنطينية في يوم أعز الله فيه الإسلام وأهله . وقد روي أنهم أرادوا أن يصلوا ركعتين لله شكرا على هذا الفتح المبين ، فأمر الخليفة محمد الفاتح أن لا يؤم الناسَ الا رجلٌ ما فاتته صلاُة الفجر في جماعة منذ أن عقل .
بحثوا في الجيش ، فلم يجدوا أحداً ينطبق عليه الشرط ، لا من القضاةِ، ولا الوزراءِ ولا القادةِ ، ولا بقيةِ الجيش . فتقدم السلطان محمد الفاتح فصلى بهم صلاة الشكر ، ثم قال بعد الصلاة: أما وجدتم من فيه هذا الشرط من المسلمين؟ قالوا:لا ، فقال: والله لولا خوفي أن لا تقام الصلاة في يوم أعز الله فيه الإسلامَ وأهلَه لما أخبرتكم ، فقد أحببت أن أُبقي هذا سراً بيني وبين خالقي ، ووالله ما فاتتني صلاة الفجرِ في جماعة منذ أن عقلت .
الله أكبر .. هكذا والله تعلو الهمم ، وتنتصر الأمم .. وإذا خضع سلطان الأرض ، نصر جبار السماوات والأرض .
وتمضي السنون .. ولا يزال في الأمة در مكنون .. لنقف على صفحات مضيئة من حياة العلماء العاملين ، ومنهم إمام هذا العصر شيخنا الشيخ عبد العزيز بن باز طيب الله ثراه ، وجعل جنة الفردوس مثواه، فقد ضربت مآثره أصقاع الدنيا بعلمه وعبادته وزهده وتواضعه ، حتى كانت آخرُ ليلة في حياته ، وهو طريح الفراش ، يصارع المرض الشديد ، ومع هذا كلِّه ، لم يكن ليترك قيامَ الليل ومناجاتِه مولاه ، فيدخل عليه ابنه أحمد بعد الساعة الواحدة ليلاً قبيل وفاته فإذا هو يقوم الليل على عادته رحمه الله .
عباد الله .. ما أسرع ما تمضي بنا الأيام والسنين .. وإن في سرعة انقضائها لعبرةً للمؤمنين .
رمضان .. بالأمس القريب استقبلناه ، وما أسرع ما ودعناه .. صفحات الأيام تطوى .. وساعات العمر تنقضي .. فعلى العاقل اللبيب أن يتفكرَ في حاله ومآله ، ويبادرَ بالتوبة والإنابة قبل أن يغلق باب الإجابة .. فالدنيا ظل زائل ، وأيام قلائل ، وإن المؤمن لا يهدَأ قلبُه ، ولا يسكُن بالُه ، حتى يضعَ قدمه في الجنة .
أعاننا الله وإياكم على الطاعات، وختم أعمارنا بالباقيات الصالحات ، وجمعنا في أعالي الجنات ، إنه جواد كريم ، والحمد لله رب العالمين .
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
معاشر المؤمنين ... لئن كنا ودعنا موسماً عظيماً من مواسم الطاعة والعبادة ، فإن الله تعالى شرع لنا من النوافل والقربات ما تهنأ به نفوسنا ، وتقر به عيوننا ، ويزيد في أجورنا وقربنا من ربنا . كصيام الست من شوال ، وقيام الليل وصلاة الوتر ، والمداومة على السنن الرواتب قبل الصلاة وبعدها ، وقراءة القرآن الكريم ، والمحافظة على الأوراد والأذكار .
ففي حديث أبي أيوبَ الأنصاري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( من صام رمضان ثم أتبعه ستاً من شوال كان كصيام الدهر ).
فصيام الست من شوال سنّة مستحبّة ، وفضله أنه يكمّل أجر صيام سنة كاملة ، والحكمة من صيام الست: أنها ترقع ما شاب الصيام من نقص أو تقصير أو ذنب ، كما أن في صيامها شكراً لله على توفيقه لصيام رمضان ، وزيادةً في الخير ، ودليلاً على حب الله وطاعته، وعلامةً على قبول صوم رمضان، فإن الله تعالى إذا تقبل عمل عبد وفقه لعمل صالح بعده، كما قال بعضهم: ثواب الحسنة الحسنة بعدها .
فيصوم المسلم متتالية أو متفرقة في شهر شوال حَسَب ما يتيسر له ، والأمر في ذلك واسع . لكن المبادرة أفضل؛ لما فيها من استباق الخيرات وعدم الوقوع في التسويف وعوارض الحياة .
واعلموا عباد الله أن من كان عليه قضاء من رمضان فعليه أن يصومه أولاً القضاء ثم يصومَ الست من شوال.
عباد الله .. اتقوا الله تعالى، وقدموا لأنفسكم ، وداوموا على طاعة ربكم ، وصلوا وسلموا رحمكم الله على خير البرية وأزكى البشرية فقد أمركم الله بذلك فقال ( إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً ).
إخوة الإيمان والعقيدة ... فلقد دار الدهر دوره.. ومحا الزمان أثره.. وإذا برمضانَ الكريم يفارقنا فراقَ الحبيب لحبيبه .. وما أشد فراق الأحبة .
نعم .. انقضى رمضان، وتصرمت أيامه ولياليه، واللهُ يعلم كم من صحائفَ بُيضت ! وكم من حسناتٍ كُتبت ! وكم من ذنوب غُفرت ! وكم من رقابٍ أُعتقت !
انقضى رمضان .. وخَفيت أنواره .. وبَليت أستاره.. وأفل نجمه بعد أن سطع .. وأظلم ليله بعد أن لمع.. فتفجرت المدامع .. وأظلمت المساجد والجوامع. وإن القلب ليحزن، وإن العين لتدمع، وإنا على فراقك يا رمضان لمحزونون .
ماذا بقي في قلوبنا من أثر هذا الشهر العظيم؟ما أحوالنا بعد رمضان؟ من كان يعبد رمضان فإن رمضان قد مات ، ومن كان يعبد الله فان الله حي لا يموت .
وا أسفاه على قوم دخل رمضان و خرج رمضان ، وحالهم كحالهم ، لم يتغير منهم شيء ، ولم يتبدل فيهم أمر ، بل ربما زادت آثامهم ، وعظمت ذنوبهم ، واسودت صحائفهم ( ورَغِمَ أنف رجل دخل عليه رمضان ثم انسلخ قبل أن يغفر له ).
أولئك هم الخاسرون حقا . وليس أمامهم إلا التوبةُ إلى ربهم ، و تداركُ ما بقي من أعمارهم .
إن الله جعل رمضان مِضماراً لخلقه ؛ يتسابقون فيه بطاعته ، فسبق قوم ففازوا ، وتخلف آخرون فخابوا . فالعجب من اللاعب الضاحك في اليوم الذي يفوز فيه المحسنون و يخسر المبطلون.
أيها المسلمون .. لكل شيء علامة .. وإن من علامات قبول العمل الصالح المواصلةَ فيه، والاستمرارَ عليه.. وأن يكون حالُ العبد بعد العمل خيراً منه قبل العمل ، فاحكم أنت على صيامك.. هل هو مقبولٌ أم مردود؟
ولئن انقضى رمضان ، فإن عمل المؤمن لا ينقضي حتى الموت، كما قال الله تعالى ( وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ ) أي الموت .
ها هو سيد العابدين وإمام المتقين صلى الله عليه وسلم ، كان كما تقول عائشة رضي الله عنها: (إِذَا صَلَّى صَلَاةً أَحَبَّ أَنْ يُدَاوِمَ عَلَيْهَا ، وَكَانَ إِذَا غَلَبَهُ نَوْمٌ أَوْ وَجَعٌ عَنْ قِيَامِ اللَّيْلِ صَلَّى مِنْ النَّهَارِ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً ).
وكان يقول كما في حديث عائشة المتفق عليه:( سَدِّدُوا وَقَارِبُوا ، وَاعْلَمُوا أَنْ لَنْ يُدْخِلَ أَحَدَكُمْ عَمَلُهُ الْجَنَّةَ ، وَأَنَّ أَحَبَّ الْأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ أَدْوَمُهَا وَإِنْ قَلَّ )
وانظروا إلى الصحابة رضي الله عنهم كيف تلقوا هذا الهدي النبوي ، وداوموا عليه ، وطبقوه في شؤون حياتهم.
فهذه أمُّنا عائشة رضي الله عنها تصلي الضحى ثماني ركعات ثم تقول: " لو نُشر لي أبواي ما تركتها.
وقال النبي عليه الصلاة والسلام لبلال عند صلاة الفجر: " يا بلال حدثني بأرجى عمل عملته في الإسلام فإني سمعت دف نعليك بين يدي في الجنة" قال: " ما عملت عملاً أرجى عندي أني لم أتطهر طُهُوراً في ساعة من ليل أو نهار إلا صليت بذلك الطهور ما كتب لي أن أصلي "
وهذا علي رضي الله عنه لم يترك عملاً صالحاً أرشده إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم في ليلة يستقبل صباحها حرباً وقتالاً؛ وذلك أن علياً وفاطمة سألا النبي صلى الله عليه وسلم خادماً فقال: " ألا أعلمكما خيراً مما سألتما؟ إذا أخذتما مضاجعكما، أن تكبرا الله أربعاً وثلاثين، وتسبحاه ثلاث وثلاثين، وتحمداه ثلاثاً وثلاثين فهو خير لكما من خادم " قال علي: " ما تركته منذ سمعته من النبي صلى الله عليه وسلم، قيل له: ولا ليلة صفين؟ قال: ولا ليلة صفين.
ومن عجائب الأخبار في هذا الجانب ما خرّجه مسلم في صحيحه عن أم حبيبة تقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " من صلى اثنتي عشرة ركعة في يوم وليلة بُني له بهنَّ بيت في الجنة" قالت أم حبيبة: فما تركتهن منذ سمعتهن من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال عنبسة: فما تركتهن منذ سمعتهن من أم حبيبة، وقال عمرو بن أوس: ما تركتهن منذ سمعتهن من عنبسة، وقال النعمان بن سالم: ما تركتهن منذ سمعتهن من عمرو بن أوس.
فانظروا كيف أن كل واحد من هؤلاء السلف رحمهم الله تعالى بادر بالامتثال، وحافظ على السنن الرواتب، واستمر على ذلك، ولم يتركها منذ أن بلغه فضلها، وأخبارهم في ذلك كثيرة.
وتمضي السنون .. ولا يزال في الأمة در مكنون .. فها هو السلطان العثماني محمد الفاتح يفتح القسطنطينية في يوم أعز الله فيه الإسلام وأهله . وقد روي أنهم أرادوا أن يصلوا ركعتين لله شكرا على هذا الفتح المبين ، فأمر الخليفة محمد الفاتح أن لا يؤم الناسَ الا رجلٌ ما فاتته صلاُة الفجر في جماعة منذ أن عقل .
بحثوا في الجيش ، فلم يجدوا أحداً ينطبق عليه الشرط ، لا من القضاةِ، ولا الوزراءِ ولا القادةِ ، ولا بقيةِ الجيش . فتقدم السلطان محمد الفاتح فصلى بهم صلاة الشكر ، ثم قال بعد الصلاة: أما وجدتم من فيه هذا الشرط من المسلمين؟ قالوا:لا ، فقال: والله لولا خوفي أن لا تقام الصلاة في يوم أعز الله فيه الإسلامَ وأهلَه لما أخبرتكم ، فقد أحببت أن أُبقي هذا سراً بيني وبين خالقي ، ووالله ما فاتتني صلاة الفجرِ في جماعة منذ أن عقلت .
الله أكبر .. هكذا والله تعلو الهمم ، وتنتصر الأمم .. وإذا خضع سلطان الأرض ، نصر جبار السماوات والأرض .
وتمضي السنون .. ولا يزال في الأمة در مكنون .. لنقف على صفحات مضيئة من حياة العلماء العاملين ، ومنهم إمام هذا العصر شيخنا الشيخ عبد العزيز بن باز طيب الله ثراه ، وجعل جنة الفردوس مثواه، فقد ضربت مآثره أصقاع الدنيا بعلمه وعبادته وزهده وتواضعه ، حتى كانت آخرُ ليلة في حياته ، وهو طريح الفراش ، يصارع المرض الشديد ، ومع هذا كلِّه ، لم يكن ليترك قيامَ الليل ومناجاتِه مولاه ، فيدخل عليه ابنه أحمد بعد الساعة الواحدة ليلاً قبيل وفاته فإذا هو يقوم الليل على عادته رحمه الله .
عباد الله .. ما أسرع ما تمضي بنا الأيام والسنين .. وإن في سرعة انقضائها لعبرةً للمؤمنين .
رمضان .. بالأمس القريب استقبلناه ، وما أسرع ما ودعناه .. صفحات الأيام تطوى .. وساعات العمر تنقضي .. فعلى العاقل اللبيب أن يتفكرَ في حاله ومآله ، ويبادرَ بالتوبة والإنابة قبل أن يغلق باب الإجابة .. فالدنيا ظل زائل ، وأيام قلائل ، وإن المؤمن لا يهدَأ قلبُه ، ولا يسكُن بالُه ، حتى يضعَ قدمه في الجنة .
أعاننا الله وإياكم على الطاعات، وختم أعمارنا بالباقيات الصالحات ، وجمعنا في أعالي الجنات ، إنه جواد كريم ، والحمد لله رب العالمين .
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
معاشر المؤمنين ... لئن كنا ودعنا موسماً عظيماً من مواسم الطاعة والعبادة ، فإن الله تعالى شرع لنا من النوافل والقربات ما تهنأ به نفوسنا ، وتقر به عيوننا ، ويزيد في أجورنا وقربنا من ربنا . كصيام الست من شوال ، وقيام الليل وصلاة الوتر ، والمداومة على السنن الرواتب قبل الصلاة وبعدها ، وقراءة القرآن الكريم ، والمحافظة على الأوراد والأذكار .
ففي حديث أبي أيوبَ الأنصاري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( من صام رمضان ثم أتبعه ستاً من شوال كان كصيام الدهر ).
فصيام الست من شوال سنّة مستحبّة ، وفضله أنه يكمّل أجر صيام سنة كاملة ، والحكمة من صيام الست: أنها ترقع ما شاب الصيام من نقص أو تقصير أو ذنب ، كما أن في صيامها شكراً لله على توفيقه لصيام رمضان ، وزيادةً في الخير ، ودليلاً على حب الله وطاعته، وعلامةً على قبول صوم رمضان، فإن الله تعالى إذا تقبل عمل عبد وفقه لعمل صالح بعده، كما قال بعضهم: ثواب الحسنة الحسنة بعدها .
فيصوم المسلم متتالية أو متفرقة في شهر شوال حَسَب ما يتيسر له ، والأمر في ذلك واسع . لكن المبادرة أفضل؛ لما فيها من استباق الخيرات وعدم الوقوع في التسويف وعوارض الحياة .
واعلموا عباد الله أن من كان عليه قضاء من رمضان فعليه أن يصومه أولاً القضاء ثم يصومَ الست من شوال.
عباد الله .. اتقوا الله تعالى، وقدموا لأنفسكم ، وداوموا على طاعة ربكم ، وصلوا وسلموا رحمكم الله على خير البرية وأزكى البشرية فقد أمركم الله بذلك فقال ( إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً ).