وَاصبِروا إِنَّ اللَّـهَ مَعَ الصّابِرينَ

محمد البدر
1443/05/26 - 2021/12/30 08:29AM

الْخُطْبَةِ الأُولَى:

إنَّ الحَمْدَ لله، نَحْمَدُه، ونستعينُه، ونستغفرُهُ، ونعوذُ به مِن شُرُورِ أنفُسِنَا، وَمِنْ سيئاتِ أعْمَالِنا، مَنْ يَهْدِه الله فَلا مُضِلَّ لَهُ، ومن يُضْلِلْ، فَلا هَادِي لَهُ.

وأَشْهَدُ أنْ لا إلَهَ إلا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وأشهدُ أنَّ مُحَمَّدًا عبْدُه ورَسُولُه.

﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾. [آل عمران:102].

﴿يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾[النساء: 1].

﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلا سَدِيدًا (70)يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾[الأحزاب:70، 71].

عِبَادَ اللَّهِ:قَالَ تَعَالَى:﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾.وَقَالَ تَعَالَى:﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾.وَقَالَﷺ:«مَا يُصِيبُ المُسْلِمَ مِنْ نَصَبٍ، وَلاَ وَصَبٍ، وَلاَ هَمِّ، وَلاَ حُزْنٍ، وَلاَ أَذًى، وَلاَ غَمِّ، حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا؛ إِلاَّ كَفَّرَ الله بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ»مُتّفَقٌ عَلَيْهِ.الصبر من أعظم العبادات التي يقوم بها المؤمن بقضاء الله، فإنّ أجره عند الله عظيم، وقديمًاقيل:إن الصبر مفتاح الفرج.قَالَ تَعَالَى:﴿وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾.قال الشافعي في هذه السورة: لوما أنزل الله على خلقه حجة إلا هذه السورة لكفتهم.فالمسلم إذا صبر واحتسب كانت العاقبة له ويستحق الجزاء الأوفى، في الدنيا والآخرةقَالَﷺ:« مَا يَكُونُ عِنْدِي مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ أَدَّخِرَهُ عَنْكُم، وَمَنْ يَسْتَعْفِفْ يُعِفَّهُ اللهُ، وَمَنْ يَسْتَغْنِ يُغْنِهِ اللهُ،وَمَنْ يَتَصَبَّرْ يُصَبِّرْهُ اللهُ، وَمَا أُعْطِيَ أَحَدٌ عَطَاءً خَيْرًا وَأَوْسَعَ مِنَ الصَّبْرِ»مُتّفَقٌ عَلَيْهِ.وينال المسلم عند تخلّقه بالصبر الأجر العظيم، قَالَ تَعَالَى:﴿إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾.كذلك ينال المسلم الصابر محبة الله قَالَ تَعَالَى:﴿وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ﴾.وبالصبر تتحقق معية الله للعبد؛ قَالَ تَعَالَى:﴿وَاصبِروا إِنَّ اللَّـهَ مَعَ الصّابِرينَ﴾. وبِالصَّبْرِ تَنَالُ الْإِمَامَةَ فِي الدِّينِ قَالَ تَعَالَى:﴿وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآياتِنَا يُوقِنُونَ﴾.

عِبَادَ اللَّهِ: والصبر ثلاثة أنواع ؛صبر على أقدار الله المؤلمة وصبر على طاعة الله وصبر عن معصية الله،فالصبر على قضاء الله وقدره أي أن يصبر المسلم على ما يصيبه من قضاء الله وقدره مما هو خارج عن إرادته قَالَ تَعَالَى:﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الأَمْوَالِ وَالأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155)الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ﴾.والتوكل على الله واحتساب الأجر يعدّان من الصبر أيضاً، كما أنّ الرضا بقضاء الله وقدره مطلوب من العبد؛ فيسلّم ويفوّض الأمر لله ولا يتسخط أو يشكو من قضاء الله وقدره.والرضا بالقضاء والقدر مرتبةٌ أعلى من الصبر على البلاء، ويصل العبد إلى هذه الدرجة حين يعلم أنّ ما أصابه من تقديرٌ الله فيسلّم أمره له ويرضى بقضائه؛ فينعم في عيشه وتطمئن نفسه، أمّا الصبر على البلاء فهو دليلٌ على إيمان المؤمن، ومظهر من مظاهر الرضا بقضاء الله وقدره.

وأما الصبر عن معصية الله أي أن يمسك المسلم نفسه عن فعلها، ويذكّر نفسه دائماً بتقوى الله وباليوم الآخر، ويجاهد نفسه لمنعها عن حبّ المعصية أو التعلّق بها، ويدرب نفسه على كراهة وبغض ما يكره الله من الأفعال والأقوال.وأماالصبر على طاعة الله فهو من أعظم أبواب الصبر، وهو عملٌ يستلزم صدق العبد مع الله والصدق مع نفسه أيضاً ومجاهدتها على فعل الطاعة، قَالَ تَعَالَى:﴿وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا﴾.وللصبر على طاعة الله أقسام ثلاثة؛ أولها أن يكون العبد مقبلاً عليها مستعدّاً لها، وثانيها أن يؤدّيها كما أمر الله ويكون قلبه حاضراً وخاشعاً فيها، وثالثها أن يتمّها دون أن يلحق بها ما يبطلها من الرياء وطلب السمعة والمنّ والأذى وغيرها من مبطلات العمل.قَالَ تَعَالَى:﴿وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى﴾.ومن أمثلة الصبر على طاعة الله الصلاة والصيام والجهاد والحج وما إلى ذلك من الطاعات، قَالَ تَعَالَى:﴿وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾.

أَقُولُ قَوْلِي هَذَا..


 

الْخُطْبَةِ الثَّانِيَةِ:

الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِه ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِه ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ تَعْظِيمَاً لِشَأْنِه ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الدَّاعِي إِلَى رِضْوَانِهِ , صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمَاً كَثِيرَاً .

عِبَادَ اللهِ:ومن النماذج الفريدة في كتاب الله عن الصابرين على الابتلاءات وفي قصة أيوب عليه السلام صبر واحتساب فقد أصابه ضرٌ في البدن ، قَالَ تَعَالَى:﴿إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِراً نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ﴾. وهذا يعقوب عليه السلام أُمتحن بفراق أحب أبنائه إليه ،فمن شدة الحزن والبكاء أصيب بالعمى ، ومع ذلك يقول﴿فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ﴾.وهذا يوسف عليه السلام ،قضى مراحل حياته لا يخرج من ضائقة إلا ويدخل في أخرى ، فقد تآمر عليه أخوته ورموا به في البئر، ليؤخذ رقيقا ويباع﴿وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ﴾.وهذه نبينا محمدﷺأوذي في دينه وجسده ، وأدميت عقباه ، وكسرت رباعيته، ووضع سلا الجزور على ظهره ، وهو ساجد في ظل الكعبة ،وأُخرج من بلده وهي أحب البقاع إليه ، فكان صابراً محتسباً ، كذلك أوذي أصحابه من بعده ،وأوذي الأئمة والعلماء ،والقادة والعظماء ، وسُجن الإمام أحمد بن حنبل وجُلد أبو حنيفة ،وضرب مالك، وحبس شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ، فلم يكن لديهم الا الصبر والثبات،فاصبرو يا عِبَادَ اللهِ:قَالَ تَعَالَى:﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الأمْوَالِ وَالأنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ ﴾.

عِبَادَ اللهِ:إِنَّ اللهَ تَعَالَى قَدْ أَمَرَنَا بِأَمْرٍ بَدَأَ فِيهِ بِنَفْسِهِ فَقَالَ سُبْحَانَهُ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيد، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيد.وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن صحابته أجمعين، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين. واحفظ اللّهمّ ولاةَ أمورنا، وأيِّد بالحق إمامنا ووليّ أمرنا، اللّهمّ وهيّئ له البِطانة الصالحة التي تدلُّه على الخير وتعينُه عليه، واصرِف عنه بطانةَ السوء يا ربَّ العالمين، واللهم وفق جميع ولاة أمر المسلمين لما فيه صلاح الإسلام والمسلمين يا ذا الجلال والإكرام.اللّهمّ واصرف عن بلادنا جائحة كورونا وعن سائرجبلاد المسلمين.عِبَادَ اللَّهِ:اذكروا الله يذكركم ، واشكروه على نعمه يزدكم ﴿وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ﴾.

المرفقات

1640898418_وَاصبِروا إِنَّ اللَّـهَ مَعَ الصّابِرينَ.pdf

المشاهدات 15504 | التعليقات 0