🌟(واسجد واقترب)🌟

تركي بن عبدالله الميمان
1446/04/13 - 2024/10/16 12:33PM

واسجد واقترب🌟

الخُطْبَةُ الأُوْلَى

إِنَّ الحَمْدَ للهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ ونَتُوبُ إِلَيه، مَنْ يَهْدِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.

أَمَّا بَعْد: فَأُوْصِيْكُمْ ونَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ U: فَهِيَ المَخْرَجُ مِنَالهُمُومِ والغُمُومِ، ومِفْتَاحُ الأَرْزَاقِ والعُلُوم؛ ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ﴾.

أَيُّهَا المسلمون: إِنَّهَا عِبَادَةٌ جَلِيْلَةٌ، وبَوَّابَةٌ كَبِيرَةٌ: يَدْخُلُ مِنْهَاالعَبْدُ إلى رَبِّه، ويَسْعَدُ بِمُنَاجَاتِهِ وقُرْبِه؛ إِنَّهَا عِبَادَةُالسُّجُودِ للهِ U؛ يقولُ تعالى لِنَبِيِّهِ ﷺ: ﴿وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ﴾.

ومِنْ فَضَائِلِ السُّجُودِ للهِ: أَنَّهُ عَلَامَةٌ على التَّوْحِيدِ والإِيْمَانِ، ونَجَاةٌ مِنَ الخُلُودِ في النِيْرَان! قال ﷺ: (إِذَا فَرَغَ اللهُ مِنَ القَضَاءِ بَيْنَ العِبَادِ، وَأَرَادَ أَنْ يُخْرِجَ بِرَحْمَتِهِ مَنْ أَرَادَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ: أَمَرَ المَلاَئِكَةَ أَنْ يُخْرِجُوا مِنَ النَّارِ، مَنْ كَانَ لاَ يُشْرِكُ بِاللهِ شَيْئًا، مِمَّنْ أَرَادَ اللهُ أَنْ يَرْحَمَهُ، مِمَّنْ يَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلَّا الله، فَيَعْرِفُونَهُمْ فِي النَّارِ بِأَثَرِ السُّجُودِ، تَأْكُلُ النَّارُ ابْنَ آدَمَ إِلَّا أَثَرَ السُّجُودِ).

ومِنْ فَضَائِلِ السُّجُودِ: أَنَّهُ يُؤَثِّرُ في وَجْهِ صَاحِبِهِ: حَتَّى يَسْتَنِيرَ بِنُورِ الإِيمان، وتَغْشَاهُ السَّكِيْنَةُ والوَقَارُ، قال تعالى: ﴿سِيمَاهُمْ فِي وُجُوْهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ﴾.

قال السِّعْدِي: (لَـمَّا اسْتَنَارَتْ بِالصَّلَاةِ بَوَاطِنُهُمْ:اسْتَنَارَتْ بِالجَلَالِ ظَوَاهِرُهُمْ!).

ويَظْهَرُ أَثَرُ السُّجُودِ في الآخِرَة! قال U: ﴿سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ﴾. قال بعضُ المُفَسِّرِين: (نُورٌ وَبَيَاضٌ في وُجُوهِهِم يَوْمَ القِيَامَةِ، يُعْرَفُونَ بِهِ أَنَّهُمْ سَجَدُوا فِي الدُّنْيَا، وتَكُونُ مَوَاضِعُ السُّجُودِ مِنْ وُجُوهِهِمْ: كَالقَمَرِ لَيلَةَ البَدر!).سُئِلَ ﷺ: (يَا رَسُولَ الله، وَكَيْفَ تَعْرِفُ أُمَّتَكَ مِنْ بَيْنِ الْأُمَمِ؟!)؛فقال: (أَعْرِفُهُمْ بِسِيْمَاهُمْ في وُجُوهِهِم مِنْ أَثَرِ السُّجُود).

وكَثْرَةُ السَّجَدَات: رِفْعَةٌ لِلْدَّرَجَات! قال ﷺ: (مَا مِنْ عَبْدٍ يَسْجُدُ لِله سَجْدَةً، إِلَّا رَفَعَهُ اللهُ بِهَا دَرَجَةً، وَحَطَّ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةً، وَكَتَبَ لَهُ بِهَا حَسَنَةً).

وَمَنْ أَعْطَى السُّجُودَ حَقَّه: أَحَسَّ بِأَثْقَالٍ وُضِعَتْ عَنْه؛ فوَجَدَ خِفَّةً وَنَشَاطًا وَرَاحَة! قال ﷺ: (إِنَّ العَبْدَ إِذَا قَامَ يُصَلِّي، أُتِيَ بِذُنُوبِهِ فَجُعِلَتْ على رَأْسِهِ وعَاتِقَيْهِ، كُلَّمَا رَكَعَ وسَجَدَ: تسَاقَطَتْ عَنْهُ!).

والسُّجُودُ عِبَادَةٌ عظيمة: اجْتَمَعَتْ عليها كلُّ الكائنات؛ حَتَّى إِنَّ الظِّلَ يَسْجُدُ لله!

قال U: ﴿وَلِله يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًاوَظِلالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ﴾. قال السِّعْدي: (﴿طَوْعًا وَكَرْهًا﴾فالطَّوْعُ: لِمَنْ يأتي بالسُّجُودِ والخُضُوعِ اخْتِيَارًا:كالمؤمنين، والكَرْهُ: لِمَنْ يَسْتَكْبِرُ عَنْ عِبَادَةِ رَبِّهِ، وفِطْرَتُهُ تُكَذِّبُهُ في ذلك! ﴿وَظِلالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ﴾: أَيْويَسْجُدُ لَهُ ظِلَالُ المَخْلُوقَاتِ: أَوَّلَ النَّهَارِ وَآخِرَهُ).

وإذا اشْتَدَّتْ بِكَ الأَزَمَاتُ، وحَاصَرَتْكَ المُشْكِلَاتُ؛ فإنَّ السُّجُودَيَفْتَحُ لَكَ بَابَ الفَرَج، ويَكْشِفُ عَنكَ الضِّيْقَ والحَرَج؛ فَهُوَسَبَبٌ لِتَفْرِيجِ الكُرُبَات، وإِجَابَةِ الدَّعَوات! قال ﷺ: (أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ؛ فَأَكْثِرُوا الدُّعَاءَ).

وبَيْنَما النَّاسُ في أَرْضِ المَحْشَرِ، وَقَدْ دَنَتْ مِنْهُمُ الشَّمْسُ، وَأَصَابَهُمْمِنَ الكَرْبِ ما لا يُطِيقُونَ= بَحَثُوا عَمَّنْ يَشْفَعُ لَهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ؛كَي يُفَرِّجَ عَنْهُمْ مَا هُمْ فيهِ مِنَ البَلَاءِ، حَتَّى إِذَا أَتَوا إلى النبيِّ ﷺ؛ فَيَشْفَعُ لَهُمْ في فَصْلِ القَضَاءِ، وَيَسْتَأْذِنُ على رَبِّهِ، وَيَخِرُّ لَهُ سَاجِدًا؛ فيُقالُ لَهُ: (يَا مُحَمَّدُ، ارْفَعْ رَأْسَكَ، وَقُلْ يُسْمَعْ لَكَ، وَسَلْ تُعْطَهْ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ).

وكُلَّمَا تَجَدَّدَتْ لَكَ نِعْمَةٌ، فَقَابِلْهَا بِالسُّجُودِ: شُكْرًا وخُضُوعًا للهِ،فَقَدْ (كَانَ ﷺ إذَا جَاءَهُ أَمْرُ سُرُورٍ، أَوْ بُشِّرَ بِهِ؛ خَرَّ سَاجِدًا،شَاكِرًا لِله).

ومَنْ سَجَدَ وقَامَ للهِ طَوِيْلاً؛ خَفَّفَ اللهُ عَنهُ طُولَ المُقَامِ في الآخِرَة!قال ﷻ: ﴿وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلًا طَوِيلًا إِنَّ هَؤُلَاءِ يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَاءَهُمْ يَوْمًا ثَقِيلًا﴾.

والسُّجُودُ للهِ: هُوَ لَذَّةُ الصالحين، وأَنِيْسُ المُتَّقِين، يَنْقُلُهُم مِنْ ضِيْقِالأَرْضِ، إلى سَعَةِ السَّمَاء! وإِطَالَةُ السُّجُودِ: تَدُلُّ عَلَى كَمَالِ المَسْكَنَةِ، المُوجِبَةِ لِلْقُرْبِ إلى اللهِ، وهِيَ فُرصَةٌ لِبَثِّ الهُمُومِ والأَحْزَانِ، والشَّكْوَى إلى الرَّحْمَن! وقَدْ وَصَفَتْ عائشةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قيامَ النبيِّ ﷺ فقالت: (فَيَسْجُدُ السَّجْدَةَ مِنْ ذَلِكَ، قَدْرَ مَا يَقْرَأُ أَحَدُكُمْ خَمْسِينَ آيَةً، قَبْلَ أَنْ يَرْفَعَ رَأْسَهُ!).

والسُّجُودُ للهِ: أَشْرَفُ حَالاتِ العَبد، وفِيهِ إِظْهَارٌ لِلاِفْتِقَارِوالاِنْكِسَارِ، للهِ الوَاحِدِ القَهَّارِ؛ فَإِنَّ السُّجُودَ كَاسِرٌ لِلْنَّفْسِ، ومُذِلٌّلَهَا، وأَيُّ نَفْسٍ انْكَسَرَتْ وذَلَّتْ: اسْتَحَقَّتِ الرَّحْمَة! قال ابنُ القَيِّم: (السُّجُودُ هُوَ سِرُّ الْعُبُودِيَّةِ، والسَّاجِدُ أَذَلُّ مَا يَكُونُ لِرَبِّهِ، فَيُلْقِي نَفْسَهُ طَرِيحًا بِبَابِهِ، يُمَرِّغُ خَدَّهُ في ثَرَى أَعْتَابِهِ! فَلِهَذَا كَانَ أَقْرَبَ مَا يَكُونُ مِنْ رَبِّهِ فِي هَذِهِ الحَالَةِ).

والسُّجُودُ للهِ: هُوَ العَلَامَةُ الفَارِقَةُ، بينَ المؤمنينَ والمنافقين في الآخِرَة؛ قال ﷺ: (يكْشِفُ رَبُّنَا عَنْ سَاقِهِ، فَيَسْجُدُ لَهُ كُلُّ مُؤْمِنٍ وَمُؤْمِنَةٍ، فَيَبْقَى كُلُّ مَنْ كَانَ يَسْجُدُ في الدُّنْيَا رِيَاءً وَسُمْعَةً، فَيَذْهَبُ لِيَسْجُدَ، فَيَعُودُ ظَهْرُهُ طَبَقًا وَاحِدًا!).

قال تعالى: ﴿يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إلى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ﴾.

أَقُوْلُ قَوْلِي هَذَا، وَأسْتَغْفِرُ اللهَ لِيْ وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ؛ فَاسْتَغْفِرُوْهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيم

الخُطْبَةُ الثَّانِيَة

الحَمْدُ للهِ على إِحْسَانِه، والشُّكْرُ لَهُ على تَوْفِيْقِهِ وَامْتِنَانِه، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا الله، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبدُهُ وَرَسُولُه.

عِبَادَ الله: مَنْ أَرادَ القُربَ مِنَ اللهِ ورَسُوْلِهِ ﷺ؛ فَلْيَسْتَكْثِرْ مِنَالسُّجُودِ؛ فَعَنْ رَبِيْعَةَ الأَسْلَمِيِّ t أَنَّهُ قالَ لِلْنَّبِيِّ ﷺ: (أَسْأَلُكَ مُرَافَقَتَكَ في الجَنَّةِ) قال: (أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ؟) قلت: (هُوَ ذَاكَ) قال:(فَأَعِنِّي على نَفْسِكَ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ).

قال الشوكاني: (فِيهِ دَلِيلٌ على أنَّ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَكُونُ مَعَ الأَنبِيَاءِ فِي الجَنَّةِ، وأَنَّ السُّجُودَ مِنْ أَعْظَمِ القُرَبِ الَّتِي يَكُونُ بِسَبَبِهَا ارْتِفَاعُ الدَّرَجَاتِ عِنْدَ اللهِ إلى حَدٍّ لَا يُنَالُهُ إلَّا المُقَرَّبُونَ). وفي قوله: ("أَعَنِّي على نَفْسِكَ بِكَثْرَةِالسُّجُودِ": إِشَارَةٌ إلى أنَّ الجَنَّةَ لا تَحْصُلُ إِلَّا بِقَهْرِنَفْسِكَ -الَّتِي هِيَ أَعْدَى عَدُوِّكَ- وأَنَّ إِصْلَاحَهَا يَكُونُبِالصَّلَاةِ).

فَهَنِيْئًا لِمَنِ اغْتَنَمَ صِحَّتَهُ وشَبَابَهُ: بِكَثْرَةِ السُّجُودِ، قَبْلَ أَنْ يَحْبِسَهُ مَرَضٌ أو كِبَرُ! يقولُ يوسُفُ بنُ أَسْبَاط: (يا مَعْشَرَ الشَّبَاب؛ بَادِرُوا بالصِحَّةِ قَبْلَ المَرَض؛ فَمَا بَقِيَ أَحَدٌ أَحْسُدُهُ: إِلَّا رَجُلٌ يُتِمٌّ رُكُوْعَهُ وَسُجُوْدَه، وَقَدْحِيْلَ بَيْنِي وَبَيْنَ ذَلِك!).

******

* اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلامَ والمُسْلِمِينَ، وأَذِلَّ الشِّرْكَ والمُشْرِكِيْن، وارْضَ اللَّهُمَّعَنِ الخُلَفَاءِ الرَّاشِدِيْن، الأَئِمَّةِ المَهْدِيِّين: أَبِي بَكْرٍ، وعُمَرَ، وعُثمانَ، وعَلِيّ؛ وعَنْ بَقِيَّةِ الصَّحَابَةِ والتابعِين، ومَنْ تَبِعَهُمْبِإِحْسَانٍ إلى يومِ الدِّين.

* اللَّهُمَّ فَرِّجْ هَمَّ المَهْمُوْمِيْنَ، وَنَفِّسْ كَرْبَ المَكْرُوْبِين، واقْضِ الدَّيْنَ عن المَدِيْنِين.

* اللَّهُمَّ آمِنَّا في أَوْطَانِنَا، وأَصْلِحْ أَئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُوْرِنَا، وَوَفِّقْ (وَلِيَّ أَمْرِنَا وَوَلِيَّ عَهْدِهِ) لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى، وَخُذْ بِنَاصِيَتِهِمَا لِلْبِرِّ والتَّقْوَى.

* عِبَادَ الله: ﴿إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالعَدْلِ وَالإحْسَانِ وَإِيتَآءِ ذِي القُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الفَحْشَاءِ وَالمُنْكَرِ وَالبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾.

* فَاذْكُرُوا اللهَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشْكُرُوْهُ على نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ ﴿وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ﴾.

 

قناة الخُطَب الوَجِيْزَة

https://t.me/alkhutab
 
 

المرفقات

1729071151_‏‏‏‏واسجد واقترب (نسخة مختصرة).pdf

1729071151_‎⁨واسجد واقترب⁩.pdf

1729071151_‏‏واسجد واقترب (نسخة للطباعة).pdf

1729071151_‏‏واسجد واقترب (نسخة للطباعة).docx

1729071152_‏‏‏‏واسجد واقترب (نسخة مختصرة).docx

1729071152_واسجد واقترب.docx

المشاهدات 834 | التعليقات 1

جزاك الله خيرا