واخفض جناحك للمؤمنين . د.العبيد معاذ الشيخ (رحمه الله )
Aloped Aloped
خطبة مسجد الإبرار د.العبيد معاذ الشيخ (رحمه الله ) . الرجاء الدعاء له بالرحمة والمغفرة .
الخطبة الأولى .
واخفض جناحك للمؤمنين
الحمد لله رب العالمين، أمر بالتواضع ورفع منزلة المتواضعين ، وجعل مكانتهم في عليين ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبدالله ورسوله ،إمام المتواضعين، المبعوث رحمة للعالمين صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه، وعلى كل من اهتدي بهديه ، واستن بسنته إلي يوم الدين.
أما بعد ، فيا عباد الله :
إن التواضع وخفض الجناح للمؤمنين من أخلاق الأنبياء والمرسلين عليهم السلام، ومن صفات عباد الله المتقين ،فالتواضع يزيد الشريف شرفاً ، ويرفع للوضيع ذكراً وقدراً، وما أدرك الناس المنازل العالية والأخلاق الجميلة إلا بالا نقياد للحق وتعظيم حقوق الخلق ،فكم حصل للمواضيــع من مودة وضفاء ، وكم تم له من محبة وثناء وماتواضع أحد لله إلا رفعه الله ،ولذا أمر الله تعالى به نبيه صلي الله عليه وسلم والخطاب عام له ولأمته -فقال :(واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين ) وامتدح الله تعالي عباد الرحمن ، وجعل أولى صفاتهم التواضع فقال :(وعباد الرحمن الذين يمشون علي الارض هوناً) وذكر الله تعالى بعض أنبيائه بتواضعهم ،فموسي عليه السلام سقي لا مرأتين أبوهما شيخ كبير ، وداؤد عليه السلام كان يأكل من عمل يده ،وجاء في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن الله أوحي إلي أن تواضعوا؛حتي لا يفخر أحد علي أحد ،ولا يبغي أحد علي أحد" وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " مازاد الله عبداً بعفو إلا عزاً ، وماتواضع أحد لله إلا رفعه الله ".
عباد الله :
إن للتواضع بواعث تدعو إليه ، وأعظم باعث علي التواضع أن تعرف عظمة الله تعالى -أيها الإنسان - وتدرك عجزك وقصورك ، وأنك فقير إلي ربك ، وأن الله جل وعلا هو الغني عنك ، (يأيها الناس أنتم الفقرآء إلى الله والله هو الغنى الحميد، إن يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد، وما ذلك علي الله بعزيز ) ،
فالمؤمن يعتقد أن الله جل وعلا هو الذي خلقه، وأنه هو المتكفل برزقه، المالك لسمعه وبصره وعقله ،المتصرف فيه بكمال حكمته ورحمته وعلمه وعدله ،وأنه لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً، ولا موتاً ولا حياة ولا نشوراً ، الكل بيد الله وقدرته، (وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو وإن يمسسك بخير فهو علي كل شئ قدير ) ، فإذا عظم الله في قلب الإنسان دعاه ذلك إلي التواضع لله وقبول أوامره ، والانتهاء عن زواجره. ومن بواعث التواضع النظر في سير الأنبياء والصالحين ،وأعظمهم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم الذي وصفه الله بقوله :(وإنك لعلى خلق عظيم ) ،فقد كان - عليه الصلاة والسلام -شديد التواضع مع علو قدره ورفعة منزلته عند الله ، وقد أمرنا الله بالا قتداء به والتأسي بهديه ،وهذا يقتضي منك -أيها المسلم - أن تقرأ سيرته صلى الله عليه وسلم وتتعلم من سنته ، عند ذلك ستجد كيف كان متواضعا -عليه الصلاة والسلام - كان يمر على الصبيان فيسلم عليهم ،ويمشي مع الأرملة واليتيم في حاجتهما ،وكان يخدم أهله في البيت ويحمل إليهم الحاجة ، وكان صلي الله عليه وسلم يبدأ من لقيه بالسلام ،ويجيب دعوة من دعاه ولو إلي شئ يسير ، وكان لين الخلق كريم الطبع ،جميل المعاشرة ،طلق الوجه ،متواضعا من غير ذلة ، جواداً من غير سرف ، رقيق القلب ،رحيما بكل مسلم ،خافضا جناحه لكل مؤمن ،يعود المريض، ويشهد الجنازة ،وقد دخل عليه رجل وهو يرتعد خوفاً من هيبة فقال له :"هون عليك ؛ فإنما أنا ابن امرأة كانت تأكل القديد بمكة ". وهكذا كان صحابته من بعده -رضي الله عنهم وأرضاهم - متواضعين رحماء فيما بينهم . فاتقوا الله -عباد الله - وليكن لكم في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة، بحسن التواضع ولين الجانب ، تواضعوا لربكم تواضعا يدعوكم إلي القيام بما أوجب عليكم، وتواضعوا لآبائكم ببرهم وتوقيرهم ، وتواضعوا للمرضى بعيادتهم والوقوف بجانبهم ،وتواضعوا لجميع الناس بمراعاة مشاعرهم ، وحفظ حقوقهم ، والبعد عن احتقارهم وازدرائهم .
الحديث روي الترمذي في السنن والإمام أحمد في المسند أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " يحشر المتكبرون يوم القيامة أمثال الذر في صور الناس يعلوهم كل شئ من الصغار حتي يدخلوا سجنا في جهنم يقال له بولس فتعلوهم نار الأنيار يسقون من طينة الخبال عصارة أهل النار "..... أوكما قال صلى الله عليه وسلم.
الخطبة الثانية
الحمدلله رب العالمين، والعاقبة للمتقين ، ولا عدوان إلا علي الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي الصالحين، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله إمام الأنبياء والمرسلين، وأفضل خلق الله أجمعين، صلوات الله وسلامه عليه، وعلي آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلي يوم الدين.
أمابعد، فياعبادالله :
تحدثنا سابقا عن خلق التواضع ، وما له من فوائد وثمار طيبة علي الأفراد والمجتمعات ، وحتى يتميز بصورة أوضح نذكر هنا ضده ، ألا وهو داء التكبر ، ومرض التعالي والعجب ، فالتكبر ياعباد الله خصلة ذميمة، تفسد المجتمع الإنساني، وتجلب الشقاء النفسي ، وتورث الحرمان من رحمة الله ، وهل كفر إبليس بربه وأخرج من الجنة وطرد عن الرحمة إلا بتكبره وعناده وإعجابه بنفسه؟ ! وهل كفر من كفر وطغي من طغي إلا بتكبرهم علي الله تعالى ، وإعجابهم بما هم عليه من نعمة وصحة ؟! ولذلك جعل الله النار دار المتكبرين ، فقال عز من قائل :( ادخوا أبواب جهنم خالدين فيها فبئس مثوي المتكبرين ) ، وأخبر سبحانه أن أهل الكبر والتجبر هم الذين طبع علي قلوبهم (كذلك يطبع الله علي كل قلب متكبر جبار ) ونهي سبحانه عن بعض مظاهر التكبر فقال : ( ولا تمش في الأرض مرحا إنك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولا ) ، وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر " ، فقال رجل : يارسول الله، إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنا ونعله حسنة ! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن الله جميل يحب الجمال ، الكبر بطر الحق وغمط الناس " ، أي : إن التكبر إنما هو رد الحق علي قائله واحتقار الناس ، وفي الحديث القدسي يقول الله تعالى : " العز إزاري ، والكبرياء ردائي ، من نازعني شيئا منهما عذبته ".
عباد الله :
إن للتكبر أسبابا كثيرة ، وهي ترجع إلي شعور المتكبر المغرور بالاستعلاء علي أقرانه وحب الظهور والاستغناء عنهم ، ومن أهم مظاهره مدح النفس وحكاية ماجرى لها علي وجه المفاخرة ، والتكاثر والتفاخر بالنسب والأصل والقبيلة ، أو الوظيفة والمرتبة ، ألا ما أقل حظ المتكبرين ، وما أعظم خسرانهم المبين !فقد خسروا بتكبرهم ماأعده الله للمتواضعين من الثوب ، وحصلوا علي أليم العقاب ، وخسروا محية الناس ، فالناس جبلوا علي محبة المتواضعين ومقت المتكبرين. فاتقوا الله - أيها المؤمنون - والزموا التواضع ، واحذروا جميع مظاهر الكبر ، فالتواضع سعادة لكم في دنياكم وآخرتكم ، وسبب لمودة الناس لكم . آللهم اهدنا لأحسن الأخلاق والأفعال ، إنه لا يهدي لأحسنها إلا أنت ، واصرف عنا سيئها ومكروهها ، فإنه لا يصرف عنا سيئها وكروهها إلا أنت . هذا وصلوا وسلموا علي إمام المرسلين، وقائد العز المحجلين ، فقد أمركم الله تعالى بالصلاة والسلام عليه في محكم كتابه حيث قال عز قائلا عليما : ( إن الله وملائكته يصلون على النبي ياأيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً ) . اللهم صل وسلم على سيدنا محمد وعلي آله سيدنا محمد، كما صليت وسلمت علي سيدنا إبراهيم وعلي آل سيدنا إبراهيم ، وبارك علي سيدنا محمد وعلى آله سيدنا محمد، كما باركت علي سيدنا إبراهيم وعلي آل سيدنا إبراهيم، و في العالمين إنك حميد مجيد ، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين ، وعن أزواجه أمهات المؤمنين، وعن سائر الصحابة أجمعين، وعن المؤمنين والمؤمنات الي يوم الدين ، وعنا معهم برحمتك يا أرحم الراحمين . اللهم اجعل جمعنا هذا جمعاً مرحوما، واجعل تفرقنا من بعده تفرقا معصوما ، ولا تدع فينا ولا معنا شقيا ولا محروما .اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغني . اللهم إنا نسألك أن ترزق كلا منا لسانا صادقاً ذكراً ، وقلبا خاشعا منيبا ، وعملاً صالحاً زاكيا ، وعلما نافعا رافعا ، وإيماناً راسخا ثابتاً ، ويقينا صادقاً خالصاً ، ورزقا حلالاً طيباً واسعاً ، ياذا الجلال والإكرام. آللهم اعز الإسلام والمسلمين، ووحد اللهم صفوفهم ، وأجمع كلمتهم علي الحق ، واكسر شوكة الظالمين، واكتب السلام والامن لعبادك أجمعين. ربنا ءاتنل في الدنيا حسنة وفي الاخرة حسنة وقنا عذاب النار . ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب. ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين . اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات ، المسلمين والمسلمات ، الأحياء منهم والاموات، إنك سميع قريب مجيب الدعاء .
عباد الله :
إن الله يأمر بالعدل والإحـــــسانِ وإيتآئ ذي القربي وينهي عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم واشكروه علي نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر ولله يعلم ما تصنعون.
قوموا للصلاة يرحمكم الله