وإن عدتم عدنا وبيننا الكتاب والسنة

محمد البدر
1434/03/05 - 2013/01/17 23:54PM
[align=justify]الخطبة الأولى :
أما بعد:عباد الله: اتقوا الله تعالى واعلموا أن أعظم منة وأكبر نعمة من الله على عباده أن بعث فيهم الرسل مبشرين ومنذرين، وأنزل معهم الكتاب ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه، وكان من أعظمهم قدرا وأبلغهم أثرا وأعمهم رسالة محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، الذي بعثه الله تعالى لهداية الخلق أجمعين وختم به النبيين، بعثه الله على حين فترة من الرسل والناس أشد ما يكونون حاجة إلى نور الرسالة، فهدى الله به من الضلالة، وألف به بعد الفرقة، وأغنى به بعد العيلة، فأصبح الناس بنعمة الله إخوانا، وفي دين الله أعوانا، فدانت الأمم لهذا الدين وكان المتمسكون به غرة بيضاء في جبين التاريخ، فلما كانت الأمة الإسلامية حريصة على تنفيذ شرع الله، متمشية في عباداتها ومعاملاتها وسياستها الداخلية والخارجية على ما كان عليه قائدها وهاديها محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، لما كانت الأمة الإسلامية على هذا الوصف كانت هي الأمة الظاهرة الظافرة المنصورة، ولما حصل فيها ما حصل من الانحراف عن هذا السبيل، تغير الوضع فجعل بأسهم بينهم، وسلط عليهم الأعداء، وكانوا غثاء كغثاء السيل، فتداعت عليهم الأمم، وفرقتهم الأهواء، ولن يعود لهذه الأمة مجدها الثابت وعزها المستقر حتى تعود أفرادا وشعوبا إلى دينها الذي به عزتها، وتطبق هذا الدين قولا وعملا وعقيدة وهدفا على ما جاء عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه الكرام، وإن من تمام تطبيقه أن لا يشرع شيء من العبادات والمواسم الدينية إلا ما كان ثابتا عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فإن الناس إنما أمروا أن يعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء، فمن تعبد لله بما لم يشرعه الله فعمله مردود عليه؛ لقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ أحْدَثَ في أمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ) مُتَّفَقٌ عَلَيهِ وهو في نظر الشارع بدعة، وكل بدعة ضلالة.
وإن من جملة البدع ما ابتدعه بعض الناس في شهر ربيع الأول من بدعة عيد المولد النبوي، يجتمعون في الليلة الثانية عشرة منه في بعض البيوت فيصلون على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بصلوات مبتدعة ويقرؤون مدائح للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، تخرج بهم إلى حد الغلو الذي نهى عنه النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وربما صنعوا مع ذلك طعاما يسهرون عليه فأضاعوا المال والزمان، وأتعبوا الأبدان فيما لم يشرعه الله ولا رسوله، ولا عمله الخلفاء الراشدون ولا الصحابة ولا المسلمون في القرون الثلاثة المفضلة، ولا التابعون بإحسان، ولو كان خيرا لسبقونا إليه، ولو كان خيرا ما حرمه الله تعالى سلف هذه الأمة وفيهم الخلفاء الراشدون والأئمة، وما كان الله تعالى ليحرم سلف هذه الأمة ذلك الخير لو كان خيرا، ثم يأتي أناس في القرن الرابع الهجري فيحدثون تلك البدعة.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في كتابه (اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم): "ما يحدثه بعض الناس إما مضاهاة للنصارى في ميلاد عيسى، وإما محبة للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وتعظيما له، من اتخاذ مولد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عيدا مع اختلاف الناس في مولده، فإن هذا لم يفعله السلف مع قيام المقتضي له وعدم المانع، ولو كان خيرا محضا أو راجحا كان السلف أحق به منا، فإنهم كانوا أشد محبة للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وتعظيما له منا، وهم على الخير أحرص، وإنما كانت محبته وتعظيمه في متابعته وطاعته، واتباع أمره وإحياء سنته ظاهرا وباطنا، ونشر ما بعث به والجهاد على ذلك بالقلب واليد واللسان، وأكثر هؤلاء الذين تجدهم حرصاء على هذه البدع تجدهم فاترين في أمر الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مما أمروا بالنشاط فيه، وإنما هم بمنزلة من يحلي المصحف ولا يقرأ فيه، أو يقرأ فيه ولا يتّبعه" ا.هـ كلامه رحمه الله تعالى.
عباد الله:إن بدعة المولد التي تقام في شهر ربيع الأول في كل عام ليس لها أساس من التاريخ؛ لأنه لم يثبت أن ولادة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كانت تلك الليلة، وقد اضطربت أقوال المؤرخين في ذلك، فبعضهم زعم أن ولادته في اليوم الثاني من الشهر، وبعضهم في الثامن، وبعضهم في التاسع، وبعضهم في العاشر، وبعضهم في الثاني عشر، وبعضهم في السابع عشر، وبعضهم في الثاني والعشرين، فهذه أقوال سبعة ليس لبعضهم ما يدل على رجحانه على الآخر، فيبقى تعيين مولده صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الشهر مجهولا إلا أن بعض المعاصرين حقق أنه من اليوم التاسع.
وإذا لم يكن لبدعة عيد مولد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أساس من التاريخ، فليس لها أساس من الدين أيضا، فإن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يفعلها ولم يأمر بها، ولم يفعلها أحد من الصحابة والتابعين لهم بإحسان، وقد قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (فَعَليْكُمْ بسُنَّتِي وسُنَّةِ الخُلَفاءِ الرَّاشِدِينَ المَهْدِيِيِّنَ عَضُّوا عَلَيْهَا بالنَّواجِذِ ، وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الأُمُورِ ؛ فإنَّ كلَّ بدعة ضلالة ) رواه الترمذي وصححه الألباني.
والأعياد والمواسم الدينية التي يقصد بها التقرب إلى الله تعالى بتعظيمه وتعظيم نبيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هي من العبادات، فلا يشرع منها إلا ما شرعه الله تعالى ورسوله، ولا يتعبد أحد بشيء منها إلا ما جاء عن الله ورسوله. وفيما شرعه الله تعالى من تعظيم رسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ووسائل محبته ما يغني عن كل وسيلة تبتدع وتحدث.
فاتقوا الله عباد الله: واستغنوا بما شرعه عما لم يشرعه، وبما سنه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عما لم يسنه.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولكافة المسلمين من كل ذنب فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.


الخطبة الثانية:
أما بعد: عباد الله:فليسأل كل واحد نفسه ماذا سيقول في الاحتفال بِمَوالد الملوك والعلماء والدُّعاة والصالحين ، وقبل ذلك ماذا سيقول في الاحتفال بِموالد الأنبياء موسى وعيسى - عليهما السَّلام - ومحمَّدٍ - صلَّى الله عليه وسلَّم - فهل الاحتفال بِها أولى من غيرها أم لا؟ وبذلك تكون أيامُ السنة كلُّها احتفالاتٍ وأعيادًا وتضيع معها أعياد الإسلام؛ الفطر والأضحى، وما فيهما من الشَّعائر والاحتفال، والفرح والسُّرور , فهل إذا اعتاد الناس على كثرة الأعياد والمناسبات يفرحون بها ويلبسون الجديد في كل عيد وهذا مستحيل لسببين ، تكلفة الملابس والزينة والثاني لبس الجديد ليس له معنى لكثرته . والعاقل اللبيب يعلم أنَّ الله لم يجعل العيد في هذَيْن اليومين عبثًا.وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيميَّة - رحمه الله ( الاقتضاء 618/2 ) أنَّ النبِيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم كانت له وقائع متعدِّدة وخُطَب وعهود ووقائع في أيام متعدِّدة، مثل يوم بدر وحُنَين، والخندق وفَتْح مكَّة، ووقت هِجْرته ودخوله المدينة، ولم يتَّخِذ يومًا من هذه الأيام عيدًا؛ انتهى .فهل تساءَلْنا: من أين وفد علينا عيدُ الميلاد وغيره من الأعياد المبتدَعة؟
أليس اليهود والنصارى هم الذين يُحْيون أمثال هذه الأعياد ويَحْرِصون عليها، والنَّصارى يبحثون عن أيام حوادث عيسى - عليه السَّلام - ويجعلونها أعيادًا لهم، فأين الْمُخالَفة لَهم؟!
الا وصلوا ...
[/align]
المشاهدات 2453 | التعليقات 0