وإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا

إبراهيم بن سلطان العريفان
1439/06/28 - 2018/03/16 11:07AM

إخوة الإيمان والعقيدة ... يقول الله -سبحانه وتعالى- في كتابه العظيم ( وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا ) فإن الله إذا أراد أن يهلك قرية ويقضي على أهلها، وينزل عذابه عليهم، أمر مسرفيها وفجارها وطغاتها أن يطغوا فيها، ويفسدوا بين جنباتها، فإذا انتشر شرُّهم، وانفجر فجورُهم، وسكت الناس عنهم، حل بالجميع عذاب الله ( حَتَّى إِذَا أَخَذْنَا مُتْرَفِيهِمْ بِالْعَذَابِ إِذَا هُمْ يَجْأَرُونَ * لَا تَجْأَرُوا الْيَوْمَ إِنَّكُمْ مِنَّا لَا تُنْصَرُونَ * قَدْ كَانَتْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ تَنْكِصُونَ * مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سَامِرًا تَهْجُرُونَ ).

إن أكبر دليل على اقتراب هلاك بلاد وحلول زوالها, حينما يكثر أشرارها ويزداد فساقها ويقوى الشر فيها؛ لأن سنة الله -سبحانه وتعالى- قضت أن الأمم التي تبطر معيشتها، وينهمك أهل الترف والمعاصي في شهوات الدنيا وملذاتها، ويقارف الآثام والذنوب فيها رموز الناس وكبارهم، فلابد أن يصيبها العقاب عاجلاً أو آجلاً، سواء كان عذاباً مادياً حسياً أو عذاباً معنوياً.

لقد أخبر الله -سبحانه وتعالى- عن اليهود الذين يرون أنفسهم أعلى الناس وأفضل الخلق, أن هلاكهم النهائي سيكون حينما يكثر فسادُهم، ويرتفع عتوُّهم، ويزداد غرورُهم، فإذا وصلوا إلى هذا الحد، وهبطوا إلى هذا المستوى الدنيء، سلط الله عليهم من يدمرهم تدميراً، ويسومهم سوء العذاب ( وقَضَيْنَا إلَى بَنِي إسْرَائِيلَ فِي الكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الأَرْضِ مَرَّتَيْنِ ولَتَعْلُنَّ عُلُواً كَبِيراً * فَإذَا جَاءَ وعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَاداً لَّنَا أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلالَ الدِّيَارِ وكَانَ وعْداً مَّفْعُولاً ).

فلنحذر أن نكون كاليهود الذين طغى زعماؤهم، وفسد أحبارهم ورهبانهم، فسلط عليهم من يسومهم سوء العذاب إلى يوم القيامة، وهذا هو شأن المسرفين على مدى التاريخ.

وهؤلاء اليوم في الأمة كثير وكثير جداً، فالحكام الطغاة، وأمراء السوء والهوى، والمسؤولون والمدراء المفسدون، والعلماء المضلون، وأرباب الأموال الفاسدون، والفنانون، والممثلون، وغيرهم من المترفين، الذين يعارضون الدين، ويصدون الناس عن الحق المبين، كل هؤلاء يعدون من المترفين. ويدخل في هؤلاء كل من جاملهم، وسكت على انحرافاتهم، وأعانهم على فسادهم، ونفذ سياساتهم ومخططاتهم، وشجعهم على عتوهم وظلمهم، ممن استخفوهم فأطاعوهم، وأغروهم فخضعوا لهم ورقصوا خلفهم، وكانوا أداة شر لتنفيذ ما يريدون منهم، كما قال الله عنهم ( فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ ).

أيها المسلمون: إن المترفين لا يكثرون في الأمة ويزدادون فيها إلا إذا تم السكوت على إجرامهم، والتغافل عن فسادهم، وتمرير شرورهم وفجورهم، حينما لا يؤمر بالمعروف ولا ينهى عن المنكر، ولا يقول الناس للظالم يا ظالم، وللفاسد أنت مفسد، وللمجاهر بالمعاصي أنت مخطئ، فهنا يكثر الشر، ويزيد الفساد، ويستفحل الفجور، فيقع العذاب، ويأتي الدمار والهلاك ( وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا ).

إن الأمم التي تبطر معيشتها، وتعيش في الترف وتنهمك في الملذات، وتقارف الآثام والذنوب، لابد أن يصيبها العقاب ويحل عليها العذاب، يقول عمر بن الخطّاب رضي الله عنه: توشك القرى أن تخرب وهي عامرة. قيل: وكيف تخرب وهي عامرة؟ قال: إذا علا فجّارُها أبرارَها وساد القبيلةِ منافقوها ( وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا ).

أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه، ‘نه هو الغفور الرحيم.

 

 

 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

إخوة الإيمان والعقيدة .... أمرٌ محمودٌ وتوجُّهٌ غيرُ مسبوقٍ أقدمت عليه الدولة – أيدها الله – لتبديل المفهوم الذي رسخ لعقودٍ عنَّا وصوَّرنا كسعوديين بأننا مجتمعٌ منغلقٌ يرفض الأخذ بأسباب المدنيَّة -المنضبطة – ويُتَّهَم بإقصاء الرأي الآخر، ولا شكَّ أنه مفهومٌ خاطئٌ، فديننا هو دين التعايش والتسامح واحترام الإنسان ومنحه حقوقه كاملةً، وكل من حاول أن يتخذ من الدين مشجباً يعلِّق عليه تحجُّره وانغلاقه فهو لا يمثِّل إلاَّ نفسه وكما قال سمو ولي العهد حفظه الله : بأن مثل هؤلاء لم يعد لهم مكانٌ بيننا الآن .

يقول بعض علماء الحضارات: إن شيوع الترف وتفشي الانحراف الجنسي والتحلل الخلقي سبب لانهيار الحضارات، وهذا ما نجده في السنة الكونية المستخرجة من كتاب الله، قال الله تعالى ( وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا ).

عباد الله ... إن النعم تدر علينا ليل نهار، ونحن نتمادى في المعاصي والمنكرات، ونكثر من الذنوب، ونقصر في طاعة الله، وهذا – والله - ينذر بالخطر الجسيم والعذاب الأليم، لا سيما مع كثرة النعم, والانغماس في الترف ( وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً ).

فعلى المسلم العاقل اللبيب أن يحذر من الترف الزائد، ويبتعد عن مظاهره وآثاره، لأنه يؤدي بالإنسان إلى مهاو سحيقة ودركات سفلى، وإذا كثر المترفون في الأمة وزاد ترفهم من المشروع إلى الممنوع، ومن المباح إلى الحرام، حل بالأمة العذاب، واستحقت غضب الله ومقته. روى البخاري ومسلم عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ -رضي الله عنها- أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- دَخَلَ عَلَيْهَا فَزِعًا يَقُولُ: "لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَيْلٌ لِلْعَرَبِ مِنْ شَرٍّ قَدِ اقْتَرَبَ، فُتِحَ اليَوْمَ مِنْ رَدْمِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مِثْلُ هَذِهِ وَحَلَّقَ بِإِصْبَعِهِ الإِبْهَامِ وَالَّتِي تَلِيهَا، قَالَتْ زَيْنَبُ بِنْتُ جَحْشٍ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ: أَنَهْلِكُ وَفِينَا الصَّالِحُونَ؟ قَالَ: نَعَمْ إِذَا كَثُرَ الخَبَثُ ).

اللهم إنا نسألك الهدى، والتقى، والعفاف، والغنى، ونعوذ بك من الترف، والإسراف، والكبر، والغرور. اللهم إنا نسألك العفو والعافية والمعافاة الدائمة في الدين والدنيا والآخرة، اللهم اجعل خير أعمالنا خواتيمها، وخير أيامنا يوم نلقاك وأنت راض عنا، اللهم أجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة برحمتك يا أرحم الراحمين.

 

المشاهدات 2311 | التعليقات 0