"وَأَنفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ"

عبدالمحسن بن محمد العامر
1444/06/05 - 2022/12/29 09:40AM

الحمدُ للهِ الوهَّابِ، يعطي بفضلِه ويمنعُ بعدلِهِ وهو العفوُّ التُّوابُ، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ لهُ ربُّ الأربابِ ومسبِّبُ الأسبابِ، وأشهدُ أنَّ محمداً عبدُه ورسولُه؛ خيرُ مَنْ عَبَدَ وأنابَ، صلى اللهُ وسلَّمَ عليه وعلى آلِه والأصحابِ، وعلى مَنْ تبِعَهم على السُنَةِ الكتابِ؛ إلى يومِ البعثِ والحسابِ ... أما بعد:

فيا عبادَ اللهِ: أُوصيكم ونفسي بتقوى اللهِ تعالى؛ فالتقوى تُكَثِّرُ القليلَ، وتُقَنِّعُ بالكَسْبِ والتَحصِيْلِ، وتُربّي العَبْدَ على الإنفاقِ الجزيلِ، وهي السببُ في القَبُولِ مِنَ الربِّ الجليْلِ: "وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا 

وَلمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ"

معاشرَ المؤمنينَ: قالَ اللهُ تعالى: "آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَأَنفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ"

  قالَ القرطبيُّ: (فيه دليلٌ على أنَّ أصْلَ الملكِ للهِ سبحانَه، وأنَّ العَبْدَ ليسَ لهُ فيه ــ أـي المالَ ــ إلَّا التّصرفَ الذي يُرْضِي اللهَ فَيُثِيْبُه على ذلك بالجنةِ ــ فَمَنْ أنفقَ منها في حقوقِ اللهِ وهَانَ عليهِ الإنفاقُ منْهَا، كَمَا يَهُونُ على الرَّجُلِ النَّفَقَةُ مِنْ مالِ غيْرِهِ إذا أَذِنَ لهُ فيهِ - كانَ لهُ الثَّوابُ الجزِيلُ والأجرُ العظيْمُ) وقالَ ابنُ كثيرٍ: (فيه إشارةٌ إلى أنَّه سَيَكُونُ مُخَلَّفاً عَنْكَ، فلَعلَ وارِثُكَ أنْ يُطِيْعَ اللهَ فيه، فَيَكُونَ أَسْعَدَ بما أَنْعَمَ اللهُ بِهِ عليكَ مِنْكَ، أو يَعْصِي اللهَ فيه فتكونَ قد سَعَيْتَ في مُعَاوَنتِه على الإثمِ والعدوانِ) انتهى كلامه.

فالمالُ الذي في أيدينا؛ مالُ اللهِ، وملكُ اللهِ، قال تعالى: (وآتوهمْ مِنْ مَالِ اللهِ الذي آتاكُمْ) وهو عاريِّة عندَنا، ونحنُ مُسْتخْلَفُونَ فيه، لا نمْلِكُه إلّا مُلْكَاً مؤقْتَاً في حياتِنا، أعطانَا إياهُ اللهُ لنُنْفِقَه فيما شَرَعَ لنا مِنْ مجالاتِ الإنفاقِ المتعدِّدَةِ؛ فرضِها وواجبِها ومستحبِّها، ولَمْ يُعْطِنا اللهُ إياهُ لنكنِزَهُ ونجْمَعَه ونتكَثَّرَ به، ونَمْنَعَه عن وجوهِ الخيرِ والبرِّ.

والإنفاقُ في الوجوهِ المشروعةِ؛ لا يُتْلِفُ المالَ ولا يُنقِصُه، بلِ المٌنْفقُ موعودٌ بالخُلْفِ والزيادَةِ، والمُمْسِك مُتوعَّدٌ بالتَّلَفِ والنُّقصَانِ، قالَ تعالى: " وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ" وعن أبي هريرةَ رضيَ اللهُ عنهُ قالَ: قالَ رسولُ الله صلى اللهُ عليهِ وسلَمَ: "ما مِن يَومٍ يُصْبِحُ العِبادُ فِيهِ، إلَّا مَلَكانِ يَنْزِلانِ، فيَقولُ أحَدُهُما: اللَّهُمَّ أعْطِ مُنْفِقًا خَلَفًا، ويقولُ الآخَرُ: اللَّهُمَّ أعْطِ مُمْسِكًا تَلَفًا" رواه البخاريُّ، وعنه رضيَ الله عنهُ قالَ: قالَ رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلمً: "ما نَقَصَتْ صَدَقةٌ مِن مالٍ" رواه مسلمٌ.

وقدْ خاطبَ اللهُ بني آدمَ خطاباً مباشراً صريحاً واضحاً؛ آمراً إياهم بالإنفاقِ، وواعداً إياهم بالإنفاقِ عليهم مِنْ عِنْدِه سبحانه ــ ومَنْ أصدقُ مِنَ اللهِ قيلاً، ومَنْ أصدقُ مِنَ اللهِ حديثاً ــ عن أبي هريرةَ رضيَ اللهُ عنهٌ، قالَ: قالَ النّبيُّ صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: " قالَ اللَّهُ عزَّ وجلَّ: أنْفِقْ أُنْفِقْ عَلَيْكَ. وقالَ: يَدُ اللَّهِ مَلْأَى، لا تَغِيضُها نَفَقَةٌ، سَحَّاءُ اللَّيْلَ والنَّهارَ. وقالَ: أرَأَيْتُمْ ما أنْفَقَ مُنْذُ خَلَقَ السَّماءَ والأرْضَ؟! فإنَّه لَمْ يَغِضْ ما في يَدِهِ، وكانَ عَرْشُهُ علَى الماءِ، وبِيَدِهِ المِيزانُ يَخْفِضُ ويَرْفَعُ" رواه البخاريُّ

كما أمَرَ اللهُ عبادَه بالمبادَرَةِ بالإنفاقِ قبلَ مجيئِ الموتِ، وقبلَ يومِ القيامةِ، فقال سبحانَهُ: "يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لَّا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ" وقالَ جلَ وعلا : "وأَنفِقُوا مِن مَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَىٰ أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ الصَّالِحِينَ"

وقدْ جعلَ اللهُ المنفقينَ في مصافِّ عبادِه المتَّقيْنَ الذين أثنى عليهم ومدحَهَمْ فقالَ جلَّ شأنُه: "الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ" قالَ الطَّبريُّ رحمَهُ اللهُ: (وأمّا المنفقونَ؛ فهُمْ: المؤتونَ زكواتِ أموالِهِم، وواضعُوها على ما أمرهُمُ اللهُ بإتيانِها، والمنفقون أموالَهم في الوجوهِ التي أذنَ اللهُ لهم جلَّ ثناؤهُ بإنْفاقِها فيها) انتهى كلامُه.

معاشرَ المؤمنينَ: إمساكُ المالِ وخزْنُهُ طبعٌ ممقوتٌ، وسجيَّةٌ مذمُومَةٌ، وعادَة قبيحةٌ، كما قال تعالى مُبكِّتَاً المشركينَ ذوي الطباعِ السيئةِ والخصالِ القبيحةِ: "قُل لَّوْ أَنتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذًا لَّأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنفَاقِ وَكَانَ الْإِنسَانُ قَتُوراً" ومعنى قتوراً؛ أي: بخيلاً مَنُوعاً، وجاءَ ذَمُّ جَمْعِ المالِ وتعْديدِه ضِمْنَ الصِّفاتِ المتوعَّدِ أصحابُها بالويلِ والعذابِ، قالَ تعالى: "وَيْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ*الَّذِي جَمَعَ مَالًا وَعَدَّدَهُ*يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ*كَلَّا لَيُنبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ" قالَ القرطبيُّ: (والمقصودُ الذَّمُّ على إمساكِ المالِ عن سبيلِ الطّاعَةِ)

وإمساكُ المالِ عن الإنفاقِ المشروعِ؛ بخلٌ، والبخلُ ذنبٌ وسيئةٌ، والسيئةُ تَجُرُّ أُختَها، فمَنْ اسْتحْسَنَ الْبُخْلَ واسْتَرْسَلَ معَه؛ تَمَكّنَ مِنْهُ، وغَلَبَ عليه، وصارَ سجيَّةً له، وصفةً طاغيةً عليه، عن أبي هُريرَةَ رضي اللهُ عنه؛ قالَ: " ضَرَبَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ مَثَلَ البَخِيلِ والْمُتَصَدِّقِ، وفي روايةٍ ــ البخيلِ والمنفقِ ــ كَمَثَلِ رَجُلَيْنِ عليهما جُنَّتانِ مِن حَدِيدٍ، قَدِ اضْطُرَّتْ أيْدِيهِما إلى ثُدِيِّهِما وتَراقِيهِما، فَجَعَلَ المُتَصَدِّقُ كُلَّما تَصَدَّقَ بصَدَقَةٍ انْبَسَطَتْ عنْه، حتَّى تُغَشِّيَ أنامِلَهُ وتَعْفُوَ أثَرَهُ، وجَعَلَ البَخِيلُ كُلَّما هَمَّ بصَدَقَةٍ قَلَصَتْ، وأَخَذَتْ كُلُّ حَلْقَةٍ مَكانَها. قالَ: فأنا رَأَيْتُ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ يقولُ: بإصْبَعِهِ في جَيْبِهِ فلوْ رَأَيْتَهُ يُوَسِّعُها ولا تَوَسَّعُ" رواهُ مسلمٌ.

وإمساكُ المالِ عن النَّفقةِ المشروعةِ؛ تصْدِيقٌ وإذعانٌ لوَعْدِ الشيطانِ ووسْوَسَتِهِ وتَخْويفِه للعبدِ بالفقرِ، ونفادِ المالِ؛ كما قالَ تعالى: "الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ" وعن ابنِ مسعودٍ رضيَ اللهُ عنهُ قالَ: قالَ رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلَّمَ: "إن للشَّيطانِ للمَّةً بابنِ آدمَ، ولِلمَلك لَمَّةٌ، فأمَّا لمَّةُ الشَّيطانِ فإيعادٌ بالشَّرِّ وتَكْذيبٌ بالحقِّ، وأمَّا لمَّةُ الملَكِ فإيعادٌ بالخيرِ وتصديقٌ بالحقِّ؛ فمَن وجدَ ذلِكَ فليعلمْ أنَّهُ مِنَ اللَّهِ، فليحمَدِ اللَّهَ، ومَنْ وَجَدَ الأخرى فليتعوَّذْ مِنَ الشَّيطانِ؛ ثمَّ قرأَ: (الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا الآيةَ)" رواه الترمذيُّ وغيرُه وصحَّحَهُ الألبانيُّ.

باركَ اللهُ لي ولكم بالكتابِ والسنّةِ ونفعنا بما فيهما من العبرِ والحكمَةِ.

أقولُ قولي هذا وأستغفرُ اللهَ لي ولكم إنَّه كانَ غفَّاراً.

 

الخطبةُ الثانيةُ:

الحمدُ للهِ الكريمِ، والشكرُ للهِ الرحيمِ، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ لهُ الربُّ العظيمُ، وأشهدُ أنَّ محمداً عبدُه ورسولُه؛ جاءَ بالشَّرْعِ القويمِ، والمَنْهجِ السليمِ، صلى اللهُ وسلمَ عليهِ وعلى آله وصحبِه ومَنْ تبِعهم بإحسانٍ وتسليمٍ، إلى يومِ القيامِ للربِّ العليمِ..

أمَّا بعدُ: فيا عبادَ اللهِ: اتقوا اللهَ: "وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ خَيْرٌ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ"

معاشرَ المؤمنينَ: لا يَحْسَبَنَّ جامِعُ المالِ؛ المُمْتَنِعُ عن إنفاقهِ فيما شَرَعَ اللهُ؛ أنَّ هذا المالَ خيْرٌ لهُ، بلْ شرٌّ عليه ووبالٌ؛ كما قالَ تعالى: "وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَّهُم بَلْ هُوَ شَرٌّ لَّهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ" وعن أبي ذرٍّ الغفاريِّ رضي اللهُ عنه قالَ: قالَ رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلّمَ: "إنَّ المُكْثِرِينَ هُمُ المُقِلُّونَ يَومَ القِيَامَةِ، إلَّا مَن أعْطَاهُ اللَّهُ خَيْرًا، فَنَفَحَ فيه يَمِينَهُ وشِمَالَهُ، وبيْنَ يَدَيْهِ ووَرَاءَهُ، وعَمِلَ فيه خَيْرًا" رواهُ البخاريُّ

عبادَ اللهِ: الإنفاقُ والبذلُ والعطاءُ؛ لا يعني الإسرافَ ولا التبذيرَ، ولا يعني عدمَ الادِّخارِ وحُسْنَ التَّدْبِيرِ، فالإنفاقُ يبدأُ بإخْراجِ الحقِّ الواجبِ في المالِ مِنْ زكاةٍ، ونَفَقَةٍ واجبةٍ، وسدادِ مستحقاتٍ ومتعلقاتٍ بالذمَّةِ، ومِنْ ثَمَّ الصدقاتُ المستحبةُ، وأعمالُ البرِّ المتنوعةِ، والتوسِعَةُ على الأهلِ والعيالِ؛ بلا إسرافٍ ولا إتلافٍ.

وكما أنَّ الإنفاقَ مأمورٌ به؛ محمودٌ في مجالاتِه المشروعةِ، فهو منهيٌّ عنه مذْمومٌ في مجالاتِ الشرِّ والفسادِ، ومجالاتِ البذخِ والإسرافِ، وقدْ جعلَ اللهُ حسنَ التَّصرفِ في المالِ؛ مِنْ شروطِ تسليمِ الوارثِ نصيبَه مِنْ مالِ مورِّثهِ حيثُ قالَ تعالى: " فَإِنْ آنَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ" قالَ سعيدُ بنُ جبيرٍ: يعني: صلاحاً في دينهِم وحفْظَاً لأموالِهِمْ.

فالرُّشْدُ حُسْنُ التَّصَرُّفِ في المالِ؛ لا بخلاً، ولا إسرافاً.

وبعدُ عبادَ اللهِ: ما نُنْفقهُ اليومَ فيما أمرَ اللهُ وأَحَبَّ؛ هو الباقي لنا، وما نُبقيْهِ هو الفانيِ؛ الذي علينا حسابُه وغُرْمُه، ولغيرِنا مُتْعَتُه وغُنْمُه، عن ابنِ مسعودٍ رضي اللهُ عنهُ قالَ: قالَ رسولُ اللهِ صلى اللهِ عليه وسلّمَ: "أَيُّكُمْ مالُ وارِثِهِ أحَبُّ إلَيْهِ مِن مالِهِ؟ قالوا: يا رَسولَ اللَّهِ، ما مِنَّا أحَدٌ إلَّا مالُهُ أحَبُّ إلَيْهِ، قالَ: فإنَّ مالَهُ ما قَدَّمَ، ومالُ وارِثِهِ ما أخَّرَ" رواه البخاريُّ

فأنفقوا، وقدِّموا لأنفسِكُمْ خيراً تجدوهُ عندَ اللهِ، ولا يقولَنَّ أحدٌ: إنِّي فقرٌ، أوْ مالي قليلٌ، وأعيشُ حياة الكفافِ، فيمتنعُ عن النَّفقةِ في وجوهِ البرِّ المشروعةِ؛ ويظنُّ أنَّ النفقةَ والصدقةَ في مجالاتِ البرِّ إنِّمَا هي قاصرةٌ على الأغنياءِ وأهلِ الأموالِ واليسارِ؛ فهذا خطأٌ، وحرمانٌ للنَّفْسِ مِنَ الدُّخُولِ في زُمْرَةِ المُتَصَدِقيْنَ، ونيْلِ أجرِ المُنفقيْنَ، فالإنفاقُ ولو بالقليلِ واليسيرِ؛ يُدخلُ العبدَ المسلمَ في جُمْلةِ المُنفقينَ، وقدْ يَفْضُلُ على المُكْثِرينَ، عن أبي هريرَةَ رضيَ اللهُ عنه قالَ: قالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلمَ: "سبقَ دِرهمٌ مائةَ ألفِ درهمٍ قالوا وَكَيفَ؟ قالَ: كانَ لرجلٍ درهمانِ؛ تصدَّقَ بأحدِهِما، وانطلقَ رجلٌ إلى عُرْضِ مالِهِ، فأخذَ منهُ مائةَ ألفِ درهمٍ فتصدَّقَ بِها" رواه النَّسائيُّ وصححهُ الألباني، وعن أبي هريرةَ أيضاً رضيَ اللهُ عنه قالَ: قالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلمَ: " أَنْفِقْ بلالُ! ولا تَخْشَ من ذِي العرشِ إِقْلالًا" صَحَّحَهُ الألبانيُّ.

 والعبرةُ بالنِّيَةِ الحسنةِ، وبطِيبِ النَّفسِ بها؛ إذْ أنَّ النَّفقةَ بنَفْسٍ كارهةِ مِن صفاتِ المنافقينَ كما قالَ تعالى: "وَلَا يُنفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ" والمَنُّ بالصدقةِ والنَّفقةِ، وإتباعُها بالأذى يُبْطِل أجرَها، كما قالَ تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالْأَذَىٰ"

هذا وصلوا وسلموا على مَنْ أمركم بالصلاةِ والسلامِ عليه اللهُ إذْ يقولُ: " إنَّ اللهَ وملائكتَه يصلّونَ على النَّبيِّ ...."

المشاهدات 587 | التعليقات 0