وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها (خطبة موجزة)
السبيعي السبيعي
1436/02/23 - 2014/12/15 19:47PM
أما بعد/ خرج عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ مِنْ دَارِهِ إِلَى مَسْجِدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتّى إِذَا دَخَلَ المَسْجِدَ جَعَلَ يُسَوِّي الصُّفُوفَ/ وَيَقُولُ: اسْتَوُوا/ حَتَّى إِذَا لَم يَرَ فِيهِمْ خَلَلاً تَقَدَّمَ فَكَبَّرَ لِصَلاَةِ الفَجْرِ/ وَالنَّاسُ لاَ يَكَادُ يَعْرِفُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا مِنَ الظَّلاَمِ/ وَبَعْدَ التَّكْبِيرِ وَفِي أَثْنَاءِ قِرَاءَةِ الفَاتِحَةِ يَنْطَلِقُ مُجْرِمٌ مَجُوسِيٌّ قَدِ احْتَرَقَ قَلْبَهُ غَيْظٌ وَحِقْدٌ عَلَى الإِسْلام/ِ فَتَحَرَّكَ مِنْ طَرَفِ الصَّفِّ بِسُرْعَةٍ نَحْوَ الخَلِيفَةِ/ وَمَعَهُ خِنْجَرٌ ذَاتُ طَرَفَيْنِ فَوَسَّطَهَا بَطْنَ الفَارُوقِ/ ثُمَّ أَتْبَعَهَا بِطَعَنَاتٍ عِدَّةٍ/ وَيَسْقُطُ الفَارُوقُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ مُضْرَجًا بِدِمَائِهِ وَيَنْقَطِعُ صَوْتُهُ عَنِ النَّاسِ/ فَجَعَلَ مَنْ كَانَ فِي خَلْفِ الصُّفُوفِ أَوْ أَطْرَافِهَا يُسَبِّحُونَ/ سُبْحَانَ اللهِ/ سُبْحَانَ اللهِ/ وَانْطَلَقَ المَجُوسُيُّ أَبُو لُؤْلُؤَةُ يَشُقُّ الصُّفُوفَ لاَ يَمُرُّ عَلَى أَحَدٍ إِلاَّ طَعَنَهُ بِخِنْجَرِهِ المَسْمُومِ حَتَّى طَعَنَ ثَلاثَةَ عَشْرَ رَجُلاً فَتَقَدَّمَ نَحْوَهُ عَبْدُالرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ فَطَرَحَ عَلَيْهِ بُرْنُسًا لَهُ/ وَاجْتَمَعَ عَلَيْهِ الرِّجَالُ/ فَلَمَّا تَيَقَّنَ المَجُوسُيُّ أَنَّهُ مَأْخُوذٌ لاَ مَحَالَةَ نَحَرَ نَفْسَهُ بِالسِّكِّينِ ذَاتِهَا/ وَيُحْمَلُ الفَارُوقُ إِلَى بَيْتِهِ وَقَدْ أُغْشِي عَلَيْهِ وَجُمُوعُ النَّاسِ تَتَقَاطَرَ إِلَى دَارِهِ/ وَقَدْ بَلَغَ بِهِمُ الخَوْفُ مِنْ مَصِيرِهِ كُلَّ مَبْلَغٍ/ فاجْتَمِعُ الصَّحَابَةُ عَلَى رَأْسِ عُمَرَ/ وَقَدْ أَسْفَرَ الصُّبْحُ/ فَجَعَلُوا يُنَادُونَهُ بِاسْمِهِ وَلَقَبِهِ/ وَعُمَرُ لَا يَرُدُّ لَهُمْ كَلَامًا/ فَقَالَ بَعْضُ الصَّحَابَةِ مِمَّنْ يَعْرِفُ حَالَ عُمَرَ/ إِنَّكُمْ لَنْ تَفْزَعُوهُ بِشَيْءٍ مِثْلَ الصَّلاةِ/ فَقَالُوا: الصَّلَاةُ يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ الصَّلَاةُ/ فَانْتَبَهَ عُمَرُ مِنْ غَشْيَتِهِ/ وَفَتَحَ عَيْنَهُ/ وَقَالَ: الصَّلَاةُ وَاللهِ/ ثُمَّ سَأَلَ ابْنَ عَبَّاسٍ: أَصَلَّى النَّاسُ؟ قَالَ: نَعَمْ/ فَقَالَ عُمَرُ: لاَ حَظَّ فيِ الإِسْلامِ لِمَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ/ ثُمَّ دَعَا بِالمَاءِ فَتَوَضَّأَ وَصَلَّى/ وَجُرْحُهُ يَنْزِفُ دَمًا/ نَعَمْ/ هَكَذَا كَانَ حَالُ سَلَفِنَا مَعَ صَلاَتِهِمْ/ حَتَّى وَهُمْ يُفَارِقُونَ الحَيَاةَ/ كانت الصلاةُ مَبلغَ همِّهم/ وغايةَ اهتمامهم/ كَيْفَ لاَ وَقَدْ سَمِعُوا مِنْ نَبِيِّهِمْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يُوَدِّعُ الدُّنْيَا وَنَفْسُهُ تُعَالِجُ سَكَرَاتِ المَوْتِ/ "الصَّلَاةَ الصَّلَاةَ/ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانَكُمْ/ معاشر المسلمين/ لقد كان من دأب أنبياء الله المرسلين/ وعباده الصالحين الأمر بالصلاة/ ودعاء الله أن يعينهم وأبناءهم على إقامتها/ قال تعالى عن خليله عليه السلام: (رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ)/ وبهذا الأمر العظيم أمر الله خاتم الأنبياء صلى الله عليه وسلم فقال سبحانه (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى) وهو أمر للأمة من بعد نبيِّها/ واجب عليها امتثاله/ والاصطبار عليه؛ إبراءً للذمة وأداءً للواجب/ وقيامًا بحق الرعية التي سيُسْأَلون عنها يوم القيامة/ قال عليه الصلاة والسلام: (ما من عبدٍ يسترعيه الله رعيةً/ فلم يحطها بنصيحة/ إلا لم يجد رائحة الجنة) متفق عليه/ وأَنَّى لأبٍ لا يأمر أبناءه بالصلاة/ أن يكون قد نصح لهم/ أو أدَّى ما عليه من واجب تجاههم/ إن كثيرًا من الآباء يَشْكُون من فساد أبنائهم في هذا الزمان/ ويتألَّمون لخروجهم عن الطاعة وعصيانهم الأوامر/ ووقوعهم في المناهي وارتكابهم للمعاصي/ فإذا تتبَّعت طريقتهم في تربيتهم/ وجدتهم لا يدرون شيئًا عن حالهم مع الصلاة/ بل قد يكونون يعلمون أنهم لا يُصلُّون/ ومع ذلك لا يَأْبَهُون ولا ينكرون/ بل قد يكونون ممن يشفقون عليهم إذا ناموا/ فلا يوقظونهم/ فكيف يرجون صلاحهم أو ينتظرون فلاحهم/ وهم الذين أغفلوا أكبر أسباب الصلاح؟! اللهُمَّ يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ اِجْعَلْنَا مُقِيْمِينَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّاتِنَا/ أقول ما سْمَعُتم وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الحمد لله على إحسانه/ والشكر له على توفيقه وامتنانه/ وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له/ تعظيماً لشأنه/ وأشهد أن محمداً عبده ورسوله/ الداعي إلى رضوانه/ صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلي يوم الدين وسلم تسليما/ أما بعد: إِنَّ مِمَّا يُؤْسَفُ لَهُ عِبَادَ اللهِ أَنَّ التَّفْرِيطَ فِي شَأْنِ الصَّلَاةِ وَالجَمَاعَاتِ أَصْبَحَ ظَاهِرَةً فِي بُلْدَانِ كَثِيرٍ مِنَ المُسْلِمِينَ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّي/ وَقَارِنْ بَيْنَ أَعْدَادِ المُصَلِّينَ فِي صَلاَةِ الفَجْرِ ثُمَّ فِي مَوَاكِبِ النَّاسِ خَارِجَةً لِعَمَلِهَا! فَآهٍ مِنْ نُفُوسٍ تُحَرِّكُهَا مَصَالِحُهَا وَلَذَّاتُهَا العَاجِلَةُ وَلاَ تَتَحَرَّكُ لِنِدَاءِ الرَّحْمَنِ يُنَادِيهَا لِرَحْمَتِهِ وَرُضْوَانِهِ/ فَيَا كُلَّ مُقَصِّرٍ فِي صَلَاتِهِ الْأَمْرُ خَطِيرٌ / وَالْوَعِيْدُ شَدِيْدٌ / وَتَرْكُ الْصَلَاةِ بَرِيْدٌ مُوْصِلٌ للنِّفَاقِ وَالْكُفْرِ/ فَصَلَاتُكَ صَلَاتُكَ يَا عَبْدَالله إِنْ رُمْتَ الْنَّجَاحَ وَالَفَلَاحَ يَوْمَ الدِّيْنِ/ وَإِلَّا فَالْخَيْبَةُ وَالْخُسْرَانُ أَمَامَكَ/ قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالَّسَلَامُ : (إِنَّ أَوَّلَ مَا يُحَاسَبُ بِهِ الْعَبْدُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ عَمَلِهِ صَلَاتُهُ فَإِنْ صَلَحَتْ فَقَدْ أَفْلَحَ وَأَنْجَحَ وَإِنْ فَسَدَتْ فَقَدْ خَابَ وَخَسِرَ) اللهُمَّ اجْعَلِ الصَّلَاةَ قُرَّةَ أَعْيُنِنَا/ وَاجْعَلِ رَاحَتَنَا وَأُنْسَنَا فِيْهَا برحمتك يا أرحم الراحمين/ اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد/