وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا

وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا

إنّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلِ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أن محمدًا عبده ورسوله ،  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.، أما بعدُ : أيها المسلمون : أوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى في السر والعلن ، قال تعالى : { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ }

أيها المسلمون : إنكم مأمورون بطاعة الله تعالى وامتثال أمره، والله تعالى أمركم ، بحث الأبناء على الصلاة وتربيتهم عليها ومتابعتهم وتأديبهم عليها والصبر على ذلك طلبًا للأجر من الله تعالى ، قال تعالى : { وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى } طه 132 ، وبهذا الأمر العظيم أمر الله تعالى نبيه محمد صلى الله عليه وسلم ، وهو أمر للأمة من بعد نبيها صلى الله عليه وسلم ، واجبٌ عليها امتثاله والصبر عليه ، ابراء للذمة واداء للواجب ، وحقًا للقيام بحق الرعية ومن يعول ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «كُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالمَرْأَةُ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا رَاعِيَةٌ وَمَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا، وَالخَادِمُ فِي مَالِ سَيِّدِهِ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ»

فإن على الوالدين إن يجعلا قضية الصلاة والأمر بها والحث عليها من أولويات التربية والتنشئة، لأن الصلاة أمرها عظيم، أمر الله تعالى بها ، قال تعالى : { وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ}البقرة43

وحذر من التهاون والتكاسل في أدائها، وأن ذلك من صفات المنافقين قال تعالى : { إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا } النساء 142

وأمرنا بأن نستعين بالصبر وبالصلاة في كل ما نؤمل من خير الدنيا والآخرة ، قال تعالى : { وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ } البقرة 45

ووجهنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن نقوم بهذه المسؤولية والتربية على الصلاة من مراحل الطفولة الاولى لأولادنا

فعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مُرُوا أَوْلَادَكُمْ بِالصَّلَاةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ، وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا، وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرٍ وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ»

ومن هنا يأتي دور الأسرة وعنايتها واهتمامها بتنشئة أفرادها على اداء الصلاة فرضها ونفلها .

ويتحقق ذلك أولا : بمحافظة الوالدين للصلاة وحرصهم على ادائها في أنفسهم ليكونوا قدوة صالحة لأولادهم في هذا الشأن .

وثانيًا : بتنشئة وحث من هم تحت رعايتهم من الأهل والولد وبذل كل ما في وسعهم وتأديبهم على المحافظة على الصلاة والعناية بها ومتابعتهم في هذا الأمر ، حرصًا منهم لإنقاذ أنفسهم وأهلهم ومن يعولون .

قال تعالى : {  يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ } التحريم 6

أيها المسلمون : إن تربية الاولاد وحثهم على الصلاة ومتابعتهم وتأديبهم ، أمر عظيم وإن التقصير فيه لخطير .

قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَا مِنْ عَبْدٍ اسْتَرْعَاهُ اللَّهُ رَعِيَّةً، فَلَمْ يَحُطْهَا بِنَصِيحَةٍ، إِلَّا لَمْ يَجِدْ رَائِحَةَ الجَنَّةِ» صحيح البخاري (9/ 64) ، وأنى لأب لا يأمر أهله بالصلاة ويصطبر على ذلك ، أن يكون قد نصح لهم أو أدى ما عليه من واجب .

أيها المسلمون : إن على الآباء أن يهتدوا ويقتدوا بالسلف الصالح وكيف كانوا مع أولادهم وما مكانة الصلاة لديهم وعظمتها ، لقد كان من دأبِ الأنبياء المرسلين وعباد الله الصالحين الأمر بالصلاة ودعاء الله تعالى أن يعينهم وأبناءهم على إقامتها ، قال تعالى عن خليله إبراهيم عليه السلام : { رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ} إبراهيم 40 ، وقال تعالى عن إسماعيل عليه السلام : { وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا (54) وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا (55)} مريم ، ومن وصايا لقمان الحكيم لابنه ، قال تعالى في سورة لقمان : {  يَابُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} لقمان 17

وعَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَ يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ مَا شَاءَ اللَّهُ، حَتَّى إِذَا كَانَ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ، أَيْقَظَ أَهْلَهُ لِلصَّلَاةِ. يَقُولُ لَهُمُ:  الصَّلَاةَ الصَّلَاةَ ثُمَّ يَتْلُو هَذِهِ الْآيَةَ {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا، لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا، نَحْنُ نَرْزُقُكَ، وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى} موطأ مالك ت عبد الباقي (1/ 119)

أقول ما تسمعون وأستغفر الله العظيم

الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه وأشهد ألا إله إلا اللهُ وحده لا شريك له تعظيما لشأنه ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى أله وصحبه وسلَّم تسليما كثيرا ، أما بعد ، أيها المسلمون : اتقوا الله تعالى حق التقوى ، وقوموا بواجبكم تجاه أولادكم من حيث أمرهم بالصلاة ومتابعتهم في ذلك وكذلك تعليمهم أداء الصلاة وتدريبهم على ذلك ، تطبيقا عمليا يتعرفون على صفتها الصحيحة ومعرفة أركانها وواجباتها وسننها وماذا يقرأ فيها وماذا يفعل ويقول في الركوع والسجود والتشهد ، كل هذا يحتاج إلى عناية وتعليم وتدريب ،وإلى متابعة ومجاهدة ومصابرة وفعل الاسباب المعينة ،قال تعالى : { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } آل عمران 200

نسأل الله تعالى أن يوفقنا جميعا للمحافظة على الصلوات وأن يصلح أولادنا وأن يجعلنا وإياهم من المقيمين الصلاة المحافظين عليها ، قال تعالى { حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ } البقرة 238

هذا وصلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه ، قال تعالى { إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا }