وأمر أهلك بالصلاة

 

أيها المؤمنون.. عبادة لا غنى للمسلم عنها، ولا عوض يقوم مقامها، ولا تحقيق للصلة بين العبد وربه إلا بها، ولذا فرضت على جميع الأنبياء والرسل، وما تقرَّب عبدٌ إلى الله بمثلِها، وهي عمودُ الإسلام، وهي وصيَّتُه ﷺ لأمَّته آخر حياته: "الصلاةَ الصلاةَ" رواه أحمد.

كان النبي ﷺ أولَ ما يشترِطُ بعد النطق بالشهادتين إقامة الصلاة. فمن كمَّلها كان قائمًا بدينِه، ومن ضيَّعها كان لما سِواها أضيَع.

وهي أولُ ما فرضَ الله على موسى عليه السلام بعد توحيدِه، وكلَّمه بهما من غير واسِطة: (إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي) 

وتكلَّم بها عيسى – عليه السلام – وهو في المهد: (وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا)

خصَّها الله من بين العبادات بفرضِها في السماء، وكلَّم بها نبيَّنا محمدًا ﷺ من غير واسِطة، وهي خمسٌ في العدد ولكنَّها خمسون في الأجر.

ومدحَ الله عبادَه المُؤمنين بصفاتٍ افتتحَها بالصلاة: (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ - الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ)  واختَتمها بالصلاة: (وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ)

أداؤُها من أسباب دخول الجنة ورُؤية وجهِ الله الكريم، قال – عليه الصلاة والسلام -: "إنكم سترون ربَّكم كما ترَون هذا القمرَ لا تُضامُون في رُؤيتِه؛ فإن استطعتُم ألا تُغلَبُوا على صلاةٍ قبل طُلوع الشمسِ وقبل غروبِها فافعَلوا" متفق عليه

أجورُها عظيمةٌ قبل أدائِها؛ فالوضوءُ يُكفِّرُ الخطايا، وكلُّ خطوةٍ تخطُوها إلى الصلاة حسنة، وترفعُك عند الله درجة، والأُخرى تضعُ عنك سيِّئة، ومن دخل المسجِدَ دعَت له الملائِكةُ تقول: «اللهم صلِّ عليه، اللهم ارحَمه، ما لم يُحدِث فيه»؛ رواه البخاري.

بابٌ عظيمٌ للمغفرة والعفو من الله الكريم، قال ﷺ عن الصلوات الخمسِ: يمحُو الله بهنَّ الخطايا»؛ متفق عليه.

ومنافعها الدنيويَّةُ لا تُحصَى: فهي جالِبةٌ للسعادة، فاتِحةٌ للرِّزقِ مُيسِّرةٌ له، دافِعةٌ للشُّرور، داعِيةٌ لكلِّ خيرٍ.

وأمرَ الله المُؤمنين أن يستَعينُوا بها في كل أحوالِهم: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) 

عباد الله: وفي الآخرة تتقدَّم الصلاة سائرَ الأعمال، وتكون أولَ ما يُحاسَبُ عليه العبدُ يوم القيامة، فإن صلحت فقد أفلح وفاز، وإن فسدت فقد خاب وخسر.

وإذا دخل المُسلمُ النارَ بذنوبٍ استحقَّها لم تمسَّ النارُ مواضِع سُجودِه.

فرضٌ عظيمٌ جعلَها الله علامةً بين الكفر والإيمان، قال – عليه الصلاة والسلام -: "بين الرجُل وبين الشِّرك والكفر تركُ الصلاة"؛ رواه مسلم.

وتوعَّد – سبحانه – من أضاعَها بجهنَّم، فقال: (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا)

وقيل للكفار: (مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ - قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ)

وذكر النبي ﷺ الصلاة يوماً، فقال: " من حافظ عليها كانت له نوراً وبرهاناً ونجاةً يوم القيامة، ومن لم يحافظ عليها لم تكن له نوراً ولا برهاناً ولا نجاةً، وكان يوم القيامة مع قارون وفرعون وهامان وأُبي بن خلف" رواه أحمد.

وقال عُمر بن الخطَّاب – رضي الله عنه -: “لا حظَّ في الإسلام لمن تركَ الصلاةَ.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ)

 

الخطبة الثانية

أيها المؤمنون: فواجبٌ على كل مُكلَّفٍ أن يُحافِظَ على الصلاة، وألا يشغله عنها شاغل، (رِجَالٌ لاّ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللّهِ وَإِقَامِ الصّلاَةِ) 

وإن مما ينبغي على الآباء والأمهات أمر أولادهم بالصلاة، وأدائها في وقتها، والصبر على مشاق ذلك، فهذا نهج الأنبياء والصالحين، ووصية الله تعالى لنبيه، (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا).

وإبراهيم – عليه السلام – دعا ربَّه بقوله (رب اجعلني مقيم الصلاة ومن ذريتي ربنا وتقبل دعاء).

وأثنَى الله على إسماعيل – عليه السلام – لاهتمامِه بأمر الصلاة، فقال: (وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ)

ووصَّى بها لُقمانُ ابنَه فقال: (يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ)

فهذه الشعيرة العظيمة والعبادة الجليلة، ينبغي على الآباء والأمهات استمرار الأمر بها، بالرفق والتشجيع، والتحفيز والترغيب، مع الترهيب من تركها، والحزم في أدائها، وكل راع وكلكم مسؤول عن رعيته.

نأمرهم بها في جميع أحوالهم، فلا مجال لتركها، فتقام في الأمن والخوف، وفي السَّفر والحضر، وتقام في الصحة والمرض، قال رسول الله ﷺ: " صل قائما، فإن لم تستطع فقاعدا، فإن لم تستطع فعلى جنب". رواه البخاري

ويُؤمَرُ الأطفال بها من عمر سبع سنين. ولا يصح تقديم شيء من أمور الدنيا على الصلاة، لا دراسة ولا عمل، ولا نوم ولا لعب، سُئل النبيُّ ﷺ "أيُّ العمل أحبُّ إلى الله؟ قال: «الصلاةُ على وقتِها" رواه البخاري.

وما ينشده الآباء من سعادة وتوفيق لأبنائهم، وسعة رزق ورغد العيش؛ فالصلاة تحقق ذلك كله، فهي جالِبةٌ للسعادة، فاتِحةٌ للرِّزقِ، قال – سبحانه -: (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى). يقول ابن جزي في تفسيره "لا نَسْئَلُكَ رِزْقاً، أي لا نسألك أن ترزق نفسك ولا أهلك فتفرغ أنت وأهلك للصلاة فنحن نرزقك، وكان بعض السلف إذا أصاب أهله خصاصة قال: قوموا فصلوا بهذا أمركم الله، ويتلو هذه الآية"

ربنا اجعلنا مقيمي الصلاة ومن أزواجنا وذرياتنا

ربنا اجعل قرة أعيننا في الصلاة

اللهم اجعلنا من الذين هم على صلاتهم دائمون والذين هم في صلاتهم خاشعون والذين هم على صلاتهم يحافظون

المشاهدات 590 | التعليقات 0