وأشرق النور
أحمد بن صالح العجلان
الخطبة الأولى: الحمدُ للهِ والصلاة والسلام على عبده ورسوله ومن والاه واستن بسنته واهتدى بهداه فاتقوا الله عباد الله ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾أيها المؤمنون : إن الله قد حبى نبينا محمد r أكمل الشمائل وأطيب الخصال وأحسن الصفات وأفضل الأخلاق فهو نبينا مُحَمَّد ابنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ بن هَاشِمِ بنِ عَبْدِ مَنَافِ ابنِ قُصَيِّ بنِ كِلابِ بنِ مُرَّةَ بنِ كَعْبِ بنِ لُؤَيِّ بنِ غَالِبِ ابن فِهْرِ بنِ مَالِكِ بنِ النَّضْرِ بنِ كِنَانَةَ بنِ خُزَيْمَةَ بنِ مُدْرِكَةَ ابنِ إِلْيَاسَ بنِ مُضَرِ بن نِزَارِ بنِ مَعَدِّ بن عَدْنَانَ. ويتَّصلُ نَسَبُهُ إلى نبيِّ اللهِ إِسْمَاعِيلَ ابْنِ نبيِّ اللهِ إِبْرَاهِيمَ. ولد يوم الإثنين الثاني عشر من شهر ربيع الأول عام الفيل ولد rمختوناً مسروراً فأتت به أمه آمنة إلى جده عبد المطلب فأخذه وأدخله الكعبة وقام عندها يدعو الله ويشكره وهو يقول : الحمد لله الذي أعطاني ... هذا الغلام الطيب الأردان
قد ساد في المهد على الغلمان ... أعيذه بالله ذي الأركان
وأول من أرضعته من المراضع- بعد أمهr- ثويبة مولاة أبي لهب ثم حليمة السعدية ولما بلغ الخامسة من عمره أتاه جبريل، وهو يلعب مع الغلمان، فأخذه فصرعه، فشق عن قلبه، فاستخرج القلب، فاستخرج منه علقة، فقال: هذا حظ الشيطان منك، ثم غسله في طست من ذهب بماء زمزم، ثم لأمه، ثم أعاده إلى مكانه، وجاء الغلمان يسعون إلى حليمة فقالوا: إن محمدا قد قتل، فاستقبلوه وهو منتقع اللون . وخشيت عليه حليمة بعد هذه الوقعة حتى ردته إلى أمه، فكان عند أمه إلى أن بلغ ست سنين غير أن أمه آمنه نزل بها المرض، فماتت بالأبواء بين مكة والمدينة فأصبح r يتيم الأبوين فكفله جده عبد المطلب فرق عليه وهو يقول: دعوا ابني هذا فو الله إن له لشأنا، ثم يجلس معه على فراشه، ويمسح ظهره بيده ويقدمه على أولاده ولما بلغ ثماني سنوات من عمره rتوفي جده عبد المطلب بمكة، فكفله عمه أبو طالب شقيق أبيه وضمه إلى ولده، وقدمه عليهم، واختصه بفضل احترام وتقدير، وظل فوق أربعين سنة يحميه ويدافع عنه ويخاصم من أجله ويقول : وأبيض يستسقي الغمام بوجهه ... ثمال اليتامى عصمة للأرامل
ولما بلغ الأربعين سنة r جاءه الحق وهو في غار حراء، فجاءه الملك فقال: اقرأ: فقلت: ما أنا بقارئ، قال: فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني فقال: اقرأ، فقلت: ما أنا بقارئ، فأخذني فغطني الثالثة، ثم أرسلني فقال: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ. خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ. اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ «1» فرجع بها رسول الله صلى الله عليه وسلم يرجف فؤاده، فدخل على خديجة بنت خويلد فقال: زملوني زملوني، فزملوه حتى ذهب عنه الروع، فقال لخديجة: مالي، وأخبرها الخبر، لقد خشيت على نفسي، فقالت خديجة:كلا، والله ما يخزيك الله أبدا، إنك لتصل الرحم، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق فانطلقت به خديجة حتى أتت به ورقة بن نوفل فأخبره rخبر ما رأى، فقال له ورقة: هذا الناموس الذي نزله الله على موسى، يا ليتني فيها جذعا، ليتني أكون حيا إذ يخرجك قومك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أو مخرجي هم؟ قال: نعم، لم يأت رجل قط بمثل ما جئت به إلا عودي، وإن يدركني يومك أنصرك نصرا مؤزرا، ثم لم ينشب ورقة أن توفي وفتر الوحي «2» . فتلقى النبي rأمر ربه في قوله تعالى: يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ. قُمْ فَأَنْذِرْ. وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ، وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ. وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ. وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ، وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ. وقام r ثلاثة وعشرين عاما قائما على دعوة الله، يحمل على عاتقه تبليغ دين الله ونبذ الشرك وعبادة الأصنام إلى توحيد الله وعبادته وإخلاص الدين لله وحده فجزاه الله عنا وعن البشرية كلها خير الجزاء حيث بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة وكشف به الله الغمة وجاهد في سبيل الله حق جهاده أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم من كل ذنب وخطيئة فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية :
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً أما بعد: عباد الله:-
وفي اليوم التاسع والعشرين من شهر صفر سنة إحدى عشر اشتد المرض بالنبي r حتى يغمى عليه، وهو يقول: «هريقوا علي سبع قرب من آبار شتى، حتى أخرج إلى الناس، فأعهد إليهم» فأقعدوه وصبوا عليه الماء، حتى طفق يقول: «حسبكم، حسبكم» . وعرض نفسه للقصاص قائلا: «من كنت جلدت له ظهرا فهذا ظهري فليستقد منه، ومن كنت شتمت له عرضا فهذا عرضي فليستقد منه» ثم قال: «إن عبدا خيره الله أن يؤتيه من زهرة الدنيا ما شاء، وبين ما عنده، فاختار ما عنده» قال أبو سعيد الخدري: فبكى أبو بكر. وقال : فديناك بابائنا وأمهاتنا. فقال r « ولو كنت متخذا خليلا غير ربي لاتخذت أبا بكر خليلا) فمات rوهو في حجر عائشةy وهو يقول: «مع الذين أنعمت عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، اللهم اغفر لي وارحمني، وألحقني بالرفيق الأعلى، اللهم الرفيق الأعلى. وكان ذلك في يوم الإثنين الثاني عشر من ربيع الأول سنة 11 هـ. وبذا يعلم أنه لايجوز اتخاذ مولده r احتفالا فيوم مولده هو نفسه يوم وفاته وَلَو كَانَ الاحتِفَالُ بِمَولِدِهِ خَيرًا لَسَبَقنا إليه الصحابة ومحبة النبي صلى الله عليه وسلم تقتضي الطاعةَ والاتباع، وتركَ المخالفة والابتداع قال تعالى (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ) لَوْ كَانَ حُبُّكَ صَادِقًا لأَطَعْتَهُ إِنَّ الْـمُحِبَّ لِـمَنْ يُـحِبُّ مُطِيعُ
إمامَ المُرسلينَ فداكَ رُوحـــي = وأرواحُ الأئمةِ والدُّعــــاةِ
رسولَ العالمينَ فداكَ عرضي = وأعراضُ الأحبّةِ والتُّقــاةِ
ويا علم الهدى يفديك عمري = ومالي.. يا نبي المكرماتِ!!
فداكَ الكون يا عَطِرَ السجايا = فما للناس دونك من زكاةِ..
وذكرُكَ يا رســـولَ اللهِ زادٌ = تُضاءُ بهِ أسَاريرُ الحَيَــاةِ
ومَا لِجنان عَدنٍ من طريقٍ = بغيرِ هُداكَ يا علمَ الهُــداةِ
رسولَ الحُبِّ في ذكراك قُربى = وتحتَ لواكَ أطواقُ النجـــاةِ
عليك صلاةُ ربِّكَ ما تجلـّـــى = ضياءٌ .. واعتلى صوتُ الهُداةِ
عباد الله (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا )اللهم صلِّ على محمد وآل محمد كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد
اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين واحم حوزةَ الدين، اللهم وفق ولاة أمرنا لما يرضيك، يا ذا الجلال والإكرام، اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم يا أرحم الراحمين عباد الله: أنَّ الله يأمُر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القُربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغْي، يعظُكم لعلَّكم تذكَّرون فاذكُروا الله العظيم الجليل يذكُركم، واشكُروه على نِعَمِه يزدْكم، ولَذِكرُ الله أكبر، والله يعلَمُ ما تصنَعون.وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .