{وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ}
عبدالله محمد الطوالة
1435/05/20 - 2014/03/21 17:24PM
أحبتي في الله وهذه خطبة (مجمعة) في وصف الجنة .. أصلها وأكثرها لإمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ صالح بن حميد .. أسأل الله أن ينفع بها ..
أما بعد: فاتقوا الله عباد الله .. اتقوا الله حق تقاته ، وسارعوا إلى مغفرة ربكم ومرضاته، وأجيبوا الداعي إلى دار كرامته وجناته، فما أسرع أن يمضي العمر وتنقضي أوقاته {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} ..
أيها المسلمون، الحديث عن النعيم المقيم، والإيمان الراسخ بالنُزل الكريم من الغفور الرحيم هو سلوة المؤمنين ، وحياة القلوب، وحادي النفوس . الحديث عن النعيم المقيم والرضوان الأكبر وكرامة الصالحين عند رب العالمين .. حديث محبب للنفوس .. ترتاح له القلوب وتأنس به الأرواح .. وحق لها والله ..
{جَنَّةٍ عَالِيَةٍ * قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ } {فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ * لاَّ تَسْمَعُ فِيهَا لَاغِيَةً * فِيهَا عَيْنٌ جَارِيَةٌ * فِيهَا سُرُرٌ مَّرْفُوعَةٌ * وَأَكْوَابٌ مَّوْضُوعَةٌ * وَنَمَارِقُ مَصْفُوفَةٌ * وَزَرَابِيُّ مَبْثُوثَةٌ } ..
اعمل لدار البقاء رضوان خازنها ..... الجارُ احمد والرحمن بانيها
ارض لها ذهب والمسك طينتها ..... والزعفران حشيش نابت فيها
انهارها لبن محض ومن عسل ..... والخمر يجري رحيقا في مجاريها
والطير تجري على الاغصان عاكفة ..... تسبح الله جهرا في مغانيها
عزت والله دار الفردوس من دار، وجلّ فيها المبتغى والمرام، ووالله إن داراً تبلغ النفوس فيها منتهى أمانيها لهي الدار .. {وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} غرف مبنية من فوقها غرف .. طابت للأبرار منازلها وسكْنَاها .. جلّ وتقدس وتبارك من سواها وبناها ، كيف تظنون يا عباد الله بدار غرسها الرحمن بيده، وجعلها مستقرًا لأهله وخاصته ، وملأها برضوانه ولطفه ورحمته، فيها الفوز العظيم والملك الكبير والرضوان الأكبر والنعيم المقيم .. ولموضع السوط فيها خير من الدنيا وما فيها: {فَمَن زُحْزِحَ عَنِ ٱلنَّارِ وَأُدْخِلَ ٱلْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَما ٱلْحَيَوٰةُ ٱلدُّنْيَا إِلاَّ مَتَـٰعُ ٱلْغُرُورِ} .. فتعالوا بنا أحبتي في الله .. نشوق القلوب ونذكر النفوس ... تعالوا نتذاكر شيئاً من أخبارها وما أعده الكريم فيها لعباده المتقين .. قد أفلح والله المؤمنون {الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} ..
أيها الأحبة : يحشر المتقون إلى الرحمن وفدًا، ويساقون إلى الجنة زمرًا .. قد وجدوا ما وعدهم ربهم حقًا، رضي عنهم ورضوا عنه. يناديهم جل جلاله: {يٰعِبَادِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْكُمُ ٱلْيَوْمَ وَلاَ أَنتُمْ تَحْزَنُونَ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ بِـئَايَـٰتِنَا وَكَانُواْ مُسْلِمِينَ ٱدْخُلُواْ ٱلْجَنَّةَ أَنتُمْ وَأَزْوٰجُكُمْ تُحْبَرُونَ} .. {يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُقِيمٌ} {لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ} .. {يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} ..
أول زمرة منهم على صورة القمر، ثم الذين يلونهم على أشد كوكب دريٍّ، على خَلق رجل واحد ، على صورة أبيهم آدم ، لا اختلاف بينهم ، قلوبهم على قلب واحد يسبحون الله بكرةً وعشيًا {دَعْوٰهُمْ فِيهَا سُبْحَـٰنَكَ ٱللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلاَمٌ وَءاخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ ٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبّ ٱلْعَـٰلَمِينَ} ..
يناديهم المنادي: أن لكم النعيم سرمدًا، تحيون ولا تموتون أبدًا، وتصِحون ولا تمرضون أبدًا، تشِبون ولا تهرمون أبدًا، وتنعمون ولا تبأسون أبدًا، يحل الله عليكم رضوانه فلا يسخط عليكم أبدًا .. {جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ كَذَلِكَ يَجْزِي اللَّهُ الْمُتَّقِينَ} ..
كيف بكم يا عباد الله بدارٍ فيها من النعيم واللذائذ والحبور ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر .. واقرؤوا إن شئتم قول ربكم تبارك وتعالى: {فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِىَ لَهُم مّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاء بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} .. وقال تعالى {وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ ٱلاْنْفُسُ وَتَلَذُّ ٱلاْعْيُنُ وَأَنتُمْ فِيهَا خَـٰلِدُونَ} .. أبوابها ثمانية، ما بين المصراعين من مصاريعها مسيرة أربعين سنة .. لبناتها ذهب وفضة، ملاطها مسك أذخر فاخر، وحصباؤها اللؤلؤ والجوهر، وترابها المسك والزعفران، أنهارها تجري بلا أخدود، ما بين ماءٍ غير آسن، ولبنٍ لا يتغير طعمه، وخمرٍ لذة للشاربين وٍعسل مُصَفَّى، غرفاتها عجب عجب، من روعة بعضها يُرى باطنها من ظاهرها وظاهرها من باطنها .. { غُرَفٌ مِنْ فَوْقِهَا غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ الْمِيعَادَ} ..
رياضها ملتقى المتحابين، وحدائقها نزهة المشتاقين، تجري من تحتهم الأنهار بهجة للناظرين ، رفيعة المقام ، عالية الدرجات ، عرش الرحمن سقفها ، بهيجة المتاع ، نور تتلألأ ، وريحانة تهتز ، وقصر مشيد ، ونهر مطرد ، وسندس وإستبرق وحلل كثيرة ، وفاكهة نضيجة كثيرة ، قطوفها دانية .. قد ذللت تذليلاً ، فمنها يتخيرون .. لا مقطوعة ولا ممنوعة، ولحم طير مما يشتهون . {كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} ..
يلبسون من سندس وإستبرق متقابلين، ويحلون من أساور من ذهب ولؤلؤًا، يجتمعون في ظلها الظليل .. يطوف عليهم ولدان مخلدون، {كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَّكْنُونٌ} إذا رأيتهم حسبتهم من جمالهم ودأبهم في خدمة أسيادهم لؤلؤا منثورا، يطوفون عليهم بالكؤوس والأكواب والأباريق {يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ} .. تتوالى عليهم المسرات والخيرات والإحسان والمكرمات .. يعطى الواحد منهم قوة مئة في الطعام والشراب ليأكلوا من كل ما طاب لهم .. وليشربوا من كل ما لذ لهم .. وليطول نعيمهم ويتنوع .. كلما رزقوا منها من ثمرة رزقا قالوا هذا الذي رزقنا من قبل وأتوا به متشابها ، فهي في اللون والهيئة متشابهة ، أما في الطعم والرائحة فمتباينة ، ولهم رزقهم فيها بكرة وعشيا .. يدعون فيها بكل فاكهة آمنين .. في النعيم خالدين .. من الموت آمنين .. ومن الهرم والمرض سالمين .. ومن كل خوف أو نقص آمنين .. هم وأزواجهم في ظلال على الأرائك متكئون ، تم نعيمهم فطاب لهم الاتكاء ..
نزع من قلوبهم الحسد والغل وطابت صدورهم من الهم والغم : {وَقَالُواْ ٱلْحَمْدُ للَّهِ ٱلَّذِى أَذْهَبَ عَنَّا ٱلْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ * ٱلَّذِى أَحَلَّنَا دَارَ ٱلْمُقَامَةِ مِن فَضْلِهِ لاَ يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلاَ يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ} {لاَ يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً وَلاَ تَأْثِيماً إِلاَّ قِيلاً سَلَـٰماً سَلَـٰماً} .. أُنس ورضًا ، يغمره ودٌّ وأمان وطمأنينة ، يبلّغهم ربهم السلام: {سَلاَمٌ قَوْلاً مّن رَّبّ رَّحِيمٍ} .. والملائكة يدخلون عليهم من كل باب {سَلَـٰمٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَىٰ ٱلدَّارِ} ..
يأتلفُ شملهم مع آبائهم وأزواجهم وذرياتهم: {جَنَّـٰتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ ءابَائِهِمْ وَأَزْوٰجِهِمْ وَذُرّيَّاتِهِمْ} ، {وَنَزَعْنَا مَا فِى صُدُورِهِم مّنْ غِلّ إِخْوَانًا عَلَىٰ سُرُرٍ مُّتَقَـٰبِلِينَ} ..
وفي الجنة أزواج مطهرة .. نظافة وطهارة تامة .. لا حيض ولا نفاس .. خيّراتٍ حِسان الوجوه، جمعن الجمال الباطن والظاهر من كل الوجوه .. أنشأهن الله إنشاءً فجعلهن أبكارا، كلما عاشرها زوجها عادت بكرا كما كانت .. في الخيام مقصورات، وللطرف قاصرات ، {عُرُباً أَتْرَاباً * لاِصْحَـٰبِ ٱلْيَمِينِ} ، والعروب هي المتوددة المتحببة لزوجها؛ والأتراب هم المتفقون سناً المتجانسون هواً وطباعاً .. لا يفنى شبابها، ولا يبلى جمالها: {لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلاَ جَانٌّ} .. لو اطلعت إحداهن على الدنيا لملأت ما بين الارض والسماء ريحًا وعطرًا وشذًى، ولطمست ضوء الشمس كما تُطمس النجوم نهاراً .. حوراء غيداء بيضاء .. ناعمة لا تبأس أبدًا .. راضية لا تسخط أبدًا ..
غادة ذات دلال ومرح ..... يجد الناعت فيها ما اقترح
خلقت من كل شيء حسن .... طيب فالليت فيها مطرح
زانها اللّه بوجه جُمعت ... فيه أوصاف عجيبات المُلح
ناعمٍ تجري على صفحته .... نضرة الملك ولألاء الفرح
في رياضٍ مونق نرجسه .... كلما هب له الريح نفح
لا تكونن كمن جدّ إلى ... منتهى حاجته ثم جنح
لا ، فما يخطب مثلي من سها ... إنما يخطب مثلي من ألح
فيا صاحب العقل الفهيم .. هل فوق هذا النعيم نعيم ؟!
نعم يا عباد الله .. هناك ما هو أفضل وأجمل وأكمل من كل ما سبق .. فأهل الجنة لهم الحسنى وزيادة ؛ {لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ} .. فينادي المنادي: يا أهل الجنة إن ربكم تبارك وتعالى يستزيركم: (أي يطلب زيارتكم) فحي على الزيارة فينهضون إلى الزيارة مبادرين؛ فإذا بالنجائب والركائب قد أعدت لهم حتى إذا انتهوا إلى الوادي الأفيح نُصبت لهم منابر النور وجلسوا على كثبان المسك ؛ ثم ينادي المنادي: يا أهل الجنة: سلام عليكم {تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَـٰمٌ} .. يا أهل الجنة هذا يوم المزيد؛ ثم يكشف الرب جل وعلا الحُجب ويتجلى لهم فيغشاهم من النور ما يغشاهم . فلا والله ما يعطون نعيماً أعظم ولا أجمل من رؤية ربهم . {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ إِلَىٰ رَبّهَا نَاظِرَةٌ } فيا قرة عيون الأبرار بالنظر إلى وجه الكريم الغفار ..
أولئك هم أصحاب الحسنى وزيادة .. عباد الله حفظوا وصية الله، ورعوا عهده، بربهم يؤمنون، وبربهم لا يشركون ، وهم من خشيته مشفقون، استجابوا لربهم وأقاموا الصلاة وأنفقوا سرًا وعلانية .. وفي السراء والضراء، يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة ، يجتنبون كبائر الإثم والفواحش ، إذا ذكر الله وجلت قلوبهم، وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانًا وعلى ربهم يتوكلون ، عن اللغو معرضون، وللزكاة فاعلون، ولفروجهم حافظون، إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين ، وهم لأماناتهم وعهدهم راعون .. كثر استغفارهم فحُطت خطاياهم، وكل ما طلبوا من ربهم أعطاهم فسبحان من اختارهم وهداهم واصطفاهم .. قوم آمنوا بالله وصدقوا المرسلين : {وَقَالُواْ ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ ٱلَّذِى هَدَانَا لِهَـٰذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِىَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا ٱللَّهُ لَقَدْ جَاءتْ رُسُلُ رَبّنَا بِٱلْحَقّ وَنُودُواْ أَن تِلْكُمُ ٱلْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} ..
ألا هل من مشمر إلى الجنة يا عباد الله ، قولوا كما قال أصحاب رسول الله : نعم نحن المشمرون إن شاء الله .. بارك الله ..
الحمد لله وكفى ..
أما بعد: فقد سأل الصحابي الجليل معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: "قلت: يا رسول الله أخبرني بعمل يدخلني الجنة ويباعدني عن النار ؟ قال: لقد سألت عن عظيم وإنه يسير على من يسره الله عليه؛ تعبد الله ولا تشرك به شيئًا، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت. ثم قال: ألا أدلك على أبواب الخير؟ الصوم جُنة، والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار، وصلاة الرجل في جوف الليل. ثم تلا: {تَتَجَافَىٰ جُنُوبُهُمْ عَنِ ٱلْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَـٰهُمْ يُنفِقُونَ فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِىَ لَهُم مّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاء بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} . ثم قال: ألا أخبرك برأس الأمر وعموده وذروة سنامه؟ قلت: بلى يارسول الله. قال: رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد في سبيل الله. ثم قال: ألا أخبرك بملاك ذلك كله؟ قلت: بلى يا نبي الله. فأخذ بلسانه وقال: كف عليك هذا. قلت: يانبي الله وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به. فقال: ثكلتك أمك يا معاذ؛ وهل يكب الناس على وجوههم -أو قال: على مناخرهم- إلا حصائد السنتهم) ..
أيها الأحبة هذه هي الجنة، وهذا هو سبيلها وفي الحديث الصحيح الجنة أقرب إلى أحدكم من شراك نعله ، والنار كذلك .. فهل رأيتم أشد غبنـًا وأسوأ صفقة ممن يبيع الخلود في الجنان العالية بحياة فانية أشبه بأضغاث أحلام، يبيع جنة عرضها السموات والأرض فيها من النعيم ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر .. أيباع هذا بدنيا حقيرة قصيرة جبلت على كدر ونكد إن أضحكت قليلاً أبكت كثيرًا، وإن سرت أيامًا أحزنت دهورًا، أيّ سفه وأيّ عته ممن يبيع مساكن طيبة في جنات عدن بأعطان ضيقة وخراب بور ؟!! يا حسرة هذا المتخلف حين يعاين كرامة الله لأوليائه ، وما أُخفى لهم من قرة أعين فلسوف يعلمُ أي بضاعة أضاع!! وبأيّ أمرٍ فرط .. يصرخ بأعلى صوته .. رب أرجعون لعلي أعمل صالحاً فيما تركت .. فيقال له كلا .. فاتقوا الله رحمكم الله، وبادروا وشمروا، وجدوا واجتهدوا .. وأبشروا وأملوا .. {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} ..
ابن آدم عش ما شئت فإنك ميت ، واحبب من شئت فإنك مفارقه ، واعمل ما شئت فإنك مجزي به .. البر لا يبلى ، والذنب لا ينسى ، والديان لا يموت ..
أما بعد: فاتقوا الله عباد الله .. اتقوا الله حق تقاته ، وسارعوا إلى مغفرة ربكم ومرضاته، وأجيبوا الداعي إلى دار كرامته وجناته، فما أسرع أن يمضي العمر وتنقضي أوقاته {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} ..
أيها المسلمون، الحديث عن النعيم المقيم، والإيمان الراسخ بالنُزل الكريم من الغفور الرحيم هو سلوة المؤمنين ، وحياة القلوب، وحادي النفوس . الحديث عن النعيم المقيم والرضوان الأكبر وكرامة الصالحين عند رب العالمين .. حديث محبب للنفوس .. ترتاح له القلوب وتأنس به الأرواح .. وحق لها والله ..
{جَنَّةٍ عَالِيَةٍ * قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ } {فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ * لاَّ تَسْمَعُ فِيهَا لَاغِيَةً * فِيهَا عَيْنٌ جَارِيَةٌ * فِيهَا سُرُرٌ مَّرْفُوعَةٌ * وَأَكْوَابٌ مَّوْضُوعَةٌ * وَنَمَارِقُ مَصْفُوفَةٌ * وَزَرَابِيُّ مَبْثُوثَةٌ } ..
اعمل لدار البقاء رضوان خازنها ..... الجارُ احمد والرحمن بانيها
ارض لها ذهب والمسك طينتها ..... والزعفران حشيش نابت فيها
انهارها لبن محض ومن عسل ..... والخمر يجري رحيقا في مجاريها
والطير تجري على الاغصان عاكفة ..... تسبح الله جهرا في مغانيها
عزت والله دار الفردوس من دار، وجلّ فيها المبتغى والمرام، ووالله إن داراً تبلغ النفوس فيها منتهى أمانيها لهي الدار .. {وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} غرف مبنية من فوقها غرف .. طابت للأبرار منازلها وسكْنَاها .. جلّ وتقدس وتبارك من سواها وبناها ، كيف تظنون يا عباد الله بدار غرسها الرحمن بيده، وجعلها مستقرًا لأهله وخاصته ، وملأها برضوانه ولطفه ورحمته، فيها الفوز العظيم والملك الكبير والرضوان الأكبر والنعيم المقيم .. ولموضع السوط فيها خير من الدنيا وما فيها: {فَمَن زُحْزِحَ عَنِ ٱلنَّارِ وَأُدْخِلَ ٱلْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَما ٱلْحَيَوٰةُ ٱلدُّنْيَا إِلاَّ مَتَـٰعُ ٱلْغُرُورِ} .. فتعالوا بنا أحبتي في الله .. نشوق القلوب ونذكر النفوس ... تعالوا نتذاكر شيئاً من أخبارها وما أعده الكريم فيها لعباده المتقين .. قد أفلح والله المؤمنون {الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} ..
أيها الأحبة : يحشر المتقون إلى الرحمن وفدًا، ويساقون إلى الجنة زمرًا .. قد وجدوا ما وعدهم ربهم حقًا، رضي عنهم ورضوا عنه. يناديهم جل جلاله: {يٰعِبَادِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْكُمُ ٱلْيَوْمَ وَلاَ أَنتُمْ تَحْزَنُونَ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ بِـئَايَـٰتِنَا وَكَانُواْ مُسْلِمِينَ ٱدْخُلُواْ ٱلْجَنَّةَ أَنتُمْ وَأَزْوٰجُكُمْ تُحْبَرُونَ} .. {يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُقِيمٌ} {لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ} .. {يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} ..
أول زمرة منهم على صورة القمر، ثم الذين يلونهم على أشد كوكب دريٍّ، على خَلق رجل واحد ، على صورة أبيهم آدم ، لا اختلاف بينهم ، قلوبهم على قلب واحد يسبحون الله بكرةً وعشيًا {دَعْوٰهُمْ فِيهَا سُبْحَـٰنَكَ ٱللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلاَمٌ وَءاخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ ٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبّ ٱلْعَـٰلَمِينَ} ..
يناديهم المنادي: أن لكم النعيم سرمدًا، تحيون ولا تموتون أبدًا، وتصِحون ولا تمرضون أبدًا، تشِبون ولا تهرمون أبدًا، وتنعمون ولا تبأسون أبدًا، يحل الله عليكم رضوانه فلا يسخط عليكم أبدًا .. {جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ كَذَلِكَ يَجْزِي اللَّهُ الْمُتَّقِينَ} ..
كيف بكم يا عباد الله بدارٍ فيها من النعيم واللذائذ والحبور ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر .. واقرؤوا إن شئتم قول ربكم تبارك وتعالى: {فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِىَ لَهُم مّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاء بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} .. وقال تعالى {وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ ٱلاْنْفُسُ وَتَلَذُّ ٱلاْعْيُنُ وَأَنتُمْ فِيهَا خَـٰلِدُونَ} .. أبوابها ثمانية، ما بين المصراعين من مصاريعها مسيرة أربعين سنة .. لبناتها ذهب وفضة، ملاطها مسك أذخر فاخر، وحصباؤها اللؤلؤ والجوهر، وترابها المسك والزعفران، أنهارها تجري بلا أخدود، ما بين ماءٍ غير آسن، ولبنٍ لا يتغير طعمه، وخمرٍ لذة للشاربين وٍعسل مُصَفَّى، غرفاتها عجب عجب، من روعة بعضها يُرى باطنها من ظاهرها وظاهرها من باطنها .. { غُرَفٌ مِنْ فَوْقِهَا غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ الْمِيعَادَ} ..
رياضها ملتقى المتحابين، وحدائقها نزهة المشتاقين، تجري من تحتهم الأنهار بهجة للناظرين ، رفيعة المقام ، عالية الدرجات ، عرش الرحمن سقفها ، بهيجة المتاع ، نور تتلألأ ، وريحانة تهتز ، وقصر مشيد ، ونهر مطرد ، وسندس وإستبرق وحلل كثيرة ، وفاكهة نضيجة كثيرة ، قطوفها دانية .. قد ذللت تذليلاً ، فمنها يتخيرون .. لا مقطوعة ولا ممنوعة، ولحم طير مما يشتهون . {كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} ..
يلبسون من سندس وإستبرق متقابلين، ويحلون من أساور من ذهب ولؤلؤًا، يجتمعون في ظلها الظليل .. يطوف عليهم ولدان مخلدون، {كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَّكْنُونٌ} إذا رأيتهم حسبتهم من جمالهم ودأبهم في خدمة أسيادهم لؤلؤا منثورا، يطوفون عليهم بالكؤوس والأكواب والأباريق {يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ} .. تتوالى عليهم المسرات والخيرات والإحسان والمكرمات .. يعطى الواحد منهم قوة مئة في الطعام والشراب ليأكلوا من كل ما طاب لهم .. وليشربوا من كل ما لذ لهم .. وليطول نعيمهم ويتنوع .. كلما رزقوا منها من ثمرة رزقا قالوا هذا الذي رزقنا من قبل وأتوا به متشابها ، فهي في اللون والهيئة متشابهة ، أما في الطعم والرائحة فمتباينة ، ولهم رزقهم فيها بكرة وعشيا .. يدعون فيها بكل فاكهة آمنين .. في النعيم خالدين .. من الموت آمنين .. ومن الهرم والمرض سالمين .. ومن كل خوف أو نقص آمنين .. هم وأزواجهم في ظلال على الأرائك متكئون ، تم نعيمهم فطاب لهم الاتكاء ..
نزع من قلوبهم الحسد والغل وطابت صدورهم من الهم والغم : {وَقَالُواْ ٱلْحَمْدُ للَّهِ ٱلَّذِى أَذْهَبَ عَنَّا ٱلْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ * ٱلَّذِى أَحَلَّنَا دَارَ ٱلْمُقَامَةِ مِن فَضْلِهِ لاَ يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلاَ يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ} {لاَ يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً وَلاَ تَأْثِيماً إِلاَّ قِيلاً سَلَـٰماً سَلَـٰماً} .. أُنس ورضًا ، يغمره ودٌّ وأمان وطمأنينة ، يبلّغهم ربهم السلام: {سَلاَمٌ قَوْلاً مّن رَّبّ رَّحِيمٍ} .. والملائكة يدخلون عليهم من كل باب {سَلَـٰمٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَىٰ ٱلدَّارِ} ..
يأتلفُ شملهم مع آبائهم وأزواجهم وذرياتهم: {جَنَّـٰتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ ءابَائِهِمْ وَأَزْوٰجِهِمْ وَذُرّيَّاتِهِمْ} ، {وَنَزَعْنَا مَا فِى صُدُورِهِم مّنْ غِلّ إِخْوَانًا عَلَىٰ سُرُرٍ مُّتَقَـٰبِلِينَ} ..
وفي الجنة أزواج مطهرة .. نظافة وطهارة تامة .. لا حيض ولا نفاس .. خيّراتٍ حِسان الوجوه، جمعن الجمال الباطن والظاهر من كل الوجوه .. أنشأهن الله إنشاءً فجعلهن أبكارا، كلما عاشرها زوجها عادت بكرا كما كانت .. في الخيام مقصورات، وللطرف قاصرات ، {عُرُباً أَتْرَاباً * لاِصْحَـٰبِ ٱلْيَمِينِ} ، والعروب هي المتوددة المتحببة لزوجها؛ والأتراب هم المتفقون سناً المتجانسون هواً وطباعاً .. لا يفنى شبابها، ولا يبلى جمالها: {لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلاَ جَانٌّ} .. لو اطلعت إحداهن على الدنيا لملأت ما بين الارض والسماء ريحًا وعطرًا وشذًى، ولطمست ضوء الشمس كما تُطمس النجوم نهاراً .. حوراء غيداء بيضاء .. ناعمة لا تبأس أبدًا .. راضية لا تسخط أبدًا ..
غادة ذات دلال ومرح ..... يجد الناعت فيها ما اقترح
خلقت من كل شيء حسن .... طيب فالليت فيها مطرح
زانها اللّه بوجه جُمعت ... فيه أوصاف عجيبات المُلح
ناعمٍ تجري على صفحته .... نضرة الملك ولألاء الفرح
في رياضٍ مونق نرجسه .... كلما هب له الريح نفح
لا تكونن كمن جدّ إلى ... منتهى حاجته ثم جنح
لا ، فما يخطب مثلي من سها ... إنما يخطب مثلي من ألح
فيا صاحب العقل الفهيم .. هل فوق هذا النعيم نعيم ؟!
نعم يا عباد الله .. هناك ما هو أفضل وأجمل وأكمل من كل ما سبق .. فأهل الجنة لهم الحسنى وزيادة ؛ {لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ} .. فينادي المنادي: يا أهل الجنة إن ربكم تبارك وتعالى يستزيركم: (أي يطلب زيارتكم) فحي على الزيارة فينهضون إلى الزيارة مبادرين؛ فإذا بالنجائب والركائب قد أعدت لهم حتى إذا انتهوا إلى الوادي الأفيح نُصبت لهم منابر النور وجلسوا على كثبان المسك ؛ ثم ينادي المنادي: يا أهل الجنة: سلام عليكم {تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَـٰمٌ} .. يا أهل الجنة هذا يوم المزيد؛ ثم يكشف الرب جل وعلا الحُجب ويتجلى لهم فيغشاهم من النور ما يغشاهم . فلا والله ما يعطون نعيماً أعظم ولا أجمل من رؤية ربهم . {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ إِلَىٰ رَبّهَا نَاظِرَةٌ } فيا قرة عيون الأبرار بالنظر إلى وجه الكريم الغفار ..
أولئك هم أصحاب الحسنى وزيادة .. عباد الله حفظوا وصية الله، ورعوا عهده، بربهم يؤمنون، وبربهم لا يشركون ، وهم من خشيته مشفقون، استجابوا لربهم وأقاموا الصلاة وأنفقوا سرًا وعلانية .. وفي السراء والضراء، يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة ، يجتنبون كبائر الإثم والفواحش ، إذا ذكر الله وجلت قلوبهم، وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانًا وعلى ربهم يتوكلون ، عن اللغو معرضون، وللزكاة فاعلون، ولفروجهم حافظون، إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين ، وهم لأماناتهم وعهدهم راعون .. كثر استغفارهم فحُطت خطاياهم، وكل ما طلبوا من ربهم أعطاهم فسبحان من اختارهم وهداهم واصطفاهم .. قوم آمنوا بالله وصدقوا المرسلين : {وَقَالُواْ ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ ٱلَّذِى هَدَانَا لِهَـٰذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِىَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا ٱللَّهُ لَقَدْ جَاءتْ رُسُلُ رَبّنَا بِٱلْحَقّ وَنُودُواْ أَن تِلْكُمُ ٱلْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} ..
ألا هل من مشمر إلى الجنة يا عباد الله ، قولوا كما قال أصحاب رسول الله : نعم نحن المشمرون إن شاء الله .. بارك الله ..
الحمد لله وكفى ..
أما بعد: فقد سأل الصحابي الجليل معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: "قلت: يا رسول الله أخبرني بعمل يدخلني الجنة ويباعدني عن النار ؟ قال: لقد سألت عن عظيم وإنه يسير على من يسره الله عليه؛ تعبد الله ولا تشرك به شيئًا، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت. ثم قال: ألا أدلك على أبواب الخير؟ الصوم جُنة، والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار، وصلاة الرجل في جوف الليل. ثم تلا: {تَتَجَافَىٰ جُنُوبُهُمْ عَنِ ٱلْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَـٰهُمْ يُنفِقُونَ فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِىَ لَهُم مّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاء بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} . ثم قال: ألا أخبرك برأس الأمر وعموده وذروة سنامه؟ قلت: بلى يارسول الله. قال: رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد في سبيل الله. ثم قال: ألا أخبرك بملاك ذلك كله؟ قلت: بلى يا نبي الله. فأخذ بلسانه وقال: كف عليك هذا. قلت: يانبي الله وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به. فقال: ثكلتك أمك يا معاذ؛ وهل يكب الناس على وجوههم -أو قال: على مناخرهم- إلا حصائد السنتهم) ..
أيها الأحبة هذه هي الجنة، وهذا هو سبيلها وفي الحديث الصحيح الجنة أقرب إلى أحدكم من شراك نعله ، والنار كذلك .. فهل رأيتم أشد غبنـًا وأسوأ صفقة ممن يبيع الخلود في الجنان العالية بحياة فانية أشبه بأضغاث أحلام، يبيع جنة عرضها السموات والأرض فيها من النعيم ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر .. أيباع هذا بدنيا حقيرة قصيرة جبلت على كدر ونكد إن أضحكت قليلاً أبكت كثيرًا، وإن سرت أيامًا أحزنت دهورًا، أيّ سفه وأيّ عته ممن يبيع مساكن طيبة في جنات عدن بأعطان ضيقة وخراب بور ؟!! يا حسرة هذا المتخلف حين يعاين كرامة الله لأوليائه ، وما أُخفى لهم من قرة أعين فلسوف يعلمُ أي بضاعة أضاع!! وبأيّ أمرٍ فرط .. يصرخ بأعلى صوته .. رب أرجعون لعلي أعمل صالحاً فيما تركت .. فيقال له كلا .. فاتقوا الله رحمكم الله، وبادروا وشمروا، وجدوا واجتهدوا .. وأبشروا وأملوا .. {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} ..
ابن آدم عش ما شئت فإنك ميت ، واحبب من شئت فإنك مفارقه ، واعمل ما شئت فإنك مجزي به .. البر لا يبلى ، والذنب لا ينسى ، والديان لا يموت ..
المشاهدات 3073 | التعليقات 2
عبدالله محمد الطوالة
عضو نشط
وجزاك الله يا شيخ زياد .. وجزى كل القائمين والمتابعين لهذا المنتدى المبارك كل خير ..
إنه بيتنا وروضتنا ولا بد للمرء أن يعاود بيته وإن أطال الغيبة ..
زياد الريسي - مدير الإدارة العلمية
بورك فيك شيخ عبدالله ونفع بك.
غبت عنا كثيرا ولم نكن نتعود ذلك منكم وتركت ثغرة لا يسدها غيرك أرجو لكمن التوفيق والسداد.
وجزيتم خيرا على اقتباسكم الجميل ومصداقيتكم الصريحة أثابكم الله وكتب أجركم.
تعديل التعليق