همسات الوداع …

د محمد بن حمد الهاجري
1443/09/24 - 2022/04/25 09:39AM
أما بعد .. معاشر الصائمين .. ها هو شهركم ، قد قرب رحيله ، وأزف تحويله ، فمع بداية  الأسبوع القادم يودعنا هذا الضيفُ الكريم .. شهر كثيرٌ خيره ، عظيم بره، جزيلة ُ بركته . فنسأل الله الذي يسر صيامه وقيامه لنا ، أن يتقبله منا ، وأن يجعله شاهداً لنا لا علينا .
معاشر الصائمين .. ونحن نودع شهرنا الكريم ، هذه همسات الوداع تقول : أحسنوا وداع شهركم .. ضاعفوا الإجتهاد في هذه الليالي ، أكثروا من الذكر ... أكثروا من تلاوة القرآن ... أكثروا من الصلاة ، أكثروا من الصدقات ، أكثروا من تفطير الصائمين ... ففي صحيح مسلم أن رسول الله كان يجتهد في العشر ما لا يجتهد في غيرها0
هذه بساتين الجنان قد تزينت .. هذه نفحات الرحمن قد تنزّلت .. فحري بالغافل أن يعاجل ، وجدير بالمقصر أن يشمر . وإن الجياد الأصيلة إذا قاربت الوصول جدت المسير .
همسات الوداع تقول: اطلبوا الليلةَ العظيمة ، ليلةَ العتق والمباهاة ، ليلةَ القرب والمناجاة ... ليلةَ القدر ، ليلةَ نزول القرآن ، ليلةَ الرحمة والغفران ، ليلةٌ خير من ألف شهر ، ليلةٌ من قامها إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه كما في البخاري من حديث أبي هريرة ... فيا حسرة من فاتته هذه الليلة في سنواته الماضية ، ويا أسفى على من لم يجتهد فيها في الليالي القادمة .
همسات الوداع تقول : ارفعوا عنكم التنازع والخصام فإنه سببٌ في منع الخير وخفائه ففي صحيح البخاري عن عبادة بن الصامت قال: خرج النبي صلى الله عليه وسلم ليخبرنا ليلة القدر فتلاحى " أي تخاصم وتنازع " رجلان من المسلمين، فقال: " خرجت لأخبركم بليلة القدر، فتلاحى فلان وفلان فرُفعت ) رواه البخاري 0
همسات الوداع تقول: أحيوا سنة الإعتكاف ، فإن هذه السُنَّة بلسمٌ للقلوب ، ودواءٌ لآفاته .
وقد كان صلى الله عليه وسلم يعتكف هذه العشر ، طلباً لليلة القدر .
همسات الوداع تقول: استغلوا ما بقي من شهركم ... فقد ذهب معظمه .. ولا يعلم أحدكم هل سيصوم هذا الشهر في أعوامه القادمة أم سيكون في حفرة مظلمة من فوقه تراب ومن تحته تراب وعن يمينه تراب وعن شماله تراب ، ليس له أنيس ولا جليس إلا عمله الصالح .
همسات الوداع تقول : لا تفسدوا صفو الليالي ببعض المعكرات التي تفسد الجنان ... وتجلبُ الأحزان ... وتؤنبُ الضمائر ... وتقلقُ الخواطر ... فلقد اعتكف بعض الناس في هذه الليالي في الأسواق ومحلاتها ، وتهافتوا على المراكزِ التجارية ومسابقاتِها ، وتسمروا أمام القنوات وشاشاتها .
فيا لله .. ماذا قدموا للآخرة؟ ماذا قدموا للقبور وظلماتها ، والقيامة وعرصاتها ، والنار ودركاتها ، والجنة ودرجاتها .
همسات الوداع تقول: القبول القبول ، فقد كان السلف رحمهم الله يجتهدون في إتمام العمل وإكماله ، فإذا عملوا كانت قلوبهم وجلة خائفة من أن يرد عليهم عملهم ، كانوا ما قال الله (يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة انهم إلى ربهم راجعون) .
ومن هم أهل القبول؟ إنهم الذين وصفهم الله (إنما يتقبل الله من المتقين) جعلنا الله وإياكم منهم .
ويا ليت شعري من المقبول منا فنهنيه ، ومن المطرود منا فنعزيه .
فيا أيها المقبول هنيئاً لك بقبول الله وإحسانه ، ورحمته وغفرانه ، وثوابه ورضوانه .. ويا أيها المطرود بعصيانه ، وغفلته وخسرانه، لقد عظمت مصيبتك بغضب الله وهوانه.
يا هذا .. متى يُغفَر لمن لا يُغفَر له في هذا الشهر؟ ومتى يقبل من رُد في ليلة القدر؟
متى يتوب من لم يتب في رمضان؟ ومتى يصلح من فيه من الجهل والغفلة مرضان؟ فتب إلى ربك ، واستدرك ما بقي من شهرك ، وابك على خطيئتك ، لعلك تلحق بركب المقبولين .
همسات الوداع تقول: إذا مد الله في أعماركم ، وأدركتم يوم عيدكم ، فاشكروا الله بإكمال عدة شهركم .
فاتقوا الله ربكم .. وسلوه من فضله في ختام شهركم ، و(سابقوا إلى مغفرة من ربكم ، وجنة عرضها كعرض السماء والأرض أعدت للذين آمنوا بالله ورسله ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم )
أقول ما سمعوت وأستغفر الله العظيم .
 
الخطبة الثانية :
 
عباد الله .. هذه همسة الوداع الأخيرة تقول: جبر الله قلوبكم بفراق رمضان .. وتجاوز عن ما سلف وكان ، من الذنوب والعصيان .
ترحلت يا شهر الصيام بصومنا#وقد كنت أنواراً بكل مكان
لئن فنيت أيامك الزهر بغتة#فما الحزن من قلبي عليك بفان
عليك سلام الله كن شاهداً لنا#بخير رعاك الله من رمضان
إن القلب ليحزن ، والعين لتدمع ، ونحن نودع هذا الشهر الكريم ، الذي فيه المساجد تعمر ، والآيات تذكر ، والقلوب تجبر ، والذنوب تغفر .
فيا شهرنا .. أتراك تعود بعدها إلينا؟ أو يدركنا الموت فلا تؤول إلينا؟
مساجدنا فيك معمورة ، ومصابحنا فيك مشهورة، فالآن تنطفيء المصابيح ، وتنقطع التراويح ، ونرجع إلى العادة ، ونفارق شهر العبادة .
شهرَ رمضان ترفق ، دموع المحبين تدفق، قلوبهم من ألم الفراق تشقق ، عسى وقفةٌ للوداع تطفيء من نار الشوق ما أحرق ، عسى ساعةُ توبة وإقلاع ترفو من الصيام ما تخرق ، عسى منقطعٌ عن ركب المقبولين يَلحق ، عسى أسيرُ الأوزار يُطلق ، عسى من استوجب النار يُعتق .
عسى وعسى من قبل يوم التفرق#إلى كل مانرجو من الخيرنلتقي
فيُجبَر مكسور ويُقبَل تائب# ويُعتَق خطاء ويُسعَد من شقي
اللهم صل على محمد وعلى آل محمد ....
اللهم اجعل هذا الشهر شاهداً لنا ، وحجة لنا لا حجة علينا ، اللهم إن كان في سابق علمك أن تجمعنا في مثله فأحسن عملنا فيه ، وإن قضيت بقطع آجالنا فأحسن الخلافة على باقينا ، وأوسع الرحمة على ماضينا ، وعمنا برحمتك وغفرانك ، واجعل الموعد بحبوح جنتك ورضوانك .
المشاهدات 1034 | التعليقات 0