هل يجوز تهنئة أهل الكتاب بأعيادهم؟ وهل يجوز مشاركتهم في الاحتفال بها أو معاونتهم في ذ

احمد ابوبكر
1435/02/15 - 2013/12/18 13:46PM
هل يجوز تهنئة أهل الكتاب بأعيادهم؟ وهل يجوز مشاركتهم في الاحتفال بها أو معاونتهم في ذلك؟

إن لكل أهل دين عيدًا يعظمونه ويحتفلون به بناء على ما يناسب معتقداتهم وفكرهم، فالأعياد تعدّ جزء من الشعائر التي تميز أهل الأديان بعضهم عن بعض، بل تعد من أهم شعاراتهم وخصائصهم المعلنة.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إِنَّ لِكُلِّ قَوْمٍ عِيدًا وَهَذَا عِيدُنَا"([1]).

ولذلك كانت تهنئة أهل الكتاب بأعيادهم الدينية المختصة بهم من أكبر الكبائر، بل ربما كانت من الكفر إن اشتملت على إقرار على معتقداتهم الكفرية ومذاهبهم الشركية التي يجب إنكارها والتبرؤ منها.

أما مشاركتهم في هذه الأعياد أو الاحتفال معهم أو إعانهم على هذا الاحتفال بأي نوع من أنواع الإعانة فهو أشد حرمة من مجرد التهنئة؛ لأنه من التشبه بالكفار، والإعانة على الكفر والشرك، والتعاون على الإثم والعدوان، وهذا مما نهى الله عنه وحرمه أشد التحريم.

قال الله تعالى: "وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ" [المائدة:2].

وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من تشبه بقوم فهو منهم"([2]).


قال ابن القيم رحمه الله تعالى: "وأما التهنئة بشعائر الكفر المختصة به فحرام بالاتفاق، مثل أن يهنئهم بأعيادهم وصومهم، فيقول: عيد مبارك عليك، أو تهنأ بهذا العيد ونحوه، فهذا إن سلم قائله من الكفر فهو من المحرمات، وهو بمنزلة أن يهنئه بسجوده للصليب، بل ذلك أعظم إثماً عند الله، وأشد مقتاً من التهنئة بشرب الخمر وقتل النفس وارتكاب الفرج الحرام ونحوه.

وكثير ممن لا قدر للدين عنده يقع في ذلك، ولا يدري قبح ما فعل، فمن هنّأ عبداً بمعصية أو بدعة أو كفر فقد تعرض لمقت الله وسخطه.

وقد كان أهل الورع من أهل العلم يتجنبون تهنئة الظلمة بالولايات، وتهنئة الجهال بمنصب القضاء والتدريس والإفتاء تجنبًا لمقت الله وسقوطهم من عينه.. "([3]).

قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى: "وإنما كانت تهنئة الكفار بأعيادهم الدينية حرامًا وبهذه المثابة التي ذكرها ابن القيم؛ لأن فيها إقراراً لما هم عليه من شعائر الكفر، ورِضىً به لهم، وإن كان هو لا يرضى بهذا الكفر لنفسه، لكن يَحرم على المسلم أن يَرضى بشعائر الكفر أو يُهنئ بها غيره ؛ لأن الله تعالى لا يرضى بذلك ، كما قال تعالى: (إِن تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنكُمْ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِن تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ).

وقال تعالى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا).

وتهنئتهم بذلك حرام سواء كانوا مشاركين للشخص في العمل أم لا.

وإذا هنئونا بأعيادهم فإننا لا نُجيبهم على ذلك؛ لأنها ليست بأعياد لنا ، ولأنها أعياد لا يرضاها الله تعالى، لأنها أعياد مبتدعة في دينهم ، وإما مشروعة لكن نُسِخت بدين الإسلام الذي بَعَث الله به محمداً صلى الله عليه وسلم إلى جميع الخلق ، وقال فيه : (وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ).

وإجابة المسلم دعوتهم بهذه المناسبة حرام؛ لأن هذا أعظم من تهنئتهم بها لما في ذلك من مشاركتهم فيها.

وكذلك يَحرم على المسلمين التّشبّه بالكفار بإقامة الحفلات بهذه المناسبة، أوتبادل الهدايا، أو توزيع الحلوى، أو أطباق الطعام، أو تعطيل الأعمال ونحو ذلك، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ تشبّه بقوم فهو منهم).

قال شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه"اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم": (مُشابهتهم في بعض أعيادهم تُوجب سرور قلوبهم بما هم عليه من الباطل، وربما أطمعهم ذلك في انتهاز الفرص واستذلال الضعفاء). انتهى كلامه رحمه الله.

ومَنْ فَعَل شيئا من ذلك فهو آثم سواء فَعَلَه مُجاملة أو تَودّداً أو حياءً أو لغير ذلك من الأسباب؛ لأنه من المُداهنة في دين الله، ومن أسباب تقوية نفوس الكفار وفخرهم بِدينهم.

والله المسئول أن يُعزّ المسلمين بِدِينهم، ويرزقهم الثبات عليه، وينصرهم على أعدائهم، إنه قويٌّ عزيز"([4]).

وسئلت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء:

هل يجوز للمسلم أن يشارك مع المسيحيين في أعيادهم المعروفة بـ (الكريسماس) الذي ينعقد آخر شهر ديسمبر أم لا؟عندنا بعض الناس ينسبون لهم مناسبة بالعلم لكنهم يجلسون في مجالس المسيحيين في عيدهم ويقولون بجوازه، فهل قولهم هذا صحيح أم لا؟ وهل لهم دليل شرعي على جوازه أم لا؟

فأجابت اللجنة:

"لا تجوز مشاركة النصارى في أعيادهم ولو شاركهم فيها من ينتسب إلى العلم لما في ذلك من تكثير عددهم، ولا تجوز للمسلم تهنئة النصارى بأعيادهم لأن في ذلك تعاوناً على الإثم وقد نهينا عنه، قال تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) [المائدة:2] "([5]).

وفي فتوى أخرى قالت اللجنة الدائمة:

"لا يجوز للمسلم تهنئة النصارى بأعيادهم؛ لأن في ذلك تعاوناً على الإثم وقد نهينا عنه، قال تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) [المائدة:2] .

كما أن فيه تودداً إليهم وطلباً لمحبتهم وإشعاراً بالرضى عنهم وعن شعائرهم وهذا لا يجوز، بل الواجب إظهار العداوة لهم، وتبيين بغضهم؛ لأنهم يحادون الله جل وعلا ويشركون معه غيره، ويجعلون له صاحبة وولداً.

قال تعالى: (لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آَبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ ) [المجادلة:22].

وقال تعالى: (قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآَءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ) [الممتحنة:4].

وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم"([6]).

وسئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى عمن يفعل من المسلمين مثل طعام النصارى في النيروز، ويفعل سائر المواسم مثل الغطاس , والميلاد، وخميس العدس وسبت النور، ومن يبيعهم شيئًا يستعينون به على أعيادهم: أيجوز للمسلمين أن يفعلوا شيئًا من ذلك ؟ أم لا ؟

فأجاب : "الحمد لله، لا يحل للمسلمين أن يتشبهوا بهم في شيء مما يختص بأعيادهم لا من طعام ولا لباس، ولا اغتسال، ولا إيقاد نيران، ولا تبطيل عادة من معيشة أو عبادة وغير ذلك .

ولا يحل فعل وليمة ولا الإهداء ولا البيع بما يستعان به على ذلك لأجل ذلك، ولا تمكين الصبيان ونحوهم من اللعب الذي في الأعياد ولا إظهار زينة.

وبالجملة ليس لهم أن يخصوا أعيادهم بشيء من شعائرهم بل يكون يوم عيدهم عند المسلمين كسائر الأيام ، لا يخصه المسلمون بشيء من خصائصهم ...

وأما تخصيصه بما تقدم ذكره، فلا نزاع فيه بين العلماء؛ بل قد ذهب طائفة من العلماء إلى كفر من يفعل هذه الأمور لما فيها من تعظيم شعائر الكفر.

وقال طائفة منهم: من ذبح نطيحة يوم عيدهم فكأنما ذبح خنزيرًا .

وقال عبد الله بن عمرو بن العاص: من تأسى ببلاد الأعاجم وصنع نيروزهم ومهرجانهم، وتشبه بهم حتى يموت وهو كذلك حشر معهم يوم القيامة.

وفي سنن أبي داود عن ثابت بن الضحاك قال: نذر رجل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينحر إبلا ببوانة فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إني نذرت أن أنحر إبلاً ببوانة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: هل كان فيها من وثن يعبد من دون الله من أوثان الجاهلية ؟ قال: لا، قال: فهل كان فيها عيد من أعيادهم ؟ قال : لا، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أوف بنذرك فإنه لا وفاء لنذر في معصية الله، ولا فيما لا يملك ابن آدم ).

فلم يأذن النبي صلى الله عليه وسلم لهذا الرجل أن يوفي بنذره ، مع أن الأصل في الوفاء أن يكون واجبًا ، حتى أخبره أنه لم يكن بها عيد من أعياد الكفار، وقال : ( لا وفاء لنذر في معصية الله ).

فإذا كان الذبح بمكان كان فيه عيدهم معصية، فكيف بمشاركتهم في نفس العيد ؟

بل قد شرط عليهم أمير المومنين عمر بن الخطاب والصحابة وسائر أئمة المسلمين أن لا يظهروا أعيادهم في دار المسلمين وإنما يعملونها سرًا في مساكنهم ، فكيف إذا أظهرها المسلمون أنفسهم ؟

حتى قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : ( لا تتعلموا رطانة الأعاجم، ولا تدخلوا على المشركين في كنائسهم يوم عيدهم، فإن السخط ينزل عليهم) .

وإذا كان الداخل لفرجة أو غيرها منهيًا عن ذلك؛ لأن السخط ينزل عليهم، فكيف بمن يفعل ما يسخط الله به عليهم مما هي من شعائر دينهم ؟!

وقد قال غير واحد من السلف في قوله تعالى : (وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ) [الفرقان:72]، قالوا: أعياد الكفار.

فإذا كان هذا في شهودها من غير فعل،, فكيف بالأفعال التي هي من خصائصها؟!

وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم ، في المسند والسنن ، أنه قال : (من تشبه بقوم فهو منهم ) وفي لفظ : ( ليس منا من تشبه بغيرنا ) وهو حديث جيد؛ فإذا كان هذا في التشبه بهم، وإن كان من العادات، فكيف التشبه بهم فيما هو أبلغ من ذلك ؟"([7]).

وللأسف الشديد فقد ابتلينا في زماننا بافتتان الجهال من المسلمين بأعياد الكفار ومشاركتهم لهم فيها، حتى تراهم يعلقون الزينات ويتبادلون التهاني ويرسلون بطاقات التهنئة، ويقيمون الاحتفالات ربما بما يزيد عن احتفالهم بأعياد المسلمين.

والأدهى من ذلك أن يشارك في مثل هذه الاحتفالات الكفرية أناس ينسبون أنفسهم للعلم والدعوة، فيَضِلّون في أنفسهم ويُضِلون غيرهم، ويكونون فتنة لعوام المسلمين الذين يغترون بهذا الباطل.

فمن معلوم أن المسلمين ليس لهم أعياد سوى عيدي الفطر والأضحى، وعيد الأسبوع الذي هو يوم الجمعة، وأي احتفال بعيد آخر فهو ممنوع.

فعن أنس رضي الله عنه قال: "قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما، فقال: ما هذان اليومان؟ قالوا: كنا نلعب فيهما في الجاهلية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله قد أبدلكم بهما خيرًا منهما يوم الأضحى، ويوم الفطر"([8]).

جاء في عون المعبود: "فيه دليل على أن تعظيم النيروز والمهرجان وغيرها من أعياد الكفار منهي عنه"([9]).

فالاحتفال بغير أعياد المسلمين بدعة مذمومة، وتشبه بالكفار الذين أمرنا بمخالفتهم ، وإظهار لشعار الكفر الذي أمرنا بخفضه، وإعزاز وإكرام لأهل الشرك والضلال الذين أمرنا بجعلهم صاغرين خاضعين، وأمرنا بالبراءة منهم ومن معتقداتهم ودينهم، كما أنه رفع للمنكر الذي أمرنا بإنكاره والتبرؤ منه.

والواجب على المسلم ألا يخص أيام أعياد الكفار بأي شيء من مظاهر لاحتفال أو الزينة أو الطعام، وإلا كان مشاركًا ومشابهًا للكفار في أعيادهم، ومن تشبه بقوم فهو منهم.

جاء في فتاوى اللجنة الدائمة: "لا يجوز للمسلم أن يشارك الكفار في أعيادهم، ويظهر الفرح والسرور بهذه المناسبة، ويعطل الأعمال سواء كانت دينية أو دنيوية؛ لأن هذا من مشابهة أعداء الله المحرمة، ومن التعاون معهم على الباطل، وقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : (من تشبه بقوم فهو منهم ) والله سبحانه وتعالى يقول: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) "([10]).

هل يجوز تهنئة النصارى بعيد ميلاد المسيح لأن الاحتفال بميلاده لا يشتمل على معتقد كفري؟

لا يجوز تهنئة النصارى بعيد ميلاد المسيح كما يزعم البعض لأسباب منها:

الأول: أنه لم يثبت عندنا نحن المسلمين موعد ميلاد المسيح بشكل موثق يمكن الاعتماد عليه، بل إن النصارى أنفسهم مختلفون في موعد مولده.

الثاني: أنه لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا أحد من أصحابه رضي الله عنهم، ولا أحد من أئمة المسلمين المعتبرين أنه احتفل بعيد ميلاد نبي من أنبياء الله، أو أنه هنأ اليهود بميلاد موسى عليه السلام، أو هنأ النصارى بميلاد عيسى عليه السلام، بل لم يكن من هديهم الاحتفال بمولد النبي محمد صلى الله عليه وسلم ولا التهنئة بذكرى هذا المولد، ولو كان هذا من الخير لسبقونا إليه ودلونا عليه.

الثالث: أن اختصاص النصارى بالتهنئة بعيد ميلاد المسيح يتضمن شهادة لهم بأنهم أتباعه وخاصته، وهذا منكر باطل.

فمن المعلوم من الدين ضرورة أننا أولى بالمسيح من النصارى، وأن المسيح عيسى ابن مريم عليه السلام بريء من النصارى، وما أحدثوه من بعده من كفر وضلال وشرك، وأنه سيأتي عليه السلام في آخر الزمان ليكسر صليبهم ويقتل خنزيرهم، ويضع الجزية عنهم فلا يقبل منهم غير الإسلام.

قال الله سبحانه وتعالى: "وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ . مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ" [المائدة: 116-117].

وعن سعيد بن المسيب أنه سمع أبا هريرة رضي الله عنه يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "والذي نفسي بيده ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم حكمًا مقسطًا، فيكسر الصليب، ويقتل الخنزير، ويضع الجزية .."([11]).

الرابع: أننا لا نسلم بأن احتفال النصارى بميلاد المسيح لا يشتمل على معتقد كفري؛ فهم لا يعتقدون في المسيح ما يعتقده المسلمون أنه نبي من عند الله، وأن ميلاده هو مولد نبي بطريق معجز من أنثى بغير ذكر.

وإنما يقولون أن المسيح هو الله، أو ابن الله، أو أنه الله الظاهر في الجسد كما يدعون تعالى الله عما يقولون.

ومن ثم كان ميلاده هو جزء من عقيدة التجسد ثم الفداء والصلب، وهي بلا ريب عقائد شركية كفرية مشتملة على سب لله عز وجل.

فالواجب على المسلم البراءة من هذه المعتقدات الكفرية وإظهار بغضه لها، والإنكار على النصارى فيما ينسبونه زورًا وبهتانًا لنبي الله عيسى عليه السلام، لا تطييب خاطرهم وإدخال السرور على قلوبهم بما يعتقدون؛ فإن في إشعارهم بأنهم أتباع المسيح وخاصته خيانة لله ورسله ودينه، وفتنة للنصارى أنفسهم وتثبيتًا لهم على معتقدهم ودينهم الباطل.

هل يجوز تهنئة أهل الكتاب بمناسبات الخاصة الدنيوية؟

يجوز تهنئة أهل الكتاب من غير المحاربين بالمناسبات الخاصة الدنيوية كالزواج، وإنجاب مولود، والنجاح في المدرسة أو الجامعة، أو شفاء من مرض، ونحو ذلك مما لا علاقة له بدينهم ومعتقدهم، لاسيما إذا كان في هذه التهنئة تأليف للقلوب على الإسلام، وإظهار لمحاسنه.

قال الله تعالى: "لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ. إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ" [الممتحنة: 8-9].

لكن ينبغي ألا تشتمل هذه التهنئة على ألفاظ يفهم منها إقرار على معتقد باطل، أو رضى بالكفر، أو تثبيت للكافر على معتقده الضال.

قال ابن القيم: "تهنئتهم – أي أهل الذمة - بزوجة أو ولد أو قدوم غائب أو عافية أو سلامة من مكروه ونحو ذلك، قد اختلفت الرواية في ذلك عن أحمد فأباحها مرة ومنعها أخرى، والكلام فيها كالكلام في التعزية والعيادة ولا فرق بينهما، ولكن ليحذر الوقوع فيما يقع فيه الجهال من الألفاظ التي تدل على رضاه بدينه، كما يقول أحدهم : متعك الله بدينك أو نيحك فيه ، أو يقول له: أعزك الله أو أكرمك إلا أن يقول: أكرمك الله بالإسلام وأعزك به ونحو ذلك ، فهذا في التهنئة بالأمور المشتركة"([12]).


([1]) أخرجه البخاري (952)، ومسلم (892).

([2]) أخرجه أبو داود (4031)، وقال ابن تيمية في مجموع الفتاوى (25/331) : إسناده جيد، وصححه الحافظ العرافي في تخريج الإحياء (1/359) وصحح ابن حجر إسناده في فتح الباري والألباني في صحيح أبي داود (4031).

([3]) أحكام أهل الذمة ص152.



([4]) مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين (3/45-46).



([5]) فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإرشاد (2/77).



([6]) فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإرشاد (3/436).



([7]) مجموع الفتاوى (25/329-332)، وانظر: الفتاوى الكبرى (2/487).



([8]) أخرجه أبو داود (1134)، والنسائي (1556) وصحح ابن حجر إسناده في بلوغ المرام، وصححه الألباني في صحيح أبي داود.

([9]) عون المعبود في شرح أبي داود (6/87).

([10]) فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإرشاد (2/73).



([11]) أخرجه البخاري (2222)، ومسلم (155).



([12]) أحكام أهل الذمة ص152.
المشاهدات 1521 | التعليقات 0