( هَلْ تَدْرِي حَقَّ اللهِ عَلَى عِبَادِهِ )
مبارك العشوان 1
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
أَمَّا بَعْدُ: فَقَدْ رَوَى البُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: كُنْتُ رِدْفَ النَّبِيِّ صَلى الله عَلَيهِ وسَلمَ عَلَى حِمَارٍ، يُقَالُ لَهُ: عُفَيْرٌ، فَقَالَ: ( يَا مُعَاذُ، هَلْ تَدْرِي حَقَّ اللهِ عَلَى عِبَادِهِ، وَمَا حَقُّ العِبَادِ عَلَى اللهِ؟ قُلْتُ: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: فَإِنَّ حَقَّ اللهِ عَلَى العِبَادِ أَنْ يَعْبُدُوهُ، وَلَا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَحَقَّ العِبَادِ عَلَى اللهِ أَنْ لَا يُعَذِّبَ مَنْ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَفَلَا أُبَشِّرُ بِهِ النَّاسَ؟ قَالَ: لَا تُبَشِّرْهُمْ، فَيَتَّكِلُوا ).
عِبَادَ اللهِ: حَقُّ اللهِ تَعَالَى أَعْظَمُ الحُقُوقِ، وَأَجَلُّهَا وَأَوْجَبُهَا. وَمَا خَلَقَ اللهُ العِبَادِ إِلَّا لِيَعْبُدُوهُ، وَلَا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا؛ قَالَ تَعَالَى: { وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ }.
وَمَا مِنْ نَبِيٍّ إلَّا أمَرَ قَوْمَهُ بِالتَّوْحِيْدِ، وَحَذَّرَهُمُ الشِّرْكَ؛ قَالَ نُوحٌ لِقَومِهِ: { اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ }المؤمنون 23 وَقَالَهَا هُودٌ، وَصَالِحٌ، وَشُعَيْبٌ، عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ. وَقَالَ اللهُ تَعَالَى: { وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ }.
يَقُولُ السَّعْدِيُّ رَحِمَهُ اللهُ: فَكُلُّ الرُّسُلِ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ مَعَ كُتُبِهِمْ، زُبْدَةُ رِسَالَتِهِمْ وَأَصْلُهَا، الأَمْرُ بِعِبَادَةِ اللهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيْكَ لَهُ، وَبَيَانُ أَنَّهُ الْإِلَهُ الحَقُّ المَعْبُودُ، وَأَنَّ عِبَادَةَ مَا سِوَاهُ بَاطِلَةٌ. اهـ
عِبَادَ اللهِ: وَلِعِظَمِ التَّوحِيدِ؛ قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ لِمُعَاذٍ حِيْنَ بَعَثَهُ لليَمَنِ: ( فَلْيَكُنْ أَوَّلَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ عِبَادَةُ اللهِ ) رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ. وَفِي لَفْظٍ: ( أَنْ يُوَحِّدُوا اللهَ تَعَالَى ).
بِالتَّوْحِيدِ تَحْيَا القُلُوبُ، وَيُخْرَجُ مِنَ الظُّلُمَاتِ إلَى النُّورِ؛ قَالَ تَعَالَى: { أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا }الأنعام122
وَلَقْدْ بُعِثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فِي أُمَّةٍ أُمِيَّةٍ، يَعِيْشُونَ الجَهْلَ العَظِيْمَ، وَالضَّلَالَ المُبِينَ؛ عَبَدُوا الأَشْجَارَ وَالأحْجَارَ، وَقَتَلُوا أوْلَادَهُمْ خَشْيَةَ الفَقْرِ وَالعَارِ.
دَعَاهُم صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ إِلَى تَوْحِيْدِ اللهِ؛ فَهَدَى اللهُ بِهِ أَقْوَامًا؛ وَأَخْرَجَهُمْ بِهِ مِنَ العَمَى إِلَى الهُدَى، وَمِنْ ضِيْقِ الدُّنْيَا إِلَى سَعَةِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَمِنْ جَوْرِ الأدْيَانِ إِلَى عَدْلِ الإِسْلَامِ، وَمِنْ عِبَادَةِ العِبَادِ إِلَى عِبَادَةِ رَبِّ العِبَادِ؛ قَالَ اللهُ تَعَالَى: { هُوَ الّذِي بَعَثَ فِي الاُمّيّينَ رَسُولاً مّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكّيهِمْ وَيُعَلّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مّبِينٍ }الجمعة 2
عِبَادَ اللهِ: التَّوحِيْدُ الخَالِصُ فَلَاحٌ لِصَاحِبِهِ، وَنَجَاةٌ لَهُ مِنْ كُرُبَاتِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَهُوَ سَبَبٌّ لِمَغْفِرَةِ الذُّنُوبِ؛ يَقُولُ ابْنُ رَجَبٍ رَحِمَهُ اللهُ وَهُوَ يَتَحَدَّثُ عَنْ أسْبَابِ المَغْفِرَةِ: التَّوْحِيْدُ: وَهُوَ السَّبَبُ الأَعْظَمُ؛ فَمَنْ فَقَدَهُ فَقَدَ المَغْفِرَةَ وَمَنْ جَاءَ بِهِ فَقَدْ أَتَي بِأَعْظَمِ أسْبَابَ المَغْفِرِةِ. اهـ
التَّوحِيدُ سَبَبٌ لِلْأَمْنِ وَالِاهْتِدَاءِ؛: { الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ } الأنعام 82
التَّوحِيدُ سَبَبٌ لِإِدْرَاكِ شَفَاعَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ؛ فَفِي الحَدِيثِ: ( أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِي يَوْمَ القِيَامَةِ، مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، خَالِصًا مِنْ قَلْبِهِ، أَوْ نَفْسِهِ ) رواه البخاري.
أَهْلُ التَّوحِيدِ لَا يُخَلَّدُونَ فِي النَّارِ؛ وَلَو دَخَلُوهَا بِمَا اقْتَرَفُوا مِنَ الذُّنُوبِ الَّتِي دُونَ الشِّرْكِ؛ يُعَذَّبُونَ فِيْهَا مَا شَاءَ اللهُ؛ ثُمَّ يُخْرَجُونَ؛ وَقَدْ جَاءَ فِي البُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( يَخْرُجُ مِنَ النَّارِ مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَفِي قَلْبِهِ وَزْنُ شَعِيرَةٍ مِنْ خَيْرٍ، وَيَخْرُجُ مِنَ النَّارِ مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَفِي قَلْبِهِ وَزْنُ بُرَّةٍ مِنْ خَيْرٍ، وَيَخْرُجُ مِنَ النَّارِ مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَفِي قَلْبِهِ وَزْنُ ذَرَّةٍ مِنْ خَيْرٍ ). اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الفَوزَ بِالجَنَّةِ وَالنَّجَاةَ مِنَ النَّارِ.
بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ فِي القُرْآنِ العَظِيمِ وَنَفَعَنَا بِمَا فِيهِ مِنَ الآيِ وَالذِّكْرِ الحَكِيمِ، وَأَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ الجَلِيلَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمْ.
الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللهِ.
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ - رَحِمَكُمُ اللهُ - وَاعْلَمُوا أَنَّ التَّوحِيْدَ شَرْطٌ لِقَبُولِ الأَعْمَالِ؛ فَلَا يُقْبَلُ مَعَ الشِّرْكَ عَمَلٌ؛ قَالَ تَعَالَى: { وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ } الزمر 65
وَقَالَ تَعَالَى: { مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ... } إِبْرَاهِيم 18
أَلَا فَلْنَحْرِصْ عَلَى تَحْقِيْقِ التَّوحِيدِ، وَإِخْلَاصِهِ، وَلْنَحْذَرْ مَا يُنَاقِضُهُ أَوْ يُنْقِصُهُ؛ مِنْ كَبِيرِ الشِّرْكِ وَصَغِيرِهِ.
لِنَقْرَأْ فِي كُتُبِ التَّوحِيدِ وَلْنَتَدَارَسْ مَسَائِلَهُ؛ فِي بُيُوتِنَا وَمَجَالِسِنَا، وَمَسَاجِدِنَا، وَلْنَسْأْل أَهْلَ الذِّكْرِ عَمَّا يُشْكِلُ عَلَيْنَا، وَلْيُنَبِّهْ بَعْضُنَا بَعْضًا عَلَى مَا قَدْ يُوجَدُ مِنْ مَظَاهِرِ الشِّرْكِ أَوْ مِنْ وَسَائِلِهِ؛ مِمَّا يَجْهَلُهُ البَعْضُ أَوْ يَسْتَهِينُ بِهِ.
عِبَادَ اللهِ: العِبَادَاتُ كُلُّهَا لِلَّهِ تَعَالَى؛ وَلَا يَجُوزُ صَرْفُ شَيءٍ مِنْهَا لِغَيرِهِ؛ فَلَا يُدْعَى غَيْرُ اللهِ تَعَالَى، لَا مِنَ الأَحْيَاءِ وَلَا مِنَ الأَمْوَاتِ؛ لَا مِنَ الصَّالِحِينَ وَلَا مِنْ غَيْرِهِمْ، وَلَا يُذْبَحُ لِغَيرِ اللهِ، وَلَا يُنْذَرُ لِغَيْرِ اللهِ، وَلَا يُحْلَفُ بِغَيرِ اللهِ، وَلَا يُطَافُ بِقَبْرٍ وَلَا يُتَمَسَّحُ بِهِ.
وَمِمَّا يَجِبُ الحَذَرُ مِنْهُ: الذَّهَابُ لِلسَّحَرَةِ، أَوْ تَصْدِيقُهُمْ، أوْ سُؤَالُهُمْ أوِ الدُّخُولُ إِلَى مَوَاقِعِهِمْ.
وَمِمَّا يَجِبُ الحَذَرُ مِنْهُ: الرِّيَاءُ وَإِرَادَةُ الدُّنْيَا بِعَمَلِ الآخِرَةِ.
أَسْأَلُ اللهَ تَعَالَى أَنْ يُصْلِحَ لَنَا دِينَنَا الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِنَا، وَدُنْيَانَا الَّتِي فِيهَا مَعَاشُنَا، وَآخِرَتَنَا الَّتِي فِيهَا مَعَادُنَا.
ثُمَّ صَلُّوا وَسَلِّمُوا - رَحِمَكُمُ اللهُ - عَلَى مَنْ أَمَرَكُمُ اللهُ بِالصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ عَلَيهِ؛ فَقَالَ سُبْحَانَهُ: { إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا }الأحزاب 56
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، اللهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ.
اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإسْلَامَ وَالمُسْلِمِينَ، اللَّهُمَّ وَانْصُرْ عِبَادَكَ المُوَحِّدِينَ، اللَّهُمَّ وَعَلَيكَ بِأَعْدَئِكَ يَا قَوِيُّ يَا عَزِيزُ.
اللَّهُمَّ أصْلِحْ أئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُورِنَا، اللَّهُمَّ وَفِّقْ وُلَاةَ أمْرِنَا لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى، اللَّهُمَّ خُذْ بِنَوَاصِيهِمْ لِلْبِرِّ وَالتَّقْوَى، اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا وَإِيَّاهُمْ لِهُدَاكَ، واجْعَلْ عَمَلَنَا فِي رِضَاكَ، اللَّهُمَّ مَنْ أَرَادَنَا وَدِينَنَا وَبِلَادَنَا بِسُوءٍ فَرُدَّ كَيْدَهُ إِلَيهِ، وَاجْعَلْ تَدْبِيرَهُ تَدْمِيرًا عَلَيهِ، يَا قَوِيُّ يَا عَزِيزُ.
عِبَادَ اللهِ: اُذْكُرُوا اللهَ العَلِيَّ الْعَظِيْمَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشْكُرُوهُ عَلَى نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ وَلَذِكْرُ اللهِ أكْبَرُ وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.
شبيب القحطاني
عضو نشطجزاك الله خيرا
تعديل التعليق